موسوعة الآداب الشرعية

رابعا: عَدَمُ الطَّعنِ في طَبيبٍ آخَرَ أوِ اغتيابِه


لا يَنبَغي لطَبيبٍ أن يَطعَنَ على آخَرَ بغيرِ حَقٍّ، ولا أن يَغتابَه؛ لكَسبِ ثِقةِ بَعضِ المَرضى، أو لغيرِ ذلك مِنَ الأغراضِ.
الدَّليلُ على ذلك مِن الكتابِ والسُّنَّةِ:
أ- مِنَ الكِتابِ
قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ [الحجرات: 11-12] .
ب- مِنَ السُّنَّةِ
1- عن أسامةَ بنِ شَريكٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((شَهِدتُ الأعرابَ يسألون النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أعلينا حَرَجٌ في كذا؟ أعلينا حَرَجٌ في كذا؟ فقال لهم: عبادَ اللهِ، وضَعَ اللهُ الحَرَجَ، إلَّا من اقتَرَض مِن عِرضِ أخيه شيئًا، فذاك الذي حَرِجَ. فقالوا يا رَسولَ اللهِ: هل علينا جُناحٌ أن لا نَتَداوى؟ قال: تَداوَوا عِبادَ اللهِ؛ فإنَّ اللَّهَ سُبحانَه لم يَضَعْ داءً إلَّا وضَع مَعَه شِفاءً، إلَّا الهَرَمَ [2298] الهَرَمُ: هو الزِّيادةُ في كِبَرِ السِّنِّ المُؤَدِّيةُ إلى ضَعفِ الأعضاءِ. ((إرشاد الساري)) للقسطلاني (9/ 210). . قالوا: يا رَسولَ اللهِ، ما خيرُ ما أُعطيَ العَبدُ؟ قال: خُلُقٌ حَسَنٌ)) [2299] أخرجه من طرقٍ: أبو داود (3855)، والترمذي (2038)، وابن ماجه (3436) واللفظ له. صححه ابنُ حبان في ((صحيحه)) (6064)، وابن عبد البر في ((التمهيد)) (5/281)، والحاكم في ((المستدرك)) (416)، وابن دقيق العيد في ((الاقتراح)) (95)، وقال الترمذي: حسن صحيح. وقَولُه: ((فإنَّ اللَّهَ سُبحانَه لم يَضَعْ داءً إلَّا وضَع مَعَه شِفاءً)) أخرجه البخاري (5678) مِن حَديثِ أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، ولفظُه: ((ما أنزَل اللهُ داءً إلَّا أنزَل له شِفاءً)). .
وفي رِوايةٍ عن أسامةَ بنِ شَريكٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((خَرَجتُ مَعَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حاجًّا، فكان النَّاسُ يَأتونَه، فمَن قال: يا رَسولَ اللهِ، سَعيتُ قَبلَ أن أطوفَ، أو قَدَّمتُ شيئًا أو أخَّرتُ شيئًا، فكان يَقولُ: لا حَرَجَ لا حَرَجَ، إلَّا على رَجُلٍ اقتَرَضَ عِرضَ رَجُلٍ مُسلمٍ وهو ظالِمٌ، فذلك الذي حَرِجَ وهَلَك)) [2300] أخرجها أبو داود (2015) واللفظ له، وابن خزيمة (2774)، والطبراني (1/182) (474). صَحَّحها ابنُ خزيمة، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (2015)، والوادعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (1/43). .
وقَولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((اقتَرَضَ عِرضَ رَجُلٍ مُسلمٍ))، أي: نال مِنه وعابَه، وقَطعَه بالغِيبةِ [2301] يُنظر: ((شرح السنة)) للبغوي (12/ 139). وقال ابنُ الأثيرِ: (الاقتِراض: افتِعالٌ مِنَ القَرضِ، وهو القَطعُ، كأنَّه يَقطَعُ بالمِقراضِ، والمُرادُ به: الغِيبةُ). ((جامع الأصول)) (3/ 304). .
وقَولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((فذلك الذي حَرِجَ)): أي: وقَعَ مِنه حَرَجٌ، ((وهَلَك)) أي: بالإثمِ [2302] يُنظر: ((مرقاة المفاتيح)) للقاري (5/ 1834). .
2- عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((أتدرونَ ما الغِيبةُ؟ قالوا: اللهُ ورَسولُه أعلَمُ، قال: ذِكرُك أخاك بما يَكرَهُ. قيل: أفرَأيتَ إن كان في أخي ما أقولُ؟ قال: إن كان فيه ما تَقولُ فقَدِ اغتَبتَه، وإن لم يكُنْ فيه فقَد بَهَتَّه)) [2303] أخرجه مسلم (2589). .
3- عن أنَسِ بنِ مالِكٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لمَّا عُرِجَ بي مَرَرتُ بقَومٍ لهم أظفارٌ مِن نُحاسٍ يَخمُشون [2304] يَخمُشون: أي يَخدِشونَ ويَجرَحونَ. يُنظر: ((الكاشف عن حقائق السنن)) للطيبي (10/ 3218)، ((شرح المصابيح)) لابن الملك (5/ 330). وُجوهَهم وصُدورَهم، فقُلتُ: مَن هؤلاء يا جِبريلُ؟ قال: هؤلاء الذينَ يَأكُلونَ لُحومَ النَّاسِ، ويَقَعونَ في أعراضِهم)) [2305] أخرجه أبو داود (4878) واللفظ له، وأحمد (13340). صَحَّحه ابن باز في ((مجموع الفتاوى)) (9/239)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (4878)، والوادعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (112)، وصَحَّح إسنادَه شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (13340). .
4- عن عُبادةَ بنِ الصَّامِتِ رَضيَ اللهُ عنه، قال: ((أخَذَ علينا رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كما أخَذَ على النِّساءِ: ألَّا نُشرِكَ باللهِ شَيئًا، ولا نَسرِقَ، ولا نَزنيَ، ولا نَقتُلَ أولادَنا، ولا يَعْضَهَ بَعضُنا بَعضًا، فمَن وفَى مِنكُم فأجرُه على اللهِ، ومَن أتى مِنكُم حَدًّا فأُقيمَ عليه فهو كَفَّارَتُه، ومَن سَتَرَه اللهُ عليه فأمرُه إلى اللهِ؛ إن شاءَ عَذَّبَه، وإن شاءَ غَفرَ له)) [2306] أخرجه البخاري (3893)، ومسلم (1709) واللَّفظ له .
قَولُه: ((ولا يَعضَهَ بَعضُنا بَعضًا)) أي: لا يَرميَه بالعَضيهةِ، وهيَ الكَذِبُ والبُهتانُ، فلا يَقذِفُه ولا يَكذِبُ عليه، ويَنسُبُ إليه ما يَنقُصُه ويَتَأذَّى به [2307] يُنظر: ((إكمال المعلم)) لعياض (5/ 550)، ((كشف المشكل)) لابن الجوزي (2/ 80). وقال أبو العَبَّاسِ القُرطُبيُّ: (قَولُه: "ولا يَعضَهَ بَعضُنا بَعضًا" ... قيلَ فيه ثَلاثةُ أقوالٍ: أحَدُها: أنَّه السِّحرُ، أي: لا يَسحَر بَعضُنا بَعضًا. والعَضْهُ، والعَضيهةُ: السِّحرُ. والعاضِهُ: السَّاحِرُ. والعاضِهةُ: السَّاحِرةُ. والثَّاني: أنَّه النَّميمةُ والكَذِبُ. والثَّالثُ: البُهتانُ. قُلتُ: وهذه الثَّلاثةُ مُتَقارِبةٌ في المَعنى؛ لأنَّ الكُلَّ كَذِبٌ وزُورٌ. ويُقالُ لكُلِّها: عَضْهٌ، وعَضيهةٌ)). ((المفهم)) (5/ 140). .
5- عن أبي هُرَيرةَ رَضيَ اللهُ عنه، عَنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إيَّاكُم والظَّنَّ؛ فإنَّ الظَّنَّ أكذَبُ الحَديثِ، ولا تَحَسَّسوا ولا تَجَسَّسوا، ولا تَحاسَدوا ولا تَدابَروا ولا تَباغَضوا، وكونوا عِبادَ اللهِ إخوانًا)) [2308] أخرجه البخاري (6064) واللفظ له، ومسلم (2563). .

انظر أيضا: