موسوعة الآداب الشرعية

أولًا: أداءُ ما للجيرانِ مِن الحُقوقِ العامَّةِ


يَتَأكَّدُ في حَقِّ الجيرانِ المسلمينَ أداءُ ما لهم مِن الحُقوق العامَّة التي للمُسلمينَ؛ كإلقاءِ السَّلامِ ورَدِّه، وتَشميتِ العاطِسِ، وإجابةِ الدَّعوةِ، وإبرارِ المُقسِمِ، وعيادةِ المَريضِ، واتِّباعِ الجَنائِزِ، وبَذلِ النَّصيحةِ، والسَّعيِ في الحاجةِ، ونَصرِ المَظلومِ، وعَدَمِ الظُّلمِ وألَّا يبيعَ على بيعِ جارِه ولا يخطبَ على خطبتِه، إلى غيرِ ذلك بالإضافةِ إلى حقِّ الجوارِ.
الدَّليلُ على ذلك مِنَ السُّنَّةِ:
1- عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: سَمِعتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولُ: ((حَقُّ المُسلمِ على المُسلمِ خَمسٌ: رَدُّ السَّلامِ، وعيادةُ المَريضِ، واتِّباعُ الجَنائِزِ، وإجابةُ الدَّعوةِ، وتَشميتُ العاطِسِ)) [1975] أخرجه البخاري (1240) واللَّفظ له، ومسلم (2612). .
وفي رِوايةٍ عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((حَقُّ المُسلمِ على المُسلمِ سِتٌّ. قيل: ما هنَّ يا رَسولَ اللهِ؟ قال: إذا لقيتَه فسَلِّمْ عليه، وإذا دَعاك فأجِبْه، وإذا استَنصَحَك فانصَحْ له، وإذا عَطَسَ فحَمِدَ اللَّهَ فسَمِّتْه، وإذا مَرِضَ فعُدْه، وإذا ماتَ فاتَّبِعْه)) [1976] أخرجها مسلم (2162). .
2- عَنِ البَراءِ بنِ عازِبٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: ((أمَرَنا النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بسَبعٍ، ونَهانا عن سَبعٍ فذَكرَ: عيادةَ المَريضِ، واتِّباعَ الجَنائِزِ، وتَشميتَ العاطِسِ، ورَدَّ السَّلامِ، ونَصرَ المَظلومِ، وإجابةَ الدَّاعي، وإبرارَ المُقسِمِ)) [1977] أخرجه البخاري (2445) واللَّفظ له، ومسلم (2066). .
3- عن جَريرِ بنِ عَبدِ اللَّهِ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((بايَعتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على إقامِ الصَّلاةِ، وإيتاءِ الزَّكاةِ، والنُّصحِ لكُلِّ مُسلِمٍ)) [1978] أخرجه البخاري (57)، ومسلم (56). .
4- عن تَميمٍ الدَّاريِّ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((الدِّينُ النَّصيحةُ. قُلْنا: لِمَن؟ قال: للَّهِ ولكِتابِه ولرَسولِه ولأئِمَّةِ المُسلِمينَ وعامَّتِهم)) [1979] أخرجه مسلم (55). .
5- عن عَبدِ اللَّهِ بنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما، أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((المُسلِمُ أخو المُسلِمِ؛ لا يَظلِمُه ولا يُسلِمُه، ومَن كان في حاجةِ أخيه كان اللَّهُ في حاجَتِه، ومَن فرَّجَ عن مُسلمٍ كُربةً فرَّجَ اللهُ عَنه كُربةً مِن كُرُباتِ يَومِ القيامةِ، ومَن سَتَرَ مُسلِمًا سَترَه اللَّهُ يَومَ القيامةِ)) [1980] أخرجه البخاري (2442) واللَّفظ له، ومسلم (2580). .
6- عن عَبدِ اللَّهِ بنِ عَمرٍو رَضِيَ اللهُ عنهما، عَنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((المُسلِمُ مَن سَلِمَ المُسلِمونَ مِن لسانِه ويَدِه، والمُهاجِرُ مَن هَجَرَ ما نَهى اللَّهُ عَنه)) [1981] أخرجه البخاري (10) واللَّفظ له، ومسلم (40). .
7- عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لا تَحاسَدوا ولا تَناجَشوا، ولا تَباغَضوا ولا تَدابَروا، ولا يَبِعْ بَعضُكُم على بَيعِ بَعضٍ، وكونوا عِبادَ اللهِ إخوانًا، المُسلِمُ أخو المُسلمِ، لا يَظلِمُه ولا يَخذُلُه، ولا يَحقِرُه، التَّقوى هاهنا -ويُشيرُ إلى صَدرِه ثَلاثَ مَرَّاتٍ- بحَسْبِ امرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أن يَحقِرَ أخاه المُسلِمَ، كُلُّ المُسلمِ على المُسلمِ حَرامٌ: دَمُه، ومالُه، وعِرضُه)) [1982] أخرجه مسلم (2564). .
وفي رِوايةٍ: ((المُسلِمُ أخو المُسلمِ، لا يَخونُه، ولا يَكذِبُه، ولا يَخذُلُه، كُلُّ المُسلمِ على المُسلمِ حَرامٌ: عِرضُه، ومالُه، ودَمه، التَّقوى هاهنا، بحَسْبِ امرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أن يَحتَقِرَ أخاه المُسلِمَ)) [1983] أخرجها الترمذي (1927) واللفظ له، وابن أبي عاصم في ((الديات)) (ص9)، والبزار (8891). صحَّحها الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (1927)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((رياض الصالحين)) (234). .
8- عن عُقبةَ بنِ عامِرٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: إنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((المُؤمِنُ أخو المُؤمِنِ، فلا يَحِلُّ للمُؤمِنِ أن يَبتاعَ على بيعِ أخيه، ولا يَخطُبَ على خِطبةِ أخيه حتَّى يَذَرَ)) [1984] أخرجه مسلم (1414). .
فائِدةٌ:
قال الغَزاليُّ: (اعلَمْ أنَّ الجِوارَ يَقتضي حَقًّا وراءَ ما تَقتَضيه أخوَّةُ الإسلامِ، فيَستَحِقُّ الجارُ المُسلمُ ما يَستَحِقُّه كُلُّ مُسلِمٍ وزيادةً.
واعلَمْ أنَّه ليس حَقُّ الجوارِ كَفَّ الأذى فقط، بل احتِمالُ الأذى، ولا يكفي احتمالُ الأذى، بل لا بدَّ من الرِّفقِ وإسداءِ الخيرِ والمعروفِ...
وبَلغَ ابنَ المُقَفَّعِ أنَّ جارًا له يَبيعُ دارَه في دَينٍ رَكِبَه، وكان يَجلسُ في ظِلِّ دارِه، فقال: ما قُمتُ إذًا بحُرمةِ ظِلِّ دارِه إن باعَها مُعدِمًا وبِتُّ واجِدًا! فدَفعَ إليه ثَمَنَ الدَّارِ وقال: لا تَبِعْها [1985] يُنظر: ((عيون الأخبار)) لابن قتيبة (1/ 462). .
وشَكا بَعضُهم كثرةَ الفأرِ في دارِه، فقيل له: لوِ اقتَنيتَ هِرًّا! فقال: أخشى أن يَسمَعَ الفأرُ صَوتَ الهِرِّ فيَهرُبَ إلى دُورِ الجيرانِ، فأكونَ قَد أحبَبتُ لهم ما لا أُحِبُّ لنَفسي!
وجُملةُ حَقِّ الجارِ: أن يَبدَأَه بالسَّلامِ، ولا يُطيلَ مَعَه الكلامَ، ولا يُكثِرَ عن حالِه السُّؤالَ، ويَعودَه في المَرَضِ، ويُعَزِّيَه في المُصيبةِ، ويَقومَ مَعَه في العَزاءِ، ويُهَنِّئَه في الفرَحِ، ويُظهرَ الشَّرِكةَ في السُّرورِ مَعَه، ويَصفَحَ عن زَلَّاتِه، ولا يَتَطَلَّعَ مِنَ السَّطحِ إلى عَوراتِه، ولا يُضايِقَه في وَضعِ الجِذعِ على جِدارِه، ولا في مَصَبِّ الماءِ في ميزابِه، ولا في مُطَّرَحِ التُّرابِ في فِنائِه، ولا يُضَيِّقَ طُرُقَه إلى الدَّارِ، ولا يُتبِعَه النَّظَرَ فيما يَحمِلُه إلى دارِه، ويَستُرَ ما يَنكشِفُ له مِن عَوراتِه، ويُنعِشَه مَن صَرعتِه إذا نابَته نائِبةٌ، ولا يَغفُلَ عن مُلاحَظةِ دارِه عِندَ غَيبتِه، ولا يَسمَعَ عليه كلامًا، ويَغُضَّ بَصَرَه عن حُرمَتِه، ولا يُديمَ النَّظَرَ إلى خادِمَتِه، ويَتَلطَّفَ بوَلَدِه في كلمَتِه، ويُرشِدَه إلى ما يَجهَلُه مِن أمرِ دينِه ودُنياه. هذا إلى جُملةِ الحُقوقِ التي ذَكَرناها لعامَّةِ المُسلِمينَ) [1986] ((إحياء علوم الدين)) (2/ 212، 213). .

انظر أيضا: