موسوعة أصول الفقه

الفرعُ الثَّاني: ما يَدخُلُه البَيانُ


كُلُّ لَفظٍ أمكَنَ استِعمالُه على ظاهرِه وحَقيقَتِه، ولَم يَقتَرِنْ إليه ما يَمنَعُ استِعمالَ حُكمِه على مُقتَضى لَفظِه، فغَيرُ مُحتاجٍ إلى البَيانِ، إلَّا أن يُريدَ به المُخاطَبُ بَعضَ ما انتَظَمَه، أو كان مُرادُه غَيرَ حَقيقَتِه، فيَحتاجُ إلى بَيانِ المُرادِ به.
ومِن أمثِلةِ ذلك: قَولُ اللهِ تعالى: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا [البقرة: 275] ، وقَولُه: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ [النساء: 23] فهذه ألفاظٌ مَعانيها مَعقولةٌ ظاهرةٌ.
وكُلُّ لَفظٍ لا يُمكِنُ استِعمالُ حُكمِه إمَّا لأنَّه مُجمَلٌ في نَفسِه، أو لأنَّه اقتَرَنَ به ما جَعَلَه في مَعنى المُجمَلِ، فهو مُفتَقِرٌ إلى البَيانِ [508] يُنظر: ((الفصول)) للجصاص (2/27). .
فالذي يَدخُلُه البَيانُ: المُجمَلُ، والعامُّ، والمَجازُ، والمُشتَرَكُ، والفِعلُ المُتَرَدِّدُ، والمُطلَقُ [509] يُنظر: ((إرشاد الفحول)) للشوكاني (2/26). .
فالمُجمَلُ يَحتاجُ إلى البَيانِ؛ لأنَّه لا يُفهمُ المُرادُ مَن لَفظِه، فيَفتَقِرُ إلى البَيانِ؛ لنَعلَمَ به المُرادَ [510] يُنظر: ((إحكام الفصول)) للباجي (1/307)، ((قواطع الأدلة)) للسمعاني (1/263). .
ومِثالُ ذلك: قَولُ اللهِ تعالى: وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا [الإسراء: 33] .
والسُّلطانُ هو الحُجَّةُ، وحُجَّةُ وَليِّ المَقتولِ غَيرُ مَعلومةٍ عقلًا، وإنَّما هيَ ما يَجعَلُه الشَّرعُ حُجَّةً له، وقد يَصِحُّ جَعلُ حُجَّتِه فِعلَ قاتِلِ وَليِّه، ويَصِحُّ جَعلُها أخَذَ ديَتِه، أو غَيرَ ذلك مِمَّا يُجَوِّزُ العَقلُ وُرودَ السَّمعِ به. فإذا وصَلَه بقَولِه تعالى: فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ بَيَّنَ بذلك أنَّ السُّلطانَ الذي جَعَلَه تعالى للوليِّ: قَتلُ قاتِلِ ولَيِّه بغَيرِ سَرَفٍ، فالسُّلطانُ هاهنا: القَتلُ، ويَجوزُ أن يَكونَ أخْذَ الدِّيةِ، وغَيرَ ذلك، فيَحتاجُ إلى بَيانٍ [511] يُنظر: ((التقريب والإرشاد)) للباقلاني (3/380)، ((إحكام الفصول)) للباجي (1/307). .
وقد سَبَقَ بَيانُ أسبابِ الإجمالِ، والتَّمثيلُ لها.

انظر أيضا: