غريبُ الكَلِماتِ:
أَأَقْرَرْتُمْ: أأَثْبَتُّم واعترفتُم، وأصلُ الإقرار: إثباتُ الشَّيء، أو التمكُّن، وقرَّ في مكانه: إذا ثبَت ثبوتًا جامدًا يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/7)، ((المفردات)) للراغب (ص: 662)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 97). .
أَأَقْرَرْتُمْ: أأَثْبَتُّم واعترفتُم، وأصلُ الإقرار: إثباتُ الشَّيء، أو التمكُّن، وقرَّ في مكانه: إذا ثبَت ثبوتًا جامدًا يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/7)، ((المفردات)) للراغب (ص: 662)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 97). .
قوله: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ... لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ:
لَمَا آتَيْتُكُمْ: قُرِئت لَمَا بفتْحِ اللام وتَخفيفِ الميمِ، و(مَا) شرطيَّة، ودخَلتِ عليها لامُ التَّحقيقِ أو التَّوْطِئة كما تدخُل على (إن) الشرطية إذا كان في جَوابِها القَسمُ كقوله: وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ [الإسراء: 86] ، فتقديرُ لَمَا آتَيْتُكُمْ: لَمَهمَا آتَيْتُكُمْ، أي: أيَّ كتابٍ آتَيْتُكُم لتُؤمنُنَّ به. وموضِعُ (ما) الإعرابيُّ النَّصبُ على المفعولِ به بالفِعلِ الذي بَعدَها، وهو آتَيْتُكُمْ، وهذا الفِعلُ مُستقبلٌ معنًى لكونِه في حَيِّز الشَّرْط، ومَحلُّه الجزمُ في جوابِ الشرط. وجوابُ الشَّرْط مَحذوفٌ؛ لدَلالةِ جوابِ القَسمِ في قوله: لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ عليه، كما سيأتي.
وقيل: إنَّ (مَا) موصولةٌ بمعنى الَّذي، وهي في مَحلِّ رفْع مُبتدأ. واللامُ هي لامُ الابتداء، وقعت جوابًا للقَسمِ المدلولِ عليه مِن معناه أَخَذَ مِيثَاقَ؛ لأنَّه يكون بالأيمانِ والعهود، وجملة آتَيْتُكُمْ صِلة (مَا)، والعائدُ محذوفٌ تقديره: آتيتكموه.
لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ: جوابٌ لقوله: أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ، وجوابُ الشَّرطِ مَحذوفٌ سَدَّ جَوابُ القَسمِ مَسَدَّه، والضميرُ في بِهِ عائدٌ على اسمِ الشَّرْط- على الوجه الأوَّل في (ما) أنَّها شرطيَّة.
وأمَّا على الوجهِ الآخَر أنَّ (ما) موصولةٌ؛ فقوله: لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ: جوابُ قَسَمٍ مقدَّر، وهذا القسَمُ المقدَّر وجوابُه خبرٌ للمبتدأ لَمَا آتَيْتُكُمْ، والهاءُ في بِهِ تَعودُ على المبتدأ، ولا تعودُ على رَسُول؛ لئلَّا يلزمَ خُلوُّ الجملة الواقعة خبرًا من رابطٍ يربطها بالمبتدأ. وفيه أقوالٌ وتفصيلات أخرى.
- وقُرِئت (لِمَا) بكسرِ اللام والتَّخفيف، وعليه؛ فاللامُ للتعليل، وهي حرف جر، و(مَا) حينئذ: مَصدريَّة، والجارُّ والمجرور متعلِّق بـلَتُؤْمِنُنَّ، أو بـأَخَذَ. والتقدير: لأجْل إيتائي إيَّاكم بعضَ الكتاب والحِكمة، ثم لمجيءِ رسولٍ مصدِّقٍ لتؤمننَّ به. أو يكونُ التقديرُ: لأجْلِ إيتائي إيَّاكم كيتَ وكيتَ أخذتُ عليكم الميثاقَ. وفي الكلامِ حذفُ مضافٍ، تقديره: لرِعايةِ ما آتيتُكم. أو تكون (ما) موصولةً بمعنى الذي، ويكونُ عائدُها محذوفًا. وثُمَّ جَاءَكُمْ: عطفٌ على الصِّلة، والرَّابط لها بالموصول: إمَّا محذوفٌ، تقديره: به، وإمَّا لقيامِ الظاهرِ مقامَ المُضمَر، وإمَّا ضميرُ الاستقرارِ الذي تَضمَّنه مَعَكُمْ، وقيل غير ذلك يُنظر: ((معاني القرآن)) للفراء (1/ 225)، ((معاني القراءات)) للأزهري (1/ 266)، ((مشكل إعراب القرآن)) لمكي (1/165- 167)، ((التفسير الوسيط)) للواحدي (1/ 458)، ((تفسير القرطبي)) (4/ 125)، ((التبيان في إعراب القرآن)) للعكبري (1/275)، ((تفسير أبي حيَّان)) (3/ 238)، ((الدر المصون)) للسمين الحلبي (3/284- 290)، ((إعراب القرآن الكريم)) لدعاس (1/146). .
يقولُ اللهُ تبارَك وتعالَى لنبِّيه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: واذكُرْ- يا محمَّدُ- حينما عَهد الله إلى جميعِ الأنبياء، وأخَذ منهم الميثاقَ المؤكَّد، فقال لهم: بسببِ ما امتنَّ به عليهم من إعطائِهم الكتابَ والحِكمة، ثمَّ جاءَهم وجاء مَن يَتْبعهم من الأمم رسولٌ يُقِرُّ بما جاؤوا به ويُصدِّقه- وهو الرَّسول محمَّد صلَّى الله عيه وسلَّم- فيجب عليهم الإيمانُ به وتصديقُه، ونُصرته. ثمَّ قال لهم مؤكِّدًا عليهم ومقرِّرًا لهم: أأقررتُم بهذا الميثاقِ والتزمتُم به، وأخذتُم عهدي ومِيثاقي الشَّديدَ عليه؟ فقال الأنبياءُ جميعُهم: أَقرَرْنا وقَبِلنا. فقال لهم تبارَك وتعالَى: فاشْهدوا على أنفسِكم وعلى أَتْباعِكم من الأمم بذلك، وسأكونُ أنا من الشاهِدين عليكم وعلى أُممكم؛ فمَن أَعرَض وتولَّى بعد ذلك عمَّا عاهَد عليه، فأولئك هم الفاسِقون الخارِجون من دِين اللهِ، والمستكبِرون عن طاعتِه والتِزام أمْره.
وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (81)
وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ.
أي: واذْكُر- يا محمَّدُ وقدَّره ابن جرير: واذْكُروا يا أهلَ الكتاب. ((تفسير ابن جرير)) (5/535). - حينَ أخَذَ اللهُ ميثاقَ جميعِ النَّبيِّين وعَهْدَهم المؤكَّدَ ينظر: ((تفسير ابن جرير)) (5/535)، ((تفسير ابن كثير)) (2/67)، ((تفسير ابن عطية)) (1/463)، ((تفسير ابن عاشور)) (3/297)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (1/461). قال ابن عطيَّة: ويحتمل أن يكون أَخَذَ هذا الميثاق حين أخرج بني آدَمَ مِن ظهْر آدم نسمًا، ويحتمل أن يكون هذا الأخْذ على كلِّ نبيٍّ في زمنه، ووقت بَعْثه، ثم جمع اللَّفظ في حكايةِ الحال في هذه الآية. .
لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ
القِراءاتُ ذاتُ الأثرِ في التَّفسير:
أ- في قوله تعالى لَمَا قِراءتان:
1- (لِمَا) والمعنى: وإذ أخَذ الله ميثاقَ النبيِّين لِلَّذي آتيتُكم، واللَّام متعلِّقة بـ (أخْذ الميثاق)، فالمعنى أخَذَ الميثاقَ لإيتائِه الكِتابَ والحِكمة قرأ بها حمزة. يُنظر: ((النشر)) لابن الجزري (ص: 191). ويُنظر لمعنى هذه القراءة: ((حجة القراءات)) لابن زنجلة (ص:168)، ((الكشف)) لمكي (1/351). .
2- (لَمَا) والمعنى: مهما آتيتُكم، على تأويلِ الجزاء، وجوابه: فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ قرأ بها الباقون. ينظر: ((النشر)) لابن الجزري (ص: 191). ويُنظر لمعنى هذه القراءة: ((حجة القراءات)) لابن زنجلة (ص:168)، ((الكشف)) لمكي (1/351). .
ب- في قوله تعالى: آتَيْتُكُمْ قراءتان:
1- (آتَيْناكُمْ) بلفظ الجمْع، على معنى التعظيمِ لله تبارَك وتعالَى قرأ بها نافع. يُنظر: ((النشر)) لابن الجزري (ص: 191). ويُنظر لمعنى هذه القراءة: ((الحجة)) لابن خالويه (ص: 112)، ((الكشف)) لمكي (1/351). .
2- (آتَيْتُكُمْ) على معنى إخبارِ المتكلِّم بفِعله عن نَفْسِه قرأ بها الباقون. يُنظر: ((النشر)) لابن الجزري (ص: 191). ويُنظر لمعنى هذه القراءة: ((الحجة)) لابن خالويه (ص: 112)، ((الكشف)) لمكي (1/351). .
لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ
أي: لَمَهْمَا أعطيتُكم- أيُّها النَّبيِّون- من كتابٍ وحِكمةٍ ينظر: ((تفسير ابن جرير)) (5/545)، ((تفسير القرطبي)) (4/125)، ((الجواب الصحيح)) لابن تيمية (3/81)، ((تفسير ابن كثير)) (2/67). .
ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ
أي: ثمَّ جاءَكم- أيُّها النَّبيِّون- وجاء أُممَكم وأتْباعَكم رسولٌ يُصدِّق ما معكم من الكتُب وثَمَّةَ معنًى ثانٍ، وهو: أنه يقَعُ مصداقًا لِمَا سبَقه من الكتاب؛ لأنَّ الكتُب أخبرت به، فإذا جاء مطابقًا لما أخبرت به صار مصدقًا لها. فيكون على هذا الوجه شهادة لهذا الكتاب بأنَّه حق، ويكون مع الوجه الأول شهادة بأنَّ الكتُب السابقة حقٌّ؛ لأنَّ الله تعالى يقول في النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَامُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ *الأعراف: 157* فإذا جاء على الوصف الذي جاءتْ به التوراةُ والإنجيل وقع مصداقًا؛ لأنَّها أخبرت بشيءٍ، فجاء هذا الشيءُ فيكون مصدقًا. ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (1/462). ، وهو محمَّدٌ صلَّى الله عليه وسلَّم يُنظر: ((التفسير الوسيط)) للواحدي (1/458)، ((تفسير القرطبي)) (4/125)، ((الزهد والورع والعبادة)) لابن تيمية (ص: 157)، ((هداية الحيارى)) لابن القيِّم (1/315)، ((تفسير ابن كثير)) (2/68)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (1/462). وذهَب عليٌّ وابن عبَّاس رضي الله عنهم إلى أنَّه هذا الميثاق المأخوذ إنَّما هو على الإيمان بمحمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم بينما ذَهَب طاوس والحسنُ البصريُّ إلى أنَّ المراد: أنَّ الله أخَذَ الميثاق على النبيِّين أنْ يُصدِّق بعضهم بعضًا. قال ابنُ كثير: وهذا لا يُضادُّ ما قاله عليٌّ وابن عبَّاس ولا يَنفيه، بل يستلزمه ويَقتضيه. ((تفسير ابن كثير)) (2/67). وقال ابن تيمية: (وقوله: رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ متناول لمحمَّد بالاتِّفاق... وهل يدخل في ذلك غيُره من الرسل؟ فيه قولان قيل: إنَّ الله أخذ ميثاق الأوَّل من الأنبياء أن يُصدِّق الثاني وينصره، وأمره أن يأخذ الميثاق على قومه بذلك، وقيل: بل هذا الرسول هو محمَّد خاصَّةً، وهذا قول الجمهور، وهو الصواب؛ لأنَّ الأنبياء قبله إنما كانتْ دعوتهم خاصَّةً لم يكونوا مبعوثين إلى كلِّ أحد، فإذا لم يدخل في دعوته جميعُ أهل زمنهم ومَن بعدهم؛ كيف يدخل فيها مَن أدركهم من الأنبياء قبلهم؟! والله تعالى قد بعث في كلِّ قوم نبيًّا كما قال تعالى: إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلا فِيهَا نَذِيرٌ وقال: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ، وكذلك قوله: لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ، والنصرة مع الإيمان به هو الجهادُ، ونوح وهود ونحوهم من الرُّسل لم يُؤمَروا بجهاد، ولكن موسى وبنو إسرائيل أُمِروا بالجهاد)، ((الرد على المنطقيين)) (ص: 453). .
لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ
أي: فعليكم أن تؤمنوا به وتصدِّقوه وتنصروه على أعدائه وتُعِينوه على نشْر رسالته ينظر: ((تفسير ابن جرير)) (5/544)، ((الزُّهد والورع والعبادة)) لابن تيمية (ص: 157)، ((تفسير ابن كثير)) (2/67)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (1/463). . ولا يَحْمِلَنَّكم ما آتيتكم من كتاب وحِكمة على أن تَتركوا متابعتَه، أو تستغنوا بما آتيتكم عمَّا جاء به يُنظر: ((دقائق التفسير)) لابن تيمية (1/335). .
وفي الحديث عن جابر بن عبد الله رضِي اللهُ عنهما، أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ قالَ: ((لَو كَانَ أخِي موسى حيًّا، ما وَسِعَه إلَّا اتِّباعي)) أخرجه أحمد (15195)، وابن أبي شَيْبة في ((المصنف)) (26949)، وابن عبد البَرِّ في ((جامع بيان العلم وفضله)) (1497) وصحَّحه ابن الجوزي في ((الموضوعات)) (1/322)، وحسَّنه الألباني بشواهده الكثيرة. وينظر: ((إرواء الغليل)) (1589). .
قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي
أي: اعترفتُم والتزمتُم بذلك الميثاقِ، وأخذتُم عهدي الثَّقيل، ومِيثاقي الشَّديد المؤكَّد، ووصيَّتي بالإيمانِ بهذا الرَّسول ونُصرته، وقَبِلتُم ذلك ورضيتُموه يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (5/545)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (7/396)، ((تفسير ابن كثير)) (2/67)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (1/463). ؟
قَالُوا أَقْرَرْنَا
أي: قالوا: اعتَرفنا وقَبِلنا، والتَزمنا بأنْ نؤمِنَ به ونَنصُره ينظر: ((تفسير ابن جرير)) (5/546)، ((تفسير السعدي)) (ص: 136)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (1/463). .
قَالَ فَاشْهَدُوا
أي: قال اللهُ تعالى للأنبياءِ: فاشَهْدوا على أنفسِكم، وعلى أَتْباعِكم من الأُممِ بذلك ينظر: ((تفسير ابن جرير)) (5/546)، ((تفسير ابن عطية)) (1/466)، ((تفسير السعدي)) (ص: 136). .
وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ
أي: مِن الشَّاهدين عليكم وعلى أُممكم، وكفَى بالله شهيدًا ينظر: ((تفسير ابن جرير)) (5/546)، ((التفسير الوسيط)) للواحدي (1/458)، ((تفسير القرطبي)) (4/126) .
فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ
أي: فمَن تولَّى وأَعْرضَ بعد ذلك عن هذا العهدِ والميثاق، بالإيمانِ بمحمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ واتِّباعِه ونُصْرتِه مِن أُممِ هؤلاءِ الأنبياء يُنظر: ((الوجيز)) للواحدي (ص: 221)، ((تفسير ابن كثير)) (2/67)، ((تفسير السعدي)) (ص: 136،970 .
فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ
أي: فأولئك هم الخارِجونَ مِن دِين الله، والمُعرِضون عن طاعتِه ينظر: ((تفسير ابن جرير)) (5/546)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (1/465). .
1- في أخْذ اللهِ على النَّبيِّين الميثاقَ بالتكليفِ دليلٌ على أنَّهم مَرْبُوبُون، مُتعبَّدون لله عزَّ وجلَّ، كما أنَّ غيرهم كذلك يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (1/470). .
2- في قوله: وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ...: فضيلةُ نبيِّنا محمَّد صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وعلوُّ مرتبتِه، وجلالةُ قدْره، وأنَّه أفضلُ الأنبياء؛ لكونِ اللهِ أَخَذ على جميعِ الأنبياء الميثاقَ والعهدَ أن يُؤمنوا به ويَنصُروه يُنظر: ((دقائق التفسير)) لابن تيمية (1/335)، ((تفسير السعدي)) (ص: 136)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (1/471). .
3- قوله تعالى: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ... خبرٌ، مقصودٌ منه أمرُ الذين كانوا في زمان الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم أن يُؤمنوا به. فإذا دلَّت هذه الآيةُ على أنَّ الله تعالى أوجبَ على جميع الأنبياء أن يُؤمنوا بمحمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم، لو كانوا في الأحياء، وأنَّهم لو ترَكوا ذلك لصاروا من زُمرة الفاسقين، فلأنْ يكونَ الإيمان بمحمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم واجبًا على أُممهم- لو كان ذلك- أَوْلى؛ فكان صَرْفُ هذا الميثاق إلى الأنبياء أقوى في تحصيلِ المطلوب من هذا الوجْه يُنظر: ((تفسير الرازي)) (7/273- 275). .
4- يجوزُ، بل يُشْرَع في الأمور المهمَّة، أنْ يُقَرَّر مَن أُخِذ عليه العهد؛ حتَّى يُقِرَّ ويعترف زيادةً على العقد الأوَّل الَّذي جرَى بينه وبين معاهِده، كما قال تعالى: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ [آل عمران: 81] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (1/472). .
5- في قوله تعالى: قَالَ فَاشْهَدُوا دليلٌ على جواز إشهادِ الإنسان على نفْسِه يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (1/472). .
6- تقويةُ هذا العهدِ بهذه التقريرات والإشهادات المختومةِ بقوله: وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ، ممَّا يَزيد فَضيلةً لرسول اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، أنْ يُؤخذَ مِثلُ هذا العهد المؤكَّدِ بهذه المؤكِّدات من أجْل الإيمان به ونُصرته يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (1/473). .
7- في قوله تعالى: فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ دليلٌ على أنَّ مَن تولَّى قبل قيام الحُجَّة عليه، لم يُحْكَم عليه بالفِسق، ويتفرَّعُ على هذا فائدةٌ مهمَّةٌ، وهي: أنَّ الشرائع لا تَلْزَمُ قبل العِلم يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (1/474). .
8- وجْه الحصرِ في قوله: فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ المبالغة؛ لأنَّ فِسقَهم في هذه الحالة أشدُّ فِسقًا، فجُعِل غيرُه من الفِسق كالعدمِ يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (3/300). .
1- في قوله تعالى: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ...:
- قوله تعالى: آتَيْتُكُمْ أو آتَيْنَاكُمْ فيه: التفاتان؛ أحدهما: الخروجُ من الغَيبة إلى التكلُّم في قوله: آتَيْنَا أو آتَيْتُ؛ لأنَّ قبله ذِكرُ الجلالة المعظَّمة في قوله: وَإِذْ أَخَذَ اللهُ. والثاني: الخروجُ من الغَيبة إلى الخِطاب في قولِه: آتَيْنَاكُمْ؛ لأنَّه قدْ تقدَّمه اسم ظاهرٌ، وهو النَّبيِّينَ؛ إذ لو جرَى على مقتضى تقدُّمِ الجلالة والنبيِّين لكان التركيب: (وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لَمَا آتاهم من كتاب... كذا). وقيل: مِثل هذا لا يُسمَّى التفاتًا، وإنَّما يُسمَّى حِكايةَ الحال، ونظيره قول: حلَف زيدٌ ليفعلن ولأفعلن؛ فالغَيبةُ مراعاةً لتقدُّم الاسم الظاهر، والتكلُّمُ حِكايةً لكلام الحالِف، والآية الكريمة من هذا يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (2/244)، ((الدر المصون)) للسمين الحلبي (2/292). .
- في قوله تعالى: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ...: إيجازٌ بالحذف؛ إذ ذكَر النَّبِيِّينَ على سبيلِ المغايبة، ثم قال: آتَيْتُكُمْ، وهو مخاطبةُ إضمارٍ، والتقدير: وإذ أخذ الله ميثاقَ النبيين، فقال مخاطبًا لهم: لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ. وقيل: تقدير الآية: وإذ أخذ الله ميثاقَ النبيِّين لتُبلغنَّ الناس ما آتيتُكم من كتابٍ وحِكمة، إلَّا أنه حذف (لتبلغن)؛ لدلالةِ الكلامِ عليه؛ لأنَّ لامَ القسمِ إنما تقَعُ على الفِعل؛ فلمَّا دلَّت هذه اللام على هذا الفِعل، حذفَه اختصارًا يُنظر: ((تفسير الرازي)) (7/277). .
2- قوله تعالى: فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ:
- فيه إدخالُ (مع) على المخاطبين؛ لأنَّهم المباشِرون للشَّهادة حقيقةً. وكونُ الله تعالى معهم من الشاهِدين فيه توكيدٌ عظيمٌ للمشهودِ عليه، وتحذيرٌ شديدٌ لِمَن يُخالف مقتضَى هذه الشَّهادة يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (2/26)، ((تفسير أبي حيان)) (2/244)، ((تفسير أبي السعود)) (2/54). .
- وفيه فائدةٌ أخرى- مع التأكيدِ، وتقوية الإلزام- وهي: أنَّه تعالى وإنْ أَشهَد غيرَه، فليس مُحتاجًا إلى ذلك الإشهاد؛ لأنَّه تعالى لا يَخفى عليه خافيةٌ، لكن لضرب من المصلحة؛ لأنَّه سبحانه وتعالى يعلم السِّرَّ وأخفى، ثم إنَّه تعالى ضمَّ إليه تأكيدًا آخر، فقال: فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ يُنظر: ((تفسير الرازي)) (7/279). .