موسوعة أصول الفقه

الفَرعُ التَّاسِعُ: أقسامُ القياسِ باعتِبارِ الصِّحَّةِ والفَسادِ


يَنقَسِمُ القياسُ بهذا الاعتِبارِ إلى ثَلاثةِ أقسامٍ: صحيحٌ، وفاسِدٌ، ومُتَرَدِّدٌ بَينَهما [1628] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (19/288)، ((معالم أصول الفقه عند أهل السنة)) للجيزاني (ص: 184). .
فمِن القياسِ ما يُعلَمُ صِحَّتُه، ومِنه ما يُعلَمُ فسادُه، ومِنه ما لم يَتَبَيَّنْ أمرُه [1629] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (19/288). .
القِسمُ الأوَّلُ: الصَّحيحُ: هو ما جاءَت به الشَّريعةُ في الكِتابِ والسُّنَّةِ، وهو الجَمعُ بَينَ المُتَماثِلَينِ، بأن تَكونَ العِلَّة مَوجودةً في الفرعِ مِن غَيرِ مُعارِضٍ يَمنَعُ حُكمَها، كالقياسِ بإلغاءِ الفارِقِ [1630] يُنظر: ((إعلام الموقعين)) لابن القيم (2/234)، ((معالم أصول الفقه عند أهل السنة)) للجيزاني (ص: 184). .
والقياسُ الصَّحيحُ نَوعانِ:
النَّوعُ الأوَّلُ: أن يُنَصَّ على حُكمٍ لمَعنًى مِن المَعاني، ويَكونَ ذلك المَعنى مَوجودًا في غَيرِه، فإذا قامَ دَليلٌ مِن الأدِلَّةِ على أنَّ الحُكمَ مُتَعَلِّقٌ بالمَعنى المُشتَرَكِ بَينَ الأصلِ والفَرعِ سُوِّيَ بَينَهما [1631] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (19/286). .
النَّوعُ الثَّاني: القياسُ بإلغاءِ الفارِقِ: وهو أن يُعلَمَ أنَّه لا فارِقَ بَينَ الفرعِ والأصلِ إلَّا فَرقٌ غَيرُ مُؤَثِّرٍ في الشَّرعِ، كما جاءَ عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه سُئِلَ عن فأرةٍ وقَعَت في سَمنٍ، فقال: ((ألقُوها وما حَولَها فاطرَحوه، وكُلوا سَمنَكُم)) [1632] أخرجه البخاري (235) من حديثِ مَيمونةَ أُمِّ المُؤمِنينَ رَضِيَ اللهُ عنها. ، وقد أجمعَ المُسلِمونَ على أنَّ هذا الحُكمَ ليسَ مُختَصًّا بتلك الفأرةِ وذلك السَّمنِ؛ فلهذا قال جَماهيرُ العُلماءِ: أيُّ نَجاسةٍ وقَعَت في دُهنٍ مِن الأدهانِ، كالفأرةِ التي تَقَعُ في الزَّيتِ، وكالهِرِّ الذي يَقَعُ في السَّمنِ: فحُكمُها حُكمُ تلك الفأرةِ التي وقَعَت في السَّمنِ [1633] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (19/285). .
القِسمُ الثَّاني: الفاسِدُ: وهو التَّسويةُ بَينَ الأصلِ والفَرعِ في الحُكمِ مَعَ افتِراقِهما فيما يَقتَضي الحُكمَ أو يَمنَعُه، فهذا هو القياسُ الفاسِدُ الذي جاءَ الشَّرعُ دائِمًا بإبطالِه، كما أبطَل قياسَ الرِّبا على البَيعِ، وقياسَ المَيتةِ على المُذَكَّى [1634] يُنظر: ((إعلام الموقعين)) لابن القيم (2/271). .
وكُلُّ قياسٍ دَلَّ النَّصُّ على فسادِه فهو فاسِدٌ، وكُلُّ مَن ألحَقَ مَنصوصًا بمَنصوصٍ يُخالفُ حُكمَه فقياسُه فاسِدٌ، وكُلُّ مَن سَوَّى بَينَ شَيئَينِ أو فَرَّق بَينَ شَيئَينِ بغَيرِ الأوصافِ المُعتَبَرةِ في حُكمِ اللهِ ورَسولِه، فقياسُه فاسِدٌ [1635] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (19/287). .
القِسمُ الثَّالثُ: القياسُ المُتَرَدِّدُ بَينَ الصِّحَّةِ والفسادِ، فلا يُقطَعُ بصِحَّتِه ولا بفسادِه، فهذا يُتَوقَّفُ فيه حتَّى يَتَبَيَّنَ الحالُ، فيَقومُ الدَّليلُ على الصِّحَّةِ أو الفسادِ.
فلفظُ القياسِ إذَن لفظٌ مُجمَلٌ، يَدخُلُ فيه الصَّحيحُ والفاسِدُ؛ لذلك لا يَصِحُّ إطلاقُ القَولِ بصِحَّتِه أو ببُطلانِه.
ولهذا تَجِدُ في كلامِ السَّلَفِ ذَمَّ القياسِ، وأنَّه ليسَ مِن الدِّينِ، وتَجِدُ في كلامِهم أيضًا استِعمالَه والاستِدلالَ به، وكِلاهما حَقٌّ.
فمُرادُ مَن ذَمَّه: القياسُ الباطِلُ، ومُرادُ مَن استَعمَله واستَدَلَّ به: القياسُ الصَّحيحُ [1636] يُنظر: ((معالم أصول الفقه عند أهل السنة)) للجيزاني (ص: 184). .

انظر أيضا: