موسوعة الآداب الشرعية

رابعَ عشرَ: الوَليمةُ


مِن آكَدِ آدابِ النِّكاحِ: الوليمةُ [1268] الوَليمةُ لُغةً: مِنَ الوَلمِ، وهو الاجتِماعُ؛ لأنَّ الزَّوجَينِ يَجتَمِعانِ، ومِنه: أولَمَ الرَّجُلُ: إذا اجتَمَعَ عَقلُه وخُلُقُه. والوليمةُ اصطِلاحًا: هيَ اسمٌ للطَّعامِ في العُرسِ خاصَّةً. وقيلَ: كُلُّ طَعامٍ يُتَّخَذُ لسُرورٍ حادِثٍ، واستِعمالُها مُطلَقةً في طَعامِ العُرسِ أشهَرُ، وفي غَيرِه بقَيدٍ. يُنظر: ((الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي)) للأزهري (ص: 211)، ((لسان العرب)) لابن منظور (12/643)، ((المغني)) لابن قدامة (7/275)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (3/344)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (3/31، 32). وللاطِّلاعِ على حُكمِ الوَليمةِ، وما يُصنَعُ فيها، ووَقتِها، ومدَّتِها؛ يُنظر: (( فقه الأسرة)) إعداد القسم العلمي بمؤسسة الدرر السنية (ص: 243). .
الدَّليلُ على ذلك مِنَ السُّنَّةِ:
1- عَنِ ابنِ بُرَيدةَ، عن أبيه رَضيَ اللهُ عنه، قال: ((لمَّا خَطَبَ عَليٌّ رَضيَ اللهُ عنه فاطِمةَ رَضيَ اللهُ عنها قال: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: لا بُدَّ للعُرسِ مِن وليمةٍ. قال سَعدٌ: عليَّ شاةٌ، وقال فلانٌ: عليَّ كَذا وكَذا مِن ذُرةٍ)) [1269] أخرجه أحمد (23035)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (10088)، والطحاوي في ((شرح مشكل الآثار)) (3017) واللفظ له. حسَّن إسنادَه ابنُ حجر في ((مختصر زوائد البزار)) (2/346)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((شرح مشكل الآثار)) (5947). .
2- عن صَفيَّةَ بنتِ شَيبةَ رَضيَ اللهُ عنها، قالت: ((أولَمَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على بَعضِ نِسائِه بمُدَّينِ مِن شَعيرٍ)) [1270] أخرجه البخاري (5172). .
3- عن أنَسٍ رَضيَ اللهُ عنه، قال: ((ما أولَمَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على شَيءٍ مِن نِسائِه ما أولَمَ على زَينَبَ، أولَمَ بشاةٍ)) [1271] أخرجه البخاري (5168) واللفظ له، ومسلم (1428). .
4- عن أنَسٍ رَضيَ اللهُ عنه، قال: ((أقامَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بَينَ خَيبَرَ والمَدينةِ ثَلاثَ لَيالٍ يُبنى عليه بصَفيَّةَ، فدَعَوتُ المُسلمينَ إلى وليمَتِه، وما كان فيها مِن خُبزٍ ولا لَحمٍ، وما كان فيها إلَّا أن أمَرَ بلالًا بالأنطاعِ [1272] الأنطاعُ: جَمعُ النَّطعِ، وهو المُتَّخَذُ مِنَ الأديمِ وهو الجِلدُ، وأرادَ بالأنطاعِ هنا السُّفَرَ (جَمعُ سُفرةٍ). يُنظر: ((مشارق الأنوار)) لعياض (2/ 11)، ((مرقاة المفاتيح)) للقاري (5/ 2105). فبُسِطَت، فألقى عليها التَّمرَ والأقِطَ [1273] الأقِطُ: شَيءٌ يُعمَلُ مِنَ اللَّبَنِ ويُجَفَّفُ. يُنظر: ((كشف المشكل)) لابن الجوزي (3/ 581). والسَّمنَ، فقال المُسلمونَ: إحدى أُمَّهاتِ المُؤمِنينَ، أو ما مَلَكَت يَمينُه؟ قالوا: إن حَجَبَها فهيَ إحدى أُمَّهاتِ المُؤمِنينَ، وإن لَم يَحجُبْها فهيَ مِمَّا مَلَكَت يَمينُه، فلَمَّا ارتَحَلَ وطَّأ لَها خَلفَه، ومَدَّ الحِجابَ)) [1274] أخرجه البخاري (4213) واللفظ له، ومسلم (1365). .
5- عن عَبدِ الرَّحمَنِ بنِ عَوف رَضيَ اللهُ عنه، قال: ((لمَّا قدِمنا المدينةَ آخى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بيني وبَينَ سعدِ بنِ الرَّبيعِ، فقال سعدُ بنُ الرَّبيعِ: إني أكثَرُ الأنصارِ مالًا، فأقسِمُ لك نِصفَ مالي، وانظُرْ أيَّ زوجَتيَّ هَوِيتَ نزَلْتُ لك عنها، فإذا حَلَّت تزوَّجْتَها. قال: فقال عبدُ الرَّحمنِ: لا حاجةَ لي في ذلك، هل من سُوقٍ فيه تجارةٌ؟ قال: سوقُ قَينُقاعٍ. قال: فغدا إليه عبدُ الرَّحمنِ، فأتى بأَقِطٍ [1275] الأقِطُ: شَيءٌ يُعمَلُ مِنَ اللَّبَنِ ويُجَفَّفُ. يُنظر: ((كشف المشكل)) لابن الجوزي (3/ 581). وسَمنٍ، قال: ثُمَّ تابَعَ الغُدُوَّ، فما لَبثَ أن جاءَ عَبدُ الرَّحمَنِ عليه أثَرُ صُفرةٍ، فقال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: تَزَوَّجتَ؟ قال: نَعَم، قال: ومَن؟ قال: امرَأةً مِنَ الأنصارِ، قال: كَم سُقتَ؟ قال: زِنةَ نَواةٍ مَن ذَهَبٍ -أو نَواةً مَن ذَهَبٍ-، فقال له النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أولِمْ ولَو بشاةٍ)) [1276] أخرجه البخاري (2048). .
وفي رِوايةٍ عن أنَسٍ رَضيَ اللهُ عنه، قال: ((قدِمَ عَبدُ الرَّحمَنِ بنُ عَوفٍ المَدينةَ فآخى النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بَينَه وبَينَ سَعدِ بنِ الرَّبيعِ الأنصاريِّ، فعَرَضَ عليه أن يُناصِفَه أهلَه ومالَه، فقال عَبدُ الرَّحمَنِ: بارَكَ اللَّهُ لَك في أهلِك ومالِك، دُلَّني على السُّوقِ، فرَبحَ شَيئًا مِن أقِطٍ وسَمنٍ، فرَآه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بَعدَ أيَّامٍ وعليه وَضَرٌ مِن صُفرةٍ [1277] الوَضَرُ: اللَّطَخُ مِن خَلوقٍ أو طِيبٍ له لَونٌ، وكان ذلك مِن فِعلِ العَروسِ إذا بَنى بأهلِه، ويَكونُ الوَضَرُ مِنَ الصُّفرةِ والحُمرةِ والطِّيبِ والزُّهومةِ. يُنظر: ((كشف المشكل)) لابن الجوزي (3/ 234، 235). ، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: مَهْيَمْ [1278] مَهْيَمْ: أي: ما أمرُك؟ وما هذا الذي أرى بك، ونَحوُ هذا مِنَ الكَلامِ. يُنظر: ((غريب الحديث)) لأبي عبيد (1/ 414). وقال الخَطَّابيُّ: (مَهْيَمْ: يُقالُ إنَّها كَلِمةٌ يَمانيَةٌ تَقَعُ بها المَسألةُ عن حالِ الإنسانِ وشَأنِه، كَأنَّه يَقولُ حينَ استَنكَرَ الصُّفرةَ التي رَآها عليه: ما شَأنُك؟). ((أعلام الحديث)) (2/ 994). يا عَبدَ الرَّحمَنِ؟ قال: يا رَسولَ اللهِ، تَزَوَّجتُ امرَأةً مِنَ الأنصارِ، قال: فما سُقتَ فيها؟ فقال: وَزنَ نَواةٍ مِن ذَهَبٍ! فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أولِمْ ولَو بشاةٍ)) [1279] أخرجها البخاري (2049) واللفظ له، ومسلم (1427). .

انظر أيضا: