موسوعة الآداب الشرعية

سادسًا: عَدَمُ الرُّجوعِ في الصَّدَقةِ


لا يَجوزُ الرُّجوعُ في الصَّدَقةِ بَعدَ أن يَقبِضَها المُتَصَدَّقُ عليه.
الدَّليلُ على ذلك مِن السُّنَّةِ والإجماعِ والآثارِ:
أ- مِنَ السُّنَّةِ
1- عن ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((مثَلُ الَّذي يرجِعُ في صَدَقَتِه كمَثَلِ الكَلبِ يَقيءٌ، ثمَّ يعودُ في قَيئِه فيأكُلُه))  [1418] أخرجه مسلم (1622). .
2- عن عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما: ((أنَّ عُمَرَ بنَ الخطَّابِ تصدَّقَ بفَرَسٍ في سبيلِ اللهِ، فوجَدَه يُباعُ، فأراد أن يَشتَرِيَه، ثم أتى النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فاستأمَرَه  [1419] استأمره: استشاره. يُنظر: ((لسان العرب)) (4/30). ، فقال: لا تَعُدْ في صَدَقَتِك. فبذلك كان ابنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما لا يَترُكُ أن يبتاعَ شيئًا تصدَّقَ به، إلَّا جَعَلَه صَدَقةً [1420] قال ابنُ حَجَرٍ: (أي: كان إذا اتَّفقَ له أن يَشتَريَ شَيئًا مِمَّا تَصَدَّقَ به لا يَترُكُه في مِلكِه حتَّى يَتَصَدَّقَ به، وكَأنَّه فَهِمَ أنَّ النَّهيَ عن شِراءِ الصَّدَقةِ إنَّما هو لمَن أرادَ أن يَتَمَلَّكَها لا لمَن يَرُدُّها صَدَقةً). ((فتح الباري)) (3/ 353). )  [1421] أخرجه البخاري (1489) واللفظ له، ومسلم (1621). .
ب- مِنَ الإجماعِ
نَقَل الإجماعَ على عَدَمِ جوازِ الرُّجوعِ في الصَّدَقةِ غيرُ واحدٍ [1422] ممن نقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ حَزمٍ، وابنُ حَجَرٍ العَسقَلانيُّ. قال ابنُ حزمٍ: (اتَّفقوا أنَّ أخذَ المتصدِّقِ بِغَيرِ حقٍّ ما تصدَّقَ به بعدَ أنْ قبَضَه المتصدَّقُ عليه؛ حرامٌ). ((مراتب الإجماع)) (ص: 97). وقال ابنُ حَجَرٍ: (أمَّا الصَّدقةُ فاتَّفقوا على أنَّه لا يجوزُ الرُّجوعُ فيها بعدَ القَبضِ). ((فتح الباري)) (5/235). .
ج- مِنَ الآثارِ
عن عُمَرَ بنِ الخطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: (مَن وهَبَ هِبةً لِصِلةِ رَحِمٍ، أو على وَجهِ صَدَقةٍ، فإنَّه لا يَرجِعُ فيها)  [1423] أخرجه من طرق مالك (4/1091)، والطحاوي في ((شرح مشكل الآثار)) (13/ 32)، والبيهقي (12155). صححه شعيب الأرناؤوط في تخريج ((شرح مشكل الآثار)) (13/32)، وصحَّح إسنادَه الألبانيُّ على شرط مسلم في ((إرواء الغليل)) (6/55). .
وأمَّا التَّعليلُ: فلأنَّها خرجَتْ عن مِلكِه على طريقِ الثَّوابِ، وابتغاءِ وَجهِ الله تعالى، ولا يصلُحُ الرُّجوعُ عن ذلك  [1424] ((كفاية الطالب الرباني)) لأبي الحسن المالِكي (2/333). .

انظر أيضا: