تَمهيدٌ في أهميَّةِ حفظِ الجوارِ
حَثَّ الإسلامُ على حِفظِ الجوارِ، والإحسانِ إلى الجارِ، ورَعْيِ ذِمَّتِه، والقيامِ بحُقوقِه، وعَظَّم حُرَّمتَه، ورَهَّبَ مِن إيذائِه، وبالغَ في ذلك، حتَّى قال رسولُ اللَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((ما زال جِبريلُ يوصيني بالجارِ، حتَّى ظَنَنتُ أنَّه سيُوَرِّثُه)) [1960] أخرجه البخاري (6015)، ومسلم (2625) مِن حَديث عَبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما. ، وأوصَى صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بالجارِ في حِجَّةِ الوداعِ
[1961] عن أبي أمامةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((سَمِعتُ رَسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وهو على ناقَتِه الجَدعاءِ في حَجَّةِ الوداعِ يَقولُ: أوصيكُم بالجارِ، حتَّى أكثَرَ، فقُلتُ: إنَّه لَيُورِّثُه!)). أخرجه أحمد (22298)، والخرائطي في ((مكارم الأخلاق)) (225)، والطبراني (8/130) (7523) واللَّفظ له. صَحَّحَه لغيرِه شُعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (22298)، وجوَّد إسنادَه المنذري في ((الترغيب والترهيب)) (3/325)، والهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (8/168)، والألباني في ((إرواء الغليل)) (3/404). ، وقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((مَن كان يُؤمِنُ باللَّه واليَومِ الآخِرِ فليُحسِنْ إلى جارِه)) [1962] أخرجه مسلم (48) مِن حَديثِ أبي شُريحٍ الخُزاعيِّ رَضِيَ اللهُ عنه. ، وقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((مَن كان يُؤمِنُ باللهِ واليَومِ الآخِرِ فليُكرِمْ جارَه)) [1963] أخرجه البخاري (6019) مِن حَديثِ أبي شُريحٍ الخُزاعيِّ رَضِيَ اللهُ عنه. ، وقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((مَن كان يُؤمِنُ باللهِ واليَوم الآخِرِ فلا يُؤذِ جارَه)) [1964] أخرجه البخاري (6018) مِن حَديثِ أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه. ، وقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((واللَّهِ لا يُؤمِنُ، واللَّهِ لا يُؤمِنُ، واللَّهِ لا يُؤمِنُ، قيل: ومَن يا رَسولَ اللهِ؟ قال: الذي لا يَأمَنُ جارُه بوايِقَه [1965] قال البَغويُّ: (قَولُه: «بوائِقَه»، يُريدُ غَوائِلَه وشَرَّه، يُقالُ: أصابَتهم بائِقةٌ، أي: داهيةٌ). ((شرح السنة)) (13/ 72). ) [1966] أخرجه البخاري (6016) مِن حَديثِ أبي شُريحٍ العَدَويِّ رَضِيَ اللهُ عنه. ، وقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((لا يَدخُلُ الجَنَّةَ مَن لا يَأمَنُ جارُه بوائِقَه)) [1967] أخرجه البخاري مُعَلَّقًا بصيغة الجَزم بَعدَ حَديث (6016)، وأخرجه مَوصولًا مسلم (46) واللَّفظ له مِن حَديثِ أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه. .
وكُلُّ جارٍ مسؤولٌ عن جارِه، وقد قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((أوَّلُ خَصمينِ يَومَ القيامةِ جارانِ)) [1968] أخرجه أحمد (17372)، وابن أبي عاصم في ((الأوائل)) (45)، والطبراني (17/303) (836) مِن حَديثِ عُقبةَ بنِ عامِرٍ رَضِيَ اللهُ عنه. حَسَّنه الألبانيُّ في ((صحيح الجامِعِ)) (2563)، وشُعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (17372)، وحَسَّن إسنادَه الهيثمي في ((مَجمَع الزَّوائِد)) (10/352)، وذَكرَ المُنذِري في ((التَّرغيب والترهيب)) (3/320) أنَّه رويَ بإسنادينِ أحَدُهما جيِّدٌ. ، أي: فيما حَصَل مِنَ الأذى، أو وقَعَ مِن تَقصيرٍ في الحُقوقِ الواجِبةِ الأداءِ
[1969] يُنظر: ((مرقاة المفاتيح)) للقاري (8/ 3130). وقال المناويُّ: («أوَّلُ خَصمينِ يَومَ القيامةِ جارانِ» لم يُحسِن أحَدُهما جِوارَ صاحِبِه ولم يَفِ له بحَقِّه، ومَقصودُ الحَديثِ الحَثُّ على كفِّ الأذى عن الجارِ وإن جار، وأنَّه تعالى يَهتَمُّ بشَأنِه ويَنتَقِمُ للجارِ المَظلومِ مِنَ الظَّالمِ، ويَفصِلُ القَضاءَ بينَهما، وإلَّا فمِن شَعائِرِ الإيمانِ الكَفُّ عن أذى الجيرانِ، وعَدَمُ مُنازَعَتِهم ومُعارَضَتِهم فيما يَصدُرُ مِنهم وعنهم مِنَ الأضرارِ وسوءِ العِشرةِ والجِوارِ). ((فيض القدير)) (3/ 84، 85). .
فيَنبَغي إعطاءُ الجِيرةِ حَقَّها، والالتِزامُ بآدابِها؛ ليَكونَ المَرءُ خيرَ جارٍ بحُسنِ الجِوارِ، وقد قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((خيرُ الأصحابِ عِندَ اللهِ خيرُهم لصاحِبِه، وخيرُ الجيرانِ عِندَ اللهِ خيرُهم لجارِه)) [1970] أخرجه الترمذي (1944)، وأحمد (6566) من حديثِ عبدِ اللهِ بنِ عمرٍو رَضِيَ اللهُ عنهما. صحَّحه ابن خزيمة في ((الصحيح)) (4/239)، وابن حبان في ((صحيحه)) (518)، والحاكم على شرط الشيخين في ((المستدرك)) (1640)، وابن حجر في ((الأمالي المطلقة)) (208)، والألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (1944). .
ويَنبغي للإنسانِ أنْ يتخيَّرَ جارَه، وكما قيل: الجارُ قبلَ الدَّارِ
[1971] في قَولِه تعالى: إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ طلَبَتْ كَوْنَ البَيتِ عندَه قبْلَ طَلَبِها أنْ يكونَ في الجنَّةِ؛ فإنَّ الجارَ قبْلَ الدَّارِ. يُنظر: ((الفوائد)) لابن القيم (ص: 197). ، قال الشَّاعرُ:
يقولونَ قبلَ الدَّارِ جارٌ مُوافِقٌ
وقبلَ الطَّريقِ النَّهجِ أُنسُ رفيقِ
وقال آخرُ:
اطلُبْ لنفسِك جيرانًا تُجاورُهم
لا تصلُحُ الدَّارُ حتَّى يصلُحَ الجارُ
[1972]يُنظر: ((الآداب الشرعية)) لابن مفلح (2/ 18). .
وقد استَعاذَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِن جارِ السَّوءِ، فقال:
((اللَّهُمَّ إنِّي أعوذُ بك مِن يَومِ السَّوءِ ومِن ليلةِ السَّوءِ ومِن ساعةِ السَّوءِ ومِن صاحِبِ السَّوءِ ومِن جارِ السَّوءِ في دارِ المُقامةِ)) [1973] أخرجه الطبراني (17/294) (810) واللفظ له، والديلمي في ((الفردوس)) (1873) من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه. حَسَّنه الألباني في ((صحيح الجامع)) (1299)، ووثَّق رِجالَه الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (7/223)، والصنعاني في ((التنوير)) (3/155). ، وقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((اللَّهُمَّ إنِّي أعوذُ بك مِن جارِ السَّوءِ في دارِ المُقامة؛ فإنَّ جارَ الباديةِ يَتَحَوَّلُ)) [1974] أخرجه النسائي (5502)، وابن حبان (1033)، والحاكم (1975) واللفظ له من حَديثِ أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه. صَحَّحَه ابنُ حبان، والحاكم على شرط مسلم، وقال الألباني في ((صحيح سنن النسائي)) (5502): حسن صحيح، وصَحَّحَ إسناده العراقي في ((تخريج الإحياء)) (2/221). .
وفيما يلي أهمُّ الآدابِ التي ينبغي مراعاتُها معَ الجارِ:
انظر أيضا:
عرض الهوامش