موسوعة أصول الفقه

المَسألةُ الحاديةَ عَشرةَ: تَعليلُ أكثَرَ مِن حُكمٍ بعِلَّةٍ واحِدةٍ:


المُرادُ بذلك: أنَّ العِلَّةَ الواحِدةَ الشَّرعيَّةَ تَكونُ عِلَّةً لحُكمَينِ شَرعيَّينِ [1511] يُنظر: ((الإحكام)) للآمدي (3/238). .
مِثالُ ذلك: الإحرامُ عِلَّةٌ لتَحريمِ الوطءِ والطِّيبِ ولُبسِ المَخيطِ وغَيرِ ذلك [1512] يُنظر: ((رفع النقاب)) للشوشاوي (5/410). .
وكذلك حُرمةُ الرَّضاعِ والقَرابةِ يوجِبانِ تَحريمَ النِّكاحِ، وإباحةَ الخَلوةِ، والحَيضُ عِلَّةٌ لتَحريمِ وَطءِ الزَّوجِ في الفَرجِ، وإباحةِ الأكلِ في نَهارِ رَمَضانَ، وهو موجِبٌ للغُسلِ، وإسقاطِ إيجابِ الصَّلاةِ رَأسًا [1513] يُنظر: ((الواضح)) لابن عقيل (1/381)، ((رفع الحاجب)) لابن السبكي (4/287). .
حُكمُ تَعليلِ أكثَرَ مِن حُكمٍ بعِلَّةٍ واحِدةٍ:
يَجوزُ تَعليلُ أكثَرَ مِن حُكمٍ بعِلَّةٍ واحِدةٍ مُطلقًا، فالعِلَّةُ الشَّرعيَّةُ يَجوزُ أن تُثبِتَ حُكمَينِ مُختَلفينِ فأكثَرَ. وهو قَولُ جُمهورِ الأُصوليِّينَ [1514] يُنظر: ((الفوائد السنية)) للبرماوي (4/1922)، ((التحبير)) للمرداوي (7/3261). .
سَواءٌ كان ذلك في الإثباتِ أو في النَّفيِ:
فمِن الإثباتِ: السَّرِقةُ؛ فإنَّها عِلَّةٌ في القَطعِ؛ لمُناسَبةِ زَجرِ السَّارِقِ حتَّى لا يَعودَ، وفي غَرامةِ المالِ المَسروقِ لصاحِبِه؛ لمُناسَبَتِه لجَبرِه.
ومِن العِلَّةِ في النَّفيِ: الحَيضُ؛ فإنَّه عِلَّةٌ لمَنعِ الصَّلاةِ، والطَّوافِ، وقِراءةِ القُرآنِ، ومَسِّ المُصحَفِ، ووَطئِها، وطَلاقِ الزَّوجِ، وغَيرِ ذلك؛ لمُناسَبَتِه للمَنعِ مِن كُلِّ ذلك [1515] يُنظر: ((تشنيف المسامع)) للزركشي (3/233)، ((الفوائد السنية)) للبرماوي (4/1922)، ((التحبير)) للمرداوي (7/3261)، ((شرح الكوكب المنير)) لابن النجار (4/77). .
ويَدخُلُ في إطلاقِ الجُمهورِ أنَّه قد يُعَلَّلُ بها حُكمانِ مُختَلفانِ غَيرُ مُتَضادَّينِ، كالحَيضِ؛ فإنَّه يُحرِّمُ الوطءَ ومَسَّ المُصحَفِ، ونَحوَه، وكالإحرامِ المانِعِ مِن النِّكاحِ والصَّيدِ والطِّيبِ، وأخذِ الشَّعرِ والأظفارِ.
وقد يُعَلَّلُ بها حُكمانِ مُختَلفانِ مُتَضادَّانِ، ولكِن بشَرطَينِ مُتَضادَّينِ، كالجِسمِ؛ فإنَّه يَكونُ عِلَّةً للسُّكونِ بشَرطِ البَقاءِ في الحَيِّزِ، وعِلَّةً للحَرَكةِ بشَرطِ الانتِقالِ عنه، ومَثَّلوا له بما يَكونُ مُبطِلًا لعَقدٍ مُصَحِّحًا لآخَرَ، كالتَّأبيدِ في الإجارةِ والبَيعِ [1516] يُنظر: ((البحر المحيط)) للزركشي (7/233)، ((شرح الكوكب المنير)) لابن النجار (4/78) وإنَّما اعتُبرَ فيه الشَّرطانِ؛ لأنَّه لا يُمكِنُ اقتِضاءُ العِلَّةِ لهما بدونِ ذلك؛ لئَلَّا يَلزَمَ اجتِماعُ الضِّدَّينِ، وهو مُحالٌ. .
الأدِلَّةُ على جَوازِ تَعليلِ أكثَرَ مِن حُكمٍ بعِلَّةٍ واحِدةٍ مُطلقًا:
1- الوُقوعُ، كالسَّرِقةِ؛ فإنَّها عِلَّةٌ للقَطعِ زَجرًا للسَّارِقِ عن العَودِ، ولأمثالِه عن الإتيانِ بمِثلِ ما أتى، والتَّغريمِ جَبرًا لصاحِبِ المالِ، وإذا ثَبَتَ الوُقوعُ فالجَوازُ أَولى [1517] يُنظر: ((الدرر اللوامع)) للكوراني (3/247). .
2- أنَّه لا يَمتَنِعُ أن يَكونَ الوَصفُ الواحِدُ باعِثًا على حُكمَينِ مُختَلفينِ، أي: مُناسِبًا لهما بأمرٍ مُشتَرَكٍ بَينَهما، كمُناسَبةِ الرِّبا والشُّربِ للحَدِّ والتَّحريمِ [1518] يُنظر: ((البحر المحيط)) للزركشي (7/233). .
وقيل: لا يَجوزُ مُطلَقًا [1519] يُنظر: ((البحر المحيط)) للزركشي (7/233)، ((الغيث الهامع)) لأبي زرعة العراقي (ص: 549). .
وقيل: يَجوزُ إن لم يَتَضادَّا كالحَيضِ لتَحريمِ الصَّلاةِ والصَّومِ، ولا يَجوزُ إن تَضادَّا كأن يَكونَ مُبطِلًا لبَعضِ العُقودِ مُصَحِّحًا لبَعضِها، كالتَّأبيدِ يُصَحِّحُ البَيعَ ويُبطِلُ الإجارةَ [1520] يُنظر: ((الغيث الهامع)) لأبي زرعة العراقي (ص: 549)، ((التقرير والتحبير)) لابن أمير الحاج (3/184)، ((الدرر اللوامع)) للكوراني (3/248). .

انظر أيضا: