موسوعة الآداب الشرعية

حادي عشرَ: حُسنُ عِشرةِ الرَّجُلِ مَعَ امرَأتِه وقيامُه بحَقِّها


على الزَّوجِ أن يُحسِنَ العِشرةَ مَعَ امرَأتِه، ويُحَسِّنَ خُلُقَه ما استَطاعَ، ويُعطيَ الحَقَّ الذي عليه ولا يَمنَعَ.
الدَّليلُ على ذلك مِن الكتابِ والسُّنَّةِ:
أ- من الكِتابِ
1- قال تعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا [النساء: 19] .
2- قال تعالى: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا [النساء: 36] .
قال الطَّبَريُّ: (مَعنى: وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ الصَّاحِبُ إلى الجَنبِ... وقد يَدخُلُ في هذا الرَّفيقُ في السَّفَرِ، والمَرأةُ، والمُنقَطِعُ إلى الرَّجُلِ الذي يُلازِمُه رَجاءَ نَفعِه؛ لأنَّ كُلَّهم بجَنبِ الذي هو مَعَه وقَريبٌ مِنه، وقد أوصى اللهُ تعالى بجَميعِهم؛ لوُجوبِ حَقِّ الصَّاحِبِ على المَصحوبِ) [1482] ((جامع البيان)) (7/ 16). .
2- قال تعالى: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [البقرة: 228] .
أي: ولهنَّ على الرِّجالِ مِنَ الحَقِّ مِثلُ ما للرِّجالِ عليهنَّ، فليُؤَدِّ كُلُّ واحِدٍ مِنهما إلى الآخَرِ ما يَجِبُ عليه بالمَعروفِ [1483] ((تفسير ابن كثير)) (1/ 609). .
فكَما أنَّ على الزَّوجةِ أن تَتَّقيَ اللَّهَ تعالى في حُقوقِ زَوجِها، وأن تَقومَ بما فرَضَ اللَّهُ عليها؛ فلها أيضًا مِثلُ الذي له في أنَّه يَجِبُ على الزَّوجِ أن يُعاشِرَها بالمَعروفِ، وأن يَقومَ بحَقِّها الذي أوجَبَ اللَّهُ عليه [1484] ((تفسير ابن عثيمين: الفاتحة والبقرة)) (3/ 100). .
ب- مِنَ السُّنَّةِ
1- عن أبي هُرَيرةَ رَضيَ اللهُ عنه، عَنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((استَوصوا بالنِّساءِ خَيرًا؛ فإنَّهنَّ خُلِقنَ مِن ضِلَعٍ [1485] خُلِقنَ مِن ضِلَعٍ: قيل: فيه إشارةٌ إلى أنَّ حَوَّاءَ خُلِقَت مِن ضِلَعِ آدَمَ الأيسَرِ، وقيل: مِن ضِلَعِه القَصيِرِ مِن قَبلِ أن يَدخُلَ الجَنَّةَ، وجُعِل مَكانَه لحمٌ. ومَعنى خُلِقَت، أي: أُخرِجَت كَما تَخرُجُ النَّخلةُ مِنَ النَّواةِ. وقيل: يُحتَمَلُ أن يَكونَ هذا قُصِد به المَثَلُ، فيَكونُ مَعنى ((مِن ضِلَعٍ)) أي: مِن مِثلِ ضِلَعٍ، فهيَ كالضِّلَعِ، ويَشهَدُ له قَولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لن تَستَقيمَ لك على طَريقةٍ، فإنِ استَمتَعتَ بها استَمتَعتَ بها وبها عِوَجٌ، وإن ذَهَبتَ تُقيمُها كَسَرتَها، وكَسرُها طَلاقُها)) أخرجه البخاري (5184)، ومسلم (1468) واللَّفظُ له من حديثِ أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، فاستُعيرَ الضِّلَعُ للعِوَجِ، والمَعنى: خُلِقَت وفي طَبعِها الاعوِجاجُ. ، وإنَّ أعوجَ شَيءٍ في الضِّلَعِ أعلاه [1486] أعوَجَ شَيءٍ في الضِّلَعِ أعلاه، قيل: فيه إشارةٌ إلى أنَّ أعوَجَ ما في المَرأةِ لسانُها، وفائِدةُ هذه المُقدِّمةِ أنَّ المَرأةَ خُلِقَت مِن ضِلَعٍ أعوَجَ، فلا يُنكَرُ اعوِجاجُها. أوِ الإشارةُ إلى أنَّها لا تَقبَلُ التَّقويمَ، كَما أنَّ الضِّلَعَ لا يَقبَلُه. يُنظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (6/ 368). ، فإن ذَهَبتَ تُقيمُه كَسرتَه [1487] إن ذَهَبتَ تُقيمُه كَسَرتَه، قيل: هو ضَربُ مَثَلٍ للطَّلاقِ، أي: إن أرَدتَ مِنها أن تَترُكَ اعوِجاجَها أفضى الأمرُ إلى فِراقِها، ويُؤَيِّدُه قَولُه في رِوايةٍ: ((وإن ذَهَبتَ تُقيمُها كَسَرتَها، وكَسرُها طَلاقُها)). يُنظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (6/ 368). ، وإن تَرَكتَه لَم يَزَلْ أعوَجَ؛ فاستَوصوا بالنِّساءِ خَيرًا)) [1488] أخرجه البخاري (5186) واللفظ له، ومسلم (1468). .
(قَولُه: «استَوصوا بالنِّساءِ خَيرًا» أي: اقبَلوا وصيَّتي فيهنَّ، واعمَلوا بها، فاصبِروا عليهنَّ، وارفُقوا بهنَّ، وأحسِنوا إليهنَّ) [1489] ((المفهم)) (4/ 222). .
و(الحَديثُ فيه الحَضُّ على الرِّفقِ بهنَّ، ومُداراتِهنَّ، وألَّا يَتَقَصَّى عليهنَّ في أخلاقِهنَّ، وانحِرافِ طِباعِهنَّ؛ لقَولِه: «إن ذَهَبتَ تُقيمُها كَسرتَها، وإن تَركتَها استَمتَعتَ بها على عِوَجٍ» [1490] أخرجه البخاري (5184)، ومسلم (1468) باختلافٍ يسيرٍ من حديثِ أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، ولفظُ مُسلمٍ: عن أبي هرَيرةَ، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّ المَرأةَ كالضِّلَعِ، إذا ذَهَبتَ تُقيمُها كَسَرتَها، وإن تَرَكتَها استَمتَعتَ بها وفيها عِوجٌ)). [1491] ((إكمال المعلم)) (4/ 680). .
2- عن عَبدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما، عَنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((خَيرُكُم خَيرُكُم لأهلِه، وأنا خَيرُكُم لأهلي)) [1492] أخرجه ابن ماجه (1977)، والبزار (5196) واللفظ لهما، وابن حبان (4186) باختلافٍ يسيرٍ. صحَّحه ابنُ حبان، والألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)) (1977)، وحَسَّنه لغيره شعيب الأرناؤوط في تخريج ((صحيح ابن حبان)) (4186). .
3- عن أبي هُرَيرةَ رَضيَ اللهُ عنه، قال: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((أكمَلُ المُؤمِنينَ إيمانًا أحسَنُهم خُلُقًا، وخَيرُكُم خَيرُكُم لنِسائِهم)) [1493] أخرجه أبو داود (4682) مختصرًا، والترمذي (1162) واللفظ له، وأحمد (7402) باختلافٍ يسيرٍ. صحَّحه ابن حبان في ((صحيحه)) (4176)، والحاكم على شرط مسلم في ((المستدرك)) (2)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (7402)، وقال الترمذي، والألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (1162): حسن صحيح .
قال الشَّوكانيُّ: (قَولُه: «وخيارُكُم خيارُكُم لنِسائِهم» وكَذلك قَولُه في الحَديثِ الآخَرِ: «خَيرُكُم خَيرُكُم لأهلِه» في ذلك تَنبيهٌ على أنَّ أعلى النَّاسِ رُتبةً في الخَيرِ، وأحَقَّهم بالاتِّصافِ به: هو مَن كان خَيرَ النَّاسِ لأهلِه؛ فإنَّ الأهلَ همُ الأحِقَّاءُ بالبِشرِ وحُسنِ الخُلُقِ والإحسانِ، وجَلبِ النَّفعِ ودَفعِ الضُّرِّ، فإذا كان الرَّجُلُ كذلك فهو خَيرُ النَّاسِ، وإن كان على العَكسِ مِن ذلك فهو في الجانِبِ الآخَرِ مِنَ الشَّرِّ، وكَثيرًا ما يَقَعُ النَّاسُ في هذه الوَرطةِ؛ فتَرى الرَّجُلَ إذا لَقيَ أهلَه كان أسوأَ النَّاسِ أخلاقًا وأشجَعَهم نَفسًا وأقَلَّهم خَيرًا، وإذا لَقيَ غَيرَ الأهلِ مِنَ الأجانِبِ لانَت عَريكَتُه، وانبَسَطَت أخلاقُه، وجادَت نَفسُه، وكَثُرَ خَيرُه! ولا شَكَّ أنَّ مَن كان كذلك فهو مَحرومُ التَّوفيقِ، زائِغٌ عن سَواءِ الطَّريقِ، نَسألُ اللَّهَ السَّلامةَ) [1494] ((نيل الأوطار)) (6/ 245، 246). .
4- عن أبي عُثمانَ النَّهديِّ، عن حَنظَلةَ الأُسَيديِّ رَضِيَ اللهُ عنه -وكان مِن كُتَّابِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- قال: (((لَقِيني أبو بكرٍ، فقال: كيف أنت يا حنظَلةُ؟ قال: قُلتُ: نافَق حَنظَلةُ! قال: سُبحانَ اللهِ! ما تقولُ؟! قال: قُلتُ: نكونُ عِندَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، يُذَكِّرُنا بالنَّارِ والجنَّةِ، حتَّى كأنَّا رأيَ عَينٍ، فإذا خرَجْنا من عِندِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عافَسْنا الأزواجَ والأولادَ والضَّيعاتِ، فنَسِينا كثيرًا! قال أبو بكرٍ: فواللهِ إنَّا لنلقى مثلَ هذا! فانطلَقتُ أنا وأبو بكرٍ حتَّى دخَلْنا على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قُلتُ: نافَق حنظَلةُ يا رسولَ اللهِ! فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: وما ذاك؟! قُلتُ: يا رسولَ اللهِ، نكونُ عندك، تُذَكِّرُنا بالنَّارِ والجنَّةِ حتَّى كأنَّا رأيَ عينٍ، فإذا خرَجْنا من عندِك عافَسْنا الأزواجَ والأولادَ والضَّيعاتِ، نَسِينا كثيرًا! فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: والذي نفسي بيَدِه إنْ لو تدومون على ما تكونون عندي، وفي الذِّكرِ، لصافحَتْكم الملائكةُ على فُرُشِكم وفي طُرُقِكم، ولكِنْ يا حنظَلةُ ساعةٌ وساعةٌ. ثَلاثَ مَرَّاتٍ)) [1495] أخرجه مسلم (2750). .
قَولُه: (عافَسْنا الأزواجَ والأولادَ): أي: خالَطْناهم ولاعَبناهم وعالَجنا أُمورَهم واشتَغَلْنا بمَصالِحِهم [1496] ((مرقاة المفاتيح)) للقاري (4/ 1550). .
5- عن عَبدِ اللهِ بنِ عَمرٍو رَضيَ اللهُ عنهما، قال: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّ المُقسِطينَ عِندَ اللهِ على مَنابرَ مِن نورٍ، عن يَمينِ الرَّحمَنِ عَزَّ وجَلَّ، وكِلتا يَدَيه يَمينٌ؛ الذينَ يَعدِلونَ في حُكمِهم وأهليهم وما وَلُوا)) [1497] أخرجه مسلم (1827). .
قال عِياضٌ: (المُقسِطونَ: العادِلونَ، وقد فسَّرَه آخِرَ الحَديثِ بقَولِه: «الذينَ يَعدِلونَ في حَكمِهم وأهليهم وما وَلُوا»، فدَلَّ هذا الفَضلُ لكُلِّ مَن عَدلَ فيما تَقَلَّده مِن خِلافةٍ وإمارةٍ، أو وِلايةِ يَتيمٍ، أو صَدَقةٍ، أو غَيرِ ذلك. أو فيما يَلزَمُه مِن حُقوقِ أهلِه، أو مَن يَقومُ به) [1498] ((إكمال المعلم)) (6/ 227). .
6- عن عَونِ بنِ أبي جُحَيفةَ، عن أبيه، قال: ((آخَى النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بَينَ سَلْمانَ وأبي الدَّرداءِ، فزار سَلْمانُ أبا الدَّرداءِ، فرأى أمَّ الدَّرداءِ مُتبَذِّلةً [1499] مُتَبذِّلةً: أي: في ثيابِ البِذلةِ، وهي خِلافُ ثيابِ التَّجَمُّلِ والتَّزَيُّنِ. يُنظر: ((كشف المشكل)) لابن الجوزي (1/ 436). ، فقال لها: ما شأنُكِ؟! قالت: أخوك أبو الدَّرْداءِ ليس له حاجةٌ في الدُّنيا، فجاء أبو الدَّرداءِ، فصَنَع له طعامًا، فقال: كُلْ فإنِّي صائِمٌ، قال: ما أنا بآكِلٍ حتَّى تأكُلَ، فأكَلَ، فلمَّا كان اللَّيلُ ذَهَب أبو الدَّرداءِ يقومُ، فقال: نَمْ، فنام، ثمَّ ذهب يقومُ، فقال: نَمْ، فلمَّا كان آخِرُ اللَّيلِ قال سَلْمانُ: قُمِ الآنَ، قال: فصَلَّيَا، فقال له سَلْمانُ: إنَّ لرَبِّك عليك حَقًّا، ولنَفْسِك عليك حَقًّا، ولأهلِك عليك حَقًّا؛ فأعْطِ كُلَّ ذي حَقٍّ حَقَّه، فأتى النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فذَكَر ذلك له، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: صَدَق سَلْمانُ)) [1500] أخرجه البخاري (1968). .
7- عن جابرِ بنِ عَبدِ اللهِ رَضيَ اللهُ عنهما، أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال في خُطبَتِه في حَجَّةِ الوداعِ: ((اتَّقَوا اللَّهَ في النِّساءِ؛ فإنَّكُم أخَذتُموهنَّ بأمانِ اللهِ [1501] أخَذتُموهنَّ بأمانِ اللهِ، أي: بعَهدِه، عَهِدَ إليكُم بالرِّفقِ بهنَّ والشَّفَقةِ عليهنَّ. ((تحفة الأبرار)) للبيضاوي (2/ 139، 140). ، واستَحلَلتُم فُروجَهنَّ بكَلمةِ اللهِ [1502] استَحللتُم فُروجَهنَّ بكَلمةِ اللهِ: قيل: المُرادُ بكَلمةِ اللهِ: بإباحةِ اللهِ، والكَلِمةُ قَولُه تعالى: فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ [النساء: 3] ، وقيل: المُرادُ بكَلمةِ اللهِ قَولُه تعالى: فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ [البقرة: 229] ، وقيل: المُرادُ بكَلمةِ اللهِ: التَّوحيدُ، وقَولُ: لا إلهَ إلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسولُ اللهِ؛ إذ لا يَحِلُّ لمَن كان على غَيرِ الإسلامِ أن يَتَزَوَّجَ مُسلِمةً، وقيل: بكَلمةِ اللهِ، أي: بأمرِه وحُكمِه، وقيل: المُرادُ بالكَلمةِ الإيجابُ والقَبولُ، ومَعناه على هذا بالكَلمةِ التي أمَرَ اللهُ تعالى بها. يُنظر: ((معالم السنن)) للخطابي (2/ 200)، ((المعلم)) للمازري (2/ 85)، ((إكمال المعلم)) لعياض (4/ 277)، ((شرح مسلم)) للنووي (8/ 183)، ((تحفة الأبرار)) للبيضاوي (2/ 139، 140). ، ولَكُم عليهنَّ أن لا يوطِئنَ فُرُشَكُم أحَدًا تَكرَهونَه، فإن فعَلنَ ذلك فاضرِبوهنَّ ضَربًا غَيرَ مُبَرِّحٍ، ولَهنَّ عليكُم رِزقُهنَّ وكِسوتُهنَّ بالمَعروفِ)) [1503] أخرجه مسلم (1218). .
8- عن سُلَيمانَ بنِ عَمرِو بنِ الأحوَصِ، قال: حَدَّثَني أبي ((أنَّه شَهِدَ حَجَّةَ الوداعِ مَعَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فحَمِدَ اللَّهَ وأثنى عليه، وذَكَّرَ ووعَظَ، فذَكَرَ في الحَديثِ قِصَّةً، فقال: ألَا واستَوصوا بالنِّساءِ خَيرًا؛ فإنَّما هنَّ عَوانٍ عِندَكُم [1504] قال الترمذيُّ: (معنى قولِه: «عوانٍ عِندَكم»، يعني: أسرى في أيديكم). ((سنن الترمذي)) (3/ 459). ، ليس تَملِكونَ مِنهنَّ شَيئًا غَيرَ ذلك إلَّا أن يَأتينَ بفاحِشةٍ مُبَيِّنةٍ، فإن فعَلنَ فاهجُروهنَّ في المَضاجِعِ، واضرِبوهنَّ ضَربًا غَيرَ مُبَرِّحٍ، فإن أطَعْنكُم فلا تَبغوا عليهنَّ سَبيلًا، ألا إنَّ لَكُم على نِسائِكُم حَقًّا، ولنِسائِكُم عليكُم حَقًّا؛ فأمَّا حَقُّكُم على نِسائِكُم فلا يوطِئنَ فرُشُكُم مَن تَكرَهونَ، ولا يَأذَنَّ في بُيوتِكُم لمَن تَكرَهونَ، ألَا وحَقُّهنَّ عليكُم أن تُحسِنوا إليهنَّ في كِسوتِهنَّ وطَعامِهنَّ)) [1505] أخرَجه التِّرْمِذِيُّ (1163) واللفظُ له، وابنُ ماجه (1851). قال التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحيحٌ، وصحَّحه ابنُ العَربيِّ في ((عارضة الأحوذي)) (6/179)، وحسَّنه الألبانيُّ في ((صحيح سنن الترمذي)) (1163)، وحسَّن إسنادَه شعيب الأرناؤوط في تخريجِ ((شرح مشكل الآثار)) (4865). .
9- عن حَكيمِ بنِ مُعاويةَ القُشَيريِّ، عن أبيه، قال: ((قُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، ما حَقُّ زَوجةِ أحَدِنا عليه؟ قال: ((أن تُطعِمَها إذا طَعِمتَ، وتَكسوَها إذا اكتَسَيتَ -أوِ اكتَسَبتَ- ولا تَضرِبَ الوَجهَ، ولا تُقَبِّحَ [1506] لا تُقَبِّح: أي: لا تَقُل: قبَّحك اللهُ. يُنظر: ((سنن أبي داود)) (2/ 245). ، ولا تَهجُرَ إلَّا في البَيتِ)) [1507] أخرجه البخاري معلَّقًا بصيغة التضعيف قبل حديث (5202) مختصرًا، ولفظُه: "غيرَ أنْ لا تهجُرَ إلَّا في البيتِ". وأخرجه موصولًا أبو داود (2142) واللفظ له، وابن ماجه (1850). صحَّحه ابنُ حبان في ((صحيحه)) (4175)، والدارقطني كما في ((التلخيص الحبير)) لابن حجر (4/1300)، وابن الملقن في ((البدر المنير)) (8/289)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (2142). .
10- عن أبي هُرَيرةَ رَضيَ اللهُ عنه، قال: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((اللهُمَّ إنِّي أُحرِّجُ [1508] أُحَرِّجُ حَقَّ الضَّعيفَينِ: أي: أُضَيِّقُه وأمنَعُه وأُحَرِّمُه على مَن ظَلمَهما، يُقالُ: حَرَّجَ الشَّيءَ: حَرَّمَه، والتَّحريجُ: التَّضييقُ. يُنظر: ((الصحاح)) للجوهري (1/ 306)، ((النهاية)) لابن الأثير (1/ 361)، ((المعجم الوسيط)) (1/ 164). حَقَّ الضَّعيفينِ: اليَتيمِ، والمَرأةِ)) [1509] أخرجه ابن ماجه (3678)، وأحمد (9666). صحَّحه ابنُ حبان في ((صحيحه)) (5565)، والحاكم على شرط مسلم في ((المستدرك)) (212)، وابن حزم في ((المحلى)) (8/326). .
فَوائِدُ:
1- قال ابنُ عَقيلٍ الحَنبَليُّ: (ما أدري ما أقولُ في هَؤُلاءِ المُتَشَدِّقينَ في شَريعةٍ بما لا يَقتَضيه شَرعٌ ولا عَقلٌ، يُقَبِّحونَ أكثَر المُباحاتِ، ويُبَجِّلونَ تارِكَها حَتَّى تارِكَ التَّأهُّلِ والنِّكاحِ!
والعاقِلُ إذا خَلا بزَوجاتِه وإمائِه تَرَكَ العَقلَ في زاويةٍ كالشَّيخِ الموقَّرِ، وداعَبَ ومازَحَ وهازَل؛ ليُعطيَ الزَّوجةَ والنَّفسَ حَقَّهما، وإن خَلا بأطفالِه خَرَجَ في صورةِ طِفلٍ) [1510] يُنظر: ((الآداب الشرعية)) لابن مفلح (3/ 239). .
قال ابنُ مُفلِحٍ بَعدَ أن أورَدَ كَلامَ ابنِ عَقيلٍ المَذكورَ آنِفًا: (وكان عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ يَكونُ في بَيتِه في مِهنةِ أهلِه [1511] لَفظُه: عَنِ الأسوَدِ قال: سَألَت عائِشةُ: ما كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَصنَعُ في بَيتِه؟ قالت: كان يَكونُ في مِهنةِ أهلِه -تَعني خِدمةَ أهلِه- فإذا حَضَرَتِ الصَّلاةُ خَرَجَ إلى الصَّلاةِ. أخرجه البخاري (676). وغَيرِ ذلك؛ مِن شِدَّةِ تَواضُعِه، ومَكارِمِ أخلاقِه، وسيرَتِه العاليةِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، بخِلافِ ما يَفعَلُه كَثيرٌ مِن أصحابِ النَّواميسِ والحَمقى والمُتَكَبِّرينَ مَعَ اشتِمالِ بَعضِهم مَعَ ذلك على سوءِ قَصدٍ وجَهلٍ مُفرِطٍ، فيَتَكَبَّرُ على مَن خالَف طَريقَتَه، ويَصيرُ عِندَه المَعروفُ مُنكَرًا، والمُنكَرُ مَعروفًا! فنَسألُ اللَّهَ العَظيمَ أن يَهديَنا والمُسلمينَ الصِّراطَ المُستَقيمَ؛ صِراطَ الذينَ أنعَمَ عليهم غَيرِ المَغضوبِ عليهم ولا الضَّالِّينَ) [1512] ((الآداب الشرعية)) (3/ 239). .
2- قال الغَزاليُّ: (أمَّا الزَّوجُ فعليه مُراعاةُ الاعتِدالِ والأدَبِ في اثنَي عَشَرَ أمرًا: في الوليمةِ، والمُعاشَرةِ، والدُّعابةِ، والسِّياسةِ، والغَيرةِ، والنَّفَقةِ، والتَّعليمِ، والقَسمِ، والتَّأديبِ في النُّشوزِ، والوِقاعِ، والوِلادةِ، والمُفارَقةِ بالطَّلاقِ.
الأدبُ الأوَّلُ: الوليمةُ...
الأدَبُ الثَّاني: حُسنُ الخُلُقِ مَعَهنَّ واحتِمالُ الأذى مِنهنَّ تَرَحُّمًا عليهنَّ لقُصورِ عَقلِهنَّ. وقال اللهُ تعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [النساء: 19] ، وقال في تعظيمِ حَقِّهنَّ: وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا [النساء: 21] ، وقال: وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ [النساء: 36] ، قيل: هي المرأةُ [1513] يُنظر: ((جامع البيان)) لابن جرير الطبري (7/ 13). .
واعلَمْ أنَّه ليس حُسنُ الخُلُقِ مَعَها كَفَّ الأذى عَنها، بَل احتِمالُ الأذى مِنها، والحِلمُ عِندَ طَيشِها وغَضَبِها؛ اقتِداءً برَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ فقد كانت أزواجُه تُراجِعنَه الكَلامَ وتَهجُرُه الواحِدةُ مِنهنَّ يَومًا إلى اللَّيلِ [1514] لَفظُه: عن عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنه (... فصِحتُ على امرَأتي فراجَعَتني، فأنكَرتُ أن تُراجِعَني، فقالت: ولمَ تُنكِرُ أن أراجِعَك؟ فواللهِ إنَّ أزواجَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ليُراجِعنَه، وإنَّ إحداهنَّ لتَهجُرُه اليَومَ حَتَّى اللَّيلِ!...) أخرجه البخاري (2468). .
وجَرى بَينَه وبَينَ عائِشةَ كَلامٌ حَتَّى أدخَلا بَينَهما أبا بَكرٍ رَضيَ اللهُ عنه حَكَمًا [1515] عن النُّعمانِ بنِ بَشيرٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: ((استأذَن أبو بكرٍ رَحمةُ اللهِ عليه على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فسمِع صوتَ عائِشةَ عاليًا! فلمَّا دخل تناوَلها ليَلطِمَها، وقال: ألا أراكِ ترفَعينَ صوتَكِ على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؟! فجعَل النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يحجُزُه، وخرَج أبو بكرٍ مُغضَبًا، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حينَ خرَج أبو بكرٍ: كيف رأيتِني أنقذتُكِ مِن الرَّجلِ؟! قال: فمكَث أبو بكرٍ أيَّامًا، ثُمَّ استأذَن على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فوجَدهما قد اصطَلحا، فقال لهما: أدخِلاني في سِلمِكما كما أدخلْتُماني في حَربِكما! فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: قد فعَلْنا، قد فعَلْنا!)). أخرجه أبو داود (4999) واللفظ له، وأحمد (18394) مختصرًا. صحَّحه الوادعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (1154)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (4999)، وصحَّحه لغيره الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (6/944). .
وكان يَقولُ لَها: "إنِّي لأعرِفُ غَضَبَك مِن رِضاك، قالت: وكَيف تَعرِفُه؟ قال: إذا رَضِيتِ قُلتِ: لا وإلَهِ مُحَمَّدٍ، وإذا غَضِبتِ قُلتِ: لا وإلَهِ إبراهيمَ! قالت: صَدَقتَ، إنَّما أهجُرُ اسمَك!" [1516] لَفظُه: عن عائِشةَ رَضيَ اللهُ عنها قالت: قال لي رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنِّي لأعلَمُ إذا كُنتِ عَنِّي راضيةً، وإذا كُنتِ عَليَّ غَضبى. قالت: فقُلتُ: من أينَ تَعرِفُ ذلك؟ فقال: أمَّا إذا كُنتِ عَنِّي راضيةً فإنَّك تَقولينَ: لا ورَبِّ مُحَمَّدٍ، وإذا كُنتِ غَضبى قُلتِ: لا ورَبِّ إبراهيمَ. قالت: قُلتُ: أجَلْ، واللهِ يا رَسولَ اللهِ، ما أهجُرُ إلَّا اسمَك)).  أخرجه البخاري (5228) واللفظ له، ومسلم (2439). . ... وكان يَقولُ لنِسائِه: "لا تُؤذوني في عائِشةَ؛ فإنَّه واللهِ ما نَزَل عليَّ الوحيُ وأنا في لحافِ امرَأةٍ مِنكُنَّ غَيرِها" [1517] أخرجه البخاري (3775) عن هشام، عن أبيه قال: (...قالت عائِشةُ: فاجتَمَعَ صَواحِبي إلى أُمِّ سَلَمةَ ... يا أمَّ سَلَمةَ، لا تُؤذيني في عائِشةَ؛ فإنَّه واللهِ ما نَزَل عليَّ الوَحيُ وأنا في لحافِ امرَأةٍ مِنكُنَّ غَيرِها). .
الثَّالثُ: أن يَزيدَ على احتِمالِ الأذى بالمُداعَبةِ والمَزحِ والمُلاعَبةِ؛ فهيَ التي تُطَيِّبُ قُلوبَ النِّساءِ، وقد كان رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَمزَحُ مَعَهنَّ، ويَنزِلُ إلى دَرَجاتِ عُقولِهنَّ في الأعمالِ والأخلاقِ...
وقالت عائِشةُ رَضيَ اللهُ عنها: "سَمِعتُ أصواتَ أُناسٍ مِنَ الحَبَشةِ وغَيرِهم وهم يَلعَبونَ، فقال لي رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أتُحِبِّينَ أن تَرَي لَعِبَهم..." [1518] لَفظُه: عن عائِشةَ رَضيَ اللهُ عنها، قالت: (رَأيتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَستُرُني برِدائِه، وأنا أنظُرُ إلى الحَبَشةِ يَلعَبونَ في المَسجِدِ، حَتَّى أكونَ أنا التي أسأمُ، فاقدُروا قَدرَ الجاريةِ الحَديثةِ السِّنِّ، الحَريصةِ على اللَّهوِ). أخرجه البخاري (5236) واللفظ له، ومسلم (892). .
وقال عُمَرُ رَضيَ اللهُ عنه مَعَ خُشونَتِه: يَنبَغي للرَّجُلِ أن يَكونَ في أهلِه مِثلَ الصَّبيِّ، فإذا التَمَسوا ما عِندَه وُجِدَ رَجُلًا!
وقال لُقمانُ رَحِمَه اللهُ: يَنبَغي للعاقِلِ أن يَكونَ في أهلِه كالصَّبيِّ، وإذا كان في القَومِ وُجِد رَجُلًا.
ووصَفت أعرابيَّةٌ زَوجَها وقد ماتَ فقالت: واللهِ لَقد كان ضَحوكًا إذا ولَجَ، سَكيتًا إذا خَرَجَ، آكِلًا ما وجَدَ، غَيرَ مُسائِلٍ عَمَّا فقَدَ) [1519] يُنظر: ((إحياء علوم الدين)) (2/ 42-44). .
3- قال الماوَرديُّ: (قال بَعضُ البُلَغاءِ: الحَسَنُ الخُلُقِ مِن نَفسِه في راحةٍ، والنَّاسُ مِنه في سَلامةٍ، والسَّيِّئُ الخُلُقِ النَّاسُ مِنه في بَلاءٍ، وهو مِن نَفسِه في عَناءٍ.
وقال بَعضُ الحُكَماءِ: عاشِرْ أهلَك بأحسَنِ أخلاقِك؛ فإنَّ الثَّواءَ فيهم قَليلٌ!
فإذا حَسُنَت أخلاقُ الإنسانِ كَثُرَ مُصافوه، وقَلَّ مُعادُوه، فتَسَهَّلَت عليه الأُمورُ الصِّعابُ، ولانَت له القُلوبُ الغِضابُ.
وقال بَعضُ الحُكَماءِ: مِن سَعةِ الأخلاقِ كُنوزُ الأرزاقِ.
وحُسنُ الخُلُقِ: أن يَكونَ سَهلَ العَريكةِ، لَيِّنَ الجانِبِ، طَليقَ الوَجهِ، قَليلَ النُّفورِ، طَيِّبَ الكَلمةِ) [1520] ((أدب الدنيا والدين)) (ص: 242، 243). .
4- كان يُقالُ: (مَن قَلَّ خَيرُه على أهلِه فلا تَرجُ خَيرَه) [1521] يُنظر: ((بهجة المجالس)) لابن عبد البر (2/ 189). .

انظر أيضا: