موسوعة الآداب الشرعية

سابعًا: الاستئذانُ عِندَ الانصِرافِ


يَنبَغي إذا زارَ الرَّجُلُ أخاه فجَلسَ عِندَه ألَّا يَنصَرِفَ حتَّى يَستَأذِنَه [708] قال البخاري في ((الأدب المفرد)) (ص: 401): (بابٌ: إذا جَلسَ الرَّجُلُ إلى الرَّجُلِ يَستَأذِنُه في القيامِ). ، ويَتَأكَّدُ هذا الاستِئذانُ إذا كان مَعَ أميرٍ أو إمامٍ.
الدَّليلُ على ذلك مِنَ الكِتابِ:
قال تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [النور: 62] .
أي: إنَّما المُؤمِنونَ حَقَّ الإيمانِ، الكامِلونَ في إيمانِهم: هم الذين آمَنوا باللهِ ورَسولِه ظاهِرًا وباطِنًا، إيمانًا صحيحًا صادِقًا يتضَمَّنُ القَبولَ والإذعانَ، وإذا كانوا مع الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على أمرٍ مُهِمٍّ يجمَعُهم -كالجِهادِ، أو التَّشاوُرِ في أمرٍ ما- لم يُفارِقوا الرَّسولَ وينصَرِفوا لحاجتِهم حتى يَطلُبوا منه الإذنَ، إنَّ الذين يَطلُبونَ منك -أيُّها النبيُّ- أن تأذَنَ لهم بالانصرافِ لِعُذرٍ أولئك الذين يُؤمِنون باللهِ ورَسولِه حقًّا، وليسوا بمُنافِقين، فإذا طلَبَ المؤمِنونَ منك -أيُّها النبيُّ- أن تأذنَ لهم بالانصِرافِ لحاجتِهم إلى قَضاءِ بَعضِ أمورِهم، فأْذَنْ لِمَن تشاءُ منهم، وامنَعْ مَن تشاءُ إن كانت المصلحةُ تَقضي بعدَمِ ذَهابِه، وادعُ اللَّهَ أن يَغفِرَ لهؤلاء المُستَأذِنينَ؛ إنَّ اللَّهَ غَفورٌ رَحيمٌ [709] ((التفسير المحرر)) إعداد القسم العلمي بمؤسسة الدرر السنية (19/ 504 - 506). .
قال ابنُ عاشورٍ: (هذه الآيةُ أصلٌ مِن نِظامِ الجَماعاتِ في مَصالحِ الأُمَّةِ؛ لأنَّ مِنَ السُّنَّةِ أن يَكونَ لكُلِّ اجتِماعٍ إمامٌ ورَئيسٌ يُديرُ أمرَ ذلك الاجتِماعِ، وقد أشارَت مَشروعيَّةُ الإمامةِ إلى ذلك النِّظامِ، ومِنَ السُّنَّةِ أن لا يَجتَمِعَ جَماعةٌ إلَّا أمَّروا عليهم أميرًا، فالذي يَتَرَأَّسُ الجَمعَ هو قائِمٌ مَقامَ وَليِّ أمرِ المُسلمينَ، فهو في مَقامِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فلا يَنصَرِفُ أحَدٌ عنِ اجتِماعِه إلَّا بَعدَ أن يَستَأذِنَه؛ لأنَّه لو جُعِل أمرُ الانسِلالِ لشَهوةِ الحاضِرِ لكان ذَريعةً لانفِضاضِ الاجتِماعاتِ دونَ حُصولِ الفائِدةِ التي جُمِعَت لأجلِها، وكذلك الأدَبُ أيضًا في التَّخَلُّفِ عنِ الاجتِماعِ عِندَ الدَّعوةِ إليه، كاجتِماعِ المَجالسِ النِّيابيَّةِ والقَضائيَّةِ والدِّينيَّةِ، أوِ التَّخَلُّفِ عن ميقاتِ الاجتِماعِ المُتَّفَقِ عليه إلَّا لعُذرٍ واستِئذانٍ) [710] ((التحرير والتنوير)) (18/ 308). .

انظر أيضا: