موسوعة أصول الفقه

المَسألةُ الثَّالثةُ: لا يُشتَرَطُ في الأصلِ المُعيَّنِ دَليلٌ خاصٌّ لجَوازِ القياسِ عليه


لا يُشتَرَطُ في الأصلِ أن يَدُلَّ دَليلٌ خاصٌّ على جَوازِ القياسِ عليه، بَل كُلُّ حُكمٍ انقدَحَ فيه مَعنًى مُخِيلٌ غَلبَ على الظَّنِّ اتِّباعُه فإنَّه يَجوزُ أن يُقاسَ عليه، ولا يُشتَرَطُ قيامُ الدَّلالةِ على جَوازِ القياسِ عليه، ومِمَّن نَصَّ على ذلك: الغَزاليُّ [1115] يُنظر: ((المستصفى)) (ص: 325). ، والرَّازيُّ [1116] يُنظر: ((المحصول)) (5/367). ، والصَّفيُّ الهِنديُّ [1117] يُنظر: ((نهاية الوصول)) (7/3202). ، وابنُ السُّبكيِّ [1118] يُنظر: ((الإبهاج)) (6/2587). .
والدَّليلُ على ذلك مِن ثَلاثةِ أوجُهٍ [1119] يُنظر: ((المستصفى)) للغزالي (ص: 325)، ((المحصول)) للرازي (5/367)، ((نهاية الوصول)) لصفي الدين الهندي (7/3202)، ((الإبهاج)) لابن السبكي ووالده (6/2587). :
1- ما سَبَقَ مِن أدِلَّةِ كَونِ القياسِ حُجَّةً؛ فإنَّها تَدُلُّ على جَوازِ القياسِ على الأصلِ مُطلقًا مِن غَيرِ اعتِبارِ هذا الشَّرطِ.
2- أنَّ الصَّحابةَ رَضِيَ اللهُ عنهم حينَ استَعمَلوا القياسَ لم يَعتَبروا هذا الشَّرطَ؛ لأنَّهم ما بَحَثوا عنه أصلًا في مَوضِعٍ ما، بدَليلِ عَدَمِ نَقلِه.
3- أنَّا إذا ظَنَنَّا كَونَ الحُكمِ في الأصلِ مُعَلَّلًا بوَصفٍ، ثُمَّ عَلِمنا أو ظَنَنَّا حُصولَه في الفرعِ فقد حَصَل الظَّنُّ بأنَّ حُكمَ الفَرعِ مِثلُ حُكمِ الأصلِ، والعَمَلُ بالظَّنِّ واجِبٌ [1120] قال الغَزاليُّ: (العِلَّةُ المُستَنبَطةُ إن كانت مُناسِبةً ومُؤَثِّرةً، فمُناسَبَتُها دَليلٌ على تَرتيبِ الحُكمِ عليها واتِّباعِها أينما وُجِدَت، وهو كافٍ في الدَّلالةِ على جَوازِ القياسِ عَقلًا وشَرعًا. أمَّا العَقلُ: فهو أنَّ المُناسَباتِ تَرجِعُ إلى المَصالحِ وأماراتِها، وكما يُشيرُ العَقلُ إلى اتِّباعِ المَصلحةِ واجتِنابِ المَضَرَّةِ، يُشيرُ أيضًا إلى اجتِنابِ أمارةِ المَضَرَّةِ... وأمَّا الشَّرعُ: فهو أنَّ مُستَنَدَ أمرِ القياسِ الإجماعُ، وقد تَكَلَّموا في مَسائِلَ ورَدُّوها إلى أُصولٍ، ولم يَذكُروا دَليلًا على جَوازِ القياسِ عليها، كاختِلافِهم في قَولِه: أنتِ عليَّ حَرامٌ؛ فمِنهم مَن شَبَّهَه بالإيلاءِ، وجَعَله يَمينًا. ومِنهم مَن جَعَله ظِهارًا؛ تَشبيهًا بقَولِه: أنتِ عليَّ كظَهرِ أُمِّي. ومِنهم مَن جَعَله طَلاقًا ثَلاثًا، تَحقيقًا لكَمالِ التَّحريمِ. ومِنهم مَن جَعَله طَلاقًا واحِدًا، اكتِفاءً بأصلِ التَّحريمِ. وإن لم تَكُنِ العِلَّةُ مُناسِبةً بَل كانت مِن قَبيلِ العَلاماتِ الحاصِرةِ لمَجرى الحُكمِ؛ كالطَّعمِ والكَيلِ، فلا يَبعُدُ فيه التَّوقُّفُ على قيامِ الدَّليلِ على أنَّ الحُكمَ غَيرُ مَخصوصٍ بالمَنصوصِ عليه؛ مِثلُ ظُهورِ الإجماعِ على تَعَدِّي الرِّبا إلى الرُّطَبِ والدَّقيقِ، فإن لم يَقُمْ مِثلُ هذا الدَّليلِ ففي جَوازِ تَعَدِّي الحَصرِ بالاسمِ إلى الحَصرِ بوَصفٍ مُتَعَدٍّ نَظَرٌ. والأظهَرُ جَوازُ ذلك). ((شفاء الغليل)) (ص: 640). .

انظر أيضا: