موسوعة الآداب الشرعية

ثالثًا: التَّصَدُّقُ من الجَيِّدِ وممَّا يُحِبُّ


يُستحَبُّ أن يتصَدَّقَ مِن الجَيِّدِ لا الرَّديءِ، ولا سيَّما إن كان ممَّا يحِبُّه المرءُ  [1395] قال ابنُ تيميَّةَ: (قال اللهُ تعالى: لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ [آل عمران: 92] ، فما كان أحَبَّ إلى المرءِ إذا تقرَّب به إلى اللهِ تعالى كان أفضَلَ له من غيرِه، وإن استوَيا في القيمةِ). ((مجموع الفتاوى)) (31/ 251). وقال ابنُ عاشورٍ: (المالُ المحبوبُ يختَلِفُ باختلافِ أحوالِ المتصَدِّقين ورَغَباتِهم، وسَعةِ ثَرَواتِهم. والإنفاقُ منه -أي: التَّصَدُّقُ- دليلٌ على سَخاءٍ لوَجهِ اللهِ تعالى، وفي ذلك تزكيةٌ للنَّفسِ من بقيَّةِ ما فيها من الشُّحِّ؛ قال تعالى: وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ، وفي ذلك صلاحٌ عظيمٌ للأمَّةِ؛ إذ تجودُ أغنياؤها على فُقَرائِها بما تَطمَحُ إليه نفوسُهم من نفائِسِ الأموالِ، فتشتَدُّ بذلك أواصِرُ الأخوَّةِ، ويهنَأُ عيشُ الجَميعِ). ((التحرير والتنوير)) (4/ 6). .
الدَّليلُ على ذلك مِن الكتابِ والسُّنَّةِ:
أ- مِنَ الكِتابِ
1- قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ [البقرة: 267] .
(يَحُثُّ اللهُ تعالى عبادَه المؤمنين على أن يُزكُّوا ويتصدَّقوا من أجوَدِ أموالِهم التي اكتَسَبوها حلالًا بالتِّجارةِ، وأمَرَهم أن يُنفِقوا من الثِّمارِ والزُّروعِ والرِّكازِ والمعادِنِ التي أخرَجها لهم سُبحانَه من الأرضِ، فكما منَّ عليهم بتيسيرِ الحُصولِ على ذلك، فلْيُنفِقوا منه شكرًا له عزَّ وجلَّ.
وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ أي: لا تَقصِدوا الرَّديءَ من أموالِكم فتتصَدَّقوا منه، وتُمسِكوا الجيِّد لأنفُسِكم؛ فإنَّ هذا ليس من العَدلِ في شيءٍ، ولكِنْ تصدَّقوا من الطيِّبِ الجيِّدِ، فإنَّكم لو كنتُم مكانَ آخِذِ الصَّدَقةِ والحالةُ هذه، فلستُم بآخِذيها إلَّا على وَجهِ التَّسامُحِ والتَّغاضي عن ذلك، فإنَّكم لكَراهتِكم إيَّاه تُغمِضون بَعضَ بَصَرِكم عنه؛ إذ لا يملأُ أعيُنَكم لرداءتِه، فاللهُ عزَّ وجلَّ أحقُّ أن يُبذَلَ لأجلِه أطايبُ المالِ؛ فإنَّه سُبحانَه طيِّبٌ لا يَقْبلُ إلَّا طيِّبًا.
وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ أي: اعلَموا -أيُّها النَّاسُ- أنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ غنيٌّ عنكم وعن أعمالِكم، ومنها صَدَقاتُكم، فلا حاجةَ له بها، وإنَّما أمَرَكم بها؛ رحمةً منه لكم، فنفْعُها عائدٌ إليكم؛ إذ يُغْني بها فقيرَكم، ويُقوِّي بها ضعيفَكم، ويُثيبُكم عليها.
واعلَموا أيضًا أنَّه سُبحانَه المحمودُ على جميعِ صِفاتِه وأفعالِه وأقوالِه وشَرعِه وقَدَرِه، ومن ذلك غناه، فإنَّه يُحمَدُ عليه سُبحانَه، ومن ذلك أيضًا ما يأمُرُكم به من الأوامِرِ الحميدةِ، والأخلاقِ الجميلةِ، وهو عزَّ وجلَّ يَحمَدُ مَن يَستحِقُّ الحَمدَ؛ فأثنَى على أنبيائِه ورسُلِه والصَّالحينَ مِن عبادِه.
كما أنَّ غِناه وحَمدَه يَأبيانِ قَبولَ الرَّديءِ، فإنَّ مَن يأخُذُه إمَّا أن يَقبلَه لحاجتِه إليه، وإمَّا أنَّ نفسَه لا تأباه؛ لعَدَمِ كمالِها وشَرَفِها، وأمَّا الغنيُّ عنه الكامِلُ الأوصافِ سُبحانَه، فإنَّه لا يَقبَلُه)  [1396] ((التفسير المحرر)) إعداد القسم العلمي بمؤسسة الدُّرَر السَّنيَّة (1/ 828، 829). .
2- قال تعالى: لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ [آل عمران: 92] .
(أي: لنْ تُدرِكوا الخيرَ الكثيرَ من اللهِ بتفضُّلِه عليكم بإدخالِكم الجَنَّةَ وصَرْفِ العذابِ عنكم -الَّذي يُطلَبُ بطاعةِ اللهِ وعبادتِه- حتَّى تُنفِقوا وتتصدَّقوا من أموالِكم التي تحبُّها قلوبُكم.
وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ أي: ومهما تُنفِقوا من شيءٍ من أموالِكم فإنَّ اللهَ ذُو عِلمٍ به، ويُجازي صاحبَه عليه جزاءَه في الآخِرةِ، ويُثيبُه على ما أنفَقَ  [1397] وفي هذا حثٌّ على تحرِّي الإخلاصِ في النَّفَقةِ؛ فاللهُ لا يَخفَى عليه شيءٌ من مقاصِدِ المنفِقين، ولا يَعْزُبُ عنه شيءٌ منه، حتَّى يُجازيَ صاحبَه عليه جزاءَه في الآخِرةِ. يُنظر: ((التفسير المحرر)) إعداد القسم العلمي بمؤسسة الدُّرَر السَّنيَّة (2/ 363).  [1398] ((التفسير المحرر)) إعداد القسم العلمي بمؤسسة الدُّرَر السَّنيَّة (2/ 361). .
عن أنَسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((كان أبو طلحةَ أكثَرَ الأنصارِ بالمدينةِ مالًا مِن نَخلٍ، وكان أحبُّ أموالِه إليه بَيْرُحَاءَ  [1399] بَيْرُحاءَ: اسمُ ماءٍ، أو حَديقةٍ، أو أرضٍ كانت لأبي طَلحةَ، وهيَ فَيْعُلى مِنَ البَراحِ، وهو المَكانُ المُتَّسِعُ الظَّاهرُ. يُنظر: ((جامع الأصول)) لابن الأثير (6/ 469)، ((الكاشف عن حقائق السنن)) للطيبي (5/ 1567)، ((إرشاد الساري)) للقسطلاني (3/ 50). ، وكانت مُستَقبِلةَ المسجِدِ، وكان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يدخُلُها ويَشرَبُ من ماءٍ فيها طيِّبٍ، قال أنَسٌ: فلمَّا أُنزِلَت هذه الآيةُ: لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ *آل عمران: 92*، قام أبو طَلحةَ إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: يا رسولَ اللهِ، إنَّ اللهَ تبارك وتعالى يقولُ: لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ، وإنَّ أحبَّ أموالي إليَّ بَيْرُحَاءُ، وإنَّها صَدَقةٌ للهِ، أرجو بِرَّها وذُخْرَها عندَ اللهِ، فضَعْها يا رسولَ اللهِ حيثُ أراك اللهُ. قال: فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: بَخْ  [1400] بَخْ: فيه لُغَتانِ: إسكانُ الخاءِ وكَسرُها مُنَوَّنًا، وهيَ كَلمةٌ يَقولُها المُتَعَجِّبُ مِنَ الشَّيءِ، وعِندَ المَدحِ والرِّضا بالشَّيءِ، وقد تُكَرَّرُ للمُبالغةِ، فيُقالُ: بَخْ بَخْ، فإن وصَلتَ جَرَرتَ ونَوَّنتَ فقُلتُ: بَخٍ بَخٍ، ورُبَّما شُدِّدَت. يُنظر: ((جامع الأصول)) لابن الأثير (6/ 470)، ((الكاشف عن حقائق السنن)) للطيبي (5/ 1567، 1568). ! ذلك مالٌ رابحٌ  [1401] مالٌ رابحٌ: أي: ذو رِبحٍ، كقَولِهم: ناصِبٌ، بمَعنى ذي نَصبٍ. وفي رِوايةٍ: ((ذلك مالٌ رائِحٌ)) [أخرجها البخاري (2318) من حديثِ أنَسِ بنِ مالكٍ رَضيَ اللهُ عنه]، أي: قريبٌ يروحُ خَيرُه، ليس بعازبٍ، وذلك من أنفَسِ ما يكونُ من الأموالِ وأحضَرِه نفعًا. يُنظر: ((أعلام الحديث)) للخطابي (2/ 787، 788). ، ذلك مالٌ رابِحٌ! وقد سَمِعْتُ ما قُلتَ، وإنِّي أرى أن تجعَلَها في الأقرَبينَ. فقال أبو طلحةَ: أفعَلُ يا رسولَ اللهِ. فقسَمها أبو طلحةَ في أقارِبِه وبني عَمِّه))  [1402] أخرجه البخاريُّ (2769)، ومسلمٌ (998) باختلافٍ يسيرٍ، وأحمدُ (12461) واللَّفظُ له. .
وعنِ ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: أصابَ عُمَرُ أرضًا بخَيبرَ، فأَتَى النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَستأمِرُه فيها، فقال: يا رَسولَ اللهِ، إِنِّي أصبتُ أرضًا بخَيبرَ لم أُصِبْ مالًا قَطُّ هو أنفَسُ عندي منه، فما تَأمُرُني به؟ قال: ((إن شِئتَ حَبَّستَ أصلَها، وَتَصَدَّقتَ بها، قال: فتَصَدَّقَ بها عُمَرُ؛ أنَّه لا يُباعُ أصلُها، ولا يُبتاعُ، ولا يُورَثُ، ولا يُوهَبُ، قال: فتَصَدَّقَ عُمَرُ في الفُقَراءِ، وفي القُربى، وفي الرِّقابِ، وفي سَبيلِ اللهِ، وابنِ السَّبيلِ، والضَّيفِ...)) الحديثَ  [1403] أخرجه البخاري (2737)، ومسلم (1632) واللفظ له. .
3- قال تعالى: لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ [البقرة: 177].
 (وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ أي: ومِنَ الأعمالِ الدَّاخِلةِ في مُسَمَّى البِرِّ: أن يُعطيَ العَبدُ المالَ وهو مُحِبٌّ له وراغِبٌ فيه، فيَدفَعُه صَدَقةً لأقارِبِه، وللصِّغارِ الذينَ فقَدوا آباءَهم وهم دونَ البُلوغِ ولا كاسِبَ لهم، وللمَساكينِ الذينَ لا يَجِدونَ ما يَكفيهم ويُغنيهم، وللمُسافِرِ المُجتازِ يُريدُ نَفقةً تُوصِلُه لمَوطِنِه، وللطَّالبينَ حاجةً مِمَّا يَعرِضُ لهم مِن سوءٍ، ولعِتقِ الرِّقابِ ونَحوِها ... أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ، أي: إنَّ أولئِك المُتَّصِفينَ بما سَبَقَ ذِكرُه مِن عَقائِدَ وأعمالٍ وأخلاقٍ، همُ الصَّادِقونَ في إيمانِهم؛ لأنَّ أعمالَهم قَد صَدَّقَت إيمانَهم، وهمُ المُتَّقونَ؛ لأنَّهم فعَلوا ما أمِرُوا به، واجتَنَبوا ما نُهُوا عنه)  [1404] ((التفسير المحرر)) إعداد القسم العلمي بمؤسسة الدُّرَر السَّنيَّة (1/ 492، 493). .
4- قال تعالى في الأبرارِ: وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا [الإنسان: 8-9] .
وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ أي: وهم في حالٍ يُحِبُّونَ فيها المالَ والطَّعامَ، لكِنَّهم قَدَّموا محَبَّةَ اللَّهِ على مَحَبَّةِ نُفوسِهم، ويَتَحَرَّونَ في إطعامِهم أولى النَّاسِ وأحوجَهم مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا، ويَقصِدونَ بإنفاقِهم وإطعامِهم وجهَ اللهِ تعالى، ويَقولونَ بلسانِ الحالِ: إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا أي: لا جَزاءً ماليًّا ولا ثَناءً قَوليًّا، إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا أي: شَديدَ الجهْمةِ والشَّرِّ قَمْطَرِيرًا أي: ضَنكًا ضيِّقًا فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ فلا يَحزُنُهمُ الفزَعُ الأكبَرُ، وتَتَلقَّاهمُ المَلائِكةُ هذا يَومَكُمُ الذي كُنتُم توعَدونَ وَلَقَّاهُمْ أي: أكرَمَهم وأعطاهم نَضْرَةً في وُجوهِهم وَسُرُورًا في قُلوبِهم، فجَمَعَ لهم بينَ نَعيمِ الظَّاهِرِ والباطِنِ  [1405] ((تيسير الكريم الرحمن)) للسعدي (ص: 901). .
ب- مِنَ السُّنَّةِ
1- عن أبي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((سألتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أيُّ العَمَلِ أفضَلُ؟ قال: إيمانٌ باللهِ، وجهادٌ في سَبيلِه. قُلتُ: فأيُّ الرِّقابِ أفضَلُ؟ قال: أغلاها ثمنًا، وأنفَسُها عِندَ أهلِها. قُلتُ: فإنْ لم أفعَلْ؟ قال: تُعينُ صانِعًا، أو تصنَعُ لأخرَقَ. قال: فإنْ لم أفعَلْ؟ قال: تَدَعُ النَّاسَ من الشَّرِّ؛ فإنَّها صَدَقةٌ تَصَدَّقُ بها على نفسِك)) [1406] أخرجه البخاري (2518) واللفظ له، ومسلم (84). .
2- عن عَوفِ بنِ مالِكٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((خَرَجَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وبيَدِه عَصًا، وقد عَلَّقَ رَجُلٌ قِنوَ حَشَفٍ  [1407] القِنوُ: العِذقُ بما فيه مِنَ الرُّطَبِ. والحَشَفُ: اليابسُ الفاسِدُ مِنَ التَّمرِ. وقيل: الضَّعيفُ الَّذي لا نَوى له كالشِّيصِ. يُنظر: ((النهاية)) لابن الأثير (1/ 391) و(4/ 116). ، فجَعَل يَطعُنُ في ذلك القِنوِ، فقال: لو شاءَ رَبُّ هذه الصَّدَقةِ تَصَدَّق بأطيَبَ مِن هذا، إنَّ رَبَّ هذه الصَّدَقةِ يَأكُلُ حَشَفًا يَومَ القيامةِ)) [1408] أخرجه أبو داودَ (1608)، والنَّسائيُّ (2493) واللَّفظُ له، وابن ماجه (1821). حسنه الألباني في ((صحيح سنن النسائي)) (2493)، وصحح إسناده الحاكم في ((المستدرك)) (3167)، وقواه ابن حجر في ((فتح الباري)) (1/615). وذهب إلى تصحيحه ابن خزيمة في ((صحيحه)) (4/183)، وابن حبان في ((صحيحه)) (6774). .
قال العَينيُّ: (يُستَفادُ مِنَ الحَديثِ أنَّ التَّمرَ الرَّديء لا يُؤخَذُ في الصَّدَقةِ، وأنَّه يَنبَغي للرَّجُلِ أن يَتَصَدَّقَ للهِ تعالى بأحسَنِ شَيءٍ عِندَه؛ حتَّى لا يَدخُلَ تَحتَ قَولِه تعالى: وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ  [1409] قال الصَّنعانيُّ: (وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ هو عامٌّ في كلِّ مكروهٍ، وإن كان سياقُ الآيةِ في جَعلِ البناتِ للهِ تعالى عمَّا يقولون). ((التحبير لإيضاح معاني التيسير)) (6/ 417). ، وأنَّ المُتَصَدِّقَ يُجازى يَومَ القيامةِ بنَظيرِ ما تَصَدَّق)  [1410] ((شرح أبي داود)) (6/ 316). .

انظر أيضا: