ثامنًا: عَدَمُ تَنقُّصِهم أوِ اغتيابِهم أوِ الافتِراءِ عليهم
مِنَ الأدَبِ الواجِبِ مَعَ العُلَماءِ: عَدَمُ تَنقُّصِهم أوِ احتِقارِهم أوِ الاستِخفافِ بهم، أوِ الوقيعةِ فيهم أو تَتَبُّعِ زَلَّاتِهم أوِ الافتِراءِ عليهم.
الدَّليلُ على ذلك مِن الكتابِ والسُّنَّةِ:أ- من الكتابِ1- قال تعالى:
إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا * وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا [الأحزاب: 57-58] .
قال السَّعديُّ: (
وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا أي: بغَيرِ جِنايةٍ مِنهم موجِبةٍ للأذى
فَقَدِ احْتَمَلُوا على ظُهورِهم
بُهْتَانًا حَيثُ آذَوهم بغَيرِ سَبَبٍ
وَإِثْمًا مُبِينًا حَيثُ تَعَدَّوا عليهم، وانتَهَكوا حُرمةَ أمرِ اللهِ باحتِرامِها.
ولهذا كان سَبُّ آحادِ المُؤمِنينَ موجِبًا للتَّعزيرِ، بحَسَبِ حالتِه وعُلوِّ مَرتَبَتِه؛ فتَعزيرُ مَن سَبَّ الصَّحابةَ أبلغُ، وتَعزيرُ مَن سَبَّ العُلماءَ وأهلَ الدِّينِ أعظَمُ مِن غَيرِهم)
[944] ((تيسير الكريم الرحمن)) (ص: 671). .
2- قال تعالى:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ [الحجرات: 11-12] .
ب- مِنَ السُّنَّةِ1- عن أبي هُرَيرةَ رَضيَ اللهُ عنه، أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((أتدرونَ ما الغِيبةُ؟ قالوا: اللهُ ورَسولُه أعلَمُ، قال: ذِكرُك أخاك بما يَكرَهُ. قيلَ: أفرَأيتَ إن كان في أخي ما أقولُ؟! قال: إن كان فيه ما تَقولُ فقدِ اغتَبتَه، وإن لَم يَكُنْ فيه فقد بَهَتَّه)) [945] أخرجه مسلم (2589). .
2- عن أنَسِ بنِ مالِكٍ رَضيَ اللهُ عنه، قال: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((لمَّا عُرِجَ بي مَرَرتُ بقَومٍ لهم أظفارٌ مِن نُحاسٍ يَخمُشون وُجوهَهم وصُدورَهم! فقُلتُ: مَن هؤلاء يا جِبريلُ؟! قال: هؤلاء الذينَ يَأكُلونَ لُحومَ النَّاسِ، ويَقَعونَ في أعراضِهم)) [946] أخرجه أبو داود (4878) واللفظ له، وأحمد (13340). صحَّحه ابنُ باز في ((مجموع الفتاوى)) (9/239)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (4878)، والوادعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (112)، وصحَّح إسنادَه شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (13340). .
3- عن عُبادةَ بنِ الصَّامِتِ رَضيَ اللهُ عنه، قال:
((أخَذَ علينا رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كما أخَذَ على النِّساءِ: ألَّا نُشرِكَ باللهِ شَيئًا، ولا نَسرِقَ، ولا نَزنيَ، ولا نَقتُلَ أولادَنا، ولا يَعْضَهَ بَعضُنا بَعضًا، فمَن وفَى مِنكُم فأجرُه على اللهِ، ومَن أتى مِنكُم حَدًّا فأُقيمَ عليه فهو كَفَّارَتُه، ومَن سَتَرَه اللهُ عليه فأمرُه إلى اللهِ؛ إن شاءَ عَذَّبَه، وإن شاءَ غَفرَ له)) [947] أخرجه البخاري (18)، ومسلم (1709) واللفظ له. .
قَولُه:
((ولا يَعضَهَ بَعضُنا بَعضًا)) أي: لا يَرميَه بالعَضيهةِ، وهيَ الكَذِبُ والبُهتانُ، فلا يَقذِفُه ولا يَكذِبُ عليه، ويَنسُبُ إليه ما يَنقُصُه ويَتَأذَّى به
[948] يُنظر: ((إكمال المعلم)) لعياض (5/ 550)، ((كشف المشكل)) لابن الجوزي (2/ 80). وقال أبو العَبَّاسِ القُرطُبيُّ: (قَولُه: "ولا يَعضَهَ بَعضُنا بَعضًا"... قيلَ فيه ثَلاثةُ أقوالٍ: أحَدُها: أنَّه السِّحرُ، أي: لا يَسحَرَ بَعضُنا بَعضًا. والعَضْهُ، والعَضيهةُ: السِّحرُ. والعاضِهُ: السَّاحِرُ. والعاضِهةُ: السَّاحِرةُ. والثَّاني: أنَّه النَّميمةُ والكَذِبُ. والثَّالثُ: البُهتانُ. قُلتُ: وهذه الثَّلاثةُ مُتَقارِبةٌ في المَعنى؛ لأنَّ الكُلَّ كَذِبٌ وزُورٌ. ويُقالُ لكُلِّها عَضْهٌ، وعَضيهةٌ). ((المفهم)) (5/ 140). .
4- عن أبي هُرَيرةَ رَضيَ اللهُ عنه، قال: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((إنَّ اللَّهَ قال: مَن عادى لي وليًّا فقد آذَنتُه [949] آذَنتُه بالشَّيءِ أوذِنُه إيذانًا: إذا أعلَمْتَه. يُنظر: ((جامع الأصول)) لابن الأثير (7/ 235). بالحَربِ...)) الحَديثَ
[950] أخرجه البخاري (6502). .
قال النَّوويُّ: (وعنِ الإمامَينِ الجَليلينِ أبي حَنيفةَ والشَّافِعيِّ رَضِيَ اللهُ عنهما، قالا: إن لم يَكُنِ العُلماءُ أولياءَ اللهِ، فليسَ للهِ وَليٌّ)
[951] ((التبيان في آداب حملة القرآن)) (ص: 29). .
مِن أقوالِ السَّلفِ والعلماءِ:1- قال عَبدُ اللهِ بنُ المُبارَكِ: (مَنِ استَخَفَّ بالعُلَماءِ ذَهَبَت آخِرَتُه، ومَنِ استَخَفَّ بالأُمَراءِ ذَهَبَت دُنياه، ومَنِ استَخَفَّ بالإخوانِ ذَهَبَت مُروءَتُه)
[952] ((آداب الصحبة)) لأبي عبد الرحمن السلمي (ص: 62)، ((تاريخ دمشق)) لابن عساكر (32/ 444). ويُنظر: ((العقد الفريد)) لابن عبد ربه (2/ 325). .
2- قال مالِكُ بنُ دِينارٍ: (كَفى بالمَرءِ شَرًّا ألَّا يَكونَ صالحًا، وهو يَقَعُ في الصَّالحينَ!)
[953] ((شعب الإيمان)) للبيهقي (9/ 121)، ((تاريخ دمشق)) لابن عساكر (56/ 430). .
3- قال الأوزاعيُّ لبَقيَّةَ بنِ الوليدِ: (لا تَذكُرْ أحَدًا مِن أصحابِ مُحَمَّدٍ نَبيِّك صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلَّا بخَيرٍ، ولا أحَدًا مِن أُمَّتِك، وإذا سَمِعتَ أحَدًا يَقَعُ في غَيرِه فاعلَمْ أنَّه إنَّما يَقولُ: أنا خَيرٌ مِنه)
[954] ((جامع بيان العلم وفضله)) لابن عبد البر (1/ 769). ويُنظر: ((تاريخ دمشق)) لابن عساكر (35/ 201). .
4- قال الحَسَنُ بنُ ذَكوانَ لرَجُلٍ وقَعَ في عالِمٍ: (مَهْ! لا تَذكُرِ العُلَماءَ بشَيءٍ؛ فيُميتَ اللهُ قَلبَك)
[955] ((الصمت)) لابن أبي الدنيا (ص: 268)، ((تبيين كذب المفتري)) لابن عساكر (ص: 425). .
5- قال أحمَدُ: (لُحومُ العُلَماءِ مَسمومةٌ، مَن شَمَّها مَرِضَ، ومَن أكَلَها ماتَ!)
[956] ((الدر النضيد في أدب المفيد والمستفيد)) للغزي (ص: 89). .
6- قال سُلَيمانُ بنُ سالمٍ: قال لي أبو سِنانٍ: (إذا كان طالِبُ العِلمِ لا يَتَعَلَّمُ، أو قَبلَ أن يَتَعَلَّمَ مَسألةً في الدِّينِ يَتَعَلَّمُ الوقيعةَ في النَّاسِ، مَتى يُفلِحُ؟!). وكان لا يَتَكَلَّمُ أحَدٌ في مَجلسِه بعَينِه في أحَدٍ، فإذا تَكَلَّمَ بذلك نَهاه وأسكَتَه
[957] ((ترتيب المدارك وتقريب المسالك)) لعياض (4/ 104). ويُنظر: ((العزيز شرح الوجيز)) للرافعي (13/ 7)، ((الفتوحات الربانية)) لابن علان (6/ 376)، ((حسن التنبه لما ورد في التشبه)) للغزي (9/ 170). .
7- قال أبو جَعفرٍ الطَّحاويُّ في بَيانِ عَقيدةِ أهلِ السُّنَّةِ والجَماعةِ: (عُلَماءُ السَّلَفِ مِنَ السَّابقينَ ومَن بَعدَهم مِنَ التَّابِعينَ، أهلُ الخَيرِ والأثَرِ، وأهلُ الفِقهِ والنَّظَرِ، لا يُذكَرونَ إلَّا بالجَميلِ، ومَن ذَكرَهم بسوءٍ فهو على غَيرِ السَّبيلِ)
[958] ((الطحاوية)) (ص: 82). .
8- قال ابنُ تَيميَّةَ: (ليسَ لأحَدٍ أن يَتَّبِعَ زَلَّاتِ العُلماءِ كَما ليسَ له أن يَتَكَلَّمَ في أهلِ العِلمِ والإيمانِ إلَّا بما هم له أهلٌ؛ فإنَّ اللَّهَ تعالى عَفا للمُؤمِنينَ عَمَّا أخطَئوا، كما قال تعالى:
رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا قال اللهُ: «قد فعَلتُ»
[959] لفظُه: عن ابنِ عبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنه، قال: ((لمَّا نَزَلَت هذه الآيةُ: وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ [البَقَرة: 284] ، قال: دَخَلَ قُلوبَهم مِنها شيءٌ لَم يَدخُلْ قُلوبَهم مِن شيءٍ! فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: قولوا: سَمِعْنا وأطَعْنا وسَلَّمْنا، قال: فألقى اللهُ الإيمانَ في قُلوبِهم، فأنزَلَ اللهُ تعالى: لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا قال: قَد فعَلتُ. رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا قال: قَد فعَلتُ. وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا قال: قَد فعَلتُ)). أخرجه مسلم (126). [960] ((مجموع الفتاوى)) (32/ 239). .
فَوائِدُ:1- قال ابنُ عَساكِرَ: (واعلَمْ يا أخي -وفَّقَنا اللهُ وإيَّاك لمَرضاتِه، وجعَلَنا مِمَّن يخشاه ويتَّقيه حَقَّ تُقاتِه- أنَّ لُحومَ العُلماءِ -رَحمةُ اللهِ عليهم- مَسمومةٌ، وعادةُ اللهِ في هَتكِ أستارِ مُنتَقصيهم مَعلومةٌ؛ لأنَّ الوقيعةَ فيهم بما هم مِنه بَراءٌ أمرُه عَظيمٌ، والتَّناوُلُ لأعراضِهم بالزُّورِ والافتِراءِ مَرتَعٌ وخيمٌ، والاختِلاقُ على مَن اختارَه اللهُ مِنهم لنَعشِ العِلمِ خُلُقٌ ذَميمٌ، والاقتِداءُ بما مَدَحَ اللهُ به قَولَ المُتَّبِعينَ مِنَ الاستِغفارِ لمَن سَبَقَهم وَصفُ كَريمٌ؛ إذ قال مُثنيًا عليهم في كِتابِه، وهو بمَكارِمِ الأخلاقِ وضِدِّها عَليمٌ
وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [الحشر: 10] ، والارتِكابُ لنَهيِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عَنِ الاغتيابِ وسَبِّ الأمواتِ جَسيمٌ
فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النور: 63] )
[961] ((تبيين كذب المفتري)) (ص: 29، 30). .
وقال أيضًا: (كُلُّ مَن أطلَقَ لسانَه في العُلَماءِ بالثَّلبِ، بَلاه اللهُ عَزَّ وجَلَّ قَبلَ مَوتِه بمَوتِ القَلبِ)
[962] ((تبيين كذب المفتري)) (ص: 425). .
2- قال الذَّهَبيُّ في آخِرِ الطَّبَقةِ التَّاسِعةِ مِن طَبَقاتِ الحُفَّاظِ: (باللهِ عليك يا شَيخُ ارفُقْ بنَفسِك والزَمِ الإنصافَ، ولا تَنظُرْ إلى هؤلاء الحُفَّاظِ النَّظَرَ الشَّزْرَ، ولا تَرمُقَنَّهم بعَينِ النَّقصِ ولا تَعتَقِدْ فيهم أنَّهم مِن جِنسِ مُحدِّثي زَمانِنا، حاشا وكَلَّا! فما فيمَن سَمَّيتُ أحَدٌ -وللَّهِ الحَمدُ- إلَّا وهو بَصيرٌ بالدِّينِ، عالمٌ بسَبيلِ النَّجاةِ، وليس في كِبارِ مُحدِّثي زَمانِنا أحَدٌ يَبلُغُ رُتبةَ أولئك في المَعرِفةِ؛ فإنِّي أحسَبُك لفَرطِ هَواك تَقولُ بلسانِ الحالِ إن أعوزَك المَقالُ: مَن أحمَدُ، وما ابنُ المَدينيِّ، وأيُّ شَيءٍ أبو زُرعةَ وأبو داوُدَ؟! هؤلاء مُحَدِّثونَ ولا يَدرونَ ما الفِقهُ، ما أُصولُه، ولا يَفقَهونَ الرَّأيَ، ولا عِلمَ لهم بالبَيانِ والمَعاني والدَّقائِقِ، ولا خِبرةَ لهم بالبُرهانِ والمَنطِقِ، ولا يَعرِفونَ اللهَ تعالى بالدَّليلِ، ولا هم مِن فُقَهاءِ المِلَّةِ! فاسكُتْ بحِلمٍ أوِ انطِقْ بعِلمٍ؛ فالعِلمُ النَّافِعُ هو ما جاءَ عن أمثالِ هؤلاء، ولَكِنَّ نِسبَتَك إلى أئِمَّةِ الفِقهِ كنِسبةِ مُحَدِّثي عَصرِنا إلى أئمَّةِ الحَديثِ! فلا نَحنُ ولا أنتَ، وإنَّما يَعرِفُ الفَضلَ لأهلِ الفَضلِ ذو الفَضلِ، فمَنِ اتَّقى اللَّهَ راقَبَ اللَّهَ، واعتَرَف بنَقصِه، ومَن تَكَلَّمَ بالجاهِ وبالجَهلِ أو بالشَّرِّ والبَأوِ
[963] البَأوُ: الزَّهوُ والافتِخارُ والكِبرُ والعَظَمةُ، يُقالُ: بَأى يبأى فُلانٌ على أصحابِه بَأوًا شَديدًا. يُنظر: ((العين)) للخليل (8/ 414)، ((غريب الحديث)) للقاسم بن سلام (4/ 230). فأعرِضْ عَنه وذَرْه في غَيِّه؛ فعُقباه إلى وَبالٍ. نَسألُ اللَّهَ العَفوَ والسَّلامةَ)
[964] ((تذكرة الحفاظ)) (2/ 150). .
3- قال ابنُ عَبدِ البَرِّ: (مَن صَحَّت عَدالَتُه، وثَبَتَت في العِلمِ إمامَتُه، وبانَت ثِقَتُه وبالعِلمِ عِنايَتُه؛ لَم يُلتَفَتْ فيه إلى قَولِ أحَدٍ إلَّا أن يَأتيَ في جُرحَتِه ببَيِّنةٍ عادِلةٍ يَصِحُّ بها جُرحَتُه على طَريقِ الشَّهاداتِ والعَمَلِ فيها مِنَ المُشاهَدةِ والمُعايَنةِ لذلك، بما يوجِبُ تَصديقَه فيما قاله لبَراءَتِه مِنَ الغِلِّ والحَسَدِ والعَداوةِ والمُنافَسةِ، وسَلامَتِه مِن ذلك كُلِّه؛ فذلك كُلُّه يوجِبُ قَبولَ قَولِه مِن جِهةِ الفِقهِ والنَّظَرِ، وأمَّا مَن لَم تَثبُتْ إمامَتُه، ولا عُرِفَت عَدالَتُه، ولا صَحَّت لعَدَمِ الحِفظِ والإتقانِ رِوايَتُه؛ فإنَّه يُنظَرُ فيه إلى ما اتَّفقَ أهلُ العِلمِ عليه، ويُجتَهَدُ في قَبولِ ما جاءَ به على حَسَبِ ما يُؤَدِّي النَّظَرُ إليه، والدَّليلُ على أنَّه لا يُقبَلُ فيمَنِ اتَّخَذَه جُمهورٌ مِن جَماهيرِ المُسلِمينَ إمامًا في الدِّينِ قَولُ أحَدٍ مِنَ الطَّاعِنينَ؛ إنَّ السَّلَفَ رَضيَ اللهُ عنهم قد سَبَقَ مِن بَعضِهم في بَعضٍ كَلامٌ كَثيرٌ، مِنه في حالِ الغَضَبِ، ومِنه ما حَمَلَ عليه الحَسَدُ، ومِنه على جِهةِ التَّأويلِ مِمَّا لا يَلزَمُ المَقولَ فيه ما قاله القائِلُ فيه...
فمَن أرادَ أن يَقبَلَ قَولَ العُلَماءِ الثِّقاتِ الأئِمَّةِ الأثباتِ بَعضِهم في بَعضٍ، فليَقبَلْ قَولَ مَن ذَكَرْنا قَولَه مِنَ الصَّحابةِ -رِضوانُ اللهِ عليهم أجمَعينَ- بَعضِهم في بَعضٍ، فإنْ فَعَل ذلك ضَلَّ ضَلالًا بَعيدًا وخَسِرَ خُسرانًا... فإن لَم يَفعَلْ -ولَن يَفعَلَ إن هَداه اللهُ وألهَمَه رُشدَه- فليَقِفْ عِندَ ما شَرَطْنا في ألَّا يَقبَلَ فيمَن صَحَّت عَدالَتُه، وعُلِمَت بالعِلمِ عِنايَتُه، وسَلِمَ مِنَ الكَبائِرِ ولَزِمَ المُروءةَ والتَّصاوُنَ، وكان خَيرُه غالبًا، وشَرُّه أقَلَّ عَمَلِه، فهذا لا يُقبَلُ فيه قَولُ قائِلٍ لا بُرهانَ له به، وهذا هو الحَقُّ الذي لا يَصِحُّ غَيرُه إن شاءَ اللهُ)
[965] ((جامع بيان العلم وفضله)) (2/ 1093، 1117). ويُنظر: ((طبقات الشافعية الكبرى)) للسبكي (2/ 9). .
وقال أيضًا: (الذينَ أثنَوا على سَعيدِ بنِ المُسَيِّبِ وعَلى سائِرِ مَن ذَكَرْنا مِنَ التَّابِعينَ وأئِمَّةِ المُسلِمينَ أكثَرُ مِن أن يُحصَوا، وقد جَمَعَ النَّاسُ فضائِلَهم وعُنُوا بسِيَرِهم وأخبارِهم، فمَن قَرَأ فضائِلَهم وفضائِلَ مالكٍ وفضائِلَ الشَّافِعيِّ وفضائِلَ أبي حَنيفةَ بَعدَ فضائِلِ الصَّحابةِ والتَّابِعينَ رَضيَ اللهُ عنهم، وعُنيَ بها، ووقَف على كَريمِ سِيَرِهم، وسَعى في الاقتداءِ بهم، وسَلَكَ سَبيلَهم في عِلمِهم وفي سَمْتِهم وهَدْيِهم؛ كان ذلك له عَمَلًا زاكيًا، نَفعَنا اللهُ عَزَّ وجَلَّ بحُبِّهم جَميعِهم.
قال الثَّوريُّ رَحِمَه اللهُ: "عِندَ ذِكرِ الصَّالحينَ تَنزِلُ الرَّحمةُ".
ومَن لَم يَحفَظْ مِن أخبارِهم إلَّا ما نَدَرَ مِن بَعضِهم في بَعضٍ على الحَسَدِ والهَفواتِ والغَضَبِ والشَّهَواتِ، دونَ أن يُعنى بفضائِلهم ويَرويَ مَناقِبَهم؛ حُرِمَ التَّوفيقَ، ودَخَلَ في الغِيبةِ وحادَ عَنِ الطَّريقِ، جَعَلنا اللهُ وإيَّاكَ مِمَّن يَسمَعُ القَولَ فيَتَّبعُ أحسَنَه)
[966] ((جامع بيان العلم وفضله)) (2/ 1117، 1118). .
فائدةٌ في صفةِ العلماءِ الواردِ فضلُهم في النُّصوصِ:1- قال الدِّمياطيُّ بَعدَ أن ذَكَرَ عِدَّةَ آياتٍ وأحاديثَ في ثَوابِ العِلمِ والعُلَماءِ وفَضلِهم: (جَميعُ أحاديثِ هذا البابِ إنَّما هيَ في حَقِّ العالمِ العامِلِ المُبتَغي بعِلمِه وَجهَ اللهِ تعالى، وأمَّا العالِمُ غَيرُ العامِلِ فإنَّه مِن أشَدِّ النَّاسِ عَذابًا يَومَ القيامةِ، وكَذا العالِمُ الذي لَم يَبتَغِ بعِلمِه وَجهَ اللهِ عَزَّ وجَلَّ، لا يَشَمُّ رائِحةَ الجَنَّةِ، وهو أحَدُ الثَّلاثةِ الذي تُسَعَّرُ بهمُ النَّارُ قَبلَ الخَلائِقِ كُلِّهم
[967] عن أُسامةَ بنِ زَيدٍ رَضيَ اللهُ عنهما، قال: سَمِعتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولُ: ((يُؤتى بالرَّجُلِ يَومَ القيامةِ فيُلقى في النَّارِ فتَندَلِقُ أقتابُ بَطنِه، فيَدورُ بها كما يَدورُ الحِمارُ بالرَّحى! فيَجتَمِعُ إليه أهلُ النَّارِ فيَقولونَ: يا فُلانُ ما لَك؟! ألَم تَكُنْ تَأمُرُ بالمَعروفِ وتَنهى عَنِ المُنكَرِ؟! فيَقولُ: بَلى، قد كُنتُ آمُرُ بالمَعروفِ ولا آتيه، وأنهى عَنِ المُنكَرِ وآتيه)). أخرجه مسلم (2989). وعن أبي هُريرةَ رَضِيَ الله عنه قال: سَمِعتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولُ: ((إنَّ أوَّلَ النَّاسِ يُقضى يَومَ القيامةِ عليه: رَجُلٌ استُشهِدَ، فأُتيَ به، فعَرَّفَه نِعَمَه، فعَرَفَها، قال: فما عَمِلْتَ فيها؟ قال: قاتَلْتُ فيك حَتَّى استُشهِدْتُ، فقال: كذَبْتَ، ولَكِنَّك قاتَلتَ لأن يُقالَ: جَريءٌ، فقد قيلَ، ثُمَّ أُمِرَ به، فسُحِبَ على وَجهِه، حَتَّى ألقيَ في النَّارِ. ورَجُلٌ تَعَلَّمَ العِلمَ وعَلَّمَه، وقَرَأ القُرآنَ، فأُتيَ به، فعَرَّفَه نِعَمَه، فعَرَفَها، قال: فما عَمِلْتَ فيها؟ قال: تَعَلَّمتُ العِلمَ وعَلَّمْتُه، وقَرَأتُ فيك القُرآنَ، قال: كذَبتَ، ولَكِنَّك تَعَلَّمتَ العِلمَ ليُقالَ: عالِمٌ، وقَرَأتَ القُرآنَ ليُقالَ: هو قارِئٌ، فقد قيلَ، ثُمَّ أُمِرَ به، فسُحِبَ على وَجهِه، حَتَّى ألقِيَ في النَّارِ. ورَجُلٌ وَسَّعَ اللهُ عليه، وأعطاه من أصنافِ المالِ كُلِّه، فأُتيَ به، فعَرَّفَه نِعَمَه، فعَرَفَها، قال: فما عَمِلْتَ فيها؟ قال: ما تَرَكتُ من سَبيلٍ تُحِبُّ أن يُنفَقَ فيها إلَّا أنفَقْتُ فيها لَك، قال: كذَبتَ، ولَكِنَّك فعَلْتَ ليُقالَ: هو جَوادٌ، فقد قيلَ، ثُمَّ أمِرَ به فسُحِبَ على وَجهِه، ثُمَّ ألقِيَ في النَّارِ)). أخرجه مسلم (1905). وعَنِ الوليدِ بنِ أبي الوليدِ أبي عُثمانَ المَدَنيِّ، أنَّ عُقبةَ بنَ مُسلِمٍ حَدَّثَه أنَّ شُفَيًّا الأصبَحيَّ حَدَّثَه أنَّه دَخلَ المَدينةَ، فإذا هو برجُلٍ قدِ اجتَمَعَ عليه النَّاسُ، فقال: مَن هذا؟ فقالوا: أبو هُرَيرةَ، فدَنَوتُ مِنه حَتَّى قَعَدتُ بَينَ يَدَيه وهو يُحَدِّثُ النَّاسَ، فلمَّا سَكَتَ وخَلا قُلتُ له: أسألُك بحَقٍّ وبحَقٍّ لَمَا حَدَّثَتْني حَديثًا سَمِعتَه مِن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عَقَلتَه وعَلِمتَه، فقال أبو هُرَيرةَ: أفعَلُ، لأُحَدِّثَنَّك حَديثًا حَدَّثَنيه رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عَقَلتُه وعَلِمتُه، ثُمَّ نَشَغَ أبو هُرَيرةَ نَشغةً فمَكَثنا قَليلًا ثُمَّ أفاقَ، فقال: لأُحَدِّثَنَّك حَديثًا حَدَّثَنيه رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في هذا البَيتِ ما مَعَنا أحَدٌ غَيري وغَيرُه، ثُمَّ نَشَغَ أبو هُرَيرةَ نَشغةً شَديدةً، ثُمَّ أفاقَ فمَسَحَ وجهَه، فقال: أفعَلُ، لأُحَدِّثَنَّك حَديثًا حَدَّثَنيه رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأنا وهو في هذا البَيتِ ما مَعَنا أحَدٌ غَيري وغَيرُه، ثُمَّ نَشَغَ أبو هُرَيرةَ نَشغةً شَديدةً، ثُمَّ مالَ خارًّا على وجهِه! فأسنَدتُه عليَّ طَويلًا، ثُمَّ أفاقَ فقال: حَدَّثَني رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: (أنَّ اللهَ تَبارك وتعالى إذا كان يَومُ القيامةِ يَنزِلُ إلى العِبادِ ليَقضيَ بينَهم، وكُلُّ أمَّةٍ جاثيةٌ، فأوَّلُ مَن يَدعو به رَجُلٌ جَمعَ القُرآنَ، ورَجُلٌ قُتِلَ في سَبيلِ اللهِ، ورَجُلٌ كثيرُ المالِ، فيَقولُ اللهُ للقارِئِ: ألم أعلِّمْك ما أنزَلتُ على رَسولي؟ قال: بلى يا رَبِّ، قال: فماذا عَمِلْتَ فيما عَلِمتَ؟ قال: كُنتُ أقومُ به آناءَ الليلِ وآناءَ النَّهارِ، فيَقولُ اللهُ له: كذَبْتَ، وتَقولُ له المَلائِكةُ: كذَبْتَ، ويَقولُ اللهُ: بَل أرَدتَ أن يُقالَ: إنَّ فُلانًا قارِئٌ، فقد قيلَ ذاك. ويُؤتى بصاحِبِ المالِ فيَقولُ اللهُ له: ألم أُوسِّعْ عليك حَتَّى لَم أدَعْك تَحتاجُ إلى أحَدٍ؟ قال: بلى يا رَبِّ، قال: فماذا عَمِلْتَ فيما آتيتُك؟ قال: كُنتُ أصِلُ الرَّحِمَ وأتَصَدَّقُ، فيَقولُ اللهُ له: كذَبْتَ، وتَقولُ له المَلائِكةُ: كذَبْتَ، ويَقولُ اللهُ تعالى: بَل أرَدتَ أن يُقالَ: فُلانٌ جَوادٌ، فقد قيلَ ذاك. ويُؤتى بالذي قُتِلَ في سَبيلِ اللهِ، فيَقولُ اللهُ له فيماذا قُتِلْتَ؟ فيَقولُ: أُمِرْتُ بالجِهادِ في سَبيلِك فقاتَلْتُ حَتَّى قُتِلْتُ، فيَقولُ اللهُ تعالى له: كذَبْتَ، وتَقولُ له المَلائِكةُ: كذَبْتَ، ويَقولُ اللهُ: بَل أرَدتُ أن يُقالَ: فُلانٌ جَريءٌ، فقد قيلَ ذاك. ثُمَّ ضَربَ رَسولُ اللهِ صَلى اللهُ عليه وسَلَّمَ على رُكبَتي، فقال: يا أبا هُريرةَ، أولئك الثَّلاثةُ أوَّلُ خَلقِ اللهِ تُسَعَّرُ بهمُ النَّارُ يَومَ القيامةِ)). وقال الوليدُ أبو عُثمانَ: فأخبَرَني عُقبةُ بنُ مُسلِمٍ أنَّ شُفَيًّا هو الذي دَخَلَ على مُعاويةَ فأخبَرَه بهذا. قال أبو عُثمانَ: وحَدَّثَني العَلاءُ بنُ أبي حَكيمٍ أنَّه كان سَيَّافًا لمُعاويةَ فدَخَلَ عليه رَجُلٌ، فأخبَرَه بهذا عن أبي هُرَيرةَ، فقال مُعاويةُ: قد فُعِلَ بهؤلاء هذا، فكَيف بمَن بَقيَ مِنَ النَّاسِ؟! ثُمَّ بَكى مُعاويةُ بُكاءً شَديدًا حَتَّى ظَنَنَّا أنَّه هالِكٌ، وقُلْنا: قد جاءَنا هذا الرَّجُلُ بشَرٍّ، ثُمَّ أفاقَ مُعاويةُ ومَسَحَ عن وَجهِه، وقال: صَدَقَ اللهُ ورَسولُه: مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ (15) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [هود: 15، 16]. أخرجه الترمذي (2382) واللفظ له، وابن خزيمة (2482)، وابن حبان (408) صححه ابن خزيمة، وابن حبان، والألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (2382) [968] ((المتجر الرابح)) (ص: 14). .
2- قال ابنُ جَماعةَ: (اعلَمْ أنَّ جَميعَ ما ذُكِرَ مِن فضيلةِ العِلمِ والعُلَماءِ إنَّما هو في حَقِّ العُلَماءِ العامِلينَ الأبرارِ المُتَّقينَ، الذينَ قَصَدوا به وَجهَ اللهِ الكَريمَ، والزُّلفى لَدَيه في جَنَّاتِ النَّعيمِ، لا مَن طَلَبَه بسوءِ نيَّةٍ، أو خُبثِ طَويَّةٍ، أو لأغراضٍ دُنيَويَّةٍ مِن جاهٍ أو مالٍ، أو مُكاثَرةٍ في الأتباعِ والطُّلَّابِ)
[969] ((تذكرة السامع والمتكلم)) (ص: 45). .