موسوعة الآداب الشرعية

ثالثًا: التَّنَظُّفُ واستِعمالُ السِّواكِ ونَحوِه قَبلَ اللِّقاءِ


مِنَ الآدابِ قَبلَ اللِّقاءِ بَينَ الزَّوجَينِ أن يَكونَ كُلٌّ مِنهما على أكمَلِ حالٍ مُمكِنةٍ؛ فذلك أبقى للوِئامِ وأدعى للأُنسِ وعَدَمِ النُّفرةِ.
الدَّليلُ على ذلك مِنَ السُّنَّةِ والآثارِ:
أ- مِنَ السُّنَّةِ
1- عن جابرٍ رَضيَ اللهُ عنه، قال: ((كُنتُ مَعَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في غَزوةٍ، فلَمَّا قَفَلْنا تَعَجَّلتُ على بَعيرٍ قُطوفٍ [1379] القَطوفُ مِنَ الدَّوابِّ والإبِلِ: البَطيءُ المُتَقارِبُ الخَطوِ. يُنظر: ((العين)) للخليل (5/ 105). ، فلَحِقَني راكِبٌ مِن خَلفي، فالتَفَتُّ فإذا أنا برَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ما يُعجِلُك؟ قُلتُ: إنِّي حَديثُ عَهدٍ بعُرسٍ، قال: فبِكرًا تَزَوَّجتَ أم ثَيِّبًا؟ قُلتُ: بَل ثَيِّبًا، قال: فهَلَّا جاريةً تُلاعِبُها وتُلاعِبُك؟ قال: فلَمَّا قَدِمنا ذَهَبنا لنَدخُلَ، فقال: أمهِلوا، حَتَّى تَدخُلوا لَيلًا -أي عِشاءً- لكَي تَمتَشِطَ الشَّعثةُ، وتَستَحِدَّ المُغيبةُ [1380] قال أبو العَبَّاسِ القُرطُبيُّ: ("الشَّعثةُ": المُتَغَيِّرةُ الحالِ والهَيئةِ. و"تَستَحِدُّ": تَستَعمِلُ الحَديدةَ، يَعني به: حَلقَ الشَّعرِ. و"المُغيبةُ": هيَ التي غابَ عَنها زَوجُها). ((المفهم)) (4/ 219). ) [1381] أخرجه البخاري (5245). .
قال أبو العَبَّاسِ القُرطُبيُّ: ("الشَّعْثةُ": المُتَغَيِّرةُ الحالِ والهَيئةِ. و"تَستَحِدَّ": تَستَعمِلَ الحَديدةَ؛ يَعني به حَلقَ الشَّعرِ. و"المُغيبةُ": هيَ التي غابَ عَنها زَوجُها. يُقالُ: أغابَتِ المَرأةُ، فهيَ مُغيبةٌ -بالهاء-، وأشهَدَت: إذا حَضَرَ زَوجُها، فهيَ مُشهِدٌ -بغَيرِ هاءٍ-.
وفي هذا مِنَ التَّنبيهِ على رِعايةِ المَصالحِ الجُزئيَّةِ في الأهلِ، والإرشادِ إلى مَكارِمِ الأخلاقِ، وتحسينِ المُعاشَرةِ، ما لا يَخفى؛ وذلك أنَّ المَرأةَ تَكونُ في حالةِ غَيبةِ زَوجِها على حالةِ بَذاذةٍ، وقِلَّةِ مُبالاةٍ بنَفسِها، وشَعَثٍ، فلَو قدِمَ الزَّوجُ عليها وهيَ في تلك الحالِ رُبَّما نَفرَ مِنها، وزَهِدَ فيها، وهانَت عليه، فنَبَّه على ما يُزيلُ ذلك) [1382] ((المفهم)) (4/ 219، 220). .
2- عن أبي هُرَيرةَ رَضيَ اللهُ عنه: ((سُئِلَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أيُّ النِّساءِ خَيرٌ؟ قال: التي تَسُرُّه إذا نَظَرَ، وتُطيعُه إذا أمَرَ، ولا تُخالفُه فيما يَكرَهُ في نَفسِها ومالِه)) [1383] أخرجه النسائي (3231)، وأحمد (9658) واللفظ له. حسنه الألباني في ((إرواء الغليل)) (1786)، وصحح إسناده أحمد شاكر في تخريج ((مسند أحمد)) (13/153)، وقوى إسناده شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (9658)، .
3- عَنِ المِقدامِ بنِ شُرَيحٍ، عن أبيه، قال: ((سَألتُ عائِشةَ، قُلتُ: بأيِّ شَيءٍ كان يَبدَأُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا دَخَلَ بَيتَه؟ قالت: بالسِّواكِ)) [1384] أخرجه مسلم (253). .
فهذا يَدُلُّ على استِحبابِ تَعاهُدِ السِّواكِ؛ لِما يُكرَهُ مِن تَغَيُّرِ رائِحةِ الفَمِ بالأبخِرةِ والأطعِمةِ وغَيرِها [1385] يُنظر: ((المفهم)) لأبي العباس القرطبي (1/ 509). .
ب- من الآثارِ
عن عَبدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما، قال: (إنِّي أُحِبُّ أن أتَزَيَّنَ للمَرأةِ كما أحِبُّ أن تَتَزَيَّنَ لي المَرأةُ؛ لأنَّ اللَّهَ تعالى يَقولُ: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة: 228] ، وما أحِبُّ أن أستَنطِفَ [1386] استَنْطَفتُ الشَّيءَ: إذا أخَذْتَه كُلَّه. يُنظر: ((جامع الأصول)) لابن الأثير (10/ 39). حَقِّي عليها؛ لأنَّ اللَّهَ تعالى يَقولُ: وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ [البقرة: 228] ) [1387] أخرجه ابن أبي شيبة (19608) واللفظ له، والطبري في ((التفسير)) (4768)، والبيهقي (15125). صحَّح إسناده أحمد شاكر في ((عمدة التفسير)) (1/277). .
فَوائِدُ ومسائِلُ:
1- قال ابنُ الجَوزيِّ: (تلمَّحتُ على خَلقٍ كَثيرٍ مِنَ النَّاسِ إهمالَ أبدانِهم؛ فمِنهم مَن لا يُنَظِّفُ فمَه بالخِلالِ بَعدَ الأكلِ، ومِنهم مَن لا يُنَقِّي يَدَيه في غَسلِهما مِنَ الزَّهمِ، ومِنهم مَن لا يَكادُ يَستاكُ، وفيهم مَن لا يَكتَحِلُ، وفيهم مَن لا يُراعي الإبْطَ، إلى غَيرِ ذلك؛ فيَعودُ هذا الإهمالُ بالخَلَلِ في الدِّينِ والدُّنيا.
أمَّا الدِّينُ فإنَّه قد أمَرَ المُؤمِنَ بالتَّنَظُّفِ، والاغتِسالِ للجُمعةِ [1388] لفظه: ((من جاء منكم الجمعة فليغتسل)). أخرجه البخاري (894)، ومسلم (844) من حديثِ عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما. ؛ لأجلِ اجتِماعِه بالنَّاسِ، ونَهى عن دُخولِ المَسجِدِ إذا أكَلَ الثُّومَ [1389] لفظُه: ((مَن أكَلَ ثُومًا أو بَصَلًا فليَعتَزِلْنا، أو ليَعتَزِلْ مَسجِدَنا، وليَقعُدْ في بَيتِه)). أخرجه البخاري (7359)، ومسلم (564) من حديثِ جابِرِ بنِ عبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنهما. ، وأمَر الشَّرعُ بتَنقيةِ البَراجِمِ [1390] تَنقيةُ البَراجِمِ، أي: تَنظيفُ المَواضِعِ التي تَتَشَنَّجُ ويَجتَمِعُ فيها الوَسَخُ، وأصلُ البَراجِمِ العُقَدُ التي تَكونُ في ظُهورِ الأصابعِ، والرَّواجِبُ ما بَين البَراجِمِ، فبَين كُلِّ بُرجُمَتَينِ راجِبةٌ، وواحِدةُ البَراجِمِ بُرْجُمةٌ. يُنظر: ((معالم السنن)) للخطابي (1/ 31، 32)، ((كشف المشكل)) لابن الجوزي (3/ 105) و (4/ 397). ، وقَصِّ الأظفارِ، والسِّواكِ، والاستِحدادِ [1391] لَفظُه: ((عَشرٌ مِنَ الفِطرةِ: قَصُّ الشَّارِبِ، وإعفاءُ اللِّحيةِ، والسِّواكُ، واستِنشاقُ الماءِ، وقَصُّ الأظفارِ، وغَسلُ البَراجِمِ، ونَتفُ الإبْطِ، وحَلقُ العانةِ، وانتِقاصُ الماءِ)). أخرجه مسلم (261) من حديثِ عائشة رَضِيَ اللهُ عنها. وفي لَفظٍ: ((الفِطرةُ خَمسٌ: الخِتانُ، والاستِحدادُ، وقَصُّ الشَّارِبِ، وتَقليمُ الأظفارِ، ونَتفُ الآباطِ)). أخرجه البخاري (5891) واللفظ له، ومسلم (257) من حديثِ أبي هريرة رَضِيَ اللهُ عنه. والاستِحدادُ: مُشتَقٌّ مِنَ الحَديدِ، ومَعناه الاحتِلاقُ بالموسى، يُقالُ: استَحَدَّ الرَّجُلُ: إذا احتَلقَ بالحَديدِ، واستَعانَ بمَعناه: إذا حَلقَ عانَتَه. يُنظر: ((غريب الحديث)) للقاسم بن سلام (3/ 398، 399)، ((معالم السنن)) للخطابي (2/ 339). ، وغَيرِ ذلك مِنَ الآدابِ؛ فإذا أهمَلَ ذلك تَركَ مَسنونَ الشَّرعِ، ورُبَّما تَعَدَّى بَعضُ ذلك إلى فسادِ العِبادةِ، مِثلُ أن يُهمِلَ أظفارَه فيُجمَعَ تَحتَه الوسَخُ المانِعُ للماءِ في الوُضوءِ أن يَصِلَ.
وأمَّا الدُّنيا فإنِّي رَأيتُ جَماعةً مِنَ المُهمِلينَ أنفُسَهم يَتَقدَّمونَ إلى السِّرارِ، والغَفلةُ التي أوجَبَت إهمالَهم أنفُسَهم أوجَبَت جَهلَهم بالأذى الحادِثِ عَنهم، فإذا أخَذوا في مُناجاةِ السِّرِّ لَم يُمكِنْ أن أصدِفَ عَنهم؛ لأنَّهم يَقصِدونَ السِّرَّ، فألقى الشَّدائِدَ مِن ريحِ أفواهِهم، ولَعَلَّ أكثَرَهم مِن وقتِ انتِباهِهم ما أمَرَّ إصبَعَه على أسنانِه!
ثُمَّ يوجِبُ مِثلُ هذا نُفورَ المَرأةِ، وقد لا تَستَحسِنُ ذِكرَ ذلك للرَّجُلِ، فيُثمِرُ ذلك التِفاتَها عَنه، وقد كان ابنُ عَبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما يَقولُ: (إنِّي لأحِبُّ أن أتَزَيَّنَ للمَرأةِ كما أحِبُّ أن تَتَزَيَّنَ لي) [1392] أخرجه ابن أبي شيبة (19608) واللفظ له، والطبري في ((التفسير)) (4768)، والبيهقي (15125). صحَّح إسناده أحمد شاكر في ((عمدة التفسير)) (1/277). .
وفي النَّاسِ مَن يَقولُ: هذا تَصنُّعٌ! وليس بشَيءٍ؛ فإنَّ اللَّهَ تعالى زَيَّنَنا لمَّا خَلَقَنا؛ لأنَّ للعَينِ حَظًّا في النَّظَرِ، ومَن تَأمُّل أهدابَ العَينِ والحاجِبَينِ وحُسنَ تَرتيبِ الخِلقةِ، عَلمَ أنَّ اللَّهَ زَيَّن الآدَميَّ.
وقد كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنظَفَ النَّاسِ، وأطيَبَ النَّاسِ، وفي الحَديثِ عَنه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: يَرفعُ يَدَيه حَتَّى تَبينَ عُفرةُ إبْطَيه [1393] أخرجه البخاري (6636)، ومسلم (1832) باختِلافٍ يَسيرٍ مِن حَديثِ أبي حُمَيدٍ السَّاعِديِّ، ولَفظُ البُخاريِّ: (ثُمَّ رَفعَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَدَه حَتَّى إنَّا لنَنظُرُ إلى عُفرةِ إبْطَيه). ، وكان ساقُه رُبَّما انكَشَفت فكأنَّها جُمَّارةٌ [1394] أخرجه ابن أبي عاصم في ((الآحاد والمثاني)) (1029)، والطبراني (7/134) (6602)، والبيهقي في ((دلائل النبوة)) (2/487) مِن حَديثِ سُراقةَ بنِ مالِكٍ رَضيَ اللهُ عنه، ولَفظُ الطَّبَرانيِّ: (... حَتَّى إذا دَنَوتُ مِن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على ناقَتِه أنظُرُ إلى ساقَيه في غَرزِه كَأنَّهما جُمَّارةٌ ...). وبَياضُ ساقَيِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ثَبَتَ في الصَّحيحِ، أخرَجَه مُسلمٌ (503) مِن حَديثِ أبي جُحَيفةَ رَضيَ اللهُ عنه، بلَفظِ: (أتَيتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بمَكَّةَ وهو بالأبطحِ في قُبَّةٍ له حَمراءَ مَن أدَمٍ، قال: فخَرَجَ بلالٌ بوَضوئِه فمِن نائِلٍ وناضِحٍ، قال: فخَرَجَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عليه حُلَّةٌ حَمراءُ كَأنِّي أنظُرُ إلى بَياضِ ساقَيه). ، وكان لا يُفارِقُه السِّواكُ، وكان يَكرَهُ أن يُشَمَّ مِنه ريحٌ لَيسَت طَيِّبةً [1395] لَفظُه: (أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يَمكُثُ عِندَ زَينَبَ بنتِ جَحشٍ ويَشرَبُ عِندَها عَسَلًا، فتَوَاصَيتُ أنا وحَفصَةُ: أنَّ أَيَّتَنا دخَلَ عليها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فَلتَقُلْ: إنِّي أجِدُ مِنكَ رِيحَ مَغافيرَ، أَكَلتَ مَغافيرَ -والمَغافيرُ: صَمغٌ حُلوٌ له رائحةٌ كريهةٌ-، فدخَلَ على إِحداهُمَا، فقالَت له ذلك، فقال: لا، بَل شرِبتُ عَسَلًا عِندَ زَينَبَ بِنتِ جَحشٍ، ولَن أَعودَ له، فَنَزَلَت: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ إلى إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ [التحريم: 1 - 4] لعائشةَ وحَفصَةَ، وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ [التحريم: 3] ؛ لقَولِه: بل شَرِبتُ عَسَلًا). أخرجه البخاري (6691) واللفظ له، ومسلم (1474) من حديثِ عائشة رَضِيَ اللهُ عنه. وفي رِوايةٍ: (كانَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُحِبُّ الحَلوَاءَ، ويُحِبُّ العَسَلَ، وكانَ إذَا صَلَّى العَصرَ أجَازَ على نِسَائِهِ فَيَدنُو منهنَّ، فَدَخَلَ على حَفصَةَ، فاحتَبَسَ عِندَها أكثَرَ ممَّا كانَ يَحتَبِسُ، فسَألتُ عن ذلك، فقال لِي: أهدَت لها امرَأةٌ مِن قَومِها عُكَّةَ عَسَلٍ، فَسَقَت رَسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم منه شَربةً، فقُلتُ: أمَا واللَّهِ لَنحتالَنَّ له، فَذَكَرتُ ذلكَ لِسَودةَ، قُلتُ: إذا دَخَلَ عليك فإنَّه سيَدنُو منك، فقُولِي له: يا رَسولَ اللَّهِ، أكَلتَ مَغافِيرَ؟! فإنَّه سيقولُ: لا، فقولي له: ما هذه الرِّيحُ؟! وكان رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَشتَدُّ عليه أن يُوجَدَ منه الرِّيحُ، فإنَّه سيقولُ: سَقَتني حَفصةُ شَربةَ عَسَلٍ، فقولي له: جَرَسَت نَحلُه العُرفُطَ، وسأقولُ ذلكِ، وقُوليه أنتِ يا صَفيَّةُ، فلمَّا دخَلَ على سَودةَ، قُلتُ: تقولُ سودةُ: والذي لا إلَهَ إلَّا هو، لقد كِدتُ أن أُبادِرَه بالذي قُلتِ لي، وإنَّه لعلى البابِ، فَرَقًا منكِ، فلمَّا دنا رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، أكَلتَ مَغافيرَ؟ قال: لا، قُلتُ: فما هذه الرِّيحُ؟ قال: سَقَتني حَفصةُ شَربةَ عَسَلٍ، قُلتُ: جَرَسَت نَحلُه العُرفُطَ، فلمَّا دخَلَ عَلَيَّ قُلتُ له مِثلَ ذلك، ودَخَلَ على صَفِيَّةَ فقالت له مِثلَ ذلك، فلمَّا دخَلَ على حَفصةَ قالت له: يا رَسولَ اللَّهِ، ألَا أسقيك منه؟ قال: لا حاجةَ لي به، قالت: تَقولُ سَودةُ: سُبحانَ اللهِ! لقد حَرَمناه، قالت: قُلتُ لها: اسكُتي). أخرجه البخاري (6972) واللفظ له، ومسلم (1474). . وفي حَديثِ أنَسٍ الصَّحيحِ: "ما شانَه اللَّهُ ببَيضاءَ" [1396] أخرجه مسلم (2341) عن أنَسٍ، أنَّه سُئِلَ عن شَيبِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؟ فقال: ما شانَه اللَّهُ ببَيضاءَ. .
وقد قالتِ الحُكَماءُ: مَن نَظَّف ثَوبَه قَلَّ هَمُّه، ومَن طابَ ريحُه زاد عَقلُه...
فالمُتَنَظِّفُ يُنعِّمُ نَفسَه، ويَرفعُ مِنها قَذَرَها. وقد قال الحُكَماءُ: مَن طالَ ظُفرُه قَصَرُت يَدُه.
ثُمَّ إنَّه يَقرُبُ مِن قُلوبِ الخَلقِ، وتُحِبُّه النُّفوسُ لنَظافتِه وطِيبِه. وقد كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُحِبُّ الطِّيبَ [1397] وكان يَقولُ: ((مَن عُرِضَ عليه طِيبٌ فلا يَرُدُّه)). أخرجه أبو داود (4172)، والنسائي (5259)، وأحمد (8264) من حديثِ أبي هريرة رَضِيَ اللهُ عنه. صحَّحه ابنُ حبان في ((صحيحه)) (5109)، وابن حجر في ((فتح الباري)) (5/248)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (4172). وأخرجه مسلم (2253) بلفظ: ((مَن عُرِضَ عليه رَيحانٌ فلا يَرُدُّه)). .
ثُمَّ إنَّه يُؤنِسُ الزَّوجةَ بتلك الحالِ؛ فإنَّ النِّساءَ شَقائِقُ الرِّجالِ، فكَما أنَّه يَكرَهُ الشَّيءَ مِنها، فكَذلك هيَ تَكرَهُه، ورُبَّما صَبَرَ هو على ما يَكرَهُ وهيَ لا تَصبرُ.
وقد رَأيتُ جَماعةً يَزعُمونَ أنَّهم زُهَّادٌ، وهم مِن أقذَرِ النَّاسِ! وذلك أنَّهم ما قَوَّمَهمُ العِلمُ، ومَن تَأمَّلَ خَصائِصَ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رَأى كامِلًا في العِلمِ والعَمَلِ، فبه يَكونُ الاقتِداءُ، وهو الحُجَّةُ على الخَلقِ) [1398] ((صيد الخاطر)) (ص: 103-106). .
2- وقال ابنُ الجَوزيِّ أيضًا: (لا يَنبَغي للمَرأةِ أن تَقرَبَ مِن زَوجِها كَثيرًا فتُمِلَّ، ولا تَبعُدَ عَنه فيَنساها، ولتَكُنْ وَقتَ قُربِها إليه كامِلةَ النَّظافةِ مُتَحَسِّنةً...
ورَأى كِسرى يَومًا كَيف يُسلَخُ الحَيَوانُ ويُطبَخُ، فتَقَلَّبَت نَفسُه، ونَفى اللَّحمَ، فذَكَر ذلك لوزيرِه، فقال: أيُّها المَلِكُ، الطَّبيخُ على المائِدةِ، والمَرأةُ في الفِراشِ. ومَعناه: لا تُفتِّشْ عن ذلك...
ومِنَ النَّاسِ مَن يَستَهينُ بهذه الأشياءِ؛ فيَرى المَرأةَ مُتَبَذِّلةً [1399] مُتَبَذِّلةً، أي: لابسةً بِذلةَ ثيابِها، وهو ما يُمتَهَنُ مِنها في الخِدمةِ والشُّغلِ، غَيرَ مُتَزَيِّنةٍ ولا مُتَصَنِّعةٍ للزَّوجِ. يُنظر: ((مشارق الأنوار)) لعياض (1/ 82)، ((مطالع الأنوار)) لابن قرقول (1/ 464). ، تَقولُ: هذا أبو أولادي! ويَتَبَذَّلُ هو! فيَرى كُلُّ واحِدٍ مِنَ الآخَرِ ما لا يَشتَهي، فيَنفِرُ القَلبُ، وتَبقى المُعاشَرةُ بغَيرِ مَحبَّةٍ، وهذا فصلٌ يَنبَغي تَأمُّلُه، والعَمَلُ به؛ فإنَّه أصلٌ عَظيمٌ) [1400] يُنظر: ((صيد الخاطر)) (ص: 493، 494). .

انظر أيضا: