موسوعة الآداب الشرعية

أولًا: الإخلاصُ


يَجِبُ على المُعَلِّمِ أن يَكونَ مُخلِصًا في تعليمِه يَبْتغي به وجهَ الله [2364] وقد تَقدَّمَت أدِلَّةُ ذلك مِرارًا، وأقرَبُ المَواضِعِ التي ذُكِرَت فيها الأدِلَّةُ: آدابُ طالِبِ العِلمِ. ذلك، وقد قال النَّوويُّ: (يَنبَغي أن لا يَقصِدَ بعِلمِه تَوصُّلًا إلى غَرَضٍ مِن أغراضِ الدُّنيا مِن مالٍ أو رياسةٍ أو وجاهةٍ، أوِ ارتِفاعٍ على أقرانِه، أو ثَناءٍ عِندَ النَّاسِ، أو صَرفِ وُجوهِ النَّاسِ إليه، أو نَحوِ ذلك... وليَحذَرْ كُلَّ الحَذَرِ مِن قَصدِه التَّكَثُّرَ بكَثرة المُشتَغِلينَ عليه والمُختَلفينَ إليه، وليَحذَرْ مِن كَراهَتِه قِراءةَ أصحابِه على غَيرِه مِمَّن ينتَفعُ به، وهذه مُصيبةٌ يُبتَلى بها بَعضُ المُعَلِّمينَ الجاهلينَ، وهيَ دَلالةٌ بَيِّنةٌ مِن صاحِبِها على سوءِ نيَّتِه وفسادِ طَويَّتِه، بَل هيَ حُجَّةٌ قاطِعةٌ على عَدَمِ إرادَتِه بتَعليمِه وَجهَ اللهِ تعالى الكَريم؛ فإنَّه لو أرادَ اللَّهَ بتَعليمِه لما كَرِهَ ذلك، بَل قال لنَفسِه: أنا أرَدتُ الطَّاعةَ بتَعليمِه، وقد حَصَلَت، وقد قَصَدَ بقِراءَتِه على غَيري زيادةَ عِلمٍ، فلا عَتبَ عليه. وقد رُوِّينا في مُسنَدِ الإمامِ المُجمَعِ على حِفظِه وإمامَتِه أبي مُحَمَّدٍ الدَّارِميِّ -رَحمةُ اللهِ عليه- عن عليِّ بنِ أبي طالبٍ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّه قال: «يا حَمَلةَ القُرآنِ -أو قال: يا حَمَلةَ العِلمِ- اعمَلوا به؛ فإنَّما العالمُ مَن عَمِلَ بما عَلِمَ، ووافقَ عَمَلُه عِلمَه، وسَيَكونُ أقوامٌ يَحمِلونَ العِلمَ لا يُجاوِزُ تراقيَهم، يُخالفُ عَمَلُهم عِلمَهم، وتَخالِفُ سَريرَتُهم عَلانيَتَهم، يَجلِسونَ حِلَقًا يُباهي بَعضُهم بَعضًا، حتَّى إنَّ الرَّجُلَ ليَغضَبُ على جَليسِه أن يَجلِسَ إلى غَيرِه ويَدَعَه، أولئِكَ لا تَصعَدُ أعمالُهم في مَجالسِهم تلك إلى اللهِ تعالى». وقد صَحَّ عنِ الإمامِ الشَّافِعيِّ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّه قال: ودِدتُ أنَّ الخَلقَ تَعلَّموا هذا العِلمَ -يَعني: عِلمَه وكُتُبَه- على أن لا يُنسَبُ إليَّ حَرفٌ منه). ((التبيان في آداب حملة القرآن)) (ص: 34-36). وقال ابنُ جَماعةَ في أدَبِ العالمِ مَعَ طَلبَتِه: (أن يَقصِدَ بتَعليمِهم وتَهذيبِهم وَجهَ اللهِ تعالى، ونَشرَ العِلمِ، وإحياءَ الشَّرعِ، ودَوامَ ظُهورِ الحَقِّ وخُمولِ الباطِلِ، ودَوامَ خَيرِ الأُمَّةِ بكَثرةِ عُلمائِها، واغتِنامَ ثَوابِهم، وتَحصيلَ ثَوابِ مَن يَنتَهي إليه عِلمُه مِن بَعدِهم، وبَرَكةَ دُعائِهم له وتَرَحُّمِهم عليه، ودُخولَه في سِلسِلةِ العِلمِ بَينَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وبَينَهم، وعِدادَه في جُملةِ مُبَلِّغي وَحيِ اللهِ تعالى وأحكامِه؛ فإنَّ تَعليمَ العِلمِ مِن أهَمِّ أُمورِ الدِّينِ وأعلى دَرَجاتِ المُؤمِنينَ... لَعَمْري ما هذا إلَّا مَنصِبٌ جَسيمٌ، وإنَّ نَيلَه لفوزٌ عَظيمٌ، نعوذُ باللهِ مِن قَواطِعِه ومُكَدِّراتِه وموجِباتِ حِرمانِه وفَواتِه). ((تذكرة السامع والمتكلم)) (ص: 72). .

انظر أيضا: