موسوعة الآداب الشرعية

تمهيدٌ في مكانةِ الصَّحابةِ رِضوانُ اللهِ عليهم


الصَّحابةُ رَضيَ اللهُ عنهم أفضَلُ هذه الأُمَّةِ، وأبَرُّها قُلوبًا، وأعمَقهُا عِلمًا، وأقَلُّها تَكَلُّفًا، وأقوَمُها هَدْيًا، وأحسَنُها حالًا، قَومٌ اختارَهمُ اللهُ لصُحبةِ نَبيِّه، وإقامةِ دينِه [756] يُنظر: ((جامع بيان العلم وفضله)) لابن عبد البر (1810)، ((ذم الكلام وأهله)) للهروي (746). ، ورَضيَ عنهم، وأثنى في كِتابه الكَريمِ عليهم، وقال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((خَيرُ النَّاسِ قَرني، ثُمَّ الذينَ يَلونَهم، ثُمَّ الذينَ يَلونَهم)) [757] أخرجه البخاري (2652)، ومسلم (2533) مِن حَديثِ عبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ رَضيَ اللهُ عنه. .
وعن عَبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ رَضيَ اللهُ عنه، قال: (إنَّ اللهَ نَظَر في قُلوبِ العِبادِ فوَجَدَ قَلبَ مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم خَيرَ قُلوبِ العِبادِ، فاصطَفاهُ لِنَفسِه، فابتَعَثَهُ برسالَتِه، ثُمَّ نَظَر في قُلوبِ العِبادِ بَعدَ قَلبِ مُحَمَّدٍ فوَجَدَ قُلوبَ أصحابِه خَيرَ قُلوبِ العِبادِ، فجَعَلهم وُزَراءَ نَبيِّه، يُقاتِلونَ عَلى دينِه، فما رَأى المُسلِمونَ حَسَنًا فهوَ عِندَ اللهِ حَسَنٌ، وما رَأوا سَيِّئًا فهوَ عِندَ اللهِ سَيِّئ) [758] أخرجه أحمد (3600) واللفظ له، والبزار (1816)، والطبراني (9/118) (8582). حسَّنه ابن حجر في ((الأمالي المطلقة)) (65)، والألباني في ((شرح الطحاوية)) (469)، وصحَّح إسناده أحمد شاكر في تخريج ((مسند أحمد)) (5/211)، وحسَّنه شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (3600). وأخرجه من طريقٍ آخر: البزار (1702) مختصرًا، والطبراني في ((المعجم الأوسط)) (3602)، والبيهقي في ((المدخل إلى السنن)) (49) باختلافٍ يسيرٍ. حسَّنه ابنُ حجر في ((موافقة الخبر الخبر)) (2/435)، والسخاوي في ((المقاصد الحسنة)) (431) .
فلَزِمَ مَعرِفةُ فَضلِ الأصحابِ والتَّأدُّبُ مَعَهم، والتَّأدُّبُ مَعَهم هو مِن جُملةِ التَّأدُّبِ مَعَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وبِرُّهم مِن بِرِّه، وحُبُّهم مِن حُبِّه [759] يُنظر: ((شعب الإيمان)) للبيهقي (3/ 88-94)، ((الشفا بتعريف حقوق المصطفى)) لعياض (2/ 52-56). .
(قال مالِكٌ: هذا النَّبيُّ مُؤَدِّبُ الخَلقِ الذي هَدانا اللهُ به وجَعَلَه رَحمةً للعالَمينَ، يَخرُجُ في جَوفِ اللَّيلِ إلى البَقيعِ فيَدعو لهم ويَستَغفِرُ كالمودِّعِ لهم [760] لَفظُه: عن عائِشةَ أنَّها قالت: (كان رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كُلَّما كان لَيلَتُها مِن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَخرُجُ مِن آخِرِ اللَّيلِ إلى البَقيعِ، فيَقولُ: السَّلامُ عليكُم دارَ قَومٍ مُؤمِنينَ، وأتاكُم ما توعَدونَ غَدًا مُؤَجَّلونَ، وإنَّا إن شاءَ اللهُ بكُم لاحِقونَ، اللهُمَّ اغفِرْ لأهلِ بَقيعِ الغَرقَدِ). وفي رِوايةٍ: (فإنَّ جِبريلَ أتاني... فقال: إنَّ رَبَّك يَأمُرُك أن تَأتيَ أهلَ البَقيعِ فتَستَغفِرَ لهم. قالت: قُلتُ: كَيف أقولُ لهم يا رَسولَ اللهِ؟ قال: قولي: السَّلامُ على أهلِ الدِّيارِ مِنَ المُؤمِنينَ والمُسلِمينَ، ويَرحَمُ اللهُ المُستَقدِمينَ مِنَّا والمُستَأخِرينَ، وإنَّا إن شاءَ اللهُ بكُم لَلاحِقونَ). أخرجه مسلم (974). ، وبذلك أمَرَه اللهُ، وأمَر النَّبيُّ بحُبِّهم ومُوالاتِهم، ومُعاداةِ مَن عاداهم.
وقال سَهلُ بنُ عَبدِ اللهِ التُّستَريُّ: (لَم يُؤمِنْ بالرَّسولِ مَن لَم يوقِّرْ أصحابَه، ولَم يُعِزَّ أوامِرَه) [761] يُنظر: ((الشفا)) لعياض (2/ 56). .
وعن أنَسِ بنِ مالكٍ رَضيَ اللهُ عنه، قال: (خرَجْتُ مَعَ جَريرِ بنِ عَبدِ اللهِ البَجَليِّ في سَفرٍ، فكان يخدُمُني، فقُلتُ له: لا تَفعلْ! فقال: إنِّي قد رَأيتُ الأنصارَ تَصنَعُ برَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم شَيئًا، آليتُ [762] آلَيتُ: أي: أقسَمتُ، مِنَ الأَليَّةِ، وهيَ اليَمينُ. يُنظر: ((دليل الفالحين)) لابن علان (3/ 195). ألَّا أصحَبَ أحَدًا منهم إلَّا خَدمتُه!). وكان جَريرٌ أكبَرَ من أنَسٍ [763] أخرجه مسلم (2513). . وفي لَفظٍ: قال جَريرٌ رَضيَ اللهُ عنه: (إنِّي رَأيتُ الأنصارَ يَصنَعونَ شَيئًا، لا أجِدُ أحَدًا مِنهم إلَّا أكرَمته) [764] أخرجه البخاري (2888). .
وفيما يَلي نذكُرُ أهمَّ الآدابِ التي يَنبغي مراعاتُها معَ أصحابِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم:

انظر أيضا: