موسوعة أصول الفقه

الفرعُ السَّادِسُ: تَطبيقاتٌ على التَّأويلِ الصَّحيحِ


قال الزَّركَشيُّ: (جَرَت عادةُ الأُصوليِّينَ بذِكرِ ضُروبٍ مِنَ التَّأويلاتِ هاهنا كالرِّياضةِ للأفهامِ؛ ليَتَمَيَّزَ الصَّحيحُ منها عنِ الفاسِدِ، حتَّى يُقاسَ عليها ويَتَمَرَّنَ النَّاظِرُ فيها) [435] ((البحر المحيط)) (5/44). .
ومِن هذه التَّطبيقاتِ ما يَلي [436] يُنظر: ((المهذب) لعبد الكريم النملة (3/1211، 1212). :
1- قَولُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إذا كَفَّرَ الرَّجُلُ أخاه فقد باءَ بها أحَدُهما)) [437] أخرجه البخاري (6104)، ومسلم (60) واللَّفظُ له من حديثِ عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما. .
فقد أوَّلَه كَثيرٌ مِنَ العُلَماءِ على أنَّ مَعناه: أنَّه رَجَعَت عليه نَقيصَتُه لأخيه، ومَعصيةُ تَكفيرِه، فليس المُرادُ ظاهِرَه، وهو أنَّه يَكفُرُ، ودَليلُ ذلك أنَّه لا يَكفُرُ المُسلِمُ بالمَعاصي كالقَتلِ والزِّنا، وكذا قَولُه لأخيه: يا كافِرُ، مِن غَيرِ اعتِقادِ بُطلانِ دينِ الإسلامِ.
2- قَولُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((يَقطَعُ صَلاتَه الحِمارُ والمَرأةُ والكَلبُ الأسوَدُ)) [438] أخرجه مسلم (510) من حديثِ أبي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عنه. .
فقد أوَّلَه جُمهورُ العُلَماءِ على أنَّ مُرورَ هذه المَذكوراتِ لا تُبطِلُ الصَّلاةَ، وقالوا: إنَّ المُرادَ بالقَطعِ هنا نَقصُ الصَّلاةِ؛ لشَغلِ القَلبِ بهذه الأشياءِ، وليس المُرادُ إبطالَها، أي: أنَّ المُرادَ بالقَطعِ عنِ الخُشوعِ والذِّكرِ للشَّغلِ بها والِالتِفاتِ إليها، لا أنَّها تُفسِدُ الصَّلاةُ.
3- قَولُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لا يَدخُلُ الجَنَّةَ نَمَّامٌ)) [439] أخرجه مسلم (105) من حديثِ حُذَيفةَ بنِ اليَمانِ رَضِيَ اللهُ عنه. .
فقد أوَّلَه كَثيرٌ مِنَ العُلَماءِ على أنَّ المُرادَ: لا يَدخُلُ الجَنَّةَ دُخولَ الفائِزينَ.
4- قَولُه تعالى: فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ ظاهِرُ اللَّفظِ أن يُستَعاذَ بَعدَ القِراءةِ؛ لأنَّ الفاءَ تَقتَضي التَّرتيبَ، لَكِنَّ جُمهورَ الأُمَّةِ على أنَّ الاستِعاذةَ قَبلَ القِراءةِ، وتَأويلُ الآيةِ: إذا أرَدتَ قِراءةَ القُرآنِ فاستَعِذْ باللهِ [440] يُنظر: ((تفسير ابن جزي)) (1/ 435). .
5- قَولُه تعالى: نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ المُرادُ بالنِّسيانِ هنا: التَّركُ عَمدًا، مَعناها: تَرَكوا أوامِرَ اللهِ وجَعَلوها وراءَ ظُهورِهم.
فَنَسِيَهُمْ اللَّهُ، تَرَكَهمُ اللهُ مِن كُلِّ خَيرٍ، ومِن كُلِّ ثَوابٍ. والعَرَبُ تُطلِقُ النِّسيانَ على التَّركِ عَمدًا، ومِنه قَولُه: نَسِيَهُمْ أي: اللهُ، تَرَكَهم مِن كُلِّ خَيرٍ، ومِن كُلِّ ثَوابٍ. واللهُ (جَلَّ وعَلا) يَستَحيلُ في حَقِّه النِّسيانُ الذي هو ذَهابُ الشَّيءِ عنِ العِلمِ، فمَعنى نَسِيَهُمْ: تَرَكَهم عَمدًا وإرادةً؛ لأنَّ اللَّهَ -جَلَّ وعَلا- لا يَنسى، كما قال تعالى: لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى [طه: 52] ، وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا [مريم: 64] [441] يُنظر: ((العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير)) (5/ 622). .

انظر أيضا: