موسوعة الآداب الشرعية

سابعًا: حُسنُ الظَّنِّ بهم، والتِماسُ الأعذارِ لهم


مِنَ الأدَبِ مَعَ العُلَماءِ: حُسنُ الظَّنِّ بهم، وإقالةُ عَثَراتِهم، والتِماسُ الأعذارِ لهم [936] يُنظر: ((الآداب الشرعية)) لابن مفلح (1/ 45)، ((الإعلام بحرمة أهل العلم والإسلام)) للمقدم (ص: 374). .
الدَّليلُ على ذلك مِن الكتابِ والسُّنَّةِ والآثارِ:
أ- من الكتابِ
1- قال تعالى: لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ [النور: 12] .
أي: هَلَّا حينَ سَمِعتُم قَولَ أهلِ الإفكِ ظَنَّ المُؤمِنونَ والمُؤمِناتُ بَعضُهم ببَعضٍ السَّلامةَ مِمَّا رُمُوا به مِنَ الإفكِ [937] ((التفسير المحرر)) إعداد القسم العلمي بمؤسسة الدُّرر السَّنية (19/ 93). !
قال أبو حَيَّانَ: (فيه تَنبيهٌ على أنَّ حَقَّ المُؤمِنِ إذا سَمِعَ قالةً في أخيه أن يَبنيَ الأمرَ فيه على ظَنِّ الخَيرِ، وأن يَقولَ بناءً على ظَنِّه: هذا إفكٌ مُبينٌ، هَكَذا باللَّفظِ الصَّريحِ ببَراءةِ أخيه، كما يَقولُ المُستَيقِنُ المُطَّلِعُ على حَقيقةِ الحالِ. وهذا مِنَ الأدَبِ الحَسَنِ) [938] ((البحر المحيط)) (8/ 21). .
وقال ابنُ بَطَّالٍ: (قال المُهَلَّبُ: ... قد أوجَبَ اللهُ تعالى أن يَكونَ ظَنُّ المُؤمِنِ بالمُؤمِنِ حَسَنًا أبَدًا؛ إذ يَقولُ: لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا [النور: 12] ، فإذا جَعَل اللهُ سوءَ الظَّنِّ بالمُؤمِنينَ إفكًا مُبينًا، فقد ألزَمَ أن يَكونَ حُسنُ الظَّنِّ بهم صِدقًا بَيِّنًا) [939] ((شرح صحيح البخاري)) (9/ 261). .
وإذا كان في حقِّ عامَّةِ المؤمنينَ ففي حقِّ العلماءِ مِن بابِ أولى.
2- قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ [الحجرات: 12] .
ب- مِنَ السُّنَّةِ
عن أبي هُرَيرةَ رَضيَ اللهُ عنه، عَنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إيَّاكُم والظَّنَّ؛ فإنَّ الظَّنَّ أكذَبُ الحَديثِ، ولا تَحَسَّسوا ولا تَجَسَّسوا، ولا تَحاسَدوا ولا تَدابَروا ولا تَباغَضوا، وكونوا عِبادَ اللهِ إخوانًا)) [940] أخرجه البخاري (6064) واللفظ له، ومسلم (2563). .
ج- مِنَ الآثارِ:
1- عن عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ رَضيَ اللهُ عنه، قال: (لا يَحِلُّ لامرِئٍ مُسلمٍ سَمِعَ مِن أخيه كَلِمةً أن يَظُنَّ بها سوءًا وهو يَجِدُ لَها في شَيءٍ مِنَ الخَيرِ مَصدَرًا) [941] ((شرح صحيح البخاري)) لابن بطال (9/ 260)، ((التمهيد)) لابن عبد البر (18/ 20). .
2- عن عَليِّ بنِ أبي طالِبٍ رَضيَ اللهُ عنه، قال: (مَن عَلمَ مِن أخيه مُروءةً جَميلةً فلا يَسمَعنَّ فيه مَقالاتِ الرِّجالِ، ومَن حَسُنَت عَلانيَتُه فنَحنُ لسَريرَتِه أَرجى) [942] ((شرح صحيح البخاري)) لابن بطال (9/ 260، 261). .
فائدةٌ:
قال السُّبكيُّ: (يَنبَغي لك أيُّها المُستَرشِدُ أن تَسلُكَ سَبيلَ الأدَبِ مَعَ الأئِمَّةِ الماضينَ، وألَّا تَنظُرَ إلى كَلامِ بَعضِهم في بَعضٍ إلَّا إذا أتى ببُرهانٍ واضِحٍ، ثُمَّ إن قدَرتَ على التَّأويلِ وتَحسينِ الظَّنِّ فدُونَك، وإلَّا فاضرِبْ صَفحًا عَمَّا جَرى بَينَهم؛ فإنَّك لَم تُخلَقْ لهذا، فاشتَغِلْ بما يَعنيك ودَعْ ما لا يَعنيك، ولا يَزالُ طالِبُ العِلمِ عِندي نَبيلًا حَتَّى يَخوضَ فيما جَرى بَينَ السَّلَفِ الماضينَ ويَقضيَ لبَعضِهم على بَعضٍ... فإنَّك إنِ اشتَغَلتَ بذلك خَشِيتُ عليك الهَلاكَ؛ فالقَومُ أئِمَّةٌ أعلامٌ ولأقوالِهم مَحامِلُ رُبَّما لَم يُفهَمْ بَعضُها، فليس لَنا إلَّا التَّرَضِّي عَنهم والسُّكوتُ عَمَّا جَرى بَينَهم، كما يُفعَلُ فيما جَرى بَينَ الصَّحابةِ رَضيَ اللهُ عنهم) [943] ((طبقات الشافعية الكبرى)) (2/ 278). .

انظر أيضا: