موسوعة أصول الفقه

المَسألةُ الأولى: تَعريفُ العَزيمةِ


أوَّلًا: تعريفُ العزيمةِ لُغةً
العَزيمةُ في اللُّغةِ مَأخوذةٌ مِنَ العَزمِ، وهو القَصدُ المُؤَكَّدُ، وما عَقَدَ عليه القَلبُ أنَّك فاعِلُه، أو مِن أمرٍ تيَقَّنتَه، وعَزيمةٌ مَصدَرُ عَزمَ، يُقالُ: عَزَمَ على الأمرِ يَعزِمُ، واعتَزَمَه واعتَزَمَ عليه: أرادَ فِعلَه، وأصلُ (عَزم) يَدُلُّ على القَطعِ [971] يُنظر: ((العين)) للخليل (1/363)، ((تهذيب اللغة)) للأزهري (2/90)، ((الصحاح)) للجوهري (5/1985)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (4/308) ، ((لسان العرب)) لابن منظور (12/ 399). .
ثانيًا: تعريفُ العزيمةِ اصطِلاحًا
اختَلَفت عِباراتُ الأُصوليِّينَ في تَعريفِ العَزيمةِ نَظَرًا لاختِلافِهم فيما يَندَرِجُ تَحتَها مِن أقسامٍ، والتَّعريفُ المُختارُ للعَزيمةِ أنَّها: الحُكمُ الثَّابتُ لدَليلٍ شَرعيٍّ خالٍ عن مُعارِضٍ [972] يُنظر: ((شرح مختصر الروضة) للطوفي (1/457)، ((منهاج الوصول)) للبيضاوي (ص: 58)، ((البحر المحيط)) للزركشي (2/30). ويُنظر: ((شرح مختصر أصول الفقه)) للجراعي (1/457)، ((التحبير)) للمرداوي (3/1115). .
وقيلَ هي: عِبارةٌ عَمَّا لَزِمَ العِبادَ بإلزامِ اللهِ تعالى [973] يُنظر: ((الإحكام)) للآمدي (1/ 131). .
وقيلَ هي: طَلَبُ الفِعلِ مَعَ عَدَمِ اشتِهارِ المانِعِ الشَّرعيِّ [974] يُنظر: ((تنقيح الفصول)) للقرافي (ص: 87). .
شَرحُ التَّعريفِ المُختارِ وبيانُ مُحتَرَزاتِه:
- كَلِمةُ "الحُكم": جِنسٌ في التَّعريفِ يَشمَلُ جَميعَ الأحكامِ.
- كَلِمةُ "الثَّابت": قيدٌ أخرَجَ الحُكمَ المَنسوخَ، فلا يُسَمَّى عَزيمةً.
- عبارةُ "لدَليلٍ شَرعيٍّ": قيدٌ أخرَجَ الحُكمَ الثَّابتَ بدَليلٍ عَقليٍّ، فلا تُستَعمَلُ فيه الرُّخصةُ والعَزيمةُ، وشَمِل التَّعريفُ الواجِبَ وغيرَه مِنَ الأحكامِ التَّكليفيَّةِ.
- عبارةُ "خالٍ عن مُعارِضٍ": احتِرازٌ مِمَّا ثَبَتَ بدَليلٍ شَرعيٍّ، لَكِنْ لذلك الدَّليلِ مُعارِضٌ مُساوٍ أو راجِحٌ؛ لأنَّه إن كان المُعارِضُ مُساويًا لَزِمَ الوقفُ وانتَفتِ العَزيمةُ، ووجَبَ طَلَبُ المُرَجِّحِ الخارِجيِّ، وإن كان راجِحًا لَزِمَ العَمَلُ بمُقتَضاه، وانتَفتِ العَزيمةُ وثَبَتَتِ الرُّخصةُ، كتَحريمِ الميتةِ عِندَ عَدَمِ وُقوعِ مَجاعةٍ، فهو عَزيمةٌ؛ لأنَّه حُكمٌ ثابتٌ لدَليلٍ خالٍ عن مُعارِضٍ، فإذا وُجِدَتِ المَجاعةُ حَصَلَ المُعارِضُ لدَليلِ التَّحريمِ، وهو راجِحٌ عليه حِفظًا للنَّفسِ، فجازَ الأكلُ وحَصَلَتِ الرُّخصةُ [975] يُنظر: ((شرح مختصر الروضة)) للطوفي (1/458). .
ومِن أمثِلةِ العزيمةِ:
وُجوبُ صَومِ رَمَضانَ لغيرِ المُسافِرِ والمَريضِ، الثَّابتُ بقَولِ اللهِ تعالى: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة: 185] .
وتَحريمُ أكلِ الميتةِ مَعَ انعِدامِ وُجودِ مَخمَصةٍ، وذلك ثابتٌ بقَولِ اللهِ تعالى: إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [البقرة: 173] ، ونَحوُ ذلك مِنَ الأحكامِ الثَّابتةِ بدَليلٍ شَرعيٍّ مِن غيرِ مُخالَفةِ دَليلٍ شَرعيٍّ راجِحٍ [976] يُنظر: ((الإحكام)) للآمدي (1/131)، ((نهاية الوصول)) لصفي الدين الهندي (2/682)، ((شرح مختصر أصول الفقه)) للجراعي (1/442)، ((الجامع)) لعبدالكريم النملة (ص:79). .

انظر أيضا: