موسوعة الآداب الشرعية

رابعًا: خِدمتُهما


من الأدَبِ معَ الوالِدَينِ: خِدمتُهما، ولا سِيَّما في حالِ كِبَرِهما [1093] جاء في كتاب ((الكبائر)) المنسوب للذهبي (ص: 39): (يَنبَغي أن تَتَولَّى خِدمَتَهما مِثلَما تَولَّيا خِدمَتَك في حالِ صِغَرِك، على أنَّ الفَضلَ للمُتَقدِّمِ، وكيف يَقَعُ التَّساوي وقد كانا يَحمِلانِ أذاك راجينَ حَياتَك، وأنتَ إن حَمَلتَ أذاهما رَجَوتَ مَوتَهما؟!). .
الدَّليلُ على ذلك مِن الكتابِ والسُّنَّةِ:
أ- مِنَ الكِتابِ
قال تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا [الإسراء: 23] .
قال الزَّجَّاجُ: (مَعنى الآيةِ: لا تَقُلْ لَهما ما فيه أذًى بتَبَرُّمٍ، أي: إذا كَبِرا أو أسَنَّا فيَنبَغي أن تَتَولَّى مِن خِدمَتِهما مِثلَ الذي تَولَّيا مِنَ القيامِ بشَأنِك وبخِدمَتِك، وَلَا تَنْهَرْهُمَا، بمَعنى: لا تَنتَهِرْهما، أي: لا تُكَلِّمْهما ضَجَرًا صائِحًا في أوجُهِهما) [1094] ((معاني القرآن وإعرابه)) (3/ 234). .
وقال القُشَيريُّ: (أمَر بالإحسانِ إلى الوالدَينِ ومُراعاةِ حَقِّهما، والوُقوفِ عِندَ إشارَتِهما، والقيامِ بخِدمَتِهما، ومُلازَمةِ ما كان يَعودُ إلى رِضاهما وحُسنِ عِشرَتِهما ورِعايةِ حُرمَتِهما، وألَّا يُبديَ شَواهِدَ الكَسَلِ عِندَ أوامِرِهما، وأن يَبذُلَ المُكنةَ فيما يَعودُ إلى حِفظِ قُلوبِهما. هذا في حالِ حَياتِهما، فأمَّا بَعدَ وَفاتِهما فبصِدقِ الدُّعاءِ لَهما، وأداءِ الصَّدَقةِ عَنهما، وحِفظِ وصيَّتِهما على الوَجهِ الذي فعَلاه، والإحسانِ إلى مَن كان مِن أهلِ وُدِّهما ومَعارِفِهما.
ويُقالُ: إنَّ الحَقَّ أمَرَ العِبادَ بمُراعاةِ حَقِّ الوالدَينِ وهما مِن جِنسِ العَبدِ، فمَن عَجَزَ عَنِ القيامِ بحَقِّ جِنسِه أنَّى له أن يَقومَ بحَقِّ رَبِّه؟!) [1095] ((لطائف الإشارات)) (2/ 343، 344). .
ب- مِن السُّنَّةِ
عَن مُعاويةَ بنِ جاهِمةَ السُّلَميِّ، ((أنَّ جاهمةَ جاءَ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: يا رَسولَ اللهِ، أرَدتُ أن أغزوَ وقد جِئتُ أستَشيرُك، فقال: هَل لَك مِن أُمٍّ؟ قال: نَعَم، قال: فالزَمْها؛ فإنَّ الجَنَّةَ تَحتَ رِجلَيها)) [1096] أخرجه النسائي (3104) واللفظ له، وابن ماجه بعد حديث (2781)، وأحمد (15538). قال الألباني في ((صحيح سنن النسائي)) (3104): حسن صحيح، وصحَّح إسناده الحاكم في ((المستدرك)) (2537)، وحَسَّنه شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (15538). .
قَولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((فالزَمْها)) أي: التَزِمْ خِدمَتَها، ومُراعاةَ أمرِها [1097] ((مرقاة المفاتيح)) للقاري (7/ 3096). .

انظر أيضا: