موسوعة الآداب الشرعية

تمهيدٌ في فَضلِ الزِّيارةِ وأهمِّيَّتِها


حَثَّ الإسلامُ على التَّزاوُرِ؛ إذ كان مِن أسبابِ التَّآلُفِ، ودَعائِمِ الأُخوَّةِ، وقد ورَدَ في فَضلِ الزِّيارةِ وأهَمِّيَّتِها والحَضِّ عليها أخبارٌ كَثيرةٌ.
فعن أبي إدريسَ الخَولانيِّ، قال: دَخَلتُ مَسجِدَ دِمَشقَ فإذا فتى شابٌّ برَّاقُ الثَّنايا [311] بَرَّاقُ الثَّنايا: أي: شَديدُ بَياضِها. وقيل مَعناه: كَثيرُ التَّبَسُّمِ طَلقُ الوَجهِ. يُنظر: ((المنتقى شرح الموطأ)) لأبي الوليد الباجي (7/ 274)، ((مطالع الأنوار)) لابن قرقول (1/ 478). ، وإذا النَّاسُ مَعَه إذا اختَلفوا في شَيءٍ أسنَدوا إليه، وصَدَروا عن قَولِه، فسَألتُ عنه، فقيل: هذا مُعاذُ بنُ جَبَلٍ، فلمَّا كان الغَدُ هَجَّرتُ فوجَدتُه قد سَبَقَني بالتَّهجيرِ [312] التَّهجير: المُضيُّ إلى الصَّلاةِ في أوَّلِ وَقتِها، وهو مِثلُ التَّبكيرِ، ولا يُرادُ بهما: المُضيُّ في الهاجِرةِ، ولا في البكرةِ. يُنظر: ((جامع الأصول)) لابن الأثير (6/ 552). ، ووجَدَته يُصَلِّي، قال: فانتَظَرتُه حتَّى قَضى صَلاتَه، ثُمَّ جِئتُه مِن قِبَلِ وَجهِه، فسَلَّمتُ عليه، ثُمَّ قُلتُ: واللهِ إنِّي لأحِبُّك للَّهِ، فقال: أاللهِ؟ فقُلتُ: أاللهِ، فقال: أاللهِ؟ فقُلتُ: أاللهِ، فقال: أاللهِ؟ فقُلتُ: أاللهِ. قال: فأخَذَ بحَبوةِ [313] أي: مجتَمَعِ ثَوبِه الذي يحتبي به، ومُلتَقَى طَرَفَيه في صَدرِه. ينظر: ((مطالع الأنوار)) (2/ 219). رِدائي فجَبَذني [314] الجَبذُ لُغةٌ في الجَذبِ. وقيل: هو مقلوبُ جَذَبَني. ينظر: ((النهاية)) لابن الأثير (1/ 235). إليه، وقال: أبشِرْ؛ فإنِّي سَمِعتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولُ: ((قال اللهُ تَبارَكَ وتعالى: وجَبَت مَحَبَّتي للمُتَحابِّينَ فيَّ، والمُتَجالِسينَ فيَّ، والمُتَزاوِرينَ فيَّ، والمُتَباذِلينَ [315] والمُتَباذِلينَ فيَّ: هو مِنَ البَذلِ، وهو العَطاءُ عن غَيرِ عِوَضٍ، ومَعناه: بَذلُ الرَّجُلِ لصاحِبِه مالَه إذا احتاجَ إليه بحَقِّ أُخوَّةِ الإسلامِ، وقيل: بَذلُه مالَه في سَبيلِ اللهِ. يُنظر: ((مطالع الأنوار)) لابن قرقول (1/ 464). فيَّ)) [316] أخرجه أحمد (22030) واللفظ له، ومالك (2/953). صحَّحه ابن حبان في ((صحيحه)) (575)، والحاكم على شرط الشيخين في ((المستدرك)) (7520)، والنووي في ((رياض الصالحين)) (182)، وصحح إسناده ابن عبدالبر في ((التمهيد)) (21/124)، والمنذري في ((الترغيب والترهيب)) (4/81)، وابن القيم في ((تهذيب السنن)) (14/30)، وابن حجر في ((فتح الباري)) (10/515). .
وعن أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ((أنَّ رَجُلًا زارَ أخًا له في قَريةٍ أُخرى، فأرصَدَ اللَّهُ له على مَدرَجَتِه [317] فأرصَدَ اللَّهُ على مَدرَجَتِه: أي: جَعَل اللَّهُ مَلَكًا على طَريقِه يَرصُدُه، أي: يَرتَقِبُه، ويَنتَظِرُه ليُبَشِّرَه. والمَرصَدُ: مَوضِعُ الرَّصدِ. والمَدرَجةُ بفتحِ الميمِ: مَوضِعُ الدَّرجِ، وهو المَشيُ، ومَدرَجةُ الطَّريقِ: قارِعَتُه. يُنظر: ((إكمال المعلم)) لعياض (8/ 35)، ((المفهم)) لأبي العباس القرطبي (6/ 543). مَلَكًا، فلمَّا أتى عليه قال: أينَ تُريدُ؟ قال: أُريدُ أخًا لي في هذه القَريةِ، قال: هَل لك عليه مِن نِعمةٍ تَرُبُّها [318] أي: تَقومُ عليها وتَسعى في صَلاحِها وتَنهَضُ له بسَبَبِ ذلك. يُنظر: ((إكمال المعلم)) لعياض (8/ 35، 36). ؟ قال: لا، غَيرَ أنِّي أحبَبتُه في اللهِ عَزَّ وجَلَّ، قال: فإنِّي رَسولُ اللهِ إليك، بأنَّ اللَّهَ قد أحَبَّك كَما أحبَبتَه فيه)) [319] أخرجه مسلم (2567) .
وعن أنَسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه، عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((ألا أُخبرُكُم برِجالِكُم في الجَنَّةِ؟ قُلنا: بَلى يا رَسولَ اللهِ، قال: النَّبيُّ في الجَنَّةِ، والصِّدِّيقُ في الجَنَّةِ، والشَّهيدُ في الجَنَّةِ، والمَولودُ في الجَنَّةِ، والرَّجُلُ يَزورُ أخاه في ناحيةِ المِصرِ [320] المِصرُ: كُلُّ كورةٍ يُقسَمُ فيها الفَيءُ والصَّدَقاتُ، وأرادَ بقَولِه: ((في ناحيةِ المِصرِ)) في مَكانٍ شاسِعٍ بَعيدٍ عنه. يُنظر: ((فيض القدير)) للمناوي (3/ 106)، ((التيسير)) للمناوي (1/ 397). لا يَزورُه إلَّا للهِ في الجَنَّةِ...)) الحَديثَ. [321] أخرجه الطبراني في ((المعجم الأوسط)) (1743) واللفظ له، وقوام السنة في ((الترغيب والترهيب)) (1525). حَسَّنه لغيره الألباني في ((صحيح الترغيب)) (1941).
وفي هذه الأحاديثِ وغَيرِها ما يَدُلُّ على أنَّ الحُبَّ في اللهِ والتَّزاوُرَ فيه مِن أفضَلِ الأعمالِ، وأعظَمِ القُرَبِ إذا تَجَرَّدَ ذلك عن أغراضِ الدُّنيا وأهواءِ النُّفوسِ [322] يُنظر: ((المفهم)) لأبي العباس القرطبي (6/ 543). .
وفيما يلي بيانُ أهمِّ آدابِ الزِّيارةِ:

انظر أيضا: