تاسعًا: الوسائِلُ المعينةُ على العِفَّةِ
1- تقويةُ الإيمانِ؛ فالإيمانُ منبَعُ كلِّ فضيلةٍ وخُلُقٍ كريمٍ.
2- أن يتَّقيَ اللهَ في سِرِّه وعلانيتِه:
قال اللهُ تعالى:
وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ [الأنعام: 3] ويقولُ تعالى:
يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ [غافر: 19] ، قال
ابنُ عبَّاسٍ في قولِه تعالى:
يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ قال: (هو الرَّجُلُ يكونُ بينَ الرِّجالِ، فتمُرُّ بهم امرأةٌ فينظُرُ إليها، فإذا نظر إليه أصحابُه غَضَّ بصَرَه)
[6837] ((تفسير القرآن)) لأبي المظفر السمعاني (5/13). .
3- الإكثارُ من الدُّعاءِ:
وكان من دعاءِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((اللَّهُمَّ إنِّي أسألُك الهدى والتُّقى، والعفافَ والغِنى)) [6838] أخرجه مسلم (2721). . ومن ذلك أيضًا أن يدعوَ اللهَ بأن يصرِفَ عنه السُّوءَ والفحشاءَ. قال سُبحانَه وتعالى عن نبيِّه يوسُفَ عليه السَّلامُ:
وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ الْعَلِيمُ [يوسف: 33-34] ، قال
ابنُ تيميَّةَ: (فلا بدَّ من التَّقوى بفعلِ المأمورِ، والصَّبرِ على المقدورِ، كما فعَل يوسُفُ عليه السَّلامُ؛ اتَّقى اللهَ بالعِفَّةِ عن الفاحشةِ، وصبر على أذاهم له بالمراودةِ والحبسِ، واستعان اللهَ ودعاه حتى يثبِّتَه على العِفَّةِ، فتوكَّل عليه أن يَصرِفَ عنه كيدَهنَّ، وصبَر على الحبسِ)
[6839] ((مجموع الفتاوى)) لابن تَيميَّةَ (15/131). .
4- غَرسُ الفضيلةِ والعِفَّةِ في نفوسِ النَّاشئةِ.
4- المبادَرةُ إلى الزَّواجِ، أو الالتزامُ بالصَّومِ عندَ عدَمِ الاستطاعةِ:
فالزَّواجُ من أقوى الوسائِلِ المعينةِ على العفافِ؛ قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((يا مَعشَرَ الشَّبابِ، من استطاع منكم الباءةَ [6840] الباءةُ: الجِماعُ. يُنظَر: ((شرح النووي على مسلم)) (9/173). فليتزوَّجْ فإنَّه أغضُّ للبصَرِ، وأحصَنُ للفَرجِ، ومن لم يستطِعْ فعليه بالصَّومِ؛ فإنَّه له وِجاءٌ [6841] الوِجاءُ: هو رَضُّ الخُصيتَينِ، والمرادُ هنا أنَّ الصَّومَ يَقطَعُ الشَّهوةَ ويقطَعُ شَرَّ المنيِّ كما يفعَلُه الوِجاءُ. يُنظَر: ((شرح النووي على مسلم)) (9/173). ) [6842] رواه البخاري (5065)، ومسلم (1400) واللفظ له، من حديثِ عبد اللهِ بنِ مسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه. .
5- سدُّ الذَّرائعِ التي تؤدِّي إلى الفسادِ، ومنها:
- عدمُ الخَلوةِ بالمرأةِ الأجنبيَّةِ:
قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((..لا يخلوَنَّ رجُلٌ بامرأةٍ إلَّا كان ثالثُهما الشَّيطانَ)) [6843] رواه مطوَّلًا الترمذي (2165)، والحاكم (387) واللفظ لهما، وابن حبان (7254) باختلافٍ يسيرٍ من حديثِ عمَرَ بنِ الخطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنه. صحَّحه الترمذي، وابن حبان، والحاكم على شرط الشيخين، وابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (5/26)، والألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (2165). ورواه من طريقٍ آخَرَ: أحمد (177)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (9219)، وابن حبان (5586). صحَّحه ابن حبان، والألباني في ((صحيح الجامع)) (2546)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (177)، وصحَّح إسناده البوصيري في ((إتحاف الخيرة المهرة)) (7/335)، وأحمد شاكر في تخريج ((مسند أحمد)) (1/98). .
قال
ابنُ تيميَّةَ: (ولهذا حَرُمت الخلوةُ بالأجنبيَّةِ؛ لأنَّها مَظِنَّةُ الفتنةِ. والأصلُ أنَّ كُلَّ ما كان سببًا للفتنةِ فإنَّه لا يجوزُ؛ فإنَّ الذَّريعةَ إلى الفسادِ يجبُ سَدُّها إذا لم يعارضْها مصلحةٌ راجحةٌ؛ ولهذا كان النَّظرُ الذي يُفضي إلى الفتنةِ محرَّمًا إلَّا إذا كان لمصلحةٍ راجحةٍ، مثلُ: نظَرِ الخاطبِ، والطَّبيبِ، وغيرِهما؛ فإنَّه يباحُ النَّظرُ للحاجةِ، لكِنْ مع عدَمِ الشَّهوةِ)
[6844] ((مجموع الفتاوى)) لابن تَيميَّةَ (21/251). .
- عدَمُ التَّبرُّجِ:
قال تعالى:
وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى [الأحزاب: 33] .
- الاستئذانُ عندَ الدُّخولِ:
وقد جُعل الاستئذانُ من أجلِ البصرِ كما قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وقال سبحانَه:
يَا style='font-size:16.0pt;font-family:"Traditional Arabic",serif'> [النور: 27] .
- غَضُّ البَصرِ:
قال تعالى:
قُل font-family:"Traditional Arabic",serif'> [النور: 30] .
قال
ابنُ القيِّمِ: (فلمَّا كان غضُّ البصَرِ أصلًا لحِفظِ الفَرْجِ بدأ بذِكرِه... وقد جعَل اللهُ سُبحانه العينَ مرآةَ القلبِ، فإذا غضَّ العبدُ بصرَه غَضَّ القلبُ شهوتَه وإرادتَه، وإذا أطلق بصرَه أطلق القلبُ شَهوتَه)
[6845] ((روضة المحبين)) (ص:92). .
وعن أبي هُريرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((كُتِب على ابنِ آدمَ نصيبُه من الزِّنا، مُدرِكٌ ذلك لا محالةَ؛ فالعينانِ زِناهما النَّظَرُ، والأذُنانِ زناهما الاستماعُ، واللِّسانُ زناه الكلامُ، واليدُ زناها البطشُ، والرِّجلُ زناها الخُطا، والقلبُ يهوى ويتمنَّى، ويصَدِّقُ ذلك الفرجُ ويكَذِّبُه)) [6846] رواه البخاري (6243)، ومسلم (2657) واللفظ له. .
وكما قال الشَّاعرُ:
كلُّ الحوادثِ مبدؤُها من النَّظَرِ
ومعظَمُ النَّارِ من مُستصغَرِ الشَّرَرِ
والمرءُ ما دام ذا عينٍ يُقَلِّبُها
في أعينِ الغيرِ موقوفٌ على الخطَرِ
كم نظرةٍ فعلَت في قلبِ صاحبِها
فِعلَ السِّهامِ بلا قوسٍ ولا وَتَرِ
يَسُرُّ ناظرَه ما ضَرَّ خاطِرَه
لا مرحبًا بسرورٍ عاد بالضَّرَرِ
[6847] ((الكبائر)) للذهبي (59). - التَّفريقُ في المضاجعِ:
لا بُدَّ من التَّفريقِ في المضاجعِ بينَ الأولادِ، كما أمر بذلك النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((مُروا أولادَكم بالصَّلاةِ وهم أبناءُ سبعِ سنينَ، واضربوهم عليها وهم أبناءُ عَشرٍ، وفَرِّقوا بينهم في المضاجِعِ)) [6848] رواه أبو داود (495) واللفظ له، وأحمد (6689) من حديثِ عبدِ اللهِ بنِ عَمرٍو رَضِيَ اللهُ عنهما. صحَّحه ابن الملقن في ((البدر المنير)) (3/238)، وابن باز في ((مجموع الفتاوى)) (7/184)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (495)، وصحَّح إسناده أحمد شاكر في تخريج ((مسند أحمد)) (10/166)، وحسَّنه النووي في ((المجموع)) (3/10)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (495). .
(فهذا الحديثُ نصٌّ في النَّهيِ عن بدايةِ الاختلاطِ داخِلَ البيوتِ، إذا بلغ الأولادُ عشرَ سِنينَ فواجِبٌ على الأولياءِ التَّفريقُ بين أولادِهم في مضاجعِهم، وعدَمُ اختلاطِهم، لغَرسِ العِفَّةِ والاحتشامِ في نفوسِهم، وخوفًا من غوائِلِ الشَّهوةِ التي تؤدِّي إليها هذه البدايةُ في الاختلاطِ، ومن حام حولَ الحمى يوشِكُ أن يقَعَ فيه)
[6849] ((حراسة الفضيلة)) لبكر أبو زيد (ص: 129). .
- الابتعادُ عن أماكنِ اللَّهوِ والخلاعةِ والمنكَراتِ.
6- إقامةُ الحدودِ:
فإقامةُ الحدودِ تردَعُ من تسوِّلُ له نفسُه أن يرتكِبَ شيئًا من الموبِقاتِ.
7- استحضارُ الآثارِ السَّيِّئةِ والعواقِبِ الوخيمةِ المترتِّبةِ على عدَمِ العِفَّةِ.
8- مجاهدةُ النَّفسِ على اكتسابِ مكارمِ الأخلاقِ كالصَّبرِ والحياءِ والقناعةِ.