موسوعة الآداب الشرعية

خامسًا: رَدُّ السَّلامِ


مِن آدابِ الطَّريقِ: رَدُّ السَّلامِ [801] تنظر آدابُ السَّلامِ من هذه الموسوعةِ. .
الدَّليلُ على ذلك مِن الكتابِ والسُّنَّةِ والإجماعِ:
أ- مِنَ الكِتابِ
قال تعالى: وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا [النساء: 86] .
ب- مِنَ السُّنَّةِ
1- عن أبي سَعيدٍ الخُدريِّ رَضِيَ اللهُ عنه، عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((إيَّاكُم والجُلوسَ على الطُّرُقاتِ، فقالوا: ما لنا بُدٌّ، إنَّما هي مَجالِسُنا نَتَحَدَّثُ فيها! قال: فإذا أبيتُم إلَّا المَجالِسَ فأعطُوا الطَّريقَ حَقَّها، قالوا: وما حَقُّ الطَّريقِ؟ قال: غَضُّ البَصَرِ، وكفُّ الأذى، ورَدُّ السَّلامِ، وأمرٌ بالمَعروفِ، ونَهيٌ عَنِ المُنكَرِ)) [802] أخرجه البخاري (2465) واللفظ له، ومسلم (2121). .
2- عن أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه ((أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نَهى عنِ المَجالِسِ بالصُّعُداتِ [803] الصُّعُداتُ: أي: الطُّرُقُ. يُنظر: ((غريب الحديث)) لأبي عبيد (4/ 86). ، فقالوا: يا رَسولَ اللهِ، لَيَشُقُّ علينا الجُلوسُ في بُيوتِنا! قال: فإن جَلَستُم فأعطُوا المَجالِسَ حَقَّها، قالوا: وما حَقُّها يا رَسولَ اللهِ؟ قال: إدلالُ السَّائِلِ، ورَدُّ السَّلامِ، وغَضُّ الأبصارِ، والأمرُ بالمَعروفِ، والنَّهيُ عنِ المُنكَرِ)) [804] أخرجه البخاري في ((الأدب المفرد)) (1149). صحَّحه الألباني في ((صحيح الأدب المفرد)) (876)، وحسَّنه الوادعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (1313)، وجود إسناده شعيب الأرناؤوط في تخريج ((شرح السنة)) (12/305). .
وفي رِوايةٍ: ((أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نَهى عنِ الأفنيةِ والصُّعُداتِ [805] قال ابنُ حَجَرٍ: (أمَّا الأفنِيَةُ فهيَ جمعُ فِناءٍ -بكَسرِ الفاءِ والمَدِّ- وقد تُقصَرُ، وهو المَكانُ المُتَّسِعُ أمامَ الدُّورِ... والصُّعُداتُ -بضَمَّتَينِ-: جَمعُ صُعُدٍ -بضَمَّتَينِ أيضًا، وقد يُفتَحُ أوَّلُه- وهو جَمعُ صَعيدٍ، كطَريقٍ وطُرُقاتٍ وزنًا ومَعنًى، والمُرادُ به ما يُرادُ مِنَ الفِناءِ، وزَعَمَ ثَعلبٌ أنَّ المُرادَ بالصُّعُداتِ وَجهُ الأرضِ، ويَلتَحِقُ بما ذُكِرَ ما في مَعناه مِنَ الجُلوسِ في الحَوانيتِ وفي الشَّبابيكِ المُشرِفةِ على المارِّ؛ حَيثُ تَكونُ في غَيرِ العُلوِ). ((فتح الباري)) (5/ 113). أن يُجلَسَ فيها، فقال المُسلِمونَ: لا نَستَطيعُه، لا نُطيقُه، قال: إمَّا لا فأعطُوا حَقَّها، قالوا: وما حَقُّها؟ قال: غَضُّ البَصَرِ، وإرشادُ ابنِ السَّبيلِ، وتَشميتُ العاطِسِ إذا حَمِدَ اللَّهَ، ورَدُّ التَّحيَّةِ)) [806] أخرجها أبو داود (4816)، والبخاري في ((الأدب المفرد)) (1014) واللفظ له، وابن حبان (596). صحَّحها ابن حبان، والألباني في ((صحيح الأدب المفرد)) (776)، وصحَّح إسنادَها الحاكم في ((المستدرك)) (7688)، وقوَّاها على شرط مسلم: شعيب الأرناؤوط في تخريج ((صحيح ابن حبان)) (596). .
3- عن أبي طَلحةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((كُنَّا قُعودًا بالأفنِيةِ نَتَحَدَّثُ، فجاءَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقامَ علينا فقال: ما لكُم ولمَجالِسِ الصُّعُداتِ؟! اجتَنِبوا مَجالِسَ الصُّعُداتِ، فقُلْنا: إنَّما قَعَدنا لغَيرِ ما باسٍ، قَعَدنا نَتَذاكَرُ ونَتَحَدَّثُ، قال: إمَّا لا فأدُّوا حَقَّها: غَضُّ البَصَرِ، ورَدُّ السَّلامِ، وحُسنُ الكَلامِ)) [807] أخرجه مسلم (2161). .
4- عن أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: سَمِعتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولُ: ((حَقُّ المُسلمِ على المُسلمِ خَمسٌ: رَدُّ السَّلامِ، وعيادةُ المَريضِ، واتِّباعُ الجَنائِزِ، وإجابةُ الدَّعوةِ، وتَشميتُ العاطِسِ)) [808] أخرجه البخاري (1240). .
وفي رِوايةٍ: ((خَمسٌ تَجِبُ للمُسلمِ على أخيه: رَدُّ السَّلامِ، وتَشميتُ العاطِسِ، وإجابةُ الدَّعوةِ، وعيادةُ المَريضِ، واتِّباعُ الجَنائِزِ)) [809] أخرجها مسلم (2162). .
5- عنِ البَراءِ بنِ عازِبٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: ((أمَرَنا النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بسَبعٍ، ونَهانا عن سَبعٍ: أمَرَنا باتِّباعِ الجَنائِزِ، وعيادةِ المَريضِ، وإجابةِ الدَّاعي، ونَصرِ المَظلومِ، وإبرارِ القَسَمِ، ورَدِّ السَّلامِ، وتَشميتِ العاطِسِ...)) الحَديثَ [810] أخرجه البخاري (1239) واللفظ له، ومسلم (2066). .
ج- مِنَ الإجماعِ
نُقِل الإجماعُ على أنَّ رَدَّ السَّلامِ فريضةٌ [811] ممن نقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ عبدِ البَرِّ، وابنُ العَرَبيِّ، والقُرطُبيُّ، وابنُ كَثيرٍ. قال ابنُ عبدِ البَرّ: (إجماعُ العُلماءِ على أنَّ الابتِداءَ بالسَّلامِ سُنَّةٌ، وأنَّ الرَّدَّ فَرضٌ؛ لقَولِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ: وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا [النساء: 86] . ((الاستذكار)) (8/ 464). وقال: (إجماعُهم على أنَّ الابتِداءَ بالسَّلامِ سُنَّةٌ، وأنَّ الرَّدَّ فَرضٌ، على ما ذَكَرنا مِنِ اختِلافِهم في تَعيينِه وكِفايَتِه، والابتِداءُ ليسَ كذلك عِندَ جَميعِهم). ((التمهيد)) (5/ 292). وقال أيضًا: (الابتِداءُ بالسَّلامِ ليسَ بواجِبٍ عِندَ الجَميعِ، ولكِنَّه سُنَّةٌ وخَيرٌ وأدَبٌ، والرَّدُّ واجِبٌ عِندَ جَميعِهم). ((التَّمهيد)) (5/ 289). .
فائِدةٌ:
قال ابنُ حَجَرٍ: (اتَّفَقوا على أنَّ مَن سَلَّمَ لم يُجزِئْ في جَوابِه إلَّا السَّلامُ، ولا يُجزِئُ في جَوابِه: صُبِّحتَ بالخَيرِ أو بالسَّعادةِ ونَحوِ ذلك. واختُلِف فيمَن أتى في التَّحيَّةِ بغَيرِ لفظِ السَّلامِ: هَل يَجِبُ جَوابُه أم لا؟ وأقَلُّ ما يَحصُلُ به وُجوبُ الرَّدِّ أن يَسمَعَ المُبتَدِئَ، وحينَئِذٍ يَستَحِقُّ الجَوابَ، ولا يَكفي الرَّدُّ بالإشارةِ) [812] ((فتح الباري)) (11/ 14). .

انظر أيضا: