موسوعة الآداب الشرعية

ثانيًا: أن تَكونَ الصَّدَقةُ مِن كَسبٍ طَيِّبٍ


يَجِبُ أن تَكونَ الصَّدَقةُ مِن كَسبٍ طَيِّبٍ.
الدَّليلُ على ذلك مِن الكتابِ والسُّنَّةِ:
أ- مِنَ الكِتابِ
قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ * الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [البقرة: 267-268] .
قولُه: أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ يُستفادُ منه أنَّ المالَ الحرامَ لا يُؤمَرُ بالإنفاقِ منه؛ لأنَّه خبيثٌ؛ والله تعالى طَيِّبٌ لا يَقْبَلُ إلَّا طيِّبًا [1388] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين - الفاتحة والبقرة)) (3/341). .
ب- مِنَ السُّنَّةِ
1- عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((أيُّها النَّاسُ إنَّ اللهَ طيِّبٌ لا يَقبَلُ إلَّا طيِّبًا، وإنَّ اللهَ أمرَ المؤمنين بما أمَرَ به المرسَلينَ، فقال: يَاأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا [المؤمنون: 51] ، وقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ [البقرة: 172] ، ثمَّ ذَكَر الرَّجُلَ يُطيلُ السَّفَرَ أشعَثَ أغبَرَ، يمُدُّ يديه إلى السَّماءِ: يا ربِّ، يا ربِّ، ومَطعَمُه حرامٌ، ومَشرَبُه حرامٌ، ومَلبَسُه حرامٌ، وغُذِيَ بالحرامِ؛ فأنَّى يُستجابُ لذلك؟!)) [1389] أخرجه مسلم (1015). .
2- عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((مَن تصَدَّق بعَدلِ تَمرةٍ مِن كَسبٍ طَيِّبٍ، ولا يَقبَلُ اللهُ إلَّا الطَّيِّبَ، وإنَّ اللَّهَ يَتَقَبَّلُها بيَمينِه، ثُمَّ يُرَبِّيها لصاحِبِه كَما يُرَبِّي أحَدُكُم فَلُوَّه، حتَّى تَكونَ مِثلَ الجَبَلِ)) [1390] أخرجه البخاري (1410). .
وفي رِواية: ((ما تَصدَّقَ أحَدٌ بصَدَقةٍ مِن طَيِّبٍ -ولا يَقبَلُ اللهُ إلَّا الطَّيِّبَ- إلَّا أخذَها الرَّحمنُ بيَمينِه، وإن كانت تَمرةً، فتَربو في كَفِّ الرَّحمنِ حتَّى تَكونَ أعظَمَ مِنَ الجَبَلِ، كَما يُرَبِّي أحَدُكُم فَلُوَّه أو فصيلَه  [1391] الفَلُوُّ: المفطومُ، يقالُ: فَلَوتُه عن أمِّه، أي: فَطَمتُه. والفصيلُ: وَلَدُ النَّاقةِ إذا فُصِل عن أمِّه، وأصلُه من القَطعِ. ((الإفصاح)) لابن هبيرة (6/ 257). ) [1392] أخرجه مسلم (1014). .
قال ابنُ هُبَيرةَ: (في هذا الحَديثِ أنَّ اللَّهَ سُبحانَه أخبَرَنا أنَّه يَجزي المُتَصَدِّقينَ بأحسَنِ ما كانوا يَعمَلونَ، وهو سُبحانَه يَجزي المُتَصَدِّقينَ بالتَّمرةِ، حتَّى إنَّا لو قدَّرنا غَرسَ النَّواةِ -الَّتي هيَ أدنى ما فيها- في أزكى مَغرَسٍ فصارَت نَخلةً، ثُمَّ أثمَرَت، فغُرِسَ النَّوى الخارِجُ مِنها، فصارَ مِن كُلِّ نَواةٍ نَخلةٌ، ثُمَّ اتَّصَل للَّهِ إلى يَومِ القيامةِ، ثُمَّ حُسِبَ ذلك التَّمرُ في وقتِ التَّصَدُّقِ به بأوفرِ الأثمانِ في مَكانٍ لا يوجَدُ فيه غَيرُه، ثُمَّ يُشتَرى بالثَّمَنِ أرخَصَ ما يوجَدُ في مَوضِعِه، ثُمَّ بيعَ أعلى ما يوجَدُ حتَّى يَصيرَ مِثلَ أحُدٍ مِرارًا؛ فهذا مَعنى المُضاعَفةِ  [1393] قال عياضٌ: (قيل في تَزكيَتِها وتَعظيمِها حتَّى تَكونَ مِثلَ الجَبَلِ: إنَّ المُرادَ بذلك تَعظيمُ الأجرِ وتَضعيفُ الثَّوابِ، وقد يَصِحُّ أن يَكونَ على وَجهِه، وأن تَعظُمَ ذاتُها ويُبارِكَ اللهُ فيها، ويَزيدَها مِن فَضلِه؛ لتعظُمَ في الميزانِ وتَثقُلَ... وهذا الحَديثُ يُصَدِّقُه قَولُه تعالى: يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ [البقرة: 276] ). ((إكمال المعلم)) (3/ 537). .
وقَولُه: «مِن كَسبٍ طَيِّبٍ»؛ فإنَّ اللَّهَ تعالى إنَّما يُثيبُ العَبدَ على ما أنفقَ مِن مالِه، وإذا أنفقَ من مالٍ مَغصوبٍ لم يَكُنْ قد أنفَقَ مالَه، إنَّما أنفَقَ من مالِ غَيرِه؛ فلم يَكُنْ مِنَ المُنفِقينَ أموالَهم، كما قال عَزَّ وجَلَّ: الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ؛ فإذا أنفَقَ مِن مالِه فهو الذي يَأجُرُه اللهُ عليه، وذلك هو الكَسبُ الطَّيِّبُ، وهو الذي يَكسِبُه بالشَّرعِ، فقد طابَت طُرُقُ حُصولِه، ويَنبَغي له ألَّا يَزْدَريَ النَّذْرَ مِنَ الإنفاقِ؛ فإنَّه سَيَربو في التَّضعيفِ أضعافَ ما يَأمُلُ المُتَصَدِّقُ به)  [1394] ((الإفصاح عن معاني الصحاح)) (6/ 257). .

انظر أيضا: