موسوعة أصول الفقه

الفرعُ الثَّاني: تَعريفُ الأُصولِ اصطِلاحًا


يُطلقُ "الأصلُ" في اصطِلاحِ العُلَماءِ على عِدَّةِ مَعانٍ:
الأوَّلُ: المَقيسُ عليه، وهو ما يُقابلُ الفرعَ في بابِ القياسِ، مِثلُ قَولِهم: الخَمرُ أصلُ النَّبيذِ، على مَعنى أنَّ الخَمرَ مَقيسٌ عليها النَّبيذُ في الحُرمةِ.
الثَّاني: القاعِدةُ المُستَمِرَّةُ، مِثلُ قَولِهم: إباحةُ أكلِ لَحمِ المَيتةِ للمُضطَرِّ على خِلافِ الأصلِ، أي: على خِلافِ القاعِدةِ المُستَمِرَّةِ مِن تَحريمِ أكلِها.
الثَّالثُ: الرُّجحانُ، أي: الرَّاجِحُ مِنَ الأمرَينِ، مِثلُ قَولِهم: الأصلُ في الكَلامِ الحَقيقةُ، أي: الرَّاجِحُ عِندَ السَّامِعِ حَملُ الكَلامِ على الحَقيقةِ لا المَجازِ، عِندَ عَدَمِ القَرينةِ الصَّارِفةِ.
الرَّابعُ: الدَّليلُ، مِثلُ قَولِهم: أصلُ هذه المَسألةِ مِنَ الكِتابِ والسُّنَّةِ، أي: دَليلُها؛ فقَولُ اللهِ تعالى: (أَقِيمُوا الصَّلَاةَ) [الأنعام: 72] أصلٌ لوُجوبِ الصَّلاةِ، أي: دَليلُ وُجوبِها. ويُقالُ: أصلُ هذه المَسألةِ الإجماعُ، أي: دَليلُها الإجماعُ. وبهذا المَعنى قيلَ: أُصولُ الفِقهِ، أي: أدلَّتُه؛ لأنَّ الفِقهَ يَنبَني على الأدِلَّةِ [7] يُنظر: ((نفائس الأصول)) للقرافي (1/ 156- 157)، ((شرح المعالم)) للتلمساني (1/ 174)، ((البحر المحيط)) للزركشي (1/ 27)، ((الأشباه والنظائر)) لابن الملقن (1/ 40)، ((نهاية السول)) للإسنوي (ص: 8)، ((التحبير)) للمرداوي (1/ 152- 153)، ((شرح الكوكب المنير)) لابن النجار (1/ 39- 40)، ((الوجيز في أصول الفقه)) لزيدان (ص:17- 18)، مقدمة ((رفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب)) لابن السبكي (1/ 91- 92). .
وبَعضُ الأُصوليِّينَ أضاف مَعنًى خامِسًا، وهو: المُستَصحَبُ، مِثلُ قَولِهم: الأصلُ الطَّهارةُ لِمَن كان مُتَيَقِّنًا مِنها، ويَشُكُّ في الحَدَثِ، أي تُستَصحَبُ الطَّهارةُ حَتَّى يَثبُتَ عَكسُها [8] يُنظر: ((الأشباه والنظائر)) لابن الملقن (1/ 40)، مقدمة ((رفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب لابن السبكي)) (1/ 91- 92). ويُنظر أيضًا: ((البحر المحيط)) للزركشي (1/ 27). وزاد الزَّركَشيُّ ثَلاثةَ مَعانٍ أُخرى: وهيَ التَّعَبُّدُ، كقَولِهم: إيجابُ الطَّهارةِ بخُروجِ الخارِجِ على خِلافِ الأصلِ. يُريدونَ أنَّه لا يَهتَدي إليه القياسُ. والمَعنى الثَّاني: الغالبُ في الشَّرعِ، ولا يُمكِنُ ذلك إلَّا باستِقراءِ مَوارِدِ الشَّرعِ. والثَّالثُ: المَخرَجُ، كَقَولِ الفَرضيَّينِ: أصلُ المَسألةِ مِن كَذا. يُنظر: ((البحر المحيط)) (1/ 27). ويُنظر أيضًا: ((الشامل)) لعبدالكريم النملة (1/85- 87). .
وأقرَبُ هذه المَعاني للأصلِ هنا هو الرَّابعُ، وأنَّه بمَعنى الدَّليلِ [9] يُنظر: ((التحبير)) للمرداوي (1/ 152)، ((شرح الكوكب المنير)) لابن النجار (1/ 39)، ((الوجيز)) لزيدان (1/ 18)، ((أصول الفقه)) لعياض السلمي (ص: 15). ؛ وذلك لموافقَتِه لتَعريفِ الأصلِ لُغةً (ما يَنبَني عليه غَيرُه)؛ لأنَّ الأحكامَ بُنيَت على الأدِلَّةِ، ولأنَّه جامِعٌ لجَميعِ أدِلَّةِ الشَّريعةِ المُتَّفَقِ عليها والمُختَلَفِ فيها، وكَذا تَدخُلُ فيه القَواعِدُ الكُلِّيَّةُ الأُصوليَّةُ [10] يُنظر: ((الشامل)) لعبدالكريم النملة (1/84-87). .

انظر أيضا: