موسوعة الآداب الشرعية

أولًا: حُبُّ الصَّحابةِ رَضيَ اللهُ عنهم


مِنَ الأدَبِ مَعَ الصَّحابةِ رَضيَ اللهُ عنهم: حُبُّهم والتقرُّبُ إلى الله بحبِّهم والبراءةُ ممَّن يبغضُهم [765] قال أبو جَعفَرٍ الطَّحاويُّ في بَيانِ عَقيدةِ أهلِ السُّنَّةِ والجَماعةِ: (نُحِبُّ أصحابَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولا نُفرِطُ في حُبِّ أحَدٍ مِنهم، ولا نَتَبَرَّأُ من أحَدٍ مِنهم، ونُبغِضُ مَن يُبغِضُهم، وبغَيرِ الخَيرِ يَذكُرُهم، ولا نَذكُرُهم إلَّا بخَيرٍ وحُبُّهم دينٌ وإيمانٌ وإحسانٌ، وبُغضُهم كُفرٌ ونِفاقٌ وطُغيانٌ). ((متن الطحاوية)) (ص: 81، 82). وقال ابنُ تيميَّةَ: (مِن أُصولِ أهلِ السُّنَّةِ والجَماعةِ: سَلامةُ قُلوبِهم وألسِنَتِهم لأصحابِ مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم... ويتبَرَّؤون مِن طَريقةِ الرَّوافِضِ الذينَ يُبغِضونَ الصَّحابةَ ويَسُبُّونَهم، وطَريقةِ النَّواصِبِ الذينَ يُؤذونَ أهلَ البَيتِ بقَولٍ أو عَمَلٍ). ((العقيدة الواسطية)) (ص: 115). قال البَيهَقيُّ: (يَدخُلُ في جُملةِ حُبِّ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حُبُّ أصحابِه رَضيَ اللهُ عنهم؛ لأنَّ اللَّهَ عَزَّ وجَلَّ أثنى عليهم ومَدَحَهم، فقال: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ الآية [الفتح: 29] ، وقال: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا [الفتح: 18] ، وقال: وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ الآية [التوبة: 100] ، وقال: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ [الأنفال: 74] . فإذا نَزَلوا هذه المَنزِلةَ استَحَقُّوا على جَماعةِ المُسلِمينَ أن يُحِبُّوهم، ويَتَقَرَّبوا إلى اللهِ عَزَّ وجَلَّ بمَحَبَّتِهم؛ لأنَّ اللهَ تعالى إذا رَضيَ عن أحَدٍ أحَبَّه، وواجِبٌ على العَبدِ أن يُحِبَّ مَن يُحِبُّه مَولاه... إذا ظَهَرَ أنَّ حُبَّ الصَّحابةِ مِنَ الإيمانِ، فحُبُّهم أن يَعتَقِدَ فضائِلَهم، ويَعتَرِفَ لهم بها، ويَعرِفَ لكُلِّ ذي حَقٍّ مِنهم حَقَّه، ولِكُلِّ ذي غَناءٍ في الإسلامِ مِنهم غَناءَه، ولِكُلِّ ذي مَنزِلةٍ عِندَ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مَنزِلَتَه، ويَنشُرَ مَحاسِنَهم، ويَدعوَ بالخَيرِ لهم، ويَقتَديَ بما جاءَ في أبوابِ الدِّينِ عنهم، ولا يَتَّبِعَ زَلَّاتِهم وهَفَواتِهم، ولا يَتَعَمَّدَ تَهجينَ أحَدٍ مِنهم ببَثِّ ما لا يَحسُنُ عنه، ويَسكُتَ عَمَّا لا يَقَعُ ضَرورةٌ إلى الخَوضِ فيه فيما كان بَينَهم). يُنظر: ((شعب الإيمان)) (3/ 88-94). .
الدَّليلُ على ذلك مِن الكتابِ والسُّنَّةِ:
أ- مِنَ الكِتابِ
1- قال تعالى: وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [الحشر: 10] .
وهذه الآيةُ دَليلٌ على وُجوبِ مَحَبَّةِ الصَّحابةِ [766] يُنظر: ((الجامع لأحكام القرآن)) للقرطبي (18/ 32). ، وأنَّ حَقًّا على المُسلمينَ أن يَذكُروا سَلَفَهم بخَيرٍ، وأنَّ حَقًّا عليهم مَحَبَّةُ المُهاجِرينَ والأنصارِ وتَعظيمُهم [767] يُنظر: ((التحرير والتنوير)) لابن عاشور (28/ 97). ، وفيها الحَثُّ على الدُّعاءِ والتَّرَضِّي عنهم، وتَصفيةِ القُلوبِ مِن بُغضِ أحَدٍ مِنهم [768] يُنظر: ((الإكليل في استنباط التنزيل)) للسيوطي (ص: 259). ، ومن كان في قلبه غل على ومَن كان في قَلبِه غِلٌّ على أحَدٍ مِنَ الصَّحابةِ رَضيَ اللهُ عنهم فليس مِمَّن عنى اللهُ تعالى بهذه الآيةِ [769] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبِقاعي (19/ 444، 445). .
2- قال تعالى: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا [الفتح: 18] ، وقال سبحانه: وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ الآية [التوبة: 100] .
وجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ اللَّهَ عَزَّ وجَلَّ أثنَى على الصَّحابةِ ومَدَحهم فإذا نَزَلوا هذه المَنزِلةَ استَحَقُّوا على جَماعةِ المُسلِمينَ أن يُحِبُّوهم، ويَتَقَرَّبوا إلى اللهِ عَزَّ وجَلَّ بمَحَبَّتِهم؛ فقد أخبَر الله تعالى أنَّه رضِي عنهم واللهُ إذا رَضيَ عن أحَدٍ أحَبَّه، وواجِبٌ على العَبدِ أن يُحِبَّ مَن يُحِبُّه مَولاه [770] يُنظر: ((شعب الإيمان)) للبيهقي (3/ 88-94). .
ب- مِنَ السُّنَّةِ
1- عن أنَسٍ رَضيَ اللهُ عنه، عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((آيةُ الإيمانِ حُبُّ الأنصارِ، وآيةُ النِّفاقِ بُغضُ الأنصارِ)) [771] أخرجه البخاري (17) واللفظ له، ومسلم (74). .
2- عنِ البَراءِ رَضيَ اللهُ عنه، قال: سَمِعتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أو قال: قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((الأنصارُ لا يُحِبُّهم إلَّا مُؤمِنٌ، ولا يُبغِضُهم إلَّا مُنافِقٌ، فمَن أحَبَّهم أحَبَّه اللهُ، ومَن أبغَضَهم أبغَضَه اللهُ)) [772] أخرجه البخاري (3783) واللفظ له، ومسلم (75). .
وجهُ الدَّلالةِ مِن الحديثينِ:
إذا كان هذا في الأنصارِ فالمهاجرونَ مِن بابِ أولَى، فالمُهاجِرونَ مُقدَّمونَ على الأنصارِ [773] يُنظر: ((العقيدة الواسطية)) لابن تيمية (ص: 116). .

انظر أيضا: