موسوعة الآداب الشرعية

ثانيًا: الإتيانُ بالذِّكرِ الواردِ عِندَ الاستِواءِ على الدَّابَّةِ وما في مَعناها


مِن السُّنَّةِ أن يَحمَدَ اللَّهَ عَزَّ وجَلَّ عِندَ استِوائِه على دابَّتِه، ويَقولَ: سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ * وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ، ثُمَّ يَحمَدَ اللَّهَ عَزَّ وجَلَّ ثَلاثًا، ويُكَبِّرَه ثَلاثًا، ثُمَّ يَقولَ: سُبحانَك إنِّي ظَلَمتُ نَفسي فاغفِرْ لي؛ إنَّه لا يَغفِرُ الذُّنوبَ إلَّا أنتَ.
الدَّليلُ على ذلك مِنَ الكتابِ والسُّنَّةِ:
أ- مِنَ الكِتابِ
قال تعالى: وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ * لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ * وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ [الزخرف: 12 - 14] .
ب- مِنَ السُّنَّةِ
1- عن عليِّ بنِ رَبيعةَ، قال: ((شَهِدتُ عَليًّا أُتيَ بدابَّةٍ ليَركَبَها، فلمَّا وضَعَ رِجلَه في الرِّكابِ قال: «باسمِ اللهِ» ثَلاثًا، فلمَّا استَوى على ظَهرِها قال: «الحَمدُ للَّهِ»، ثُمَّ قال: سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ * وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ [الزخرف: 14] ، ثُمَّ قال: «الحَمدُ للَّهِ» ثَلاثًا، «اللَّهُ أكبَرُ» ثَلاثًا، سُبحانَك إنِّي قد ظَلمتُ نَفسي فاغفِرْ لي؛ فإنَّه لا يَغفِرُ الذُّنوبَ إلَّا أنتَ، ثُمَّ ضَحِكَ. فقُلتُ: مِن أيِّ شَيءٍ ضَحِكتَ يا أميرَ المُؤمِنينَ؟ قال: رَأيتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم صَنَع كما صَنَعتُ، ثُمَّ ضَحِكَ، فقُلتُ: من أيِّ شَيءٍ ضَحِكتَ يا رَسولَ اللهِ؟ قال: إنَّ رَبَّك ليَعجَبُ مِن عَبدِه إذا قال: رَبِّ اغفِرْ لي ذُنوبي؛ إنَّه لا يَغفِرُ الذُّنوبَ غَيرُك)) [658] أخرجه الترمذي (3446) واللفظ له، وأحمد (753). صَحَّحه ابن حبان في ((صحيحه)) (2697)، والحاكم على شرط مسلم في ((المستدرك)) (2517)، والنووي في ((الإيضاح)) (48)، وقال الترمذي: حسن صحيح. .
وفي رِوايةٍ: ((شَهِدتُ عليًّا رَضِيَ اللهُ عنه وأُتِي بدابَّةٍ ليَركَبَها، فلمَّا وضَعَ رِجلَه في الرِّكابِ قال: «باسمِ اللهِ»، فلمَّا استَوى على ظَهرِها قال: «الحَمدُ للَّهِ»، ثُمَّ قال: سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ * وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ، ثُمَّ قال: «الحَمدُ للَّهِ» ثَلاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ قال: «اللَّهُ أكبَرُ» ثَلاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ قال: «سُبحانَك إنِّي ظَلمتُ نَفسي فاغفِرْ لي؛ فإنَّه لا يَغفِرُ الذُّنوبَ إلَّا أنتَ». ثُمَّ ضَحِكَ. فقيل: يا أميرَ المُؤمِنينَ، مِن أيِّ شَيءٍ ضَحِكتَ؟ قال: رَأيتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فَعَل كما فعَلتُ، ثُمَّ ضَحِكَ فقُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، مِن أيِّ شَيءٍ ضَحِكتَ؟ قال: إنَّ رَبَّك يَعجَبُ مِن عَبدِه إذا قال: اغفِرْ لي ذُنوبي، يَعلَمُ أنَّه لا يَغفِرُ الذُّنوبَ غَيري)) [659] أخرجها أبو داود (2602) واللفظ له، وأحمد (753). صحَّحها النووي في ((الإيضاح)) (48)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (2602)، وحسَّنها شعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (2602). .
2- عن ابنِ عُمَرَ رضِيَ اللهُ عنهما ((أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان إذا استَوى على بَعيرِه خارِجًا إلى سَفَرٍ كَبَّرَ ثَلاثًا، ثُمَّ قال: سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ * وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ،...)) [660] أخرجه مسلم (1342). .
فائِدةٌ:
قال ابنُ تَيميَّةَ: (التَّحميدُ قَرينُ التَّسبيحِ، والتَّهليلُ قَرينُ التَّكبيرِ؛ ففي تَكبيرِ الأعيادِ جَمَعَ بَينَ القَرينَينِ، فجَمَعَ بَينَ التَّكبيرِ والتَّهليلِ، وبَينَ التَّكبيرِ والتَّحميدِ؛ لقَولِه: وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَداَكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [البقرة: 185] ، فإنَّ الهدايةَ اقتَضَتِ التَّكبيرَ عليها، فضَمَّ إليه قَرينَه وهو التَّهليلُ. والنِّعمةُ اقتَضَتِ الشُّكرَ عليها، فضَمَّ إليه أيضًا التَّحميدَ، وهذا كَما أنَّ رُكوبَ الدَّابَّةِ لما اجتَمَعَ فيه أنَّه شَرَفٌ مِنَ الأشرافِ [661] الشَّرَفُ: ما ارتفَعَ مِنَ الأرضِ. يُنظر: ((جامع الأصول)) لابن الأثير (4/ 281). ، وأنَّه مَوضِعُ نِعمةٍ كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَجمَعُ عليها بَينَ الأمرَينِ؛ فإنَّه قال سُبحانَه: لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ * وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ [الزخرف: 13-14] ، فأمَرَ بذِكرِ نِعمةِ اللهِ عليه وذِكرِها بحَمدِها، وأمرَ بالتَّسبيحِ الذي هو قَرينُ الحَمدِ، فكان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لمَّا أُتيَ بالدَّابَّةِ فوَضَع رِجلَه في الغَرزِ قال: باسمِ اللهِ، فلمَّا استَوى على ظَهرِها قال: الحَمدُ للهِ، ثُمَّ قال: سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ، ثُمَّ حَمِدَ ثَلاثًا وكَبَّرَ ثَلاثًا، ثُمَّ قال: لا إلهَ إلَّا أنتَ سُبحانَك ظَلمتُ نَفسي فاغفِرْ لي، ثُمَّ ضَحِكَ وقال: ضَحِكتُ مِن ضَحِكِ الرَّبِّ؛ إذا قال العَبدُ ذلك يَقولُ اللهُ: عَلِمَ عَبدي أنَّه لا يَغفِرُ الذُّنوبَ غَيري. فذَكَرَ بَعدَ ذلك ذِكرَ الأشرافِ وهو التَّكبيرُ مَعَ التَّهليلِ، وخَتَمَه بالاستِغفارِ؛ لأنَّه مَقرونٌ بالتَّوحيدِ) [662] ((مجموع الفتاوى)) (24/ 240، 241). .

انظر أيضا: