موسوعة الآداب الشرعية

خامسًا: تَركُ التَّحيَّةِ بغَيرِ السَّلامِ


لا تَنبَغي البدايةُ بالتَّحيَّةِ بغيرِ السَّلامِ مثلُ صَباحِ الخيرِ ومساءِ الخير أو صبحك الله الله بالخير، ونَحوِ ذلك- مَعَ تَركِ السَّلامِ والإعراضِ عنه [80] جاءَ في فتاوى اللجنةِ الدائمةِ عن حُكمِ قَولِ: (صَباحُ الخيرِ) و (مَساءُ الخيرِ): (لا نَعلمُ بذلك بَأسًا، ويَكونُ ذلك بَعدَ البَدءِ بالسَّلامِ، وبَعدَ الرَّدِّ الشَّرعيِّ إذا كان القائِلُ بذلك مُسلِّمًا عليه). ((فتاوى اللجنة الدائمة- المَجموعة الأولى)) (24/ 115). وفيها أيضًا: (تَحيَّةُ الإسلامِ: "السَّلامُ عَليكُم"، فإن زاد: "ورَحمةُ اللهِ وبَرَكاتُه" فهو أفضَلُ، وإن دَعا بَعدَ ذلك مِن لقيَه: "صَباحُ الخيرِ" مَثَلًا، فلا حَرَجَ عليه، أمَّا أن يَقتَصِرَ بالتَّحيَّةِ عِندَ اللِّقاءِ على "صَباحُ الخيرِ" دونَ أن يَقولَ: "السَّلامُ عَليكُم"؛ فقَد أساءَ). ((فتاوى اللجنة الدائمة- المجموعة الأولى)) (24/ 119). .
فوائِدُ:
1- قال البِقاعيُّ في قَولِه تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ: (وَإِذَا جَاؤُوكَ أيُّها الرَّسولُ الأعظَمُ الذي يَأتيه الوحيُ مِمَّن أرسَلَه ولم يَغِبْ أصلًا عنه؛ لأنَّه المُحيطُ عِلمًا وقُدرةً حَيَّوْكَ أي: واجَهوك بما يَعُدُّونَه تَحيَّةً، مِن قَولِهم: "السَّامُ عليك" ونَحوِه [81] عَن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، قالت: ((أتى النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أناسٌ مِنَ اليَهودِ، فقالوا: السَّامُ عليك يا أبا القاسِمِ، قال: وعَليكُم، قالت عائِشةُ: قُلتُ: بَل عليكُمُ السَّامُ والذَّامُ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: يا عائِشةُ لا تَكوني فاحِشةً! فقالت: ما سَمِعتَ ما قالوا؟! فقال: أوَليس قَد رَدَدتُ عَليهم الذي قالوا؟ قُلتُ: وعَليكُم)). أخرجه البخاري (6401) بنحوه، ومسلم (2165) واللفظ له. وفي رِوايةٍ: ((ففطِنَت بهم عائِشةُ فسَبَّتهم، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: مَهْ يا عائِشةُ! فإنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الفُحشَ والتَّفحُّشَ. وزادَ فأنزَل اللهُ عَزَّ وجَلَّ وَإِذَا جَاؤُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ [المجادلة: 8] إلى آخِرِ الآيةِ)). أخرجها مسلم (2165). وعَن عَبدِ اللَّهِ بنِ عَمرٍو رَضِيَ اللهُ عنهما ((أنَّ اليَهودَ كانوا يَقولونَ لرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: سامٌ عليك! ثُمَّ يَقولونَ في أنفُسِهم: لَوْلَا يُعَذِّبُنا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ [المجادلة: 8] ، فنَزَلت هذه الآيةُ: وَإِذَا جَاؤُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ [المجادلة: 8] إلى آخِرِ الآيةِ)). أخرجه أحمد (7061) واللفظ له، والبزار كما في ((كشف الأستار)) للهيثمي (2271)، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (9100). صَحَّحه لغيره شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (7061)، وصَحَّح إسنادَه أحمد شاكر في تخريج ((مسند أحمد)) (12/19)، وجَوَّده الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (7/124)، وحَسَّنه ابن كثير في ((التفسير)) (8/69). وعَن جابِرِ بنِ عَبدِ اللَّهِ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: ((سَلَّمَ ناسٌ مِن يَهودَ على رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقالوا: السَّامُ عَليك يا أبا القاسِمِ، فقال: وعَليكُم، فقالت عائِشةُ -وغَضِبَت-: ألم تَسمَعْ ما قالوا؟ قال: بَلى، قَد سَمِعتُ فرَدَدتُ عَليهم، وإنَّا نُجابُ عَليهم، ولا يُجابونَ عَلينا)). أخرجه مسلم (2166). وعَن عَبدِ اللَّهِ بنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّ اليَهودَ إذا سَلَّموا عَليكُم يَقولُ أحَدُهمُ: السَّامُ عليكُم، فقُلْ: عليك)). أخرجه البخاري (6928)، ومسلم (2164) واللفظ له. وعَن أنَسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((مَرَّ يَهوديٌّ برَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: السَّامُ عَليك، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: وعليك، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أتَدرونَ ما يَقولُ؟ قال: السَّامُ عليك، قالوا: يا رَسولَ اللهِ، ألَّا نَقتُلُه؟ قال: لا، إذا سَلَّمَ عليكُم أهلُ الكِتابِ فقولوا: وعليكُم)). أخرجه البخاري (6926) واللفظ له، ومسلم (2163). .
وعَمَّ كُلَّ لفظٍ بقَولِه: بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ أي: المَلكِ الأعلى الذي لا أمرَ لأحَدٍ مَعَه، فمَن تَجاوَزَ ما شَرَعَه فقَد عَرَّضَ نَفسَه لسَخَطِه.
ومِمَّا دَخَل فيه قَولةُ بَعضِ النَّاسِ لبَعضٍ: «صَباحُ الخيرِ» ونَحوُه، مُعرِضًا عَنِ السَّلامِ) [82] ((نظم الدرر)) (19/ 368، 369). .
2- قال النَّوويُّ: (إذا ابتَدَأ المارُّ المَمرورَ عليه، فقال: صَبَّحَك اللهُ بالخيرِ، أو بالسَّعادةِ، أو قَوَّاك اللهُ، أو لا أوحَشَ اللَّهُ مِنك، أو غيرَ ذلك مِنَ الألفاظِ التي يَستَعمِلُها النَّاسُ في العادةِ؛ لم يَستَحِقَّ جَوابًا، لكِن لو دَعا له قُبالةَ ذلك كان حَسَنًا، إلَّا أن يَترُكَ جَوابَه بالكُلِّيَّةِ؛ زَجرًا له في تَخَلُّفِه وإهمالِه السَّلامَ، وتَأديبًا له ولغيرِه في الاعتِناءِ بالابتِداءِ بالسَّلامِ) [83] ((الأذكار)) (ص: 262). ويُنظر: ((النجم الوهاج)) للدميري (9/ 303)، ((أسنى المطالب)) لزكريا الأنصاري (4/ 186)، ((تحفة المحتاج وحواشي الشرواني والعبادي)) (9/ 229). ونازَعَ في هذا ابنُ مُفلحٍ، فقال: (مِثلُ هذا تَحيَّةٌ؛ لوُرودِه في كلامِ الشَّارِعِ وحَمَلةِ الشَّرعِ، ولأنَّ العُرفَ جارٍ بذلك، والأصلُ التَّقريرُ وعَدَمُ التَّغييرِ على ما ذَكَرَ العُلماءُ، إلَّا أن يَظهَرَ خِلافُه. وقد قال بَعضُ المُفسِّرينَ: المُرادُ بالآيةِ السَّلامُ والدُّعاءُ، وقد قال تعالى: وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ [المطففين: 1] . قال مُقاتِلٌ وعَمرُو بنُ مُرَّةَ: تَركُ المُكافأةِ مِنَ التَّطفيفِ، ورَواه أحمَدُ عَن عَمرِو بنِ مُرَّةَ، ولم يَنُصَّ أحمَدُ رَحِمَه اللهُ على ما يُخالفُه، وقد قال عليه السَّلامُ: «مَن أسدى إليكُم مَعروفًا فكافئوه، فإن لم تَجِدوا فادعوا له»، وإخراجُ مَسألتِنا مِن ظَواهرِ هذه الأوامِرِ دَعوى تَفتَقِرُ إلى دَليلٍ، والأصلُ عَدَمُه؛ لأنَّ في تَركِ الرَّدِّ -لا سيَّما مَعَ التَّكرارِ- عَداوةً وشَنَآنًا ووحشةً ونُفرةً، على ما لا يَخفى؛ فيَجِبُ الرَّدُّ لذلك، واللَّهُ سُبحانَه قَد أمَرَ بالمَحَبَّةِ والائتِلافِ، ونَهى عَنِ التَّفريقِ والاختِلافِ). ((الآداب الشرعية)) (1/ 381، 382). .

انظر أيضا: