فوائدُ ومسائلُ متفرِّقةٌ
مِن معاني دعاءِ الاستخارةِقال ابنُ القَيِّمِ: (وكان شَيخُنا -يَعني: ابنَ تيميَّةَ- يَقولُ: المَقدورُ يَكتَنِفُه أمرانِ: التَّوكُّلُ قَبلَه، والرِّضا بَعدَه؛ فمَن تَوكَّل على اللهِ قَبلَ الفِعلِ، ورَضيَ بالمَقضيِّ له بَعدَ الفِعلِ؛ فقد قامَ بالعُبوديَّةِ. أو مَعنى هذا.
قُلتُ: وهذا مَعنى قَولِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في دُعاءِ الاستِخارةِ:
((اللَّهُمَّ إنِّي أسَتخيرُك بعِلمِك، وأستَقدِرُك بقُدرَتِك، وأسألُك مِن فَضلِك العَظيمِ))، فهذا تَوكُّلٌ وتَفويضٌ، ثُمَّ قال:
((فإنَّك تَعلَمُ ولا أعلَمُ، وتَقدِرُ ولا أقدِرُ، وأنتَ عَلَّامُ الغُيوبِ))، فهذا تَبَرُّؤٌ إلى اللهِ مِنَ العِلمِ والحَولِ والقوَّةِ، وتَوسُّلٌ إليه سُبحانَه بصِفاتِه التي هيَ أحَبُّ ما تَوسَّلَ إليه بها المُتَوسِّلونَ. ثُمَّ سَألَ رَبَّه أن يَقضيَ له ذلك الأمرَ إن كان فيه مَصلَحَتُه، عاجِلًا أو آجِلًا، وأن يَصرِفَه عنه إن كان فيه مَضَرَّتُه، عاجِلًا أو آجِلًا. فهذا هو حاجَتُه التي سَألَها، فلَم يَبقَ عليه إلَّا الرِّضا بما يَقضيه له، فقال:
((واقدُرْ لي الخَيرَ حَيثُ كان، ثُمَّ رَضِّني به)).
فقدِ اشتَمَلَ هذا الدُّعاءُ على هذه المَعارِفِ الإلَهيَّةِ، والحَقائِقِ الإيمانيَّةِ، التي مِن جُملَتِها التَّوكُّلُ والتَّفويضُ قَبلَ وُقوعِ المَقدورِ، والرِّضا بَعدَه، وهو ثَمَرةُ التَّوكُّلِ. والتَّفويضُ عَلامةُ صِحَّتِه، فإن لَم يَرضَ بما قُضيَ له فتَفويضُه مَعلولٌ فاسِدٌ)
[2455] ((مدارج السالكين)) (2/ 122، 123). .
الاستخارةُ عِوَضٌ عَمَّا كان عليه أهلُ الجاهليَّةِقال ابنُ القَيِّمِ بَعدَ أن ذَكَرَ حَديثَ الاستِخارةِ: عَوَّضَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أُمَّتَه بهذا الدُّعاءِ عَمَّا كان عليه أهلُ الجاهليَّةِ مِن زَجرِ الطَّيرِ والاستِقسامِ بالأزلامِ الذي نَظيرُه هذه القُرعةُ التي كان يَفعَلُها إخوانُ المُشرِكينَ، يَطلُبونَ بها عِلمَ ما قُسِمَ لَهم في الغَيبِ؛ ولهذا سُمِّيَ ذلك استِقسامًا، وهو استِفعالٌ مِنَ القَسْمِ، والسِّينُ فيه للطَّلَبِ، وعَوَّضَهم بهذا الدُّعاءِ الذي هو تَوحيدٌ وافتِقارٌ، وعُبوديَّةٌ، وتَوكُّلٌ، وسُؤالٌ لمَن بيَدِه الخَيرُ كُلُّه، الذي لا يَأتي بالحَسَناتِ إلَّا هو، ولا يَصرِفُ السَّيِّئاتِ إلَّا هو، الذي إذا فتَحَ لعَبدِه رَحمةً لَم يَستَطِعْ أحَدٌ حَبْسَها عنه، وإذا أمسَكَها لَم يَستَطِعْ أحَدٌ إرسالَها إليه؛ مِنَ التَّطَيُّرِ والتَّنجيمِ واختيارِ الطَّالعِ ونَحوِه.
فهذا الدُّعاءُ، هو الطَّالعُ المَيمونُ السَّعيدُ، طالِعُ أهلِ السَّعادةِ والتَّوفيقِ، الذينَ سَبَقَت لَهم مِنَ اللهِ الحُسنى، لا طالِعُ أهلِ الشِّركِ والشَّقاءِ والخِذلانِ، الذينَ يَجعَلونَ مَعَ اللهِ إلَهًا آخَرَ، فسَوف يَعلَمونَ!
فتَضَمَّن هذا الدُّعاءُ الإقرارَ بوُجودِه سُبحانَه، والإقرارَ بصِفاتِ كَمالِه مِن كَمالِ العِلمِ والقُدرةِ والإرادةِ، والإقرارَ برُبوبيَّتِه، وتَفويضَ الأمرِ إليه، والاستِعانةَ به، والتَّوكُّلَ عليه، والخُروجَ مِن عُهدةِ نَفسِه، والتَّبَرِّيَ مِنَ الحَولِ والقوَّةِ إلَّا به، واعتِرافَ العَبدِ بعَجزِه عن عِلمِه بمَصلَحةِ نَفسِه وقُدرَتِه عليها، وإرادَتِه لَها، وأنَّ ذلك كُلَّه بيَدِ ولَيِّه وفاطِرِه وإلَهِه الحَقِّ...
فتَأمَّلْ كَيف وقَعَ المَقدورُ مُكتَنَفًا بأمرَينِ: التَّوكُّلِ الذي هو مَضمونُ الاستِخارةِ قَبلَه، والرِّضا بما يَقضي اللهُ له بَعدَه، وهما عُنوانُ السَّعادةِ. وعُنوانُ الشَّقاءِ أن يَكتَنِفَه تَركُ التَّوكُّلِ والاستِخارةِ قَبلَه، والسَّخَطُ بَعدَه. والتَّوكُّلُ قَبلَ القَضاءِ، فإذا أُبرِمَ القَضاءُ وتَمَّ، انتَقَلَت العُبوديَّةُ إلى الرِّضا بَعدَه... وفي الدُّعاءِ المَشهورِ: «وأسألُك الرِّضا بَعدَ القَضاء»
[2456] لَفظُه: عن عَطاءِ بنِ السَّائِبِ، عن أبيه، قال: صَلَّى بنا عَمَّارُ بنُ ياسِرٍ صَلاةً، فأوجَزَ فيها، فقال له بَعضُ القَومِ: لَقد خَفَّفتَ أو أوجَزتَ الصَّلاةَ! فقال: أمَّا على ذلك فقد دَعَوتُ فيها بدَعَواتٍ سَمِعتُهنَّ مِن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فلَمَّا قامَ تَبعَه رَجُلٌ مِنَ القَومِ هو أبي، غَيرَ أنَّه كَنَّى عن نَفسِه، فسَألَه عنِ الدُّعاءِ، ثُمَّ جاءَ فأخبَرَ به القَومَ: ((اللَّهُمَّ بعِلمِك الغَيبَ، وقُدرَتِك على الخَلقِ، أحيِني ما عَلِمتَ الحَياةَ خَيرًا لي، وتوَفَّني إذا عَلِمتَ الوفاةَ خَيرًا لي، اللَّهُمَّ وأسألُك خَشيَتَك في الغَيبِ والشَّهادةِ، وأسألُك كَلِمةَ الحَقِّ في الرِّضا والغَضَبِ، وأسألُك القَصدَ في الفَقرِ والغِنى، وأسألُك نَعيمًا لا يَنفَدُ، وأسألُك قُرَّة عَينٍ لا تَنقَطِعُ، وأسألُك الرِّضاءَ بَعدَ القَضاءِ، وأسألُك بَردَ العَيشِ بَعدَ المَوتِ، وأسألُك لَذَّةَ النَّظَرِ إلى وَجهِك، والشَّوقَ إلى لقائِك في غَيرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ، ولا فِتنةٍ مُضِلَّةٍ، اللَّهُمَّ زيِّنا بزينةِ الإيمانِ، واجعَلْنا هُداةً مُهتَدينَ)). أخرجه النسائي (1305) واللفظ له، وابن حبان (1971)، والحاكم (1947). صحَّحه ابنُ حبان في ((صحيحه)) (1971)، وابن القيم في ((شفاء العليل)) (2/759)، والألباني في ((صحيح سنن النسائي)) (1305)، وصحَّح إسنادَه الحاكم. وأخرجه من طريق آخر النسائي (1306)، وأحمد (18325)؛ ولَفظُ النَّسائيِّ: ((... وأسألُك خَشيَتَك في الغَيبِ والشَّهادةِ، وكَلِمةَ الإخلاصِ في الرِّضا والغَضَبِ، وأسألُك نَعيمًا لا يَنفَدُ، وقُرَّةَ عَينٍ لا تَنقَطِعُ، وأسألُك الرِّضاءَ بالقَضاءِ، وبَردَ العَيشِ بَعدَ المَوتِ، ولَذَّةَ النَّظَرِ إلى وَجهِك...)). صحَّحه ابنُ القيم في ((شفاء العليل)) (2/759)، والألباني في ((صحيح سنن النسائي)) (1306)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (18325). ...
والمَقصودُ أنَّ الاستِخارةَ تَوكُّلٌ على اللهِ وتَفويضٌ إليه واستِقسامٌ بقُدرَتِه وعِلمِه، وحُسنِ اختيارِه لعَبدِه، وهيَ مِن لَوازِمِ الرِّضا به رَبًّا، الذي لا يَذوقُ طَعمَ الإيمانِ مَن لَم يَكُنْ كذلك، وإن رَضيَ بالمَقدورِ بَعدَها، فذلك عَلامةُ سَعادَتِه)
[2457] يُنظر: ((زاد المعاد)) (2/ 405، 406). .
ما الذي يَفعلُه المستخيرُ بعدَ الاستخارةِ؟اختُلِفَ بَعدَ فِعلِ الاستِخارةِ: هَل يَفعَلُ ما انشَرَحَت له نَفسُه، أو ما يَفعَلُه بَعدَ الاستِخارةِ هو الخَيرُ وإن لَم تَنشَرِحْ له نَفسُه؟
ومِمَّن ذَهَبَ إلى القَولِ الأوَّلِ: النَّوويُّ
[2458] يُنظر: ((الأذكار)) للنووي (ص: 120). ، ومِمَّن ذَهَبَ إلى الثَّاني كَمالُ الدِّينِ الزَّمَلكانيُّ، فقال: (إذا استَخارَ الإنسانُ رَبَّه في شَيءٍ فليَفعَلْ ما بَدا له، سَواءٌ انشَرَحَت له نَفسُه أم لا؛ فإنَّ فيه الخَيرَ)
[2459] يُنظر: ((فتوحات الوهاب بتوضيح شرح منهج الطلاب)) للجمل (1/ 492). .
قال ابنُ حَجَرٍ: (اختُلِف في: ماذا يَفعَلُ المُستَخيرُ بَعدَ الاستِخارةِ؟ فقال ابنُ عَبدِ السَّلامِ: يَفعَلُ ما اتَّفقَ...)، ثُمَّ قال ابنُ حَجَرٍ: (والمُعتَمَدُ أنَّه لا يَفعَلُ ما يَنشَرِحُ به صَدرُه مِمَّا كان له فيه هَوًى قَويٌّ قَبلَ الاستِخارةِ)
[2460] يُنظر: ((فتح الباري)) (11/ 187). .
صَلاةُ الاستِخارةِ في أوقاتِ النَّهيِلا تُصَلَّى صَلاةُ الاستِخارةِ في أوقاتِ النَّهيِ
[2461] وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ. يُنظر: ((البناية)) للعيني (2/60)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (2/58)، ((المجموع)) للنووي (4/170)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/453). .
الدَّليلُ على ذلك مِنَ السُّنَّةِ:1- عن ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما قال:
((شهِد عندي رجالٌ مرضيُّون، وأرْضاهم عندي عُمرُ: أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نَهى عن الصَّلاةِ بعدَ الصُّبحِ حتَّى تُشرِقَ الشمسُ، وبعدَ العصرِ حتَّى تغرُبَ)) [2462] رواه البخاري (581)، ومسلم (826). .
2- عن عُقبةَ بنِ عامرٍ الجهنيِّ رَضِيَ اللهُ عنه، قال:
((ثلاثُ ساعاتٍ كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَنهانا أنْ نُصلِّي فيهنَّ أو أن نَقبُرَ فيهنَّ موتانا: حينَ تَطلُعُ الشمسُ بازغةً حتى ترتفعَ، وحين يقومُ قائمُ الظهيرةِ حتى تميلَ الشمسُ، وحين تَضيَّفُ الشمسُ للغروبِ حتى تغرُبَ)) [2463] رواه مسلم (831). .
وجهُ الدَّلالةِ: أنَّ النصوصَ عامَّةٌ في النَّهي، فتشمَلُ صلاةَ الاستخارةِ
[2464] ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/453). .
وأمَّا التَّعليلُ: فلأنَّ سببَ الصلاةِ هو الاستخارةُ، وهو متأخِّرٌ عن الصَّلاةِ
[2465] ((أسنى المطالب)) لزكريا الأنصاري (1/124). .
وقتُ الدعاءِ في صلاةِ الاستخارةِالدُّعاءُ في صَلاةِ الاستِخارةِ يَكونُ عَقِبَ السَّلامِ
[2466] وهذا مذهَبُ الجُمهورِ مِن المالكيَّةِ والشَّافِعيَّةِ والحنابلةِ. يُنظر: ((حاشية العدوي على شرح مختصر خليل للخرشي)) (1/37)، ((المجموع)) للنووي (4/54)، ((الإقناع)) للحجاوي (1/345). .
الدَّليلُ على ذلك مِنَ السُّنَّة:عن جابرِ بنِ عبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُعلِّمُ أصحابَه الاستخارةَ في الأمورِ كلِّها، كما يُعلِّم السورةَ من القرآنِ؛ يقول:
((إذا همَّ أحدُكم بالأمرِ فلْيركَعْ ركعتينِ من غيرِ الفريضةِ، ثم لْيقُل: اللهمَّ إني أستخيرُك بعِلمك،....)) الحديث
[2467] رواه البخاري (7390). .
وَجْهُ الدَّلالَةِ:أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ذكَر الدعاءَ بعدَ (ثم) التي تُفيدُ الترتيبَ والتعقيبَ مع التَّراخي
[2468] ((لقاء الباب المفتوح)) لابن عثيمين (رقم اللقاء: 171). .
تَكرارُ صلاةِ الاستخارةِإذا لَم يَتَبَيَّنْ للمُستَخيرِ أمرٌ يَختارُه، فلَه تَكرارُ الاستِخارةِ
[2469] وهذا مَذهَبُ الجُمهورِ مِنَ الحَنَفيَّةِ والمالكيَّةِ والشَّافِعيَّةِ. يُنظر: ((حاشية ابن عابدين)) (2/27)، ((حاشية العدوي على شرح مختصر خليل للخرشي)) (1/38)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/225). ويُنظر الدَّليلُ على ذلك في الموسوعةِ الفِقهيَّةِ بموقِعِ الدُّرَرِ السَّنِيَّةِ. .
المُحدَثاتُ التي لَحِقَتِ الاستِخارةَ(لحِقَ هذه العِبادةَ بَعضُ المُحدَثاتِ؛ مِنها:
- ليس لَها وقتٌ مُعَيَّنٌ؛ فتَحديدُ صَلاةِ الاستِخارةِ ودُعائِها بوقتٍ مُعيَّنٍ لا دَليلَ عليه.
- صَلاتُها رَكعَتانِ فقَط؛ فلا يُشرَعُ أن يُصَلِّيَها العَبدُ أربَعًا، أو رَكعَتَينِ رَكعَتَينِ؛ فكُلُّ هذا غَيرُ مَشروعٍ، نَعَم، يُشرَعُ للمُستَخيرِ أداءُ هذه العِبادةِ أكثَرَ مِن مَرَّةٍ في أوقاتٍ مُختَلفةٍ.
- ليس لصَلاةِ الاستِخارةِ قِراءةٌ مُرَتَّبةٌ عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ فتَرتيبُ قِراءةِ سورَتَيِ الإخلاصِ لَم يَدُلَّ عليه دَليلٌ، وكَذا قِراءةُ قَولِ اللهِ تعالى في الرَّكعةِ الأولى:
وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ الآيات
[القصص: ٦٨ - ٧٠]، وفي الثَّانيةِ قَولُ اللهِ تعالى:
وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا الآية
[الأحزاب: ٣٦].
- يُستَحَبُّ للمُستَخيرِ الاقتِصارُ في الدُّعاءِ على ما عَلَّمَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أُمَّتَه؛ لهذا فالزِّيادةُ عليه غَيرُ مَشروعةٍ، مِثلُ: استِفتاحِه بالحَمدِ والثَّناءِ والصَّلاةِ على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.
- يَقولُ الدَّاعي المُستَخيرُ هذا الدُّعاءَ الذي عَلَّمَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أُمَّتَه مَرَّةً واحِدةً ولا يُكَرِّرُه؛ لعَدَمِ الدَّليلِ، وما رُويَ فيه مِن حَديثِ أنَسٍ رَضيَ اللهُ عنه مَرفوعًا: «يا أنَسُ، إذا هَمَمتَ بأمرٍ فاستَخِرْ رَبَّك فيه سَبعَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ انظُرْ إلى الذي سَبَقَ إلى قَلبِك؛ فإنَّ الخَيرَ فيه»
[2470] أخرجه ابن السني في ((عمل اليوم والليلة)) (598)، والديلمي في ((الفردوس)) (8451) باختلاف يسير. ضعفه جدًا الألباني في ((سلسلة الأحاديث الضعيفة)) (6908)، وقال ابنُ حجر في ((فتح الباري)) (11/191): إسنادُه واهٍ جِدًّا، وذكَر العراقيُّ كما في ((عمدة القاري)) (7/328) أنَّ فيه مَن هو معروفٌ بالضَّعفِ الشَّديدِ. ، رَواه ابنُ السُّنِّيِّ، وهو لا يَثبُتُ، بَل هو ساقِطٌ لا حُجَّةَ فيه، كما قاله العِراقيُّ رَحِمَه اللهُ تعالى، وكَما قال الحافِظُ ابنُ حَجَرٍ رَحِمَه اللهُ تعالى: "سَنَدُه واهٍ جِدًّا".
- ليس للأخذِ بأحَدِ الأمرَينِ عَلامةٌ شَرعيَّةٌ، وما رُوِيَ في ذلك مِن حَديثِ أنَسٍ رَضيَ اللهُ عنه مَرفوعًا: «ثُمَّ انظُرْ إلى الذي يَسبقُ إلى قَلبِك؛ فإنَّ الخَيرَ فيه»، فهذا لا يَثبُتُ كما تَقدَّمَ.
- طَلَبُ الاستِخارةِ مِن آخَرَ -مِثلُ الرَّجُلِ الصَّالحِ- لا أصْلَ له، بَل هو مُنافٍ لمَشروعيَّةِ الاستِخارةِ، وإن قال بجَوازِها المالكيَّةُ والشَّافِعيَّةُ؛ لعُمومِ الحَديثِ: «مَنِ استَطاعَ مِنكُم أن يَنفَعَ أخاه فليَنفَعْه». رَواه مُسلِمٌ
[2471] أخرجه مسلم (2199) من حديثِ جابِرِ بنِ عبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنهما. .
- النَّومُ بَعدَ الاستِخارةِ لَعَلَّه يَرى رُؤيا تَدُلُّه على أحَدِ الأمرَينِ: عَمَلٌ لا أصْلَ له.
- استِخارةُ المُصحَفِ، بأن يَفتَحَ المُستَخيرُ المُصحَفَ ليَرى فيه ما يَدُلُّ على الإقدامِ أوِ الإحجامِ، أو ليَستَبشِرَ به أو يَبتَئِسَ بقِراءةِ أوَّلِ ما يَظهَرُ له مِنه عِندَ الفَتحِ
[2472] قال مُحَمَّد رَجَب البَيُّومي: (ظَهَرَ أنَّ التَّشاؤُمَ مِن صِفاتِ المَرضى لَدى عُلَماءِ النَّفسِ، وصاحِبُه في حاجةٍ إلى عِلاجٍ يَرتَفِعُ به عن حَضيضِه الكَريهِ، وقد نَهى رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عنِ الطِّيَرةِ؛ إذ كان العَرَبُ في جاهليَّتِهم يَتَطَيَّرونَ ويَتَشاءَمونَ، فإذا أرادَ أحَدُهمُ السَّفرَ في حاجةٍ أثارَ الطَّيرَ، فإن جَرَت يَمينًا تَفاءَلَ، وإن جَرَت شِمالًا تَشاءَمَ! ولا يَزالُ لَدَينا الآنَ مَن يَستَقرِئُ صُحُفَ الغَيبِ عن طَريقِ الأوهامِ، فيَفتَحُ المُصحَفَ ليَرى أوَّلَ آيةٍ تُطالِعُه، فإذا تَحَدَّثَت عن خَيرٍ سُرَّ، ومَضى لعَزمِه مُتَفائِلًا، وإذا تَحَدَّثت الآيةُ عن شَرٍّ تَجَهَّمَ وانقَبَضَ، وكَفَّ عَمَّا يُحاوِلُ مِن أُمورٍ! وما نَزَل كِتابُ اللهِ ليَرى النَّاسُ عاقِبةَ شُؤونهمُ المَعيشيَّةِ كَسبًا أو خَسارةً، ولَكِنَّه نَزَلَ ليَرى المُسلِمونَ العاقِبةَ المُطمَئِنَّةَ لمَنِ اعتَصَمَ بمَبادِئِ القُرآنِ، فآثَرَ الفضائِلَ وجانَبَ الرَّذائِلَ، كما أمَدَّ المُؤمِنَ بزادٍ مِنَ التَّفاؤُلِ حينَ دَعاه إلى السَّيرِ في جَنَباتِ الأرضِ سَعيًا وراءَ الرِّزقِ، وحينَ حَذَّره مِنَ الخَواطِرِ المُتَشائِمةِ والوَساوِسِ المَريضةِ، فقال جَلَّ ذِكرُه: إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ [الأعراف: 201]). يُنظر: ((من القيم الإنسانية في الإسلام)) (2/ 107). .
- استِخارةُ الرَّملِ، واستِخارةُ الوَدَعِ، وتُسَمَّى عِندَ عامَّةِ المِصريِّينَ "الغَجَريَّةَ"، واستِخارةُ القُرعةِ المُحَرَّمةِ، واستِخارةُ الكَفِّ، واستِخارةُ السُّبحةِ، واستِخارةُ الوَرَقِ «الكُوتشِينة»، واستِخارةُ الفِنجانِ... ولَهم في كُلِّ واحِدةٍ مِن هذه الاستِخاراتِ المُبتَدَعةِ صِفاتٌ وأفعالٌ وأقوالٌ وهَيئاتٌ هيَ في مُنتَهى التَّطَيُّرِ وضَعفِ الإيمانِ وجَلبِ الحُزنِ والاكتِئابِ، والخُضوعِ لِما تَقضي به على الوَجهِ الذي يُقدِّرُه مُعتَقِدُها؛ فهيَ شَرٌّ مِن مُختَلَقاتِ الجاهليَّةِ في الاستِخارةِ التي أبطَلَها الإسلامُ وقَطَعَها بالاستِخارةِ الشَّرعيَّةِ، واللهُ أعلَمُ)
[2473] ((تصحيح الدعاء)) (ص: 487-789). .