رابعًا: قَبولُ ما ثَبَتَ مِن فضائِلِهم ومَراتِبِهم
مِن الأدبِ معَ الصَّحابةِ رَضيَ اللهُ عنهم: قبولُ ما ثبَت مِن فضائلِهم، والإقرارُ بتفاوتِهم في الفضلِ والمنزلةِ.
فضائلُ الصَّحابةِ الواردةُ في القرآنِ والسُّنَّةِأ- فضائلُ الصَّحابةِ الواردةُ في القرآنِ1- قال اللهُ تعالى:
مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا [الفتح: 29] .
قال السِّعديُّ: (يُخبِرُ تعالى عن رَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأصحابِه مِنَ المُهاجِرينَ والأنصارِ، أنَّهم بأكمَلِ الصِّفاتِ، وأجلِّ الأحوالِ، وأنَّهم
أَشِدَّاءُ عَلَى الكُفَّارِ ...،
رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ...، هَذِه مُعامَلَتُهم مَعَ الخَلقِ، وأمَّا مُعامَلَتُهم مَعَ الخالِقِ فإنَّكَ
تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا أي: وَصْفُهم كثرةُ الصَّلاةِ، الَّتي أجلُّ أركانِها الرُّكوعُ والسُّجودُ.
يَبْتَغُونَ بتِلكَ العِبادةِ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا أي: هَذا مَقصودُهم بلوغُ رِضا رَبِّهم، والوُصولُ إلى ثَوابِه.
سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ أي: قَد أثَّرَتِ العِبادةُ -مِن كثرَتِها وحُسْنِها- في وُجوهِهِم، حَتَّى استَنارَت، لَمَّا استَنارَت بالصَّلاةِ بواطِنُهم استَنارَت بالجَلالِ ظَواهِرُهم.
ذَلِكَ المَذكورُ
مَثَلُهُمْ في التَّوْرَاةِ أي: هَذا وصْفُهمُ الَّذي وصَفَهمُ اللهُ به، مَذكورٌ بالتَّوراةِ هَكَذا. وأمَّا مَثَلُهم في الإنجيلِ فإنَّهم مَوصوفون بوَصفٍ آخَرَ، وأنَّهم في كمالِهِم وتَعاوُنِهِم
كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ أي: أخرَجَ فراخَهُ، فوازَرَتهُ فراخُهُ في الشَّبابِ والاستِواءِ.
فَاسْتَغْلَظَ ذلك الزَّرعُ، أي: قَوِيَ وغَلُظَ
فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ جَمعُ ساقٍ،
يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ من كمالِه واستِوائِه، وحُسنِه واعتِدالِه، كذلك الصَّحابةُ رَضِيَ اللهُ عنهم، هم كالزَّرعِ في نَفعِهِم لِلخَلقِ واحتياجِ النَّاسِ إلَيهِم، فقُوَّةُ إيمانِهِم وأعمالِهِم بمَنزِلةِ قوَّةِ عُروقِ الزَّرعِ وسُوقِه، وكَونُ الصَّغيرِ والمُتَأخِّرِ إسلامُه قَد لحِقَ الكَبيرَ السَّابِقَ ووازَرَهُ وعاوَنَهُ عَلى ما هو عليه، من إقامةِ دينِ اللهِ والدَّعوةِ إلَيه؛ كالزَّرعِ الَّذي أخرَجَ شَطْأهُ، فآزَرَهُ فاستَغلَظَ؛ ولِهَذا قال:
لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ حينَ يَرَونَ اجتِماعَهم وشِدَّتَهم عَلى دينِهِم، وحينَ يَتَصادَمونَ هم وهم في مَعارِكِ النِّزالِ، ومَعامِعِ القِتالِ.
وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا فالصَّحابةُ رَضِيَ اللهُ عنهم، الَّذينَ جَمَعوا بَينَ الإيمانِ والعَمَلِ الصَّالِحِ، قَد جَمَعَ اللهُ لهم بَينَ المَغفِرةِ الَّتي من لوازِمِها وِقايةُ شُرورِ الدُّنيا والآخِرةِ، والأجرِ العَظيمِ في الدُّنيا والآخِرةِ)
[797] ((تيسير الكريم الرحمن)) (ص: 795). .
2- قال اللهُ سُبحانَه:
وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة: 100] .
هذه مِنَ الآياتِ التي أثنى بها على المُهاجِرينَ والأنصارِ، فقال:
وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ لم يَشتَرِطْ فيهم شَيئًا، بَل قال:
رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ، وهذه أعظَمُ تَزكيةٍ،
وَالَّذِينَ اتَّبَعوهُمْ اشتَرَطَ فيهم شَرطًا، وهو الإحسانُ
[798] يُنظر: ((العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير)) (5/ 224). .
3- قال اللهُ عزَّ وجَلَّ:
وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ [الحجرات: 7] .
فـ (الصَّحابةُ كانوا مُحِبِّي الإيمانِ كارِهي الكُفرِ والفِسْقِ والعِصيانِ، وكانوا راشِدينَ، فاعتِقادُ ضِدِّ هَذِه الأشياءِ في حَقِّهِم خَطَأٌ)
[799] ((إظهار الحق)) (3/ 935). .
4- قال اللهُ تعالى:
لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ * وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [الحشر: 8 - 10] .
عن مُحَمَّدٍ الباقِرِ، عن أبيه عَليِّ بنِ الحُسَينِ بنِ عَليِّ بنِ أبي طالِبٍ، قال: (أتاني نَفرٌ من أهلِ العِراقِ فطَعَنوا في أبي بَكرٍ وعُمَرَ وعُثمانَ، فلَمَّا فرَغوا، قال لهم عَليُّ بنُ الحُسَينِ: ألا تُخبِروني أنتم المُهاجِرونَ الأوَّلونَ
الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا الآيةَ؟ قالوا: لا، قال: فأنتَم
وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ الآيةَ؟ قالوا: لا، قال: أمَّا أنتم فقَد بَرِئتُم أن تَكونوا من أحَدِ هَذين الفَريقينِ، وأنا أشهَدُ أنَّكم لَستُم مِنَ الَّذينَ قال اللهُ عَزَّ وجَلَّ:
وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ الآيةَ!)
[800] رواه الدارقطني في ((فضائل الصحابة)) (36). .
5- قال اللهُ عنِ الَّذينَ بايَعوا النَّبيَّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ يَومَ الحُدَيبيَةِ تَحتَ الشَّجَرةِ وكانوا ألفًا وأربَعَمِائةٍ:
لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا [الفتح: 18] .
عن جابِرِ بنِ عَبدِ اللهِ الأنصاريِّ رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّ عَبْدًا لِحاطِبٍ جاءَ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَشكو حاطِبًا، فقال: يا رَسولَ الله ليَدخُلَنَّ حاطِبٌ النَّارَ! فقال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((كذَبْتَ، لا يَدخُلُها؛ فإنَّهُ شَهِدَ بَدرًا والحُدَيبيَةَ)) [801] رواه مسلم (2495). .
قال ابنُ الجوزيِّ: (في هَذا الحَديثِ بِشارةٌ لِمَن شَهِدَ بَدرًا والحُدَيبيَةَ، وقَد قال في أهلِ بَدرٍ: «لعَلَّ اللهَ اطَّلَع عَلى أهلِ بَدرٍ فقال: اعمَلوا ما شِئتُم؛ فإنِّي قَد غَفَرتُ لكم»
[802] أخرجه البخاري (3007)، ومسلم (2494) مطولًا باختلاف يسير من حديثِ علي بن أبي طالب رضي الله عنه. . وقال اللهُ تعالى في أهلِ الحُدَيبيَةِ:
لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ المُؤمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرةِ [الفتح: 18] )
[803] ((كشف المشكل من حديثِ الصحيحين)) (3/ 97). .
وعن جابِرِ بنِ عَبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنهما، عن أمِّ مُبَشِّرٍ رَضِيَ اللهُ عنها، قالت: سَمِعتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولُ عِندَ حَفصةَ:
((لَا يَدْخُلُ النَّارَ -إِنْ شَاءَ اللهُ- مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ أَحَدٌ، الَّذِينَ بَايَعُوا تَحْتَهَا)) [804] رواه مسلم (2496). .
قال النَّوَويُّ: (قال العُلَماءُ: مَعناهُ لا يَدخُلُها أحَدٌ مِنهم قَطعًا، كما صَرَّحَ به في الحَديثِ الَّذي قَبلَهُ؛ حَديثِ حاطِبٍ، وإنَّما قال: «إنْ شاءَ اللهُ»؛ لِلتَّبَرُّكِ لا لِلشَّكِّ)
[805] ((شرح مسلم)) (16/ 58). .
6- قال تعالى:
لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة: 88-89] .
في قولِه تعالى:
لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ إلى قولِه سبحانه:
ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ شاهدٌ لكل مَن حَضَرَ مع رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم غزوةَ تبوك مِن أصحابِه بالجنةِ، فكلُّ مَن شَهِدَ غزوةَ تبوك مِن أصحابِ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم فهو معه في الجنةِ على ما كان فيه بشهادةِ هذه الآيةِ له، وهي حقٌّ
[806] يُنظر: ((النُّكتُ الدالة على البيان)) للقَصَّاب (1/567). .
ب- فضائلُ الصَّحابةِ الواردةُ في السُّنَّةِ 1-عن أبي مُوسى الأشعَريِّ رَضِيَ اللهُ عنه، قال:
((صَلَّيتُ المَغرِبَ مَعَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ثُمَّ قُلنا: لو جَلَسْنا حَتَّى نُصَلِّيَ مَعَهُ العِشاءَ، قال: فجَلَسْنا فخَرجَ علينا فقال: ما زِلتُم هَاهُنا؟ قُلنا: يا رَسولَ اللهِ صَلَّينا مَعَكَ المَغرِبَ، ثُمَّ قُلنا: نَجلِسُ حَتَّى نُصَلِّيَ مَعَكَ العِشاءَ، قال: أحسَنْتُم أو أصبْتُم، قال: فرَفعَ رَأسَه إلى السَّماءِ وكانَ كثيرًا ما يَرفَعُ رَأسَهُ إلى السَّماءِ، فقال: النُّجومُ أَمَنةُ السَّماءِ، فإذا ذَهَبَتِ النُّجومُ أتى السَّماءَ ما تُوعَدُ، وأنا أَمَنةٌ لِأصحابي فإذا ذَهَبْتُ أتى أصحابي ما يُوعَدونَ، وأصحابي أَمَنةٌ لِأُمَّتي فإذا ذَهَبَ أصحابي أتى أمَّتِي ما يُوعَدونَ)) [807] رواه مسلم (2531). .
قال النَّوَويُّ: (مَعنى الحَديثِ أنَّ النُّجومَ ما دامَت باقيةً فالسَّماءُ باقيةٌ، فإذا انكَدَرَتِ النُّجومُ وتَناثَرَت في القيامةِ وهَنَتِ السَّماءُ فانفَطَرَت وانشَقَّت وذَهَبَت، وقَولُهُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «وأنا أَمَنةٌ لِأصحابي فإذا ذَهَبْتُ أتى أصحابي ما يُوعَدونَ» أي: مِنَ الفِتَنِ والحُروبِ وارتِدادِ مَنِ ارتَدَّ مِنَ الأعرابِ واختِلافِ القُلوبِ ونَحوِ ذلك مِمَّا أَنذَرَ به صَريحًا، وقَد وقَعَ كُلُّ ذلك. قَولُهُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «وأصحابي أَمَنةٌ لِأمَّتي، فإذا ذَهَبَ أصحابي أتى أمَّتِي ما يُوعَدونَ» مَعناهُ من ظُهورِ البِدَعِ والحَوادِثِ في الدِّين والفِتَنِ فيه، وطُلوعِ قَرنِ الشَّيطانِ، وظُهورِ الرُّومِ وغَيرِهِم عليهِم، وانتِهاكِ المَدينةِ ومَكةَ، وغَيرِ ذلك، وهَذِه كُلُّها من مُعجِزاتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم)
[808] ((شرح مسلم)) (16/ 83). .
2- عن أبي سَعيدٍ الخُدْريِّ رَضِيَ اللهُ عنه، عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال:
((يَأتي عَلى النَّاسِ زَمانٌ يَغزو فِئامٌ [809] الِفئامُ: الجماعةُ الكثيرةُ. يُنظر: ((النهاية)) لابن الأثير (3/ 406). مِنَ النَّاسِ فيقالُ لهم: فيكم مَن رَأى رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؟ فيَقولونَ: نَعَم، فيُفتَحُ لهم، ثُمَّ يَغزو فِئامٌ مِنَ النَّاسِ فيُقالُ لهم: فيكم مَن رَأى مَن صَحِبَ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؟ فيَقولونَ: نَعَم، فيُفتَحُ لهم، ثُمَّ يَغزو فِئامٌ مِنَ النَّاسِ فيُقال لهم: هَل فيكم من رَأى من صَحِبَ مَن صَحِبَ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؟ فيَقولونَ: نَعَم، فيُفتَحُ لهم)) [810] رواه البخاري (2897)، ومسلم (2532) واللَّفظُ له. .
قال ابنُ بطَّالٍ: (يُفتَحُ لهم لِفَضلِهِم، ثُمَّ يُفتَحُ لِلتَّابِعينَ لِفَضلِهِم، ثُمَّ يُفتَحُ لِتابِعيهِم لِفَضلِهِم، وأوجَبَ الفَضلَ لِثَلاثةِ القُرونِ، ولَم يَذكُرِ الرَّابِعَ، ولَم يَذكُرْ فَضلًا، فالنَّصرُ فيهِم أقَلُّ)
[811] ((شرح صحيح البخاري)) (5/ 91). .
3- عن عَبد اللهِ بنِ مَسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال:
((سُئِلَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أيُّ النَّاسِ خَيرٌ؟ قال: قَرْني، ثُمَّ الَّذينَ يَلُونَهم، ثُمَّ الَّذينَ يَلُونَهم، ثُمَّ يَجيءُ قَومٌ تَبدُرُ شَهادةُ أحَدِهِم يَمينَهُ، وتَبْدُرُ يَمينُهُ شَهادَتَه [812] قال النووي: (قوله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "ثمَّ يجيء قومٌ تسبقُ شهادةُ أحَدِهم يمينَه، ويمينُه شهادتَه" هذا ذمٌّ لمن يشهدُ ويحلِفُ مع شَهادتِه... ومعنى الحديثِ: أنَّه يجمعُ بيْن اليمينِ والشَّهادةِ؛ فتارةً تسبقُ هذه وتارةً هذه، وفي الرِّوايةِ الأخرى: "تبدرُ شهادةُ أحدِهم" وهو يعني: تسبِقُ). ((شرح مسلم)) (16/ 85، 86). ) [813] رواه البخاري (3651)، ومسلم (2533) واللَّفظُ له. .
قال ابنُ هُبَيرةَ: (في هَذا الحَديثِ دَليلٌ عَلى أنَّ خَيرَ النَّاسِ الَّذينَ صَحِبوا رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ورَأوهُ، ثُمَّ التَّابِعونَ لهم بإحسانٍ، كما قال عَزَّ وجَلَّ:
والَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ)
[814] ((الإفصاح)) (2/ 49). .
وقال أبو العَبَّاسِ القُرطُبيُّ: (يَعني: أنَّ هَذِه القُرونَ الثَّلاثةَ أفضَلُ مِمَّا بَعدَها إلى يَومِ القيامةِ، وهَذِه القُرونُ في أنفُسِها مُتَفاضِلةٌ، فأفضَلُها: الأوَّلُ، ثُمَّ الَّذي بَعدَهُ، ثُمَّ الَّذي بَعدَهُ. هَذا ظاهِرُ الحَديثِ. فأمَّا أفضَليَّةُ الصَّحابةِ، وهمُ القَرنُ الأوَّلُ عَلى مَن بَعدَهم، فلا تَخفى... وأمَّا أفضَليَّةُ مَن بَعدَهم بَعضِهم عَلى بَعضٍ، فبِحَسَبِ قُربِهِم مِنَ القَرنِ الأوَّلِ، وبِحَسَبِ ما ظَهَرَ عَلى أيديهِم من إعلاءِ كلِمةِ الدِّين، ونَشْرِ العِلمِ، وفَتحِ الأمصارِ، وإخمادِ كَلِمةِ الكُفرِ، ولا خَفاءَ أنَّ الَّذي كانَ مِن ذلك في قَرنِ التَّابِعين كانَ أكثَرَ وأغلَبَ مِمَّا كانَ في أتْباعِهم، وكَذلك الأمرُ في الَّذينَ بَعدَهم، ثُمَّ بَعدَ هَذا غَلَبَتِ الشُّرورُ، وارتُكِبَتِ الأمورُ)
[815] ((المفهم)) (6/ 486). .
وقال ابنُ تيميَّةَ: (الِاعتِبارُ بالقُرونِ الثَّلاثةِ بجُمهورِ أهلِ القَرنِ، وهم وسَطُهُ، وجُمهورُ الصَّحابةِ انقَرَضوا بانقِراضِ خِلافةِ الخُلَفاءِ الأربَعةِ، حَتَّى إنَّهُ لم يَكُنْ بَقي من أهلِ بَدرٍ إلَّا نَفرٌ قَليلٌ، وجُمهورُ التَّابِعين بإحسانٍ انقَرَضوا في أواخِرِ عَصرِ أصاغِرِ الصَّحابةِ في إمارةِ ابنِ الزُّبيرِ وعَبدِ المِلكِ، وجُمهورُ تابِعِي التَّابِعينَ في أواخِرِ الدَّولةِ الأُمَويَّةِ وأوائِلِ الدَّولةِ العَبَّاسيَّةِ)
[816] ((مجموع الفتاوى)) (10/ 357). .
4- عن عِمرانَ بنِ حُصَينٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((إنَّ خَيرَكم قَرني، ثُمَّ الَّذينَ يَلُونَهم، ثُمَّ الَّذينَ يَلُونَهم، ثُمَّ الَّذينَ يَلُونَهم)) قال عِمرانُ: فلا أدري أقال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بَعدَ قَرنِه مَرَّتين أو ثَلاثًا
((ثُمَّ يَكونُ بَعدَهم قَومٌ يَشهَدونَ ولا يُستَشهَدونَ، ويَخونونَ ولا يُؤتَمَنونَ، ويَنذِرونَ ولا يُوفُونَ، ويَظهَرُ فيهِم السِّمَنُ)) [817] رواه البخاري (2651)، ومسلم (2535) واللَّفظُ له. . زادَ في رِوايةٍ:
((ويَحلِفونَ ولا يُستَحلَفونَ)) [818] رواها مسلم (2535/ 215). .
قال السُّيوطيُّ: (القَرنُ: أهْلُ زَمانٍ واحِدٍ مُتَقارِبٍ، اشتَرَكوا في أمرٍ مِنَ الأمورِ المَقصودةِ، والأصَحُّ: أنَّه لا يَنضَبِطُ بمُدَّةٍ، فقَرنُهُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم همُ الصَّحابةُ، وكانَت مُدَّتُهم مِنَ المَبعَثِ إلى آخِرِ من ماتَ مِنَ الصَّحابةِ مِائةً وعِشرينَ سَنةً، وقَرنُ التَّابِعين من سَنةِ مِائةٍ إلى نَحوِ سَبعين، وقَرنُ أتباعِ التَّابِعين مِن ثَمَّ إلى حُدودِ العِشرينَ ومِائَتين، وفي هَذا الوَقتِ ظَهَرَتِ البِدَعُ ظُهورًا فاشيًا، وأطلَقَتِ المُعتَزِلةُ ألسِنَتَها، ورَفَعَتِ الفَلاسِفةُ رُؤوسَها، وامتُحِنَ أهلُ العِلمِ ليَقولوا بخَلقِ القُرآنِ، وتَغَيَّرَتِ الأحوالُ تَغَيُّرًا شَديدًا، ولَم يَزَلِ الأمرُ في نَقصٍ إلى الآنَ)
[819] ((التوشيح شرح الجامع الصحيح)) (6/ 2316). ويُنظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (7/ 6). .
وقال القَسْطلانيُّ: («خَيْرُكم» أي: خَيرُ النَّاسِ أهْلُ «قَرْني» أي عَصري، مَأخوذٌ من الِاقتِرانِ في الأمرِ الَّذي يَجمَعُهم، والمُرادُ هُنا الصَّحابةُ. قيلَ: والقَرنُ: ثَمانونَ سَنةً أو أربَعونَ أو مِائةٌ أو غَيرُ ذلك «ثُمَّ الَّذينَ يَلُونَهم» أي: يَقرُبونَ مِنهم، وهمُ التَّابِعونَ «ثُمَّ الَّذينَ يَلُونَهم» وهم أتْباعُ التَّابِعين)
[820] ((إرشاد الساري)) (4/ 383). .
5- عن واثِلةَ بنِ الأسقَعِ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((لا تَزالونَ بخَيرٍ ما دامَ فيكم مَن رآني وصاحَبَني، واللهِ لا تزالونَ بخَيرٍ ما دامَ فيكم من رأى مَن رآني وصاحَبَ مَن صاحَبَني، واللهِ لا تزالونَ بخَيرٍ ما دامَ فيكم مَن رأى مَن رأى مَن رآني، وصاحَبَ مَن صاحَبَ مَن صاحَبَني)) [821] أخرجه ابن أبي شيبة (33084)، وابن أبي عاصم في ((السنة)) (1481) واللفظ لهما، والطبراني (22/85) (207) مختصراً. صحَّحه الوادعيُّ في ((الصَّحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (1196)، وجوَّد إسناده الألبانيُّ في ((سلسلة الأحاديث الصحيحة)) (3283)، وحسَّنه ابن حجر في ((فتح الباري)) (7/7). .
6- عن أبي سَعيدٍ الخُدْريِّ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: كانَ بَينَ خالِدِ بْنِ الوَليدِ وبَينَ عَبدِ الرَّحمَنِ بنِ عَوفٍ شَيءٌ، فسَبَّهُ خالِدٌ، فقال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((لا تَسُبُّوا أحَدًا من أصحابي، فإنَّ أحَدَكم لو أنفَقَ مِثلَ أُحُدٍ ذَهَبًا، ما أدرَكَ مُدَّ [822] المُدُّ: رُبعُ الصَّاعِ. يُنظر: ((كشف المشكل)) لابن الجوزي (3/ 150). أحَدِهم ولا نَصيفَه [823] النَّصيفُ: نِصفُ الصَّاعِ، والعَرَبُ تُسَمِّي النِّصفَ: النَّصيفَ. يُنظر: ((كشف المشكل)) لابن الجوزي (3/ 150). ) [824] رواه البخاري (3673)، ومسلم (2541) واللَّفظُ له. .
قال ابنُ الجَوزيِّ: (... إنْ قال قائِلٌ: لِمَن خاطَبَ؟ إن كانَ خاطَبَ أصحابَه فكَيفَ يَقولُ: «يا أصحابي»، و«لا تَسُبُّوا أصحابي»، وإن كانَ خاطَبَ التَّابِعين فما وُجِدوا بَعدُ؟
فالجَوابُ: أنَّه يَحتَمِلُ الأمرَينِ، فإن كانَ خاطَبَ أصحابَه فالخِطابُ لِلمُتَأخِّرين مِنهم، فأعلَمُهم أنَّهم لن يَبلُغوا مَرتَبةَ المُتَقَدِّمين، كما قال في حَقِّ أبي بَكْرٍ: «قُلتُم: كذَبْتَ، وقال: صَدَقْتَ، فهَل أنتُم تارِكو صاحِبي؟»
[825] أخرجه البخاري (3661) باختلافٍ يسيرٍ مطوَّلًا. ، ويَكشِفُ هَذا قَولُهُ تعالى:
لَا يَستَوي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ [الحَديد: 10] .
وإن كانَ قال لِمَن سَيَأتي فعلى مَعنى: بَلِّغوا مَن يَأتي، ويوَضِّحُهُ قَولُهُ تعالى:
لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ [الأنعام: 19] )
[826] ((كشف المشكل)) (3/ 150). .
الأدلَّةُ على تفاوتِ الصَّحابةِ في الفضْلِ والمنزِلَةِأ- مِنَ القُرآنِ الكَريمِ1- قال تعالى:
وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [الحديد: 10] .
قال ابنُ جُزَي: (مَعنى الآيةِ التَّفاوُتُ في الأجرِ والدَّرَجاتِ بَينَ مَن أنفَقَ في سَبيلِ اللهِ وقاتَلَ قَبلَ فتحِ مَكَّةَ، وبَينَ مَن أنفَقَ وقاتَلَ بَعدَ ذلك؛ فإنَّ الإسلامَ قَبلَ الفَتحِ كانَ ضَعيفًا، والحاجةُ إلى الإنفاقِ والقِتالِ كانَت أشَدَّ، ويُؤخَذُ مِنَ الآيةِ أنَّ مَن أنفَقَ في شِدَّةٍ أعظَمُ أجرًا مِمَّن أنفَقَ في حالِ الرَّخاءِ... وفي هَذا المَعنى قال رَسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآلِه وسَلَّم: «لا تَسُبُّوا أصحابي؛ فلو أنفَقَ أحَدُكم مِثلَ أُحُدٍ ذَهَبًا ما بَلَغَ مُدَّ أحَدِهِم ولا نَصيفَه»
[827] رواه البخاري (3673)، ومسلم (2541) باختلاف يسيرٍ من حديثِ أبي سعيد الخدريِّ رضي الله عنه. ، يَعني: السَّابِقين الأوَّلين مِنَ المُهاجِرينَ والأنصارِ، وخاطَبَ بذلك مَن جاءَ بَعدَهم من سائِرِ الصَّحابةِ، ويَدخُلُ في الخِطابِ كُلُّ مَن يَأتي إلى يَومِ القيامةِ،
وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنَى أي: كُلُّ واحِدةٍ مِنَ الطَّائِفَتين الَّذينَ أنفَقوا وقاتَلوا قَبلَ الفَتحِ وبَعدَهُ وعَدَهمُ اللهُ الجَنَّةَ)
[828] ((التسهيل لعلوم التنزيل)) (2/ 344، 345). .
وقال السِّعديُّ: (المُرادُ بالفَتحِ هُنا هو فَتحُ الحُدَيبيَةِ، حينَ جَرى مِنَ الصُّلحِ بَينَ الرَّسولِ وبَينَ قُرَيشٍ مِمَّا هو أعظَمُ الفُتوحاتِ الَّتي حَصَلَ بها نَشرُ الإسلامِ، واختِلاطُ المُسْلِمينَ بالكافِرين، والدَّعوةُ إلى الدِّينِ مِن غَيرِ مُعارِضٍ، فدَخلَ النَّاسُ من ذلك الوَقتِ في دينِ اللهِ أفواجًا، واعتَزَّ الإسلامُ عِزًّا عَظيمًا، وكانَ المُسْلِمونَ قَبلَ هَذا الفَتحِ لا يَقدِرونَ عَلى الدَّعوةِ إلى الدِّينِ في غَيرِ البُقعةِ الَّتي أسلَمَ أهلُها، كالمَدينةِ وتَوابِعِها، وكانَ مَن أسلَمَ مِن أهلِ مكَّةَ وغَيرِها مِن ديارِ المُشرِكينَ يُؤذى ويُخافُ؛ فلِذلك كانَ مَن أسلَمَ قَبلَ الفَتحِ وأنفَقَ وقاتَلَ أعظَمَ دَرَجةً وأجرًا وثَوابًا مِمَّن لم يُسلِمْ ويُقاتِلْ ويُنفِقْ إلَّا بَعدَ ذلك، كما هو مُقتَضى الحِكْمةِ؛ ولِذلك كانَ السَّابِقونَ وفُضَلاءُ الصَّحابةِ غالِبُهم أسلَمَ قَبلَ الفَتحِ)
[829] ((تيسير الكريم الرحمن)) (ص: 839). .
2- قال تعالى:
وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ [التوبة: 100] .
قال الشَّوكانيُّ: (في الآيةِ تَفضيلُ السَّابِقينَ الأوَّلينَ مِنَ المُهاجِرينَ والأنصارِ، وهمُ الَّذينَ صَلَّوا القِبْلَتينِ في قَولِ سَعيدِ بنِ المُسَيِّبِ وطائِفةٍ، أوِ الَّذينَ شَهِدوا بيعةَ الرِّضوانِ، وهيَ بيعةُ الحُدَيبيَةِ في قَولِ الشَّعبيِّ، أو أهْلُ بَدرٍ في قَولِ مُحَمَّدِ بنِ كَعبٍ وعَطاءِ بْنِ يَسارٍ، ولا مانِعَ من حَملِ الآيةِ عَلى هَذِه الأصنافِ كُلِّها، قال أبو مَنصورٍ البَغداديُّ: أصحابُنا مُجْمِعونَ عَلى أنَّ أفضَلَهمُ الخُلفاءُ الأربَعةُ، ثُمَّ السِّتَّةُ الباقونَ، ثُمَّ البَدريُّون، ثُمَّ أصحابُ أُحُدٍ، ثُمَّ أهْلُ بَيعةِ الرِّضوانِ بالحُدَيبيَةِ...
ومَعنى
الَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ: الَّذينَ اتَّبَعوا السَّابِقين الأوَّلين مِنَ المُهاجِرينَ والأنصارِ، وهمُ المُتَأخِّرونَ عنهم مِنَ الصَّحابةِ فمَن بَعدَهُم إلى يَومِ القيامةِ، ولَيسَ المُرادُ بهِم التَّابِعينَ اصطِلاحًا، وهم كُلُّ من أدرَك الصَّحابةَ ولَم يُدرِكِ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، بَل هم من جُملةِ مَن يَدخُلُ تَحتَ الآيةِ، فتَكونُ
مِن في قَولِه:
مِنَ الْمُهَاجِرينَ عَلى هَذا لِلتَّبعيضِ، وقيلَ: إنَّها لِلبَيانِ، فيَتَناوَلُ المَدحُ جَميعَ الصَّحابةِ، ويَكونُ المُرادُ بالتَّابِعينَ: مَن بَعدَهُم مِنَ الأمَّةِ إلى يَومِ القيامةِ)
[830] ((فتح القدير)) (2/ 453). .
3- قال تعالى:
يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ [الأحزاب: 32] .
قال ابنُ عَبَّاسٍ: (يُريدُ: ليسَ قَدرُكُنَّ عِندي مِثلَ قَدْرِ غَيرِكُنَّ مِنَ النِّساءِ الصَّالِحاتِ، أنتُنَّ أكرَمُ عليَّ وأنا بكنَّ أرحَمُ وثَوابُكُنَّ أعظَمُ)
[831] ذكره الواحديُّ في ((التفسير الوسيط)) (3/469). قيل: ظاهرُ الآيةِ أنَّ أزواجَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أفضَلُ النِّساءِ مُطلقًا حتَّى على مَريَمَ، وظاهرُها أيضًا تَفضيلُهنَّ على بَناتِه إلَّا أن يُقالَ بدُخولهنَّ في اللَّفظِ لأنَّهنَّ مِن نِساءِ النَّبيِّ. وقيل: التَّفضيلُ على جَميعِ النِّساءِ، ويَخرُجُ مِن هذا العُمومِ فاطِمةُ بنتُ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ومَريَمُ بنتُ عِمرانَ، وآسيةُ امرَأةُ فِرعَونَ؛ لشَهادةِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لكُلِّ واحِدةٍ مِنهنَّ بأنَّها سَيِّدةُ نِساءِ عالَمِها. يُنظر: ((تفسير ابن جزي)) (2/151)، ((الإكليل في استنباط التنزيل)) للسيوطي (ص: 211). .
ب- مِنَ السُّنَّةِ النَّبَويَّةِ 1-عن أبي سَعيدٍ الخُدْريِّ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((لا تَسُبُّوا أصحابي؛ فلَو أنَّ أحَدَكم أنفَقَ مِثلَ أُحُدٍ ذَهَبًا ما بَلَغَ مُدَّ أحَدِهِم ولا نَصيفَه [832] المُدُّ: رُبعُ الصَّاعِ، ويُقالُ: إنَّه مُقدَّرٌ بأن يَمُدَّ الرَّجُلُ يَدَيه فيَملأَ كَفَّيه طَعامًا؛ ولذلك سُمِّيَ مَدًّا. والنَّصيفُ: النِّصفُ، وهو مِن كُلِّ شَيءٍ: شَطرُه مُساويًا له في القَدرِ، والمُرادُ هنا: نِصفُ المُدِّ، والمَعنى: أنَّ جُهدَ المُقِلِّ مِنهم واليَسيرَ مِنَ النَّفقةِ الذي أنفقوه في سَبيلِ اللهِ مَعَ شِدَّةِ العَيشِ والضِّيقِ الذي كانوا فيه، أوفى عِندَ اللهِ وأزكى مِنَ الكَثيرِ الذي يُنفِقُه مَن بَعدَهم. يُنظر: ((غريب الحديث)) للقاسم بن سلام (1/ 379)، ((معالم السنن)) للخطابي (4/ 308)، ((غريب الحديث)) للخطابي (1/ 248)، ((عمدة الحفاظ)) للسمين الحلبي (4/ 184). ) [833] رواه البخاري (3673) واللَّفظُ له، ومسلم (2541). .
وفي رِوايةٍ: قال أبو سَعيدٍ: كانَ بَينَ خالِدِ بنِ الوَليدِ وبَينَ عَبدِ الرَّحمَنِ بنِ عَوفٍ شَيءٌ، فسَبَّهُ خالِدٌ، فقال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((لا تَسُبُّوا أحَدًا من أصحابي؛ فإنَّ أحَدَكم لو أنفَقَ مِثلَ أُحُدٍ ذَهَبًا ما أدرَكَ مُدَّ أحَدِهم ولا نَصيفَه)) [834] رواه البخاري (3673)، ومسلم (2541) واللَّفظُ له. .
قال عِياضٌ: (أي: أجرُهم هم مُضاعَفٌ لِمَكانِهِم مِنَ الصُّحبةِ، حَتَّى لا يُوازي إنفاقُ مِثلِ أحُدٍ ذَهَبًا صَدَقةَ أحَدِهم بنِصفِ مُدٍّ، وما بَينَ هَذا التَّقديرِ لا يُحصى.
وهَذا يَقتَضي ما قَدَّمْناهُ من قَولِ جُمهورِ الأمَّةِ من تَفضيلِهِم عَلى مَن سِواهم بتَضعيفِ أجورِهِم، ولِأنَّ إنفاقَهم كانَ في وقتِ الحاجةِ والضَّرورةِ وإقامةِ الأمرِ وبَدءِ الإسلامِ، وإيثارِ النَّفسِ، وقِلَّةِ ذاتِ اليَدِ، ونَفقةُ غَيرِهِم بَعدَ الِاستِغناءِ عن كثيرٍ مِنها معَ سَعةِ الحالِ، وكَثرةِ ذاتِ اليَدِ، ولِأنَّ إنفاقَهم كانَ في نُصرةِ ذاتِ النَّبيِّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ وحِمايَتِه، وذلك مَعدومٌ بَعدَه، وكَذلك جِهادُهم وأعمالُهم كُلُّها، وقَد قال تعالى:
لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ الآيةَ)
[835] ((إكمال المعلم)) (7/ 580). .
2- قال ابنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما: (كُنَّا نَخيِّرُ بَينَ النَّاسِ في زَمَنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فنُخَيِّرُ أبا بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ، ثُمَّ عُثمانَ بنَ عَفَّانَ)
[836] رواه البخاري (3655). .
قال ابنُ عَبدِ البَرِّ: (فضَّلَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم جَماعةً مِن أصحابِه بفَضائِلَ خَصَّ كُلَّ واحِدٍ مِنهم بفَضيلةٍ وسَمَه بها وذَكرَه فيها، ولَم يَأتِ عنه عليه السَّلامُ أنَّه فضَّلَ مِنهم واحِدًا عَلى صاحِبِه بعَيْنِه من وجهٍ يَصِحُّ، ولَكِنَّهُ ذَكَرَ من فضائِلِهِم ما يُستَدَلُّ به عَلى مَواضِعِهِم ومَنازِلِهِم مِنَ الفَضلِ والدِّينِ والعِلمِ، وكانَ صَلَّى اللهُ عليه وآلِه وسَلَّم أحلَمَ وأكرَمَ مُعاشَرةً، وأعلَمَ بمَحاسِنِ الأخلاقِ مِن أن يواجِهَ فاضِلًا مِنهم بأنَّ غَيرَهُ أفضَلُ مِنهُ، فيَجِدَ من ذلك في نَفسِه، بَل فضَّل السَّابِقين مِنهم وأهْلَ الِاختِصاصِ به عَلى مَن لم يَنَلْ مَنازِلَهم، فقال لهم: «لو أنفَقَ أحَدُكم مِثلَ أُحُدٍ ذَهَبًا ما بَلَغَ مُدَّ أحَدِهِم ولا نَصيفَه»
[837] رواه البخاري (3673)، ومسلم (2541) باختلاف يسيرٍ من حديثِ أبي سعيدٍ الخُدْريِّ رضي الله عنه. ، وهذا مِن معنى قَولِ اللهِ تعالى:
لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى [الحديد: 10] ، ومُحالٌ أن يَستَويَ مَن قاتَلَه صَلَّى اللهُ عليه وآلِه وسلَّم معَ مَن قاتَلَ عنه)
[838] ((الاستيعاب)) (1/ 18). .
فائدةٌ:قال أبو جَعفَرٍ الطَّحاويُّ في بَيانِ عَقيدةِ أهلِ السُّنَّةِ والجَماعةِ: (نُثبِتُ الخِلافةَ بَعدَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أوَّلًا لأبي بَكرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللهُ عنه تَفضيلًا لهُ وتَقديمًا عَلى جَميعِ الأمَّةِ، ثُمَّ لعُمرَ بنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنه، ثُمَّ لعُثمانَ رَضِيَ اللهُ عنه، ثُمَّ لعَليِّ بنِ أبي طالِبٍ رَضِيَ اللهُ عنه، وهمُ الخُلفاءُ الرَّاشِدونَ والأئِمَّةُ المَهدِيُّونَ، وأنَّ العَشَرةَ الذينَ سَمَّاهم رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وبَشَّرَهم بالجَنَّةِ نَشهَدُ لهم بالجَنَّةِ على ما شَهدَ لهم رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وقَولُه الحَقُّ، وهم: أبو بَكرٍ، وعُمَرُ، وعُثمانُ، وعَليٌّ، وطَلحةُ، والزُّبَيرُ، وسَعدٌ، وسَعيدٌ، وعَبدُ الرَّحمَنِ بنُ عَوفٍ، وأبو عُبَيدةَ بنُ الجَرَّاحِ، وهو أمينُ هذه الأُمَّةِ، رَضيَ اللهُ عنهم أجمَعينَ)
[839] ((متن الطحاوية)) (ص: 81، 82). .
وقال البَيهَقيُّ: (إذا ظَهَرَ أنَّ حُبَّ الصَّحابةِ مِنَ الإيمانِ، فحُبُّهم أن يَعتَقِدَ فضائِلَهم، ويَعتَرِفَ لهم بها، ويَعرِفَ لكُلِّ ذي حَقٍّ مِنهم حَقَّه، ولِكُلِّ ذي غَناءٍ في الإسلامِ مِنهم غَناءَه، ولِكُلِّ ذي مَنزِلةٍ عِندَ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مَنزِلَتَه، ويَنشُرَ مَحاسِنَهم، ويَدعوَ بالخَيرِ لهم، ويَقتَديَ بما جاءَ في أبوابِ الدِّينِ عنهم)
[840] ((شعب الإيمان)) (3/ 94). .
وقال ابنُ تيميَّةَ في اعتِقادِ الفِرقةِ النَّاجيةِ المَنصورةِ إلى قيامِ السَّاعةِ؛ أهلِ السُّنَّةِ والجَماعةِ: (يَقبَلونَ ما جاءَ به الكِتابُ أوِ السُّنَّةُ أوِ الإجماعُ مِن فضائِلهم ومَراتِبِهم، فيُفضِّلونَ مَن أنفقَ مِن قَبلِ الفَتحِ -وهو صُلحُ الحُدَيبيَةِ- وقاتَلَ على مَن أنفقَ مِن بَعدِه وقاتَلَ، ويُقدِّمونَ المُهاجِرينَ على الأنصارِ، ويُؤمِنونَ بأنَّ اللهَ تعالى قال لأهلِ بَدرٍ -وكانوا ثَلاثَمِائةٍ وبضعةَ عَشَرَ-: «اعمَلوا ما شِئتُم فقد غَفرتُ لكم»
[841] لفظه: عن علي رَضِيَ اللهُ عنه يقول: ((بَعَثَنِي رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَا والزُّبَيْرَ، والمِقْدَادَ بنَ الأسْوَدِ، قَالَ: انْطَلِقُوا حتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ، فإنَّ بهَا ظَعِينَةً، ومعهَا كِتَابٌ فَخُذُوهُ منها، فَانْطَلَقْنَا تَعَادَى بنَا خَيْلُنَا حتَّى انْتَهَيْنَا إلى الرَّوْضَةِ، فَإِذَا نَحْنُ بالظَّعِينَةِ، فَقُلْنَا أخْرِجِي الكِتَابَ، فَقَالَتْ: ما مَعِي مِن كِتَابٍ، فَقُلْنَا: لَتُخْرِجِنَّ الكِتَابَ أوْ لَنُلْقِيَنَّ الثِّيَابَ، فأخْرَجَتْهُ مِن عِقَاصِهَا، فأتَيْنَا به رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَإِذَا فيه مِن حَاطِبِ بنِ أبِي بَلْتَعَةَ إلى أُنَاسٍ مِنَ المُشْرِكِينَ مِن أهْلِ مَكَّةَ يُخْبِرُهُمْ ببَعْضِ أمْرِ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَقَالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: يا حَاطِبُ ما هذا؟، قَالَ: يا رَسولَ اللَّهِ، لا تَعْجَلْ عَلَيَّ إنِّي كُنْتُ امْرَأً مُلْصَقًا في قُرَيْشٍ، ولَمْ أكُنْ مِن أنْفُسِهَا، وكانَ مَن معكَ مِنَ المُهَاجِرِينَ لهمْ قَرَابَاتٌ بمَكَّةَ يَحْمُونَ بهَا أهْلِيهِمْ وأَمْوَالَهُمْ، فأحْبَبْتُ إذْ فَاتَنِي ذلكَ مِنَ النَّسَبِ فيهم، أنْ أتَّخِذَ عِنْدَهُمْ يَدًا يَحْمُونَ بهَا قَرَابَتِي، وما فَعَلْتُ كُفْرًا ولَا ارْتِدَادًا، ولَا رِضًا بالكُفْرِ بَعْدَ الإسْلَامِ، فَقَالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: لقَدْ صَدَقَكُمْ، قَالَ عُمَرُ: يا رَسولَ اللَّهِ دَعْنِي أضْرِبْ عُنُقَ هذا المُنَافِقِ، قَالَ: إنَّه قدْ شَهِدَ بَدْرًا، وما يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ أنْ يَكونَ قَدِ اطَّلَعَ علَى أهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ: اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ فقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ)). أخرجه البخاري (3007) واللفظ له، ومسلم (2494). . وبأنَّه لا يَدخُلُ النَّارَ أحَدٌ بايَعَ تَحتَ الشَّجَرةِ، كما أخبَرَ به النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم
[842] أخرجه أبو داود (4653)، والترمذي (3860)، وأحمد (14778) مِن حَديثِ جابِرِ بنِ عبدِ اللهِ رَضيَ اللهُ عنهما. صحَّحه ابن حبان في ((صحيحه)) (4802)، وابن حجر في ((الرحمة الغيثية)) (117)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (4653)، وقال الترمذي: حسن صحيح. ، بل قد رَضيَ عنهم ورَضُوا عنه، وكانوا أكثَرَ مِن ألفٍ وأربَعِمِائةٍ. ويَشهَدونَ بالجَنَّةِ لمَن شَهدَ له النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، كالعَشَرةِ
[843] لَفظُه: عن سَعيدِ بنِ زَيدِ بنِ عَمرِو بنِ نُفَيلٍ، أنَّه قال: ((أشهَدُ عَلى التِّسعةِ أنَّهم في الجَنَّةِ، ولو شَهِدتُ عَلى العاشِرِ لم آثَمْ، قيلَ: وكَيفَ ذاكَ؟ قال: كُنَّا مَعَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بحِراءٍ، قال: اثبُتْ حِراءُ؛ فإنَّهُ ليس عليك إلَّا نَبيٌّ أو صِدِّيقٌ أو شَهيدٌ، قيلَ: ومَن هم؟ قال: رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وأبو بَكرٍ، وعُمرُ، وعُثمانُ، وعَليٌّ، وطَلحةُ، والزُّبَيرُ، وسَعدٌ، وعَبدُ الرَّحمَنِ بنُ عَوفٍ، قيلَ: فمَنِ العاشِرُ؟ قال: أنا)). أخرجه أبو داود (4648)، والترمذي (3757) واللفظ له، وأحمد (1644). صحَّحه ابن حبان في ((صحيحه)) (6996)، وابن حجر في ((الإمتاع)) (1/104)، والألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (3757)، وقال الترمذي: حسن صحيح. ، وكثابِتِ بنِ قَيسِ بنِ شَمَّاسٍ
[844] لَفظُه: عن موسى بنِ أنَسٍ عن أنسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه، ((أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم افتقَد ثابِتَ بنَ قَيسٍ، فقال رجُلٌ: يا رسولَ اللهِ، أنا أعلَمُ لك عِلمَه، فأتاه فوجَده جالسًا في بيتِه، مُنَكِّسًا رأسَه، فقال: ما شأنُك؟ فقال: شَرٌّ! كان يرفَعُ صوتَه فوقَ صوتِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقد حَبِط عَمَلُه، وهو من أهلِ النَّارِ! فأتى الرَّجُلُ فأخبره أنَّه قال كذا وكذا، فقال موسى بنُ أنَسٍ: فرجع المرَّةَ الآخرةَ ببشارةٍ عظيمةٍ، فقال: اذهَبْ إليه، فقُلْ له: إنَّك لستَ من أهلِ النَّارِ، ولكِنْ من أهلِ الجنَّةِ)). أخرجه البخاري (3613) واللفظ له، ومسلم (119). ، وغَيرِهم مِنَ الصَّحابةِ. ويُقِرُّونَ بما تَواتَرَ به النَّقلُ عن أميرِ المُؤمِنينَ عَليِّ بنِ أبي طالِبٍ رَضيَ اللهُ عنه وغَيرِه مِن أنَّ خَيرَ هذه الأُمَّةِ بَعدَ نَبيِّها: أبو بَكرٍ، ثُمَّ عُمَرُ، ويُثَلِّثون بعُثمانَ
[845] لَفظُه: عنِ ابنِ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنهما قال: (كُنَّا في زَمَنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لا نَعدِلُ بأبي بَكرٍ أحَدًا، ثُمَّ عُمَرَ، ثُمَّ عُثمانَ، ثُمَّ نَترُكُ أصحابَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لا نُفاضِلُ بَينَهم). أخرجه البخاري (3698). وعنِ ابنِ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنهما قال: (كُنَّا نُخَيِّرُ بَينَ النَّاسِ في زَمَنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فنُخَيِّرُ أبا بَكرٍ، ثُمَّ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ، ثُمَّ عُثمانَ بنَ عَفَّانَ، رَضيَ اللهُ عنهم). أخرجه البخاري (3655). ، ويُرَبِّعونَ بعَليٍّ، رَضيَ اللهُ عنهم، كما دَلَّت عليه الآثارُ)
[846] ((العقيدة الواسطية)) (ص: 115-117). .