موسوعة الآداب الشرعية

عاشرًا: عَدَمُ إفشاءِ أسرارِ الزَّوجيَّةِ


يَحرُمُ إفشاءُ أسرارِ الزَّوجيَّةِ مِن أُمورِ الاستِمتاعِ ووَصفِ تَفاصيلِ ذلك [1473] قال عِياضٌ: (جاءَ في النَّهيِ عن هذا أحاديثُ كَثيرةٌ، ووعيدٌ شَديدٌ، وذلك في وصفِ ما يَفعَلُه مِن ذلك، وكَشفِ حالِها فيه؛ فإنَّه مِن كَشفِ العَورةِ، ولا فَرقَ بَينَ كَشفِ العَورةِ بالنَّظَرِ أو بالوَصفِ... وأمَّا ذِكرُ المُجامَعةِ والخَبَرُ عَنه على الجُملةِ فغَيرُ مُنكَرٍ إذا كان لفائِدةٍ ومَعنًى، وذِكرُ ذلك لغَيرِ فائِدةٍ ليس مِن مَكارِمِ الأخلاقِ، ولا مِن حَديثِ أهلِ المروءاتِ والسَّمتِ). ((إكمال المعلم)) (4/ 614). ويُنظر: ((شرح مسلم)) للنووي (10/ 8). .
الدَّليلُ على ذلك مِنَ السُّنَّةِ:
1- عن أبي سَعيدٍ الخُدريِّ رَضيَ اللهُ عنه، قال: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّ مِن أشَرِّ النَّاسِ عِندَ اللهِ مَنزِلةً يَومَ القيامةِ الرَّجُلَ يُفضي إلى امرَأتِه، وتُفضي إليه، ثُمَّ يَنشُرُ سِرَّها)) [1474] أخرجه مسلم (1437). .
وفي رِوايةٍ: ((إنَّ مِن أعظَمِ الأمانةِ عِندَ اللهِ يَومَ القيامةِ الرَّجُلَ يُفضي إلى امرَأتِه، وتُفضي إليه، ثُمَّ يَنشُرُ سِرَّها)) [1475] أخرجها مسلم (1437). .
قال أبو العَبَّاسِ القُرطُبيُّ: ("يُفضي": يَصِلُ، وهو كِنايةٌ عَنِ الجِماعِ، كما في قَوله تعالى: وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ [النساء: 21] .
و"سِرَّها": نِكاحَها... وكُنِّيَ به عَنِ النِّكاحِ؛ لأنَّه يُفعَلُ في السِّرِّ.
ومَقصودُ هذا الحَديثِ هو: أنَّ الرَّجُلَ له مَعَ أهلِه خَلوةٌ وحالةٌ يَقبُحُ ذِكرُها، والتَّحَدُّثُ بها، وتَحمِلُ الغَيرةُ على سَترِها، ويَلزَمُ مَن كَشَفها عارٌ عِندَ أهلِ المُروءةِ والحَياءِ، فإن تَكَلَّمَ بشَيءٍ مِن ذلك وأبداه كان قد كَشَف عَورةَ نَفسِه وزَوجَتِه؛ إذ لا فرقَ بَينَ كَشفِها للعِيانِ، وكَشفِها للأسماعِ والآذانِ؛ إذ كُلُّ واحِدٍ مِنهما يَحصُلُ به الاطِّلاعُ على العَورةِ؛ ولذلك قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «لا تَعمِدِ المَرأةُ فتَصِفَ المَرأةَ لزَوجِها، حَتَّى كَأنَّه يَنظُرُ إليها» [1476] لم نقِفْ عليه بهذا اللَّفظِ فيما لدينا من كُتُبٍ مُسنَدةٍ. وأخرجه البخاري (5240) عن عَبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ رَضيَ اللهُ عنه قال: قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لا تُباشِرِ المَرأةُ المَرأةَ فتَنعَتَها لزَوجِها، كَأنَّه يَنظُرُ إليها)). .
فإن دَعَت حاجةٌ إلى ذِكرِ شَيءٍ مِن ذلك فليَذكُرْه مُبهَمًا غَيرَ مُعَيَّنٍ، بحَسَبِ الحاجةِ والضَّرورةِ، والتَّصريحُ بذلك وتَفصيلُه ليس مِن مَكارِمِ الأخلاقِ، ولا مِن خِصالِ أهلِ الدِّينِ) [1477] ((المفهم)) (4/ 161، 162). .
وقال المظهَريُّ: («إنَّ أعظَمَ الأمانةِ...» إلى آخِرِه، يَعني: أفعالُ الرَّجُلِ وأقوالُه عِندَ المَرأةِ كَأمانةٍ مودَعةٍ عِندَها، فإن أفشَت شَيئًا مِمَّا كَرِهَه فقد خانَتِ الأمانةَ، وكَذلك أفعالُ المَرأةِ وأقوالُها عِندَ الرَّجُلِ كَأمانةٍ مودَعةٍ عِندَه، فإن أفشى شَيئًا مِمَّا كَرِهَته فقد خانَ) [1478] ((المفاتيح في شرح المصابيح)) (4/ 58). .
2- عن أسماءَ بنتِ يَزيدَ رَضيَ اللهُ عنها ((أنَّها كانت عِندَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم والرِّجالُ والنِّساءُ قُعودٌ عِندَه، فقال: لَعَلَّ رَجُلًا يَقولُ ما يَفعَلُ بأهلِه، ولَعَلَّ امرَأةً تُخبرُ بما فعَلَت مَعَ زَوجِها! فأرَمَّ القَومُ [1479] قال الخَليلُ: (أرَمَّ القَومُ: سَكَتوا على أمرٍ في أنفُسِهم). ((العين)) (8/ 260). وقال ابنُ الأثيرِ: (أرَمَّ القَومُ، أي: سَكَتوا ولم يُجيبوا). ((النهاية)) (2/ 267). ! فقُلتُ: إي واللهِ يا رَسولَ اللهِ، إنَّهنَّ ليَقُلنَ وإنَّهم لَيَفعَلونَ! قال: فلا تَفعَلوا؛ فإنَّما مَثَلُ ذلك مَثَلُ الشَّيطانِ لَقيَ شَيطانةً في طَريقٍ فغَشيَها والنَّاسُ يَنظُرونَ)) [1480] أخرجه أحمد (27583) واللفظ له، والطبراني (24/162) (414). قال الألباني في ((آداب الزفاف)) (71): صحيحٌ، أو حسنٌ على الأقَلِّ بشواهِدِه. .
فائدةٌ:
(يُروى عن بَعضِ الصَّالحينَ أنَّه أرادَ طَلاقَ امرَأةٍ، فقيلَ له: ما الذي يَريبُك فيها؟ فقال: العاقِلُ لا يَهتِكُ سِترَ امرَأتِه، فلَمَّا طَلَّقَها قيلَ له: لمَ طَلقْتَها؟ فقال: ما لي ولامرَأةِ غَيري؟!) [1481] ((إحياء علوم الدين)) للغزالي (2/ 56). .

انظر أيضا: