تَمهيدٌ في أهميَّةِ الهديَّةِ
الهَديَّةُ
[2494] الهَديَّةُ والهِبةُ بمَعنًى واحِدٍ، إلَّا أنَّ بَينَهما فُروقًا طَفيفةً، ومنها: 1- أنَّ الهديَّةَ يُقصَدُ بها الإكرامُ والتوَدُّدُ ونحوُهُما، أمَّا الهِبةُ فيُقصَدُ بها -غالبًا- النفعُ. 2- الهَديَّةُ تَختصُّ بالمنقولاتِ إكرامًا وإعظامًا للموهوبِ، والهِبةُ أعَمُّ. 3- الغالبُ أنَّ الهَديَّةَ تَكونُ مِن الأدنى إلى الأعلى؛ لأنَّ الأدنى لا يُريدُ أنْ يَنفَعَ الأعلى، وإنَّما يُريدُ التَّودُّدَ إليه، والهِبةُ تَكونُ مع المُساوي، ومع مَن دُونَه. مِنَ الأخلاقِ السَّنيَّةِ، وهيَ تورِثُ المَودَّةَ، وتُذهِبُ الضَّغينةَ، وتَفتَحُ البابَ المُغلَقَ؛ قال الشَّاعِرُ:
إنَّ الهَديَّةَ حُلوةٌ
كالسِّحرِ تَجتَلِبُ القُلوبَا
تُدني البَغيضَ مِنَ الهَوى
حتَّى تُصَيِّرَه قَريبَا
وتُعيدُ مُضطَغَنَ العَدا
وةِ بَعدَ نُفرَتِه حَبيبَا
[2495] يُنظر: ((عيون الأخبار)) لابن قتيبة (3/ 41، 42). وقال دِعبِلٌ الخُزاعيُّ:
هَدايا النَّاسِ بَعضِهمُ لبَعضٍ
تُولِّدُ في قُلوبِهمُ الوِصالَا
وتَزرَعُ في الضَّميرِ هَوًى ووُدًّا
وتَكسوهم إذا حَضَروا جَمالَا
[2496] ((ديوان دعبل)) (ص: 109). (والهَديَّةُ في نَظَرِ الأصفياءِ جَليلةٌ وإن كانت في نَفسِها قَليلةً، ومَكانتُها خَطيرةٌ وإن كانت يَسيرةً، وسُنَّةٌ حَسَنةٌ اجتَمَعَت على فَضلِها الألسِنةُ.
مَضَتِ الدُّهورُ وأمْرُها مُستَحسَن
وتَعاقَبَت بمَديحِها الأيَّامُ
اللهُمَّ إلَّا إن لَبِسَت جِلبابَ الرِّياءِ، وولجَت أبوابَ الارتِشاءِ، ولا مِراءَ؛ إنَّ الأوِدَّاءَ مِن ذلك بَراءٌ.
لا يَبتَغونَ سِوى الوفاءِ وما لهم
غَيرَ البَقاءِ على الصَّفاءِ مَرامُ
وما زالتِ الهَديَّةُ شِعارَ الأصدِقاءِ، وعُنوانَ تَذكارِ الوَلاءِ، وكَم جَدَّدَت بَينَ الأصحابِ عُهودَ التَّحابِّ!)
[2497] من كلامِ حِفني بك ناصِف. يُنظر: ((جواهر الأدب)) للهاشمي (1/ 69). .
وفي الهَديَّةِ (تَأنيسٌ للمُهدى إليه، وإلطافٌ له، وتَثبيتٌ لمَودَّتِه)
[2498] يُنظر: ((شرح صحيح البخاري)) لابن بطال (7/ 136). .
وكان يُقالُ: (ما ارتُضيَ الغَضبانُ، ولا استُعطِف السُّلطانُ، ولا سُلبَتِ الشَّحناءُ، ولا دُفِعَتِ المَغارِمُ، ولا تُوُقِّي المَحذورُ، ولا استُعمِلَ المَهجورُ؛ بمِثلِ الهَديَّةِ والبِرِّ)
[2499] يُنظر: ((بهجة المجالس)) لابن عبد البر (1/ 280). .
وكان رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُهدي إلى أصحابِه وغَيرِهم، وكان يَقبَلُ الهَديَّةَ ويُثيبُ عليها
[2500] يُثيبُ عليها، أي: يُعطي الذي يُهدي له بدَلَها، والمرادُ بالثَّوابِ المجازاةُ، وأقَلُّه ما يُساوي قيمةَ الهَديَّةِ. يُنظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (5/ 210). .
وكان أنَسُ بنُ مالِكٍ رَضِيَ اللهُ عنه يَقولُ لبَنيه: (يا بَنيَّ، تَباذَلوا بَينَكُم؛ فإنَّه أوَدُّ لِما بَينَكُم)
[2501] أخرجه البخاري في ((الأدب المفرد)) (595). صحَّح إسنادَه الألباني في ((صحيح الأدب المفرد)) (463). .
هذا وللهديةِ والتَّهادِي آدابٌ يَنبغي مُراعاتُها، وفيما يَلي بيانُها: