غريبُ الكَلِماتِ:
الدِّينَ: ما يَدين به المرءُ، والطَّاعةُ، والعادةُ، وأصله: الانقيادُ والذُّلُّ يُنظر: ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 226)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/319)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 44). .
الْأُمِّيِّينَ: أي: العرَب، جمْع أُمِّيٍّ، وهو الَّذي لا يَكتُب ولا يَقرأ؛ نِسبةً إلى الأُمِّ؛ لأنَّ الكِتابَ كان في الرِّجال دونَ النِّساء، فنُسِبَ مَن لا يكتُب ولا يَخطُّ من الرِّجال إلى أُمِّه في جَهلِه بالكتابةِ دونَ أبيه، أو مَنْسُوبٌ إلى الأُمَّة الأُميَّة، الَّتي هِي على أَصْلِ وِلاداتِ أُمَّهاتها، لم تتعلَّمِ الكتابةَ ولا قِراءتَها، والأُميَّة: الغَفلةُ والجَهالةُ وقِلَّةُ المعرِفة، وأصْل (أمم): الأَصْلُ والمرجِع يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 101)، ((تفسير ابن جرير)) (2/153- 154)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 88، 374)، ((المفردات)) للراغب (ص: 8 677)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 43)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 119). .
تَوَلَّوْا: أعرَضوا؛ فالفِعل (ولي)، إذا عُدِّي بـ(عن) لفظًا أو تقديرًا- كما هنا- اقتَضى معنى الإعراضِ والتَّركِ، وإذا عُدِّي بنَفْسه اقتَضَى معنى الوِلاية والقُرْب يُنظر: ((المفردات)) للراغب (ص: 886)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 951). .
المَعنَى الإجماليُّ :
يُبيِّنُ اللهُ تعالى في هذه الآياتِ طبيعةَ الدِّين الَّذي يجب أنْ يُدانَ ويُتعبَّدَ له به, وهو دِينُ الإسلام؛ فهو الدِّينُ الَّذي لا يَقبَلُ غيرَه, ولا يَرتضي سِواه.
ثم بَيَّن سبحانه وتعالى أنَّ اختلافَ الَّذينَ أُوتُوا الكِتابَ إنَّما حصَل بعد إقامةِ الحُجَّةِ عليهم من إرسال الرُّسلِ، وإنزالِ الكتُب, وكان الحاملُ لهم على الاختلافِ والتَّفرُّقِ هو ما جرى فيهم مِن بَغيٍ ومجاوزةٍ للحدِّ في العُدوان والظُّلم.
ثمَّ عقَّب اللهُ تبارَك وتعالَى بذِكْر جزاءِ مَن يَكفُرُ بآياتِ الله, وأنَّه سيُحاسبُه على أفعالِه الَّتي أحصاها عليه؛ فهو سريعُ الحسابِ والإحصاءِ.
ثمَّ وجَّه اللهُ خِطابَه لرسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّهم إنْ جادَلوك- يا محمَّدُ- بالباطل, وخاصَموك فيما جاءَك من الحقِّ- فأَخبِرْهم أنَّك أخلَصْتَ العملَ لله وحده, وأفرَدْتَ العبادةَ له, أنت ومَن اتَّبَعك على دِينِك, وأمَرَه أنْ يقولَ للَّذين أُوتوا الكتابَ والأُمِّيِّين من المشركين: هل أَسلمتم للهِ وأفرَدْتُموه بالتَّوحيد؟! فإنْ أسلَموا بمِثْل إسلامِكم, واتَّبَعوا دِينَكم, وانقادوا لله، وأذعَنوا له- فقد أصابوا الهُدى، ووُفِّقوا لسبيل الحقِّ, وإنْ أعرَضوا عمَّا تَدْعوهم إليه, فليس عليك إلَّا البلاغُ, واللهُ بصيرٌ بجميعِ العباد، عالِمٌ بمَن يَهتدي منهم، ومَن يَضِلُّ عن سواء السَّبيلِ, وإليه مرجعُهم, وعليه حِسابُهم.
تفسير الآيتين:
إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ.
مُناسَبةُ الآيةِ لِمَا قَبلَها:
لَمَّا قرَّر اللهُ عزَّ وجلَّ أنَّه الإلهُ الحقُّ المعبود، بَيَّن العبادةَ والدِّينَ الَّذي يتعيَّنُ أنْ يُعبَدَ به ويُدانَ له، وهو الإسلامُ يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 124 ويُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (3/186) ، فقال:
إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلَامُ.
أي: إنَّ الدِّينَ المقبولَ عند اللهِ، الَّذي لا دِينَ سواه، هو الإسلام يُنظر: ((مدارج السالكين)) لابن القيِّم (3/476)، ((تفسير ابن كثير)) (2/25)، ((تفسير السعدي)) (ص: 964). وحمَل بعضُ المفسِّرين الإسلام هنا على معناه الخاصِّ، وهو التعبُّد لله بشرعِ محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّمَ. وممَّن اختار ذلك: ابن عاشور في ((تفسيره)) (3/189), وابن عثيمين في ((تفسير سورة آل عمران)) (1/123). ؛ كما قال تعالى: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [آل عمران: 85] .
والإسلامُ هو الانقيادُ لله وحده، ظاهرًا وباطنًا، بما شرَعه على ألْسنةِ رُسله، إلى أنْ خُتِموا بمحمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ فجميعُ الطُّرقِ مسدودةٌ إلَّا مِن جِهته قال ابنُ تيميَّة: (الإسلامُ هو الاستسلامُ لله وحدَه، فهو يَجمعُ معنيين: الانقياد والاستسلام، والثاني: إخلاص ذلك لله، كما قال تعالى: وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ أي خالصًا له، ليس لأحدٍ فيه شيء. وإنَّه يُستعمل لازمًا ومتعديًا، فالأول كقوله: إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ *البقرة: 131*، وقوله: وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ *غافر: 66*، وقوله: أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ إلى قوله: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ *آل عمران: 83- 85*، وهو هذا الإسلام الذي هو الاستسلام لربِّ العالمين. وقد يُستعمل متعديًا في مثل قوله: وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ *النساء: 125*، وفي قولِه: بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ *البقرة: 112*، فهنا لَمَّا كان مُقيَّدًا بإسلام الوجه قرَن به الإحسان؛ لأنَّ إسلامَ الوجه له هو يتضمَّن إخلاصَ القصد له، فلا بدَّ مع ذلك من الإحسان؛ ليكون عملُه صالحًا خالصًا لله)، ((جامع المسائل)) لابن تيمية (6/220). .
وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ
أي: اختلَف الَّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ بعدَما قامتْ عليهم الحُجَّة؛ بإرسالِ الرُّسلِ إليهم، وإنزال الكتُب عليهم، وعِلمِهم بالحقِّ، وحَمَلَهم على ذلك مجاوزتُهم الحدَّ بالعدوانِ والظُّلم، وبالتَّفريط وتضييعِ الحقِّ يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (2/25)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (1/16)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (1/125). .
وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ
أي: ومَن يكفر بحُجَج اللهِ تعالى وما أنزَل في كتابِه، فإنَّ اللهَ سيُجازيه ويُحاسبه على ذلك؛ فإنَّه سبحانه يُحصي أعمالَ العبادِ بسرعةٍ، دون الحاجةِ إلى عَقدِ أصابعَ، أو استخدامِ أداةٍ، وبلا حاجةٍ إلى فِكرٍ أو رَوِيَّة، كما يَفعَلُ الخَلقُ، وهو سريعُ المحاسَبة للخَلْقِ يومَ القيامة دون أنْ يَظلِمَ أحَدًا شيئًا ودون الحاجةِ إلى تذكُّرٍ أو تأمُّلٍ، فيُحاسبُهم على كثرتِهم في وقتٍ وجيزٍ جدًّا، وهو سبحانه سَريعُ المجازاةِ لعباده، كما أنَّ حسابَه عزَّ وجلَّ قريبٌ؛ لسرعةِ انقضاءِ هذه الحياةِ الدُّنيا ينظر: ((تفسير ابن جرير)) (5/285)، ((تفسير ابن عطية)) (1/413)، ((تفسير القرطبي)) (2/435)، ((تفسير ابن كثير)) (2/25)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (1/127). .
فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ
أي: فإنْ جادَلوك وخاصَموك بالباطل، فقُلْ- يا محمَّدُ-: أخلصتُ عملي وعبادتي للهِ وحْدَه لا شريكَ له، أنا ومَن على دِيني، فلا نُوجِّهُ وُجوهَنا إلى غيره ينظر: ((تفسير ابن كثير)) (2/26)، ((منهاج السنة النبوية)) لابن تيمية (5/173)، ((التفسير الوسيط)) للواحدي (1/423)، ((تفسير ابن عاشور)) (3/202). .
وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ
أي: وقلْ- يا محمَّدُ- للَّذين أوتوا الكِتابَ مِن اليهودِ والنَّصارى قال ابن عطية: (والذين أُوتُوا الْكِتابَ في هذا الموضع يَجمع اليهود والنصارى باتفاق) ((تفسير ابن عطية)) (1/414). والأُمِّيِّين الَّذين لا كتابَ لهم مِن مُشرِكي العربِ: أَأفرَدْتُم التَّوحيدَ لله وأخلَصْتم له العبادةَ؟ والمعنى: أسلِموا للهِ تعالى ووحِّدوه وأَخلِصوا له ينظر: ((تفسير ابن جرير)) (5/286)، ((التفسير الوسيط)) للواحدي (1/423، و((أضواء البيان)) للشنقيطي (2/405). فإن قال قائل: وكيف قيل: فإنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا *آل عمران: 20* عقيب الاستفهام؟ وهل يجوز على هذا في الكلام أن يُقال لرجل: هل تقوم؟ فإنْ تقُم أكرمْك؟ قيل: ذلك جائزٌ إذا كان الكلام مرادًا به الأمر، وإنْ خرج مخرج الاستفهام، كما قال جل ثناؤه: وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ *المائدة: 91*، يعني: انتهُوا، وكما قال جلَّ ثناؤه مخبِرًا عن الحواريِّين أنهم قالوا لعيسى: يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ *المائدة: 112*، وإنما هو مسألةٌ، كما يقول الرجُل: هل أنت كافٍ عنا؟ بمعنى: اكففْ عنَّا. ينظر: ((تفسير ابن جرير)) (5/287). وأمَّا المعنى الآخَر فهو أنَّ المراد أنَّه يُنادي عليهم بالبلاهة، يعني: أأسلمتُم بعد هذا البيان وهذا الوضوح، أم أنَّكم بُلهاءُ لم تَفقهوا حتى الآن، ولم تُسلموا مع ظهور المعنى ووضوحِه؛ تبكِيتًا لهم وتصغِيرًا لشأنهم في الإنصافِ وقَبول الحقِّ. يُنظر: ((فتح القدير)) للشوكاني (1/374)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (1/133). وقال ابنُ عطيَّة: قال الزجاج: أَأَسْلَمْتُمْ تهديد، وهذا حسنٌ؛ لأنَّ المعنى أأسلمتُم أم لا؟ ((تفسير ابن عطية)) (1/414). .
فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا
أي: فإنِ انقادُوا واستسلَموا للهِ ظاهرًا وباطنًا، فقدِ اهتدَوْا هدايةَ توفيقٍ، وأصابوا سبيلَ الحقِّ ينظر: ((تفسير ابن جرير)) (5/287)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (1/134). .
وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ
أي: وإنْ أَدبَروا مُعرِضين عمَّا تَدْعوهم إليه من الإسلامِ، وإخلاصِ التَّوحيد للهِ، ولم يَنقادوا بظَواهرِهم ولا ببَواطنِهم، فليس عليك إلَّا تبليغُ رسالةِ ربِّك، وبه وقَعَ أَجرُك على ربِّك، وقامتْ عليهم الحُجَّة ينظر: ((تفسير ابن جرير)) (5/288 واحد 1/423)، ((تفسير السعدي)) (ص: 124)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (1/134). .
وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ
أي: مطَّلِع على جميعِ الخَلْق أتمَّ الاطِّلاعِ، ويعلمُ أحوالهم؛ مَن يُطِيع منهم، ومَن يُعرِض، ويتولَّى جزاءَهم ينظر: ((تفسير ابن جرير)) (5/288)، ((تفسير ابن عاشور)) (3/205)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (1/135). .
الفوائد التربوية :
1- على المسلمِ ألَّا يَنظُرَ إلى الآية الَّتي ذَكرتِ الخلافَ الَّذي وقع للَّذين أوتوا الكتابَ كحدَثٍ تاريخيٍّ، بل يتلوها متذكِّرًا أنَّها أُنزلتْ تحذيرًا للمسلمين من الخلافِ في الدِّين، والتَّفرُّقِ إلى شِيَعٍ اتِّباعًا لسَنَنِ مَن قبْلَهم يُنظر: ((تفسير المنار)) لمحمد رشيد رضا (3/213). .
2- في قوله بَغْيًا بَيْنَهُمْ إشارةٌ إلى أنَّه عند مخالفةِ الإنسان غيرَه يَنبغي ألَّا يتطاولَ عليه, وألَّا يكون مقصِدُه بسَوْق الأدلَّةِ والحُجَج المؤيِّدةِ لقولِه، البَغيَ على غيره يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (1/129). .
3- يُستفادُ من قوله: فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ أنَّه إذا عَلِم الإنسانُ أنَّ مَن يُحاجُّه إنَّما يَقصِدُ نصْرَ قولِه ولو كان باطلًا، فله الإعراضُ عنه؛ لأنَّه ليس أهلًا للمحاجَّةِ أو الخُصومةِ يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (1/136), ((تفسير الرازي)) (7/173). .
الفَوائدُ العِلميَّةُ واللَّطائِف:
1- في قوله تعالى: وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ [آل عمران: 19] الآيةَ: تلميحٌ إلى أنَّ هذا الاختلافَ والبغيَ كفرٌ؛ لِمَا أفْضَى إليه مِن نقْضِ قواعدِ أديانِهم، ونُكرانِ دِين الإسلام؛ ولذلك ذيَّله بقوله: وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ [آل عمران: 19] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (3/199). .
2- في قوله: وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ [آل عمران: 19] عبَّر عنهم بقوله: أُوتُوا الْكِتَابَ زيادةُ تَقبيحٍ لهم؛ فإنَّ الاختلافَ بعدَ إتيان الكتابِ أقبحُ، وقوله: إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ زيادةٌ أخرى؛ فإنَّ الاختلافَ بعد العِلم أزيدُ في القَباحةِ، وقوله: بَغْيًا بَيْنَهُمْ زيادةٌ ثالثة؛ لأنَّه في حيِّزِ الحَصْر، فيكون أزيدَ في القُبح يُنظر: ((فتح البيان)) (2/206). .
3- الوجهُ أشرفُ الأعضاء، وبه يكونُ الانقيادُ وعدمُه؛ لهذا كان أقربَ ما يكونُ العبدُ من ربِّه في حال سُجودِه؛ لوَضعِه أشرفَ أعضائِه على مَوطئِ الأقدامِ؛ لذا قال تعالى أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ [آل عمران: 20] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (1/136). .
4- في قوله تعالى: أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ دليلٌ على أنَّه ليس قولُ أحدٍ من أهل العِلم حُجَّةً على الآخَر؛ فهم كلُّهم تابِعون لا متبوعون يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (1/136). .
5- في إسنادِ الأفعالِ إلى فاعليها ردٌّ على الجَبْريَّة, فإنَّ اللهَ تبارَك وتعالَى قال: وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ، وقال: وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ، وقال: بَغْيًا بَيْنَهُمْ، وكلُّ ذلك يُفيد أنَّ للإنسانِ إرادةً وفعلًا اختياريًّا يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (1/130). .
بلاغة الآيتين:
1- قوله تعالى: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ: جملةٌ مُستأنَفة مؤكِّدةٌ للجملة الأولى، وفائدة التوكيد: بيانُ الدِّين المَرْضيِّ لله تعالى، وأنَّه ليس سوى الإسلامِ الذي هو التَّوحيدُ والتدرُّعُ بالشريعةِ الشَّريفةِ التي جاءَ بها محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (1/345)، ((تفسير البيضاوي)) (2/9)، ((الدر المصون)) للسمين الحلبي (3/83)، ((تفسير أبي السعود)) (2/18)، ((تفسير القاسمي)) (2/296). .
- وفيه حَصْرٌ بتعريفِ جُزئَيِ الجملة (الدِّين- الإسلام)، وفيه أيضًا توكيدُ الكلام بـ(إنَّ)، تحقيقًا لِمَا تضمَّنه من حَصْر حقيقة الدِّين عند الله في الإسلام: أي الدِّين الكامل يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (3/188، 190). .
2- قوله تعالى: وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا...: فيه وصلٌ- أي: عطفٌ بالواو- وهو مناسبٌ؛ لكونِ الكلامِ المتقدِّم مُشتملًا على تعريضٍ باليهود والنصارى، الذين كذَّبوا بالقرآن، وإبطالٍ لقولِ وفْد نجران، فناسَب أنْ يُنوَّه بعدَ ذلك بالإسلامِ الذي جاءَ به القرآن؛ ولذلك جاءَ العطفُ على قولِه: إِنَّ الدِّينَ... يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (3/188). .
- وحُذِفَ متعلِّقُ الاختلاف في قوله: وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ؛ ليَشملَ كلَّ اختلافٍ منهم: مِن مخالفةِ بعضِهم بعضًا في الدِّين الواحدِ، ومخالفةِ أهل كلِّ دِينٍ لأهلِ الدِّين الآخَر، ومخالفةِ جميعِهم للمسلمين في صحَّة الدِّين. وحُذِفَ متعلِّقُ العِلمِ في قوله: مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ لذلك يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (3/198). .
3- قوله تعالى: مِنْ بَعدِ مَا جَاءَهُمُ العِلمُ: فيه إطلاقُ اسمِ السَّبب على المسبِّب، حيث عبَّر بالعِلم عن التوراةِ والإنجيل، أو النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم- على الخِلاف يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (3/78). .
4- قوله تعالى: بَغْيًا بَيْنَهُمْ: فيه إيماءٌ إلى أنَّ البغيَ دائرٌ شائعٌ فيهم، وكلُّ فِرقةٍ منهم تُجاذِب طرَفًا منه يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (3/78). ؛ فـبَيْنَهُمْ حال لبغيًا، أي: بغيًا مُتفشِّيًا بينهم، بأنْ بغَى كلُّ فريقٍ على الآخَر يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (3/199). .
5- قوله تعالى: فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ: خبرٌ؛ غرضُه الوعيدُ الشَّديد، والتهديدُ لِمَن كفَر منهم بأنَّه سيصيرُ إلى اللهِ سريعًا فيَجزيه على كُفره؛ وأيضًا سَرِيعُ الْحِسابِ أي: سريعُ الإحصاءِ مع كثرةِ الأعمال، وهو سريعُ المحاسَبة للخَلْق يومَ القيامة، على كثرتِهم، وهو سبحانه سريعُ المجازاة لعبادِه يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (5/285)، ((تفسير الرازي)) (7/173)، ((تفسير البيضاوي)) (2/10)، ((تفسير ابن عاشور)) (3/199)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (1/127). ، مع ما فيه مِن تأكيدِ الخبر بـ(إنَّ) واسميَّة الجملة.
- والإظهارُ في قوله: فَإِنَّ اللَّهَ، مع كونِه مقامَ الإضمارِ، فلمْ يَقُلْ: (فإنَّه)؛ للتهويلِ عليهم، والتهديدِ لهم يُنظر: ((فتح القدير)) للشوكاني (1/374). .
6- قوله تعالى: وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ:
- في قوله تعالى: أَأَسْلَمْتُمْ الاستفهامُ في معرِض التَّقرير، أو التوبيخِ والتقريعِ، وفيه: الإشارةُ إلى كونِ المخاطَب بليدًا قليلَ الفَهم يُنظر: ((تفسير الرازي)) (7/175)، ((تفسير أبي حيان)) (3/78)، ((إعراب القرآن وبيانه)) لمحيي الدين درويش (1/480). . أو الاستفهام للتحضيضِ والاستبطاءِ، وجِيء بصِيغة الماضي، ولم يقُل: (أَتُسلِمون) على خِلافِ مُقتضَى الظاهر؛ للتنبيهِ على أنه يرجو تحقُّقَ إسلامِهم، حتى يكونَ كالحاصِلِ في الماضي، أو يكون المقصودُ مِن الاستفهام الأمْرَ؛ فهو بمنزلتِه في طَلبِ الفعلِ والاستدعاءِ إليه، إلَّا أنَّ فيه معنًى زائدًا، وهو التَّعبيرُ بكونِ المخاطَبِ مُعانِدًا بعيدًا عن الإنصاف يُنظر: ((تفسير الرازي)) (7/175)، ((تفسير ابن عاشور)) (3/202). .
- قوله تعالى: فَإِنْ أَسْلَمُوا فقَدِ اهْتَدَوْا: عبَّر بصيغةِ الماضي المصحوبِ بـ(قَد) الدالَّة على التحقيقِ؛ مُبالغةً في الإخبارِ بوقوع الهُدى يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (3/74)، ((الدر المصون)) للسمين الحلبي (3/93). ، وللتنبيهِ على أنَّه يرجو تحقُّقَ إسلامهم، حتى يكونَ كالحاصلِ في الماضي يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (3/202). .
- قوله تعالى: وَإِنْ تَوَلَّوْا: في صيغة (افتَعلوا) تلويحٌ بأنَّ الأنفُسَ مائلةٌ إلى الضلال، زائغةٌ عن طريقِ الكمال؛ فلا يَهمَّنك أمرُهم؛ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ البَلَاغُ، وفي بِنية التفعُّل إيماءٌ إلى أنَّ طُرُقَ الهدى بعد البيانِ تأخُذ محاسنُها بمجامعِ القلوب، وأنَّ الصادفَ عنها بعدَ ذلك قد قهَر ظاهرَ عقلِه، وقويمَ فِطرتِه الأُولى برَجاسةِ نفْسه، واعوجاجِ طَبْعِه ينظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (4/297). .
- قوله تعالى: فَإِنَّمَا عَلَيْكَ البَلَاغُ: فيه قصرٌ بـ(إنَّما)، وهو مِن القصر الإضافيِّ، والتقديرُ فيه: فإنَّما عليك البلاغُ فقط، أمَّا الهدايةُ فليستْ عليك، وإنَّما هي علينا نحن يُنظر: ((دليل البلاغة القرآنية)) للدبل (ص: 399). .
- في قوله تعالى: وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ: تذييلٌ فيه وعدٌ ووعيد يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (2/10)، ((تفسير أبي السعود)) (2/19). .