موسوعة أصول الفقه

المَسألةُ الثَّانيةَ عَشرةَ: التَّعليلُ بالوَصفِ العُرفيِّ


الوَصفُ العُرفيُّ هو: الوصفُ الذي لا يَختَلِفُ باختِلافِ الأوقاتِ [1521] يُنظر: ((غاية الوصول)) لزكريا الأنصاري (ص120). .
ومِثالُه: الشَّرَفُ والخِسَّةُ والدَّناءةُ، والكَمالُ والنُّقصانُ، كما في الكَفاءةِ وغَيرِها؛ فإنَّ الشَّرَفَ يُناسِبُ التَّعظيمَ والتَّكريمَ والإهانةَ، والخِسَّةَ تُناسِبُ ضِدَّ هذه الأحكامِ [1522] يُنظر: ((شرح مختصر الروضة)) للطوفي (3/441)، ((نهاية السول)) للإسنوي (ص: 348)، ((تشنيف المسامع)) للزركشي (3/210). .
حُكمُ التَّعليلِ بالوَصفِ العُرفيِّ:
يَجوزُ التَّعليلُ بالوَصفِ العُرفيِّ بشَرطَينِ:
الشَّرطُ الأوَّلُ: أن يَكونَ الوَصفُ العُرفيُّ مَضبوطًا مُتَمَيِّزًا عن غَيرِه؛ ليُمكِنَ تَعديةُ الحُكمِ بسَبَبِه؛ لأنَّ التَّعليلَ بالشَّيءِ فرعُ تَمييزِه عن غَيرِه، ولا يَكونُ ذلك إلَّا عِندَ تَمامِ التَّصَوُّرِ للوَصفِ المُعَلَّلِ به، وإذا لم يَتَمَيَّزِ الوصفُ العُرفيُّ عن غَيرِه لم يَصِحَّ تَصَوُّرُه، وإذا لم يَصِحَّ تَصَوُّرُه لم يَصِحَّ التَّعليلُ به؛ لأنَّ الحُكمَ به فَرعُ تَصَوُّرِه [1523] يُنظر: ((المحصول)) للرازي (5/305)، ((شرح تنقيح الفصول)) للقرافي (408)، ((نهاية الوصول)) لصفي الدين الهندي (8/3512). .
والشَّرطُ الثَّاني: أن يَكونَ الوَصفُ العُرفيُّ مُطَّرِدًا، أي: إذا وُجِدَ هذا الوصفُ وُجِدَ حُكمُه. بمَعنى أن يَكونَ الوَصفُ قد وُجِدَ في جَميعِ الأزمانِ، ولا يَختَلفُ باختِلافِ الأوقاتِ، وإنَّما اشتُرِطَ الاطِّرادُ؛ لأمرَينِ:
أوَّلُهما: أنَّ الحُكمَ إذا لم يوجَدْ في جَميعِ صُوَرِ ذلك الوَصفِ، وقد وُجِدَ الحُكمُ مَعَه وبدونِه، فإنَّ هذا نَقضٌ للعِلَّةِ، وهو مِن مُبطِلاتِها؛ لأنَّه يَدُلُّ على عَدَمِ اعتِبارِ ذلك الوَصفِ.
ثانيهما: أنَّ العُرفَ لو لم يَكُنْ مُطَّرِدًا لجازَ أن يَكونَ ذلك العُرفُ حاصِلًا في عَصرٍ، وغَيرَ حاصِلٍ في غَيرِه، وهذا لا يَجعَلُه صالحًا للتَّعليلِ به.
فلا بُدَّ مِن اطِّرادِه؛ ليُعلَمَ حُصولُه في زَمانِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أو حُصولُ الإجماعِ عليه؛ فإنَّه إن لم يَطَّرِدْ في كُلِّ الأوقاتِ، أو في كُلِّ الأقطارِ لم يُعلَمْ ذلك، ولجاز ألَّا يَكونَ ذلك العُرفُ حاصِلًا في زَمانِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وحينَئِذٍ لا يَجوزُ التَّعليلُ به [1524] يُنظر: ((المحصول)) للرازي (5/305)، ((نهاية الوصول)) لصفي الدين الهندي (8/3512)، ((الفوائد السنية)) للبرماوي (4/1896)، ((رفع النقاب)) للشوشاوي (5/426)، ((نشر البنود)) لعبد الله الشنقيطي (2/134). .
وقد يُعلَمُ وُجودُ الوَصفِ في زَمانِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ثُمَّ يُعلَمُ انقِطاعُه، ثُمَّ يُعلَمُ وجودُه في زَمانِنا، فيَتَّجِهُ القياسُ مَعَ عَدَمِ عُمومِه في الأوقاتِ [1525] يُنظر: ((نفائس الأصول)) للقرافي (8/3521). .
الدَّليلُ على جَوازِ التَّعليلِ بالوَصفِ العُرفيِّ:
التَّعليلُ بالوَصفِ العُرفيِّ جائِزٌ لوُجودِ المُناسَبةِ؛ فالمُناسَبةُ -والتي هيَ شَرطٌ أساسيٌّ في التَّعليلِ- مَوجودةٌ في تلك الأوصافِ العُرفيَّةِ، فمَثَلًا: الشَّرَفُ يُناسِبُ الإكرامَ، وتَحريمَ الإهانةِ، ووُجوبَ المُحافَظةِ، والخِسَّةُ تُناسِبُ ضِدَّ تلك الأحكامِ [1526] يُنظر: ((شرح تنقيح الفصول)) للقرافي (408)، ((الفوائد السنية)) للبرماوي (4/1896)، ((رفع النقاب)) للشوشاوي (5/426)، ((الجامع)) لعبد الكريم النملة (ص: 368). .

انظر أيضا: