موسوعة الآداب الشرعية

عشرونَ: عَدَمُ التَّألِّي على اللهِ عَزَّ وجَلَّ


مِنَ الأدَبِ الواجِبِ مَعَ اللهِ عَزَّ وجَلَّ: عَدَمُ التَّألِّي عليه سُبحانَه والحُكمِ بأنَّه تعالى لا يَغفِرُ لفُلانٍ، أو يُعَذِّبُ فُلانًا [276] وكذلك لا يَجوزُ أن يُقالَ: يَغفِرُ اللهُ لفُلانٍ جَزمًا؛ لأنَّ أحَدًا لا يَعلَمُ مَشيئةَ اللهِ وإرادتَه في عِبادِه، بَل نَرجو للمُطيعِ ونَخافُ على العاصي، وإنَّما نَجزِمُ القَولَ في حَقِّ مَن جاءَ فيه نَصٌّ عن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم. يُنظر: ((المفاتيح في شرح المصابيح)) للمظهري (3/ 182). .
الدَّليلُ على ذلك مِنَ السُّنَّةِ:
1- عن جُندَبٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه أنَّ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حدَّث: ((أنَّ رجُلًا قال: واللَّهِ لا يغفِرُ اللَّهُ لفلانٍ، وإنَّ اللَّهَ تعالى قال: مَن ذا الذي يتألَّى عليَّ أن لا أغفِرَ لفُلانٍ؟! فإنِّي قد غَفرتُ لفلانٍ وأحبَطتُ عَمَلَك)) أو كَما قال [277] أخرجه مسلم (2621). .
قال ابنُ الجَوزيِّ: (يَتَألَّى بمَعنى يَحلِفُ، والأَلِيَّةُ: اليَمينُ، والإحباطُ: الإبطالُ. وهذا المُتَألِّي جَهِل سَعةَ الكَرَمِ، فعُوقِبَ بإحباطِ العَمَلِ) [278] ((كشف المشكل)) (2/ 50). .
وقال أبو العَبَّاسِ القُرطُبيُّ: (قَولُه: «مَن ذا الذي يَتَألَّى عليَّ ألَّا أغفِرَ لفُلانٍ» استِفهامٌ على جِهةِ الإنكارِ والوعيدِ، ويُستَفادُ مِنه: تَحريمُ الإدلالِ على اللهِ تعالى، ووُجوبُ التَّأدُّبِ مَعَه في الأقوالِ والأحوالِ، وأنَّ حَقَّ العَبدِ أن يُعامِلَ نَفسَه بأحكامِ العُبوديَّةِ، ومَولاه بما يَجِبُ له مِن أحكامِ الإلهيَّةِ والرُّبوبيَّةِ) [279] ((المفهم)) (6/ 608). .
2- عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: سَمِعتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ: ((كان رجُلانِ في بني إسرائيلَ متواخِيَينِ [280] متواخِيَينِ: أي: مُتَقابِلَينِ في القَصدِ والسَّعيِ، فهذا كان قاصِدًا وساعيًا في الخَيرِ، وهذا كان قاصِدًا وساعيًا في الشَّرِّ. يُنظر: ((عون المعبود)) للعظيم آبادي (13/ 166). ، فكان أحَدُهما يُذنِبُ، والآخَرُ مُجتَهِدٌ في العبادةِ، فكان لا يزالُ المجتَهِدُ يرى الآخَرَ على الذَّنبِ فيقولُ: أقصِرْ [281] الإقصارُ: الكَفُّ عن الشَّيءِ. يُنظر: ((تهذيب اللغة)) للأزهري (8/ 280). ، فوجَدَه يومًا على ذنبٍ، فقال له: أقصِرْ، فقال: خَلِّنِي ورَبِّي، أبُعِثْتَ عَليَّ رقيبًا؟! فقال: واللهِ لا يَغفِرُ اللهُ لك -أو لا يُدخِلُك اللهُ الجنَّةَ- فقبَضَ أرواحَهما، فاجتمعا عند ربِّ العالَمين، فقال لهذا المجتَهِدِ: أكنتَ بي عالِمًا؟ أو كنتَ على ما في يدي قادرًا؟ وقال للمُذنِبِ: اذهَبْ فادخُلِ الجنَّةَ برحمتي. وقال للآخَرِ: اذهَبوا به إلى النَّارِ))، قال أبو هُرَيرةَ: والذي نفسي بيده لتكَلَّمَ بكَلِمةٍ أوبَقَت [282] أوبَقَه يُوبِقُه: إذا أهلَكَه، وقَولُه: "أوبَقَت دُنياه وآخِرَتَه"، أي: أهلكَت تلك الكَلِمةُ ما سَعى في الدُّنيا وحَظَّ الآخِرة. يُنظر: ((جامع الأصول)) لابن الأثير (8/ 41)، ((عون المعبود)) للعظيم آبادي (13/ 167). دُنياه وآخِرَتَه [283] أخرجه أبو داود (4901) واللفظ له، وأحمد (8749). صحَّحه ابن حبان في ((صحيحه)) (5712)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (4901)، وحسنه الوادعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (1302)، وصحَّح إسناده أحمد شاكر في تخريج ((مسند أحمد)) (16/127)، وحَسَّنه شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (8749). .

انظر أيضا: