موسوعة الآداب الشرعية

سادسًا: اعتِقادُ أنَّ الشَّافيَ هو اللهُ تعالى وَحدَه


يَجِبُ اعتِقادُ أنَّ الشَّافيَ يوصَفُ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ بأنَّه الشَّافي الذي يَشفي عِبادَه مِنَ الأسقامِ، و(الشَّافي) اسمٌ مِن أسمائِه -تعالى- الثَّابتةِ بالسُّنَّةِ الصَّحيحةِ. يُنظر: ((صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة)) لعلوي السقاف (ص: 209، 210). هو اللهُ تعالى وحدَه، ولا شِفاءَ إلَّا شِفاؤُه الشَّافي حَقيقةً هو اللهُ؛ فليسَ الطَّبيبُ ولا الدَّواءُ هما اللَّذانِ يَشفيانِ، بَل الطَّبيبُ سَبَبٌ، والدَّواءُ سَبَبٌ، فإذا عَلمَ العَبدُ ذلك لم يُعَلِّقْ قَلبَه بغَيرِ اللهِ، ولم يَتَوجَّهْ بطَلَبِ الشِّفاءِ إلَّا مِنه وحدَه سُبحانَه. يُنظر: ((الأسماء الحسنى والصفات العلى)) لعبد الهادي وهبي (ص: 340). .
الدَّليلُ على ذلك مِنَ الكِتابِ والسُّنَّةِ:
أ- مِنَ الكتابِ
1- قال إبراهيمُ عليه السَّلامُ فيما قَصَّه اللَّهُ علينا: الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ [الشعراء: 78 - 80] .
قَولُه: وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ أي: وإذا سَقِمَ بَدَني واعتَلَّتَ صِحَّتي فهو وحْدَه الذي يُعافيني. وأضافَ المرضَ إلى نفْسِه والشِّفاءَ إلى ربِّه -وإنْ كان المرضُ والشفاءُ كلُّه مِن اللهِ، وعن قَدَرِه وقضائِه وخَلْقِه-؛ استعمالًا لحُسنِ الأدبِ [2285] وقد تأدَّب الصالحونَ مِن عبادِ الله سُبحانَه وتعالى بهذا الأدبِ، فأضافوا إليه النِّعَمَ والخَيراتِ؛ وأضافوا الشرورَ إلى محَلِّها، كما قال الخَضِرُ: فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا [الكهف: 79] ، وقال: فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا [الكهف: 82] ، وكما قالت الجِنُّ: وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا [الجن: 10] ، وقال تعالى آمِرًا للمصلِّي أن يقولَ: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ [الفاتحة: 6، 7]، فأسندَ الإنعامَ إلى اللهِ سُبحانَه وتعالى، والغَضَبُ حُذِفَ فاعِلُه أدبًا، وأُسنِدَ الضَّلالُ إلى العَبيدِ. ، فمِن الأدبِ إضافةُ نوعِ الحسنةِ إلى الله، ونوعِ السيئةِ إلى النفْسِ يُنظر: ((التفسير المحرر- الدرر السنية)) (21/ 146، 154). .
2-قال تعالى: وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [يونس: 107].
ب- مِنَ السُّنَّةِ
1- عن أنسٍ رَضِيَ الله عنه ((أنَّه قال لثابتٍ: ألَا أَرقِيكَ برُقْيةِ رسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم؟ قال: بلى، قال: اللَّهُمَّ ربَّ النَّاسِ، مُذْهِبَ الباسِ، اشْفِ أنت الشَّافي، لا شافِيَ إلَّا أنت، شفاءً لا يُغادِرُ سَقَمًا)). أخرجه البخاري (5742).
قال ابنُ هُبَيرةَ: (في هذا الحَديثِ مِنَ الفِقهِ أنَّ هذه رُقيةٌ. فأمَّا قَولُه: «رَبَّ النَّاسِ»، فإنَّ المَعنى يا رَبَّ النَّاسِ، فحُذِف مِنه حَرفُ النِّداءِ لاستِشعارِ قُربِ المُنادى، وكذلك قَولُه: «مُذهِبَ الباسِ» فحُذِف مِنه حَرفُ النِّداءِ لذلك...
والمَعنى أنَّ اللَّهَ تعالى مَعروفٌ بإذهابِ الباسِ، فدَعاه باسمٍ يُناسِبُ المَسألةَ التي يُريدُ السَّائِلُ أن يَسألَها، وهيَ قَولُه: «اشفِ أنتَ الشَّافي»، يَعني: إن أشفيت بسَبَبٍ فأنتَ الشَّافي بغَيرِ سَبَبٍ.
وقَولُه: «لا شِفاءَ إلَّا شِفاؤُك» يَعني أنَّ الشِّفاءَ مِن كُلِّ طَريقٍ وعلى كُلِّ وجهٍ فإنَّه مِنك) ((الإفصاح عن معاني الصحاح)) (5/ 321). .
2- عن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها ((أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان إذا أتى مَريضًا أو أُتِيَ به، قال: أذهِبِ الباسَ رَبَّ النَّاسِ، اشفِ وأنتَ الشَّافي، لا شِفاءَ إلَّا شِفاؤُك، شِفاءً لا يُغادِرُ سَقَمًا)). أخرجه البخاري (5675) واللَّفظُ له، ومسلم (2191).
وفي رِوايةٍ: ((أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يَعوذُ بَعضَ أهلِه، يَمسَحُ بيَدِه اليُمنى والمَسحُ باليَدِ اليُمنى على الوجَعِ هو على طَريقِ التَّفاؤُلِ لزَوالِ ذلك الوجَعِ. قال الطَّبَريُّ: (مَعنى مَسحِه مَوضِعَ الوجَعِ بيَدِه في الرُّقيةِ -واللَّهُ أعلَمُ- تَفاؤُلًا بذَهابِ الوجَعِ بمَسحِه بالرُّقى). يُنظر: ((شرح صحيح البخاري)) لابن بطال (9/ 433)، ((التوضيح)) لابن الملقن (27/ 496)، ((فتح الباري)) لابن حجر (10/ 207). ، ويَقولُ: اللهُمَّ رَبَّ النَّاسِ، أذهِبِ الباسَ، اشفِه وأنتَ الشَّافي، لا شِفاءَ إلَّا شِفاؤُك، شِفاءً لا يُغادِرُ سَقَمًا)). أخرجها البخاري (5743).
وفي رِوايةٍ: ((أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يَرقي يَقولُ: امسَحِ الباسَ رَبَّ النَّاسِ، بيَدِك الشِّفاءُ، لا كاشِفَ له إلَّا أنت)). أخرجها البخاري (5744).
وفي رِوايةٍ: ((أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يَقولُ: اكشِفِ البَأسَ، رَبَّ النَّاسِ، لا يَكشِفُ الكَربَ غَيرُك)). أخرجه الخرائطي في ((مكارم الأخلاق)) (1058). صَحَّحه الألبانيُّ في ((صحيح الجامِعِ)) (1224).

انظر أيضا: