ثامنًا: طِيبُ الكلامِ وحُسنُه وتَركُ البَذاءةِ
مِنَ الأدَبِ مَعَ الإخوةِ والأصحابِ: طيبُ الكلامِ، وإلانةُ القَولِ، ومُبايَنةُ الفُحشِ والبَذاءِ
[1725] قال ابنُ عبَّاسٍ والحسنُ أيضًا: (لينُ القَولِ مِنَ الأدَبِ الحَسَنِ الجَميلِ، والخُلُقِ الكريمِ، وهو مِمَّا ارتَضاه اللهُ وأحَبَّه). ((جامع البيان)) لابن جرير الطبري (2/ 196). .
الدَّليلُ على ذلك مِن الكتابِ والسُّنَّةِ:أ- مِنَ الكِتابِ1- قال تعالى:
وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا [البقرة: 83] .
قال القُرطُبيُّ: (قَولُه تعالى:
وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا "حُسْنًا": نَصبٌ على المَصدَرِ على المَعنى؛ لأنَّ المَعنى ليَحسُنْ قَولُكُم. وقيل: التَّقديرُ: وقولوا للنَّاسِ قَولًا ذا حُسنٍ، فهو مَصدَرٌ لا على المَعنى... قال أبو العاليةِ: قولوا لهمُ الطَّيِّبَ مِنَ القَولِ، وحاوِروهم بأحسَنِ ما تُحِبُّونَ أن تُحاوَروا به.
وهذا كُلُّه حَضٌّ على مَكارِمِ الأخلاقِ
[1726] يُنظر: ((المحرر الوجيز)) لابن عطية (1/ 173). ، فيَنبَغي للإنسانِ أن يَكونَ قَولُه للنَّاسِ ليِّنًا، ووَجهُه مُنبَسِطًا طَلْقًا مَعَ البَرِّ والفاجِر، والسُّنِّيِّ والمُبتَدِعِ، مِن غيرِ مُداهَنةٍ، ومِن غيرِ أن يَتَكلَّمَ مَعَه بكلامٍ يَظُنُّ أنَّه يُرضي مَذهَبَه؛ لأنَّ اللَّهَ تعالى قال لموسى وهارونَ:
فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا [طه: 44] ، فالقائِلُ ليس بأفضَلَ مِن موسى وهارونَ، والفاجِرُ ليس بأخبَثَ مِن فِرعَونَ، وقد أمَرَهما اللهُ تعالى باللِّينِ مَعَه.
وقال طَلحةُ بنُ عُمَرَ: قُلتُ لعَطاءٍ: إنَّك رَجُلٌ يَجتَمِعُ عِندَك ناسٌ ذَوو أهواءٍ مُختَلفةٍ، وأنا رَجُلٌ فيَّ حِدَّةٌ، فأقولُ لهم بَعضَ القَولِ الغَليظِ، فقال: لا تَفعَلْ؛ يَقولُ اللهُ تعالى:
وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا [البقرة: 83] ، فدَخَل في هذه الآيةِ اليَهودُ والنَّصارى، فكيف بالحَنيفيِّ؟!)
[1727] ((الجامع لأحكام القرآن)) (2/ 16). . فكيف إذا كان مع هذا أخًا وصاحبًا؟!
2- قال تعالى:
وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا [الإسراء: 53] .
فأمرَ اللهُ المُؤمِنينَ فيما بينَهم بحُسنِ الأدَبِ، وخَفضِ الجَناحِ، وإلانةِ القَولِ، واطِّراحِ نَزَغاتِ الشَّيطانِ
[1728] يُنظر: ((المحرر الوجيز)) لابن عطية (3/ 464)، ((الجامع لأحكام القرآن)) للقرطبي (10/ 277). .
ب- مِنَ السُّنَّةِ1- عن مَسروقٍ، قال: كُنَّا جُلوسًا مَعَ عبدِ اللهِ بنِ عَمرٍو يُحَدِّثُنا، إذ قال:
((لم يكُنْ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فاحِشًا ولا مُتَفحِّشًا، وإنَّه كان يَقولُ: إنَّ خيارَكُم أحاسِنُكُم أخلاقًا)) [1729] أخرجه البخاري (6035) واللفظ له، ومسلم (2321). .
2- عن أبي الدَّرداءِ رَضِيَ اللهُ عنه، عَنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال:
((إنَّ أثقَلَ ما وُضِعَ في ميزانِ المُؤمِنِ يَومَ القيامةِ خُلُقٌ حَسَنٌ، وإنَّ اللَّهَ يُبغِضُ الفاحِشَ البَذيءَ)) [1730] أخرجه من طرقٍ: أبو داود (4799)، وأحمد (27555) مختصرًا، والترمذي (2002) واللفظ له. صحَّحه ابن حبان في ((صحيحه)) (481)، والألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (2002)، والوادعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (1041)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (27555)، وقال الترمذي: حسن صحيح. .
فَوائِدُ:1- قال المُناويُّ: (خَفضُ الجَناحِ ولِينُ الكَلِمةِ وتَركُ الإغلاظِ: مِن أسبابِ الأُلفةِ واجتِماعِ الكَلِمةِ وانتِظامِ الأمرِ؛ ولهذا قيل: مَن لانَت كَلِمتُه وجَبَت مَحَبَّتُه
[1731] يُنظر: ((البيان والتبين)) للجاحظ (2/ 119). وحَسُنَت أُحدوثَتُه، وظَمِئت القُلوبُ إلى لقائِه وتَنافسَت في مَودَّتِه)
[1732] يُنظر: ((التيسير بشرح الجامع الصغير)) (1/ 434). .
2- قال ابنُ عُثَيمين: (وظيفةُ المُسلمِ مَعَ إخوانِه أن يَكونَ هيِّنًا ليِّنًا بالقَولِ وبالفِعلِ؛ لأنَّ هذا مِمَّا يوجِبُ المَودَّةَ والأُلفةَ بينَ النَّاسِ، وهذه الأُلفةُ والمَودَّةُ أمرٌ مَطلوبٌ للشَّرعِ؛ ولهذا نَهى النَّبيُّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ عن كُلِّ ما يوجِبُ العَداوةَ والبَغضاءَ)
[1733] ((شرح رياض الصالحين)) (2/ 544). .