تم اعتماد المنهجية من الجمعية الفقهية السعودية
برئاسة الشيخ الدكتور سعد بن تركي الخثلان
أستاذ الفقه بجامعة الإمام محمد بن سعود
عضو هيئة كبار العلماء (سابقاً)
يَنْبغي المحافظةُ على الصلاةِ في جماعةٍ. مسألةٌ: حكمُ صلاةِ الجماعةِ صلاةُ الجماعةِ واجبةٌ وجوبًا عينيًّا على الرِّجالِ [826] وهو مذهبُ الحَنابِلةِ، وبعضِ الحَنَفيَّةِ، ووجهٌ عندَ الشَّافعيَّةِ، واختارَه البُخاريُّ، وابنُ المُنذِرِ، وابنُ حَزمٍ، وابنُ تيميَّةَ، وابنُ باز، وابن عُثَيمين. ينظر: ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/454، 455)، ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/132)، ((روضة الطالبين)) للنووي (1/339)، ((صحيح البخاري)) (1/131) قبل حديث (644)، ((الأوسط)) لابن المنذر (4/148)، ((المحلى)) لابن حزم (3/104)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (11/615)، ((مجموع فتاوى ابن باز)) (12/13)، ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (15/18). قال ابنُ قُدامةَ: (الجماعةُ واجبةٌ للصَّلَواتِ الخَمْسِ، رُويَ نحوُ ذلك عن ابنِ مسعودٍ، وأبي موسى، وبه قال عطاءٌ، والأوزاعيُّ، وأبو ثَورٍ). ((المغني)) (2/130). وقال النوويُّ: (قال عَطاءٌ، والأوزاعيُّ، وأحمدُ، وأبو ثورٍ، وابنُ المُنذِرِ: هي فرضٌ على الأعيانِ، ليستْ بشَرطٍ للصِّحَّةِ). ((المجموع)) (4/189). وقال ابنُ رجب: (وممَّن ذهب إلى أنَّ الجماعةَ للصَّلاةِ مع عدمِ العُذرِ واجبةٌ: الأوزاعيُّ، والثَّوريُّ، والفُضَيلُ بنُ عِياضٍ، وإسحاقُ، وداودُ، وعامَّةُ فُقهاءِ الحديثِ؛ منهم: ابنُ خُزَيْمةَ، وابنُ المنذِرِ، وأكثرُهم على أنَّه لو ترَكَ الجماعةَ لغيرِ عُذرٍ وصلَّى منفردًا أنَّه لا يجبُ عليه الإعادةُ، ونصَّ عليه الإمامُ أحمدُ). ((فتح الباري)) (4/11). . الدَّليلُ على ذلك مِن الكتابِ والسُّنَّةِ والآثارِ: أ- مِنَ الكِتابِ 1- قال اللهُ تعالى: وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ[النساء: 102] . والدَّلالةُ مِن وَجْهَينِ: الوجهُ الأوَّلُ: أنَّه تعالى أمَرَهم بصلاةِ الجماعةِ معه في صلاةِ الخَوفِ، وذلك دليلٌ على وُجوبِها حالَ الخَوفِ، وهو يدُلُّ بطريقِ الأَوْلى على وُجوبِها حالَ الأمنِ [827] ((مجموع الفتاوى)) لابن تيميَّة (23/227)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/454). . الوجهُ الثَّاني: أنَّه سَنَّ صلاةَ الخَوفِ جماعةً، وسوَّغَ فيها ما لا يجوزُ لغيرِ عُذرٍ، كاستدبارِ القِبلةِ، والعملِ الكثيرِ، ومفارقةِ الإمامِ قبْلَ السَّلامِ، والتَّخلُّفِ عن متابعةِ الإمامِ، وهذه الأمورُ تُبطِلُ الصَّلاةَ لو فُعِلتْ لغيرِ عُذرٍ، فلو لم تكُنِ الجماعةُ واجبةً، لَكانَ قد التُزِم فِعلُ محظورٍ مُبطِلٍ للصَّلاةِ مِن أجْلِ فِعلِ مُستحَبٍّ، مع أنَّه قد كان مِن الممكنِ أن يُصلُّوا وُحدانًا صلاةً تامَّةً؛ فعُلِمَ أنَّها واجبةٌ [828] ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (23/227). . 2- قال الله تعالى: وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ[البقرة: 43] . وَجهُ الدَّلالةِ: أنَّ اللهَ تعالى أمَرَ بالرُّكوعِ مع الرَّاكعينَ، وذلك يكونُ في حالِ المشاركةِ في الرُّكوعِ؛ فكان أمرًا بإقامةِ الصَّلاةِ بالجماعةِ [829] ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/155). . ب- مِنَ السُّنَّةِ 1- عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((أثقَلُ صلاةٍ على المنافِقينَ صَلاةُ العِشاءِ وصلاةُ الفَجرِ، ولو يَعلمُونَ ما فيهما لأَتَوْهُما ولو حَبْوًا [830] الحَبْوُ: أن يمشيَ على يَدَيه ورُكبَتَيه أو اسْتِه. يُنظر: ((النهاية)) لابن الأثير (1/ 336). ، ولقد همَمْتُ بالصَّلاةِ فتُقامُ، ثمَّ آمُرُ رجُلًا يُصلِّي بالنَّاسِ، ثمَّ أنطلِقُ معي برِجالٍ معهم حُزمٌ مِن حطَبٍ إلى قومٍ لا يَشهدونَ الصَّلاةَ، فأُحرِّقُ عليهم بُيوتُهم بالنَّارِ)) [831] أخرجه البخاري (657)، ومسلم (651) واللفظ له. قال ابنُ رجب: (وهذا الحَدِيْث ظاهرٌ في وُجوبِ شُهودِ الجماعةِ في المساجدِ، وإجابةِ المنادي بالصَّلاةِ؛ فإنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أخبَر أنَّه هَمَّ بتحريقِ بُيوتِ المتخلِّفينَ عن الجماعةِ، ومِثلُ هذه العقوبةِ الشَّديدةِ لا تكونُ إلَّا على تركِ واجبٍ). ((فتح الباري)) (4/14). . 2- عن أبي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((أتَى النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رجُلٌ أعمى، فقال: يا رسولَ الله، إنَّه ليس لي قائدٌ يَقودني إلى المسجِدِ، فسألَ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أن يرخِّصَ له، فيُصلِّيَ في بيتِه، فرخَّص له، فلمَّا ولَّى دعاه، فقال: هلْ تَسمعُ النِّداءَ بالصَّلاةِ؟ قال: نعَم، قال: فأجِبْ)) [832] أخرجه مسلم (653). قال ابنُ المنذرِ: (ذِكرُ إيجابِ حُضورِ الجماعةِ على العُمْيانِ، وإنْ بعُدتْ منازلُهم عن المسجدِ، ويدُلُّ ذلك على أنَّ شُهودَ الجماعةِ فرضٌ لا ندبٌ). ((الأوسط)) (4/146). وقال ابنُ خُزَيْمةَ: (باب أمْر العُمْيانِ بشُهودِ صلاةِ الجماعةِ، وإنْ كانت منازِلُهم نائيةً عن المسجدِ، لا يُطاوِعُهم قائدوهم بإتيانِهم إيَّاهم المساجدَ، والدَّليلُ على أنَّ شُهودَ الجماعةِ فريضةٌ لا فضيلةٌ؛ إذْ غيرُ جائزٍ أن يُقالَ: لا رُخصةَ للمرءِ في تركِ الفضيلةِ). ((صحيح ابن خزيمة)) (2/368). . 3- عن أبي الدَّرداءِ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: سمِعتُ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ: ((ما مِن ثلاثةٍ في قريةٍ، ولا بَدْوٍ، لا تُقامُ فيهم الصَّلاةُ، إلَّا استحوذَ عليهم الشَّيطانُ؛ فعليكم بالجماعةِ؛ فإنَّما يأكُلُ الذِّئبُ القاصيةَ)) [833] أخرجه أبو داود (547)، والنسائي (847) واللفظ له، وأحمد (21710) . صحَّحه ابن خزيمة في ((صحيحه)) (3/19)، وابن حبان في ((صحيحه)) (2101)، وابن القيم في ((الفروسية)) (269)، وابنُ الملقِّنِ في ((البدر المنير)) (4/386). . ج- مِنَ الآثارِ عن عبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: (مَن سرَّه أن يَلْقَى اللهَ غدًا مسلمًا، فلْيُحافِظْ على هؤلاءِ الصَّلَواتِ حيثُ يُنادَى بهنَّ [834] قال ابنُ عُثيمين: ("حيث يُنادَى بهنَّ"، أي: في المكانِ الَّذي نادى به عليهِنَّ، أي: المسجد؛ وذلك لوُجوبِ صلاةِ الجماعةِ في المسجدِ، فلا يجوزُ لأحدٍ يقدِرُ على أن يصلِّيَ في المسجدِ إلَّا وجَب عليه إذا كان مِن أهلِ وُجوبِ الجماعةِ كالرِّجالِ). ((شرح رياض الصالحين)) (5/75). ؛ فإنَّ اللهَ شرَع لنبيِّكم صلَّى اللهُ عليه وسلَّم سُننَ الهدى، وإنهنَّ مِن سُنَن الهدى، ولو أنَّكم صليتُم في بُيوتِكم كما يُصلِّي هذا المتخلِّفُ في بَيتِه، لَتَركتُم سُنَّةَ نبيِّكم، ولو تركتُم سُنَّةَ نبيِّكم لضَلَلتُم، وما مِن رجُلٍ يتطهَّرُ فيُحسِنُ الطُّهورَ، ثمَّ يَعمِدُ إلى مسجدٍ مِن هذه المساجدِ، إلَّا كتَبَ الله له بكلِّ خطوةٍ يخطوها حسنةً، ويرفُعه بها درجةً، ويحطُّ عنه بها سيِّئةً، ولقد رأيتُنا وما يتخلَّف عنها إلَّا منافقٌ معلومُ النِّفاقِ، ولقد كان الرَّجلُ يُؤتَى به يُهادَى [835] يُهادَى بيْنَ الرَّجُلينِ: يَمشي بيْنَهما معتمِدًا عليهما؛ مِن ضَعفِه وتمايُلِه، أو يُمسِكُه رَجُلان مِن جانبيه بعَضُدَيْه يَعتمِدُ عليهما. ينظر: ((النهاية)) لابن الأثير (5/255)، ((شرح مسلم)) للنووي (5/156). بيْن الرَّجُلينِ حتَّى يُقامَ في الصَّفِّ) [836] أخرجه مسلم (654). . وَجهُ الدَّلالةِ: إخبارُ ابنِ مسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّه لم يكُن يتخلَّفُ عنها إلَّا منافقٌ معلومُ النِّفاقِ، وهذا دليلٌ على استقرارِ وُجوبِها عندَ المؤمنينَ، ولم يَعلَموا ذلك إلَّا مِن جِهةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ومعلومٌ أنَّ كلَّ أمرٍ كان لا يتخلَّفُ عنه إلَّا منافقٌ كان واجبًا على الأعيانِ [837] ((مجموع الفتاوى)) لابن تيميَّة (23/230). . وأمَّا التَّعليلُ: فالأمَّةُ مِن لَدُنْ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى يومِنا هذا واظبتْ عليها وعلى النَّكيرِ على تاركِها، والمواظبةُ على هذا الوجهِ دليلُ الوجوبِ [838] ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/155). .