موسوعة الآداب الشرعية

تاسعَ عشرَ: عَدَمُ الحَلِفِ بغَيرِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ


مِنَ الأدَبِ مَعَ اللهِ عَزَّ وجَلَّ: أن يحلِفَ به، ويجتنبَ الحَلِفَ بغَيرِه سُبحانَه [263] قال ابن هبيرة: (والسِّرُّ في ذلك أنَّ الحالِفَ إنَّما يَحلِفُ لغَيرِه على قَولٍ يَقولُه له ليُصَدِّقَه، أو ليَعزِمَ هو على نَفسِه باليَمينِ ليَثبُتَ عليها، وذلك إنَّما يَتِمُّ له المَقصودُ فيه إذا حَلَف بأعَزِّ الأشياءِ عِندَه، فإذا حَلَف بغَيرِ اللهِ فقد قال بلسانِ حالِه: إنَّ هذا الذي حَلَفتُ به أعَزُّ عِندي مِن رَبِّي عَزَّ وجَلَّ، والمُؤمِنُ أعَزُّ الأشياءِ في قَلبِه رَبُّه عَزَّ وجَلَّ، فكَيف يَحلِفُ بغَيرِه لمَن يُريدُ أن يُصَدِّقَه في يَمينِه؟!) ((الإفصاح عن معاني الصحاح)) (1/ 105). وقال ابنُ عُثَيمين: (الحَلِفُ مَعناه تَأكيدُ الشَّيءِ بذِكرِ مُعظَّمٍ، والإنسانُ لا يَحلِفُ بشَيءٍ إلَّا لأنَّه عَظيمٌ في نَفسِه، فكَأنَّه يَقولُ: بقَدرِ عَظَمةِ هذا المَحلوفِ به إنِّي صادِقٌ؛ ولهذا كان الحَلِفُ باللهِ عَزَّ وجَلَّ. احلِفْ باللهِ أو بصِفةٍ مِن صِفاتِه أو بأيِّ اسمٍ مِن أسمائِه). ((شرح رياض الصالحين)) (6/ 452، 453). .
الدَّليلُ على ذلك مِن السُّنَّةِ:
1- عن عَبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنهما، أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((مَن كان حالفًا فليَحلِفْ باللهِ أو ليَصمُتْ)) [264] أخرجه البخاري (2679)، ومسلم (1646). .
قال عِياضٌ: (في قَولِه: "فليَحلِفْ باللهِ" تَنبيهٌ على أنَّ الحَلِفَ بأسمائِه وصِفاتِه تعالى لازِمٌ جائِزٌ؛ لأنَّه حَلَف به تعالى، ولا خِلافَ في ذلك بَينَ عُلَماءِ الأمصارِ مَعَ الآثارِ في ذلك) [265] ((إكمال المعلم بفوائد مسلم)) (5/ 401). .
2-عن ابنِ عُمَرَ رضِيَ اللهُ عنهما، عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((ألا مَن كان حالفًا فلا يَحلفُ إلَّا باللهِ))، فكانت قُرَيش تَحلفُ بآبائِها، فقال: ((لا تَحلفوا بآبائِكُم)) [266] أخرجه البخاري (3836) واللفظ له، ومسلم (1646). .
3- عنِ ابنِ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنهما، قال: ((سَمِع النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رَجُلًا يَحلِفُ بأبيه، فقال: لا تَحلِفوا بآبائِكُم، مَن حَلَف باللهِ فليَصدُقْ، ومَن حُلِف له باللهِ فليَرضَ، ومَن لَم يَرضَ باللهِ فلَيسَ مِنَ اللهِ)) [267] أخرجه ابن ماجه (2101) واللفظ له، والبيهقي (21240)، وقِوَامُ السُّنَّة في ((الترغيب والترهيب)) (1151). صحَّحه الألبانيُّ في ((صحيح سنن ابن ماجه)) (2101)، وجوَّد إسنادَه وقوَّاه ابنُ كثير في ((إرشاد الفقيه)) (2/413)، وحسَّنه ابنُ حجر في ((فتح الباري)) (11/544). .
4- عن سالمِ بنِ عَبدِ اللهِ، عن أبيه رَضيَ اللهُ عنه، قال: سَمِعتُ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ، يَقولُ: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّ اللَّهَ عَزَّ وجَلَّ يَنهاكُم أن تَحلِفوا بآبائِكُم))، قال عُمَرُ: فواللهِ ما حَلَفتُ بها مُنذُ سَمِعتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نَهى عنها، ذاكِرًا ولا آثِرًا [268] أخرجه البخاري (6647)، ومسلم (1646) واللفظ له. .
قال المازَريُّ: (هذا لئَلَّا يُشرَكَ في التَّعظيمِ بالقَسَمِ غَيرُ اللهِ سُبحانَه. وقد قال ابنُ عَبَّاسٍ: لأن أحلِفَ باللهِ فآثَمَ أحَبُّ إليَّ مِن أن أُضاهيَ. فقيلَ مَعناه: الحَلِفُ بغَيرِ اللهِ، وقيلَ مَعناه: الخَديعةُ، يُري أنَّه حَلَف وما حَلَف. وقد قال ابنُ عَبَّاسٍ أيضًا: لَئِن أحلِفْ باللهِ مِائةَ مَرَّةٍ فآثَمْ خَيرٌ مِن أن أحلِفَ بغَيرِه فأبَرَّ؛ ولهذا يُنهى عنِ اليَمينِ بسائِرِ المَخلوقاتِ) [269] ((المعلم بفوائد مسلم)) (2/ 365). .
(وقَولُ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنه: "ما حَلَفتُ بها ذاكِرًا" أي: للنَّهيِ، "ولا آثِرًا"، أي: ولا راويًا ذلك عن أحَدٍ، وهو مِن قَولِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ: أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ [الأحقاف: 4] ، أي: رِوايةٍ، ومَآثِرُ العَرَبِ، أي: مَناقِبُها المَأثورةُ عنها) [270] ((الإفصاح عن معاني الصحاح)) لابن هبيرة (1/ 105). .
5- عن سَعدِ بنِ عُبَيدةَ، قال: سَمِعَ ابنُ عُمَرَ رَجُلًا يَحلِفُ: لا والكَعبةِ، فقال له ابنُ عُمَرَ: إنِّي سَمِعتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولُ: ((مَن حَلَف بغَيرِ اللهِ فقد أشرَكَ)) [271] أخرجه أبو داود (3251) واللفظ له، والترمذي (1535)، وأحمد (6072). صحَّحه ابنُ حبان في ((صحيحه)) (4358)، والحاكم على شرط الشيخين في ((المستدرك)) (7814)، وابن تيمية كما في ((المستدرك على مجموع الفتاوى)) لابن قاسم (1/28)، وابن القيم في ((الوابل الصيب)) (189)، وابن باز في ((مجموع الفتاوى)) (2/29)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (3251)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (3251). .
6- عن عَبدِ الرَّحمَنِ بنِ سَمُرةَ رَضيَ اللهُ عنه، قال: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لا تَحلِفوا بالطَّواغي ولا بآبائِكُم)) [272] أخرجه مسلم (1648). .
7- عن أبي هُرَيرةَ رَضيَ اللهُ عنه، قال: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((مَن حَلفَ فقال في حَلِفِه: واللَّاتِ والعُزَّى، فليَقُلْ: لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، ومَن قال لصاحِبِه: تَعالَ أقامِرْك، فليَتَصَدَّقْ)) [273] أخرجه البخاري (4860) واللفظ له، ومسلم (1647). .
8- عن أبي هُرَيرةَ رَضيَ اللهُ عنه، قال: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لا تَحلِفوا بآبائِكُم، ولا بأُمَّهاتِكُم، ولا بالأندادِ، ولا تَحلِفوا إلَّا باللهِ، ولا تَحلِفوا باللهِ إلَّا وأنتُم صادِقونَ)) [274] أخرجه أبو داود (3248) واللفظ له، والنسائي (3769). صحَّحه ابنُ حبان في ((صحيحه)) (4357)، وابن الملقن في ((البدر المنير)) (9/455)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (3248)، والوادعي على شرط الشيخين في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (1294). .
9- عنِ ابنِ بُرَيدةَ، عن أبيه رَضيَ اللهُ عنه، قال: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((مَن حَلَف بالأمانةِ فلَيسَ مِنَّا)) [275] أخرجه أبو داود (3253) واللفظ له، وأحمد (22980). صحَّحه ابنُ حبان في ((صحيحه)) (4363)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (3253)، والوادعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (176)، وصحَّح إسنادَه الحاكم في ((المستدرك)) (7816)، والمنذري في ((الترغيب والترهيب)) (3/124)، والنووي في ((الأذكار)) (456). .

انظر أيضا: