موسوعة الآداب الشرعية

سابعًا: عدمُ هجرِ قيامِ الليلِ


يُكرَهُ تَركُ قيامِ اللَّيلِ لا سيمَّا لمن اعتاده.
الدَّليلُ على ذلك مِنَ السُّنَّةِ:
1- عن عبدِ اللهِ بنِ أبي قَيسٍ، قال: قالت عائِشةُ رَضِيَ اللهُ عنها: ((لا تَدَعْ قيامَ اللَّيلِ؛ فإنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان لا يَدَعُه، وكان إذا مَرِضَ أو كَسِل صَلَّى قاعِدًا)) [756] أخرجه أبو داود (1307)، وأحمد (26114). صحَّحه ابن خزيمة في ((صحيحه)) (2/313)، والحاكم على شرط مسلم في ((المستدرك)) (1159)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (1307)، والوادعي على شرط مسلم في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (1597). .
2- عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه: أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((يعقِدُ الشَّيطانُ على قافيةِ [757] قافيةُ الرَّأسِ: القَفا ومُؤَخَّرُ الرَّأسِ، وقافيةُ كُلِّ شَيءٍ: آخِرُه، ومِنه قافيةُ الشِّعرِ، وهو ما يَقفو البَيتَ مِن آخِرِ حُروفِه. يُنظر: ((أعلام الحديث)) للخطابي (3/ 1507)، ((معالم السنن)) للخطابي (1/ 279). رَأسِ أحَدِكم إذا هو نام ثَلاثَ عُقَدٍ [758] قال النَّوويُّ: (اختَلف العُلماءُ في هذه العُقَدِ؛ فقيل: هو عَقدٌ حَقيقيٌّ بمَعنى عَقدِ السِّحرِ للإنسانِ، ومَنعِه مِنَ القيامِ، قال اللهُ تعالى: وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ فعلى هذا هو قَولٌ يَقولُه يُؤَثِّرُ في تَثبيطِ النَّائِمِ كَتَأثيرِ السِّحرِ، وقيل: يُحتَمَلُ أن يَكونَ فِعلًا يَفعَلُه كَفِعلِ النَّفَّاثاتِ في العُقَدِ، وقيل: هو مِن عَقدِ القَلبِ وتَصميمِه، فكَأنَّه يوسوِسُ في نَفسِه ويُحَدِّثُه بأنَّ عليك ليلًا طَويلًا، فتَأخَّرْ عنِ القيامِ، وقيل: هو مَجازٌ كُنِّيَ به عن تَثبيطِ الشَّيطانِ عن قيامِ اللَّيلِ). ((شرح مسلم)) (6/ 65). ، يَضرِبُ كُلَّ عُقدةٍ: عليك ليلٌ طَويلٌ فارقُدْ، فإن استَيقَظَ فذَكرَ اللهَ انحَلَّت عُقدةٌ، فإن تَوضَّأ انحَلَّت عُقدةٌ، فإن صَلَّى انحَلَّت عُقدةٌ، فأصبَحَ نَشيطًا طَيِّبَ النَّفسِ، وإلَّا [759] قال القاريُّ: («وإلَّا» أي: وإن لم يَفعَلْ كذلك بَل أطاعَ الشَّيطانَ ونامَ حتَّى تَفوتَه صَلاةُ الصُّبحِ. ذَكَرَه ميرك. والظَّاهرُ: حتَّى تَفوتَه صَلاةُ التَّهَجُّدِ). ((مرقاة المفاتيح)) (3/ 921). وقال القَسطَلَّانيُّ: («فإنِ استَيقَظَ» مِن نَومِه «فذَكَر اللهَ» بكُلِّ ما صَدَقَ عليه الذِّكرُ، كَتِلاوةِ القُرآنِ، وقِراءةِ الحَديثِ، والاشتِغالِ بالعِلمِ الشَّرعيِّ «انحَلَّت عُقدةٌ» واحِدةٌ مِنَ الثَّلاثِ «فإن تَوضَّأ انحَلَّت عُقدةٌ» أُخرى ثانيةٌ «فإن صَلَّى» الفريضةَ أوِ النَّافِلةَ «انحَلَّت عُقدةٌ»... «وإلَّا» بأن تَرَكَ الذِّكرَ والوُضوءَ والصَّلاةَ «أصبَحَ خَبيثَ النَّفسِ» بتَركِه ما كان اعتادَه أو قَصَدَه مِن فِعلِ الخَيرِ). ((إرشاد الساري)) (2/ 321، 322). أصبَحَ خَبيثَ النَّفسِ كَسلانَ)) [760] أخرجه البخاري (1142) واللفظ له، ومسلم (776). .
قال ابنُ حَجَرٍ: (قَولُه: «طِيبُ النَّفسِ» أي: لسُرورِه بما وفَّقَه اللهُ له مِنَ الطَّاعةِ، وبما وعَدَه مِنَ الثَّوابِ وبما زال عنه مِن عُقَدِ الشَّيطانِ، كَذا قيل، والذي يَظهَرُ أنَّ في صَلاةِ اللَّيلِ سِرًّا في طِيبِ النَّفسِ وإن لم يَستَحضِرِ المُصَلِّي شَيئًا مِمَّا ذُكِرَ، وكَذا عَكسُه، وإلى ذلك الإشارةُ بقَولِه تعالى: إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا) [761] ((فتح الباري)) (3/ 26). ويُنظَرُ للخِلافِ في المُرادِ بالصَّلاةِ التي تَنحَلُّ بها العُقَدُ: ((طرح التثريب)) للعراقي (3/ 85-87)، ((فتح الباري)) لابن حجر (3/ 24). .
فمَن قامَ مِنَ اللَّيلِ يُصَلِّي انحَلَّت عُقَدُه، فإن لم يَفعَلْ أصبَحَ على ما قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، إلَّا أنَّه تَنحَلُّ عُقَدُه بالوُضوءِ للفريضةِ وصَلاتِها. واللَّهُ أعلَمُ [762] ينظر: ((التمهيد)) لابن عبد البر (19/ 46). .
3- عن جابرٍ رَضِيَ اللهُ عنه، عن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((ما مِن مُسلمٍ ذَكَرٍ ولا أُنثى، يَنامُ إلَّا وعليه جَريرٌ [763] قال ابنُ قُتَيبةَ: (الجَريرُ: الحَبلُ يَكونُ في عُنُقِ النَّاقةِ مَن أدَمٍ، ولا أحسَبُه سُمِّيَ الرَّجُلُ جَريرًا إلَّا به، والجَديلُ أيضًا يَكونُ في العُنُقِ. فإذا كان في الأنفِ فهو زِمامٌ. وسُمِّي جَريرًا؛ لأنَّه يُجَرُّ، فعيلٌ في مَعنى مَفعولٍ). ((غريب الحديث)) (2/ 304، 305). مَعقودٌ، فإنِ استَيقَظَ فذَكَر اللهَ انحَلَّت عُقدةٌ، وإن هو تَوضَّأ ثُمَّ قامَ إلى الصَّلاةِ أصبَحَ نَشيطًا قد أصابَ خَيرًا، وقدِ انحَلَّت عُقَدُه كُلُّها، وإن أصبَحَ ولم يَذكُرِ اللَّهَ أصبَحَ وعُقَدُه عليه، وأصبَحَ ثَقيلًا كَسلانًا لم يُصِبْ خَيرًا)) [764] أخرجه أحمد (14387)، وابن خزيمة (1133)، وابن حبان (2556) واللفظ له صحَّحه ابنُ خُزَيْمةَ، وابنُ حِبَّانَ، والألبانيُّ في ((صحيح الموارد)) (147)، وصحح إسناده شعيب الأرناؤوط في تخريج ((صحيح ابن حبان)) (2556). .
وفي حَديثِ عُقبةَ بنِ عامِرٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: لا أقولُ اليَومَ على رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ما لم يَقُلْ، سَمِعتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولُ: ((مَن كَذَب عليَّ مُتَعَمِّدًا فليَتَبَوَّأْ بَيتًا مِن جَهَنَّمَ))، وسَمِعتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولُ: رَجُلٌ مِن أُمَّتي يَقومُ مِنَ اللَّيلِ يُعالجُ نَفسَه إلى الطَّهورِ وعليه عُقَدٌ، فإذا وضَّأ يَدَيه انحَلَّت عُقدةٌ، فإذا وضَّأ وَجهَه انحَلَّت عُقدةٌ، وإذا مَسَحَ رَأسَه انحَلَّت عُقدةٌ، وإذا وضَّأ رِجليه انحَلَّت عُقدةٌ، فيَقولُ اللهُ جَلَّ وعَلا للذي وراءَ الحِجابِ: انظُروا إلى عَبدي هذا يُعالجُ نَفسَه ليَسألَني، ما سَألني عَبدي هذا فهو له، ما سَألني عَبدي هذا فهو له!)) [765] أخرجه أحمد (17457، 17458)، وابن حبان (1052) واللفظ له، والطبراني (17/305) (843). صحَّحه ابن حبان، والوادعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (937)، وشعيبٌ الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (17457، 17458). .
4- عن عَبدِ اللَّهِ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((ذُكِرَ عِندَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رَجُلٌ، فقيل: ما زال نائِمًا حتَّى أصبَحَ، ما قامَ إلى الصَّلاةِ، فقال: بال الشَّيطانُ في أُذُنِه)) [766] أخرجه البخاري (1144) واللفظ له، ومسلم (774). .
وذلك على أنَّ المُرادَ بقَولِه: (ما قامَ إلى الصَّلاةِ) أي: صَلاةِ اللَّيلِ [767] يُنظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (3/ 28). .  
5- عن عليِّ بنِ حُسَينٍ، أنَّ الحُسَينَ بنَ عَليٍّ حَدَّثَه عن عليِّ بنِ أبي طالِبٍ ((أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم طَرَقه وفاطِمةَ، فقال: ألَا تُصَلُّونَ؟ فقُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، إنَّما أنفُسُنا بيَدِ اللهِ، فإذا شاءَ أن يَبعَثَنا بَعَثَنا! فانصَرَف رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حينَ قُلتُ له ذلك، ثُمَّ سَمِعتُه وهو مُدبِرٌ، يَضرِبُ فَخِذَه، ويَقولُ: وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا [الكهف: 54] )) [768] أخرجه البخاري (1127)، ومسلم (775) واللفظ له. .
6- عن عبدِ اللهِ بنِ عَمرِو بنِ العاصِ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: قال لي رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((يا عَبدَ اللهِ، لا تَكُنْ مِثلَ فُلانٍ كان يَقومُ اللَّيلَ، فتَرَكَ قيامَ اللَّيلِ)) [769] أخرجه البخاري (1152) واللفظ له، ومسلم (1159). .
فالنَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يَنهى عن قَطعِ العَمَلِ وتَركِه [770] يُنظر: ((فتح الباري)) لابن رجب (1/ 165). ، فيَنبَغي الدَّوامُ على ما صارَ عادةً مِنَ الخَيرِ ولا يُفرطُ فيه [771] يُنظر: ((شرح النووي على مسلم)) (8/ 43). . فالمُقبلُ على اللهِ عَزَّ وجَلَّ بالعَمَلِ إذا تَرَكَه مِن غَيرِ عُذرٍ كان كالمُعرِضِ بَعدَ الوَصلِ، فهو مُعَرَّضٌ للذَّمِّ [772] يُنظر: ((كشف المشكل)) لابن الجوزي (4/ 278). .

انظر أيضا: