موسوعة الآداب الشرعية

ثانيًا: ألَّا يُصاحِبَ المَزحَ استِهزاءٌ بالآخَرينَ أو سُخريَّةٌ مِنهم أو إرهابٌ لهم


يَحرُمُ أن يُصاحِبَ المَزحَ ضَرَرٌ يَلحَقُ بالآخَرينَ، كاستِهزاءٍ أو سُخريَّةٍ أو شَماتةٍ أو إرهابٍ.
الدليلُ على ذلك مِنَ الكِتابِ والسُّنَّةِ:
أ- مِنَ الكِتابِ
1- قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ * وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ * وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ [المطففين: 29-33] .
2- قال تعالى: قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ * إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ * فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ * إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ [المؤمنون: 108-111] .
3- قال تعالى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ [التوبة: 65-66] .
ب- مِنَ السُّنَّةِ
1- عن عَبد الرَّحمنِ بنِ أبي ليلى، قال: حدَّثَنا أصحابُ محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّهم كانوا يسيرون مع النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فنام رجلٌ منهم، فانطلق بعضُهم إلى حَبلٍ معه، فأخَذه، ففَزِع، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لا يحِلُّ لمُسلِمٍ أن يُرَوِّعَ مُسلِمًا)) [1035] أخرجه أبو داود (5004) واللَّفظُ له، وأحمد (23064). صَحَّحه الألبانيُّ في ((صحيح سنن أبي داود)) (5004)، والوادعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (1470)، وصَحَّح إسنادَه شعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (5004). .
2- عن عبدِ اللهِ بنِ السَّائِبِ بنِ يَزيدَ، عن أبيه، عن جَدِّه رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّه سَمِعَ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، يَقولُ: ((لا يَأخُذنَّ أحَدُكُم مَتاعَ أخيه لاعِبًا ولا جادًّا، ومَن أخَذَ عَصا أخيه فليَرُدَّها)) [1036] أخرجه أبو داود (5003) واللَّفظُ له، والترمذي (2160)، وأحمد (17940). حسَّنه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (5003)، وصحح إسناده شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (17940). وقد ذهب إلى تصحيحه الوادعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (1202). .
3- عنِ الأسوَدِ، قال: دخَل شبابٌ من قُرَيشٍ على عائشةَ وهي بمِنًى، وهم يضحَكون. فقالت: ما يُضحِكُكم؟! قالوا: فلانٌ خَرَّ على طُنُبِ فُسطاطٍ [1037] الطُّنبُ: بضَمِّ النُّونِ وإسكانِها: هو الحَبلُ الذي يُشَدُّ به الفُسطاطُ، وهو الخِباءُ ونَحوُه. يُنظر: ((شرح مسلم)) للنووي (16/ 128). ، فكادت عنُقُه أو عينُه أن تذهَبَ! فقالت: لا تَضحَكوا؛ فإنِّي سمعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((ما من مسلمٍ يُشاكُ شَوكةً فما فَوقَها إلَّا كُتِبَت له بها دَرَجةٌ، ومُحِيَت عنه بها خَطيئةٌ)) [1038] أخرجه مسلم (2572). .
قال عياضٌ: (الضَّحِكُ في مِثلِ هذا غَيرُ مُستَحسَنٍ ولا مُباحٍ، إلَّا أن يَكونَ مِن غَلَبةٍ مِمَّا طُبِعَ عليه البَشَرُ. وأمَّا قَصدًا ففيه شَماتةٌ بالمُسلمِ وسُخريَّةٌ بمُصابِه، والمُؤمِنونَ إنَّما وصَفَهمُ اللَّهُ بالرَّحمةِ والتَّراحُمِ بَينَهم، ومِن خُلُقِهمُ الشَّفَقةُ بَعضِهم لبَعضٍ) [1039] ((إكمال المعلم)) (8/ 41). .

انظر أيضا: