موسوعة أصول الفقه

المَسألةُ الأولى: حُجِّيَّةُ الأفعالِ النَّبَويَّةِ وحُكمُ التَّأسِّي بالنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في فِعلِه


أفعالُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حُجَّةٌ في الجُملةِ [171] يُنظر: ((الأشباه والنظائر)) لابن السبكي (2/ 160)، ((التحبير)) للمرداوي (3/ 1436)، ((أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم)) لمحمد الأشقر (1/185). قال الآمِديُّ: (مُعظَمُ الأئِمَّةِ مِن الفُقَهاءِ والمُتَكَلِّمينَ مُتَّفِقونَ على أنَّنا مُتَعَبَّدونَ بالتَّأسِّي به في فِعلِه، واجِبًا كان أو مَندوبًا أو مُباحًا). ((الإحكام)) (1/ 186). .
الأدِلَّةُ:
1- قَولُ اللهِ تعالى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا [الأحزاب: 21] .
فهذه الآيةُ الكَريمةُ أصلٌ كَبيرٌ في التَّأسِّي برَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في أقوالِه وأفعالِه وأحوالِه [172] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (6/ 391). . والمُرادُ بها: تَأسَّوا به [173] يُنظر: ((شرح الكوكب المنير)) لابن النجار (2/ 190). .
2- قَولُ اللهِ سُبحانَه: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ [آل عمران: 31] ، وشَبيهٌ بها قَولُ اللهِ تعالى: الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ إلى قَولِه: ... وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [الأعراف: 157-158] .
قال ابنُ تَيميَّةَ: (المُتابَعةُ: أن يَفعَلَ مِثلَ ما فعَل على الوَجهِ الذي فَعَل، فإذا فعَل فِعلًا على وَجهِ العِبادةِ شُرِع لنا أن نَفعَلَه على وَجهِ العِبادةِ، وإذا قَصَدَ تَخصيصَ مَكانٍ أو زَمانٍ بالعِبادةِ خَصَّصناه بذلك) [174] ((مجموع الفتاوى)) (1/ 280). .
3- قَولُ اللهِ عَزَّ وجَلَّ: فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا [الأحزاب: 37] .
فلولا أنَّ اتِّباعَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فيما يَفعَلُه يُفيدُ الحُكمَ الشَّرعيَّ في حَقِّ الأُمَّةِ، لما كان للآيةِ مَعنًى؛ لأنَّ مَعناها: أنَّه يَنتَفي عنهم الحَرَجُ في نِكاحِ مُطَلَّقاتِ أدعيائِهم، بكَونِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم تَزَوَّج مُطَلَّقةَ دَعيِّه، وهذا لا يَتِمُّ ما لم يَكُنْ مُتَقَرِّرًا أنَّ أفعالَه حُجَّةٌ [175] يُنظر: ((الإحكام)) للآمدي (1/176)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (15/ 443- 444)، ((شرح الكوكب المنير)) لابن النجار (2/ 190). .
4- الإجماعُ:
ومِمَّن ذَكَرَ الإجماعَ على ذلك: أبو الحُسَينِ البَصريُّ [176] قال: (لا خِلافَ بَينَ الأُمَّةِ في الاستِدلالِ بأفعالِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على الأحكامِ). ((المعتمد)) (1/ 347). ، وابنُ العَرَبيِّ [177] قال: (لا خِلافَ بَينَ الأُمَّةِ أنَّ أفعالَ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مَلجَأٌ في المَسألةِ، ومَفزَعٌ في الشَّريعةِ، وبَيانٌ للمُشكِلةِ؛ فقد كانت الصَّحابةُ رَضِيَ اللهُ عنه تَبحَثُ عن أفعالِه كما تَبحَثُ عن أقوالِه، وتَستَقرِئُ جَميعَ حَرَكاتِه وسَكَناتِه، وأكلِه وشُربِه، وقيامِه وجُلوسِه، ونَظَرِه ولُبسِه، ونَومِه ويَقَظَتِه، حتَّى ما كان يَشِذُّ عنهم شَيءٌ مِن سُكونِه ولا حَرَكاتِه، ولو لم يَكُنْ مَلاذًا، ولا وجدَ فيه المُستَعيذُ مُعاذًا، لما كان لتَتبُّعِه مَعنًى، وهذا فَصلٌ لا يَحتاجُ إلى الإطنابِ فيه). ((المحصول)) (ص: 109). ، والأسمنديُّ [178] قال: (اعلَمْ أنَّه لا خِلافَ بَينَ الأُمَّةِ في جَوازِ الاستِدلالِ بأفعالِ النَّبيِّ عليه السَّلامُ على الأحكامِ). ((بذل النظر)) (ص: 504). وقد حُكِيَ الخلافُ في ذلك. يُنظر: ((الإحكام)) للآمدي (1/ 186)، ((أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم)) لمحمد الأشقر (1/185). .
وقال الآمِديُّ: (الصَّحابةُ كانوا مُجمِعينَ على الرُّجوعِ إلى أفعالِه، كرُجوعِهم إلى تَزويجِه لمَيمونةَ وهو حَرامٌ، وفي تَقبيلِه عليه السَّلامُ للحَجَرِ الأسودِ، وجَوازِ تَقبيلِه وهو صائِمٌ، إلى غَيرِ ذلك مِن الوقائِعِ الكَثيرةِ التي لا تُحصى) [179] ((الإحكام)) (1/ 187). .

انظر أيضا: