موسوعة الآداب الشرعية

ثالثًا: الاستِغفارُ لهم والتَّرَضِّي عنهم


مِن الأدبِ معَ الصَّحابةِ: الدعاءُ والاستغفارُ لهم، والتَّرضِّي عنهم.
الدَّليلُ على ذلك مِنَ الكِتابِ:
1- قال تعالى: لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ * وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [الحشر: 8 - 10] .
(فجَعَلَ سُبحانَه ما أفاءَ اللهُ على رَسولِه مِن أهلِ القُرى للمُهاجِرينَ والأنصارِ والذينَ جاءوا مِن بَعدِهم مُستَغفِرينَ للسَّابقينَ وداعينَ اللهَ ألَّا يَجعَلَ في قُلوبِهم غِلًّا لهم؛ فعُلِمَ أنَّ الاستِغفارَ لهم وطَهارةَ القَلبِ مِنَ الغِلِّ لهم أمرٌ يُحِبُّه اللهُ ويَرضاه، ويُثني على فاعِلِه، كَما أنَّه قد أمَرَ بذلك رَسولَه في قَولِه تعالى: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ [محمد: 19] ، وقال تعالى: فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ [آل عمران: 159] .
ومَحَبَّةُ الشَّيءِ كَراهَتُه لضِدِّه، فيَكونُ اللهُ يَكرَه السَّبَّ لهمُ الذي هو ضِدُّ الاستِغفارِ، والبُغضَ لهمُ الذي هو ضِدُّ الطَّهارةِ) [792] ((الصارم المسلول على شاتم الرسول)) لابن تيمية (ص: 574). .
وعن هِشامِ بنِ عُروةَ، عن أبيه، قال: قالت لي عائِشةُ رَضيَ اللهُ عنها: (يا ابنَ أُختي، أُمِروا أن يَستَغفِروا لأصحابِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فسَبُّوهم!) [793] أخرجه مسلم (3022). .
وقال السُّيوطيُّ: (قَولُه تعالى: وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ الآية: فيه الحَثُّ على الدُّعاءِ والتَّرَضِّي عنِ الصَّحابةِ، وتَصفيةِ القُلوبِ مِن بُغضِ أحَدٍ مِنهم) [794] ((الإكليل في استنباط التنزيل)) (ص: 259). .
2- قال تعالى: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا [الفتح: 18] ، وقال سبحانه: وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ الآية [التوبة: 100] .
فائدةٌ:
قال النَّوويُّ: (يُستَحَبُّ التَّرَضِّي والتَّرَحُّمُ على الصَّحابةِ والتَّابِعينَ فمَن بَعدَهم مِنَ العُلماءِ والعُبَّادِ وسائِرِ الأخيارِ، فيُقالُ: رَضِيَ اللهُ عنه، أو رَحِمَه اللهُ، ونَحوُ ذلك، وأمَّا ما قاله بَعضُ العُلماءِ: إنَّ قَولَه: رَضِيَ اللهُ عنه مَخصوصٌ بالصَّحابةِ، ويُقالُ في غَيرِهم: رَحِمَه اللهُ فقَط، فليسَ كَما قال، ولا يوافَقُ عليه، بَل الصَّحيحُ الذي عليه الجُمهورُ استِحبابُه) [795] ((الأذكار)) (ص: 118). .
وقال ابن عثيمين: (التَّرَضِّي يكونُ عن الصَّحابةِ، ويكونُ عن التَّابِعينَ، ويكونُ عن تابِعي التَّابِعينَ، ويكونُ عمَّن كان عابدًا للهِ على الوجهِ الَّذي يَرضاه إلى يومِ القيامةِ، ودليل ذلك قولُه تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ * جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ ذلك لِمَن خَشِيَ ربَّه إلى يومِ القيامةِ، لكنْ جَرَتْ عادةُ المُحَدِّثِينَ رحِمَهم اللهُ أنْ يَخُصُّوا الصَّحابةَ بالتَّرضِّي عنهم؛ ومَن بَعْدَهم بالتَّرحُّمِ عليهم؛ فيَقولوا في الصَّحابيِّ: رضيَ اللهُ عنه، ويقولوا فيمَن بعدَ الصَّحابةِ: رحِمَه اللهُ، ولكنْ لو أنَّك قلتَ للصَّحابيِّ: رحِمه اللهُ، وفي غيرِه: رضيَ اللهُ عنه؛ فلا حَرَجَ عليك، إلَّا إذا خَشِيتَ أنْ يَتَوهَّمَ السَّامعُ بأنَّ التَّابِعيَّ صحابيٌّ؛ والصَّحابيَّ تابعيٌّ! فهنا لا بُدَّ أنْ تُبَيِّنَ) [796] ((فتاوى نور على الدرب)) (1/ 674). .

انظر أيضا: