حادِيَ عَشَرَ: مَسائِلُ مُتَفرِّقةٌ
- القَويُّ مِن أسماءِ اللَّهِ تعالى، والقوَّةُ صِفةٌ ذاتيَّةٌ للَّهِ عَزَّ وجَلَّ ثابتةٌ بالكِتابِ العَزيزِ، وهي صِفةٌ تَقومُ بالقَويِّ، بحَيثُ يفعَلُ الفِعلَ بلا ضَعفٍ، والمُقابِلُ للقوَّةِ الضَّعفُ؛ فهو سُبحانَه وتعالى يخلُقُ المَخلوقاتِ العَظيمةَ مِن غَيرِ ضَعفٍ، لم يزَلْ ولا يزالُ قَويًّا، يقولُ اللَّهُ تعالى مُقَرِّرًا هذه الصِّفةَ العَظيمةَ:
وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ [ق: 38] ، يعني: مِن تَعَبٍ ولا ضَعفٍ، فهو القَويُّ ذو القوَّةِ الكامِلةِ
[7861] يُنظَر: ((تفسير ابن عثيمين: الفاتحة والبقرة)) (1/ 347)، ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (6/ 183)، ((صفات الله عزَّ وجَلَّ الواردة في الكتاب والسنة)) لعلوي السقاف (ص: 282). وينظر أيضًا: ((شأن الدعاء)) للخطابي (1/ 77)، .
والفائِدةُ المَسلَكيَّةُ في الإيمانِ بصِفةِ القوَّةِ أن لا نَطلُبَ القوَّةَ إلَّا مِنَ اللَّهِ تعالى، وأن نُؤمِنَ بأنَّ كُلَّ قوَّةٍ مَهما عَظُمَت فلن تُقابِلَ قوَّةَ اللَّهِ تعالى
[7862] ((شرح العقيدة الواسطية)) للعثيمين (1/ 205). ، وأيضًا أن نَعمَلَ على أن نَكونَ أقوياءَ.
- لا ينبَغي الاغتِرارُ بالقوَّةِ؛قال تعالى:
فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ * فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ [فصلت: 15-16] .
فعادٌ كانوا -مَعَ كُفرِهم باللَّهِ، وجَحْدِهم بآياتِ اللَّهِ، وكُفرِهم برُسُلِه- مُستَكبرينَ في الأرضِ، قاهرينَ لمَن حَولَهم مِنَ العِبادِ، ظالِمينَ لهم، قد أعجَبَتهم قوَّتُهم، وقالوا:
مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً؟! قال تعالى رَدًّا عليهم بما يعرِفُه كُلُّ أحَدٍ:
أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً؟! فلَولا خَلقُه إيَّاهم لم يوجَدوا، فلو نَظَروا إلى هذه الحالِ نَظَرًا صَحيحًا لم يغتَرُّوا بقوَّتِهم؛ فعاقَبَهمُ اللَّهُ عُقوبةً تُناسِبُ قوَّتَهم التي اغتَرُّوا بها.
فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا أي: ريحًا عَظيمةً، مِن قوَّتِها وشِدَّتِها لها صَوتٌ مُزعِجٌ، كالرَّعدِ القاصِفِ. فسَخَّرَها اللَّهُ عليهم
سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ [الحاقة: 7] نَحِساتٍ، فدَمَّرَتهم وأهلَكَتهم، فأصبَحوا لا يُرى إلَّا مَساكِنُهم. وقال هنا:
لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا الذي اختَزَوا به وافتَضَحوا بَينَ الخَليقةِ.
وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ، أي: لا يُمنَعونَ مِن عَذابِ اللَّهِ، ولا يَنفعونَ أنفُسَهم
[7863] ((تيسير الكريم الرحمن)) للسعدي (ص: 746). .
- قَولُ: (لا حَولَ ولا قوَّةَ إلَّا باللَّهِ) فيه تَفويضُ الحَولِ والقوَّةِ إلى اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ، ويتَضَمَّنُ هذا التَّفويضُ إثباتَ قُدرةِ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ وقَوَّتِه على تَحويلِ الأُمورِ مِن حالٍ إلى حالٍ، وعلى هذا فلا نَلجَأُ إلى تَغييرِها إلَّا إلى اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ
[7864] ((فتح ذي الجلال والإكرام)) لابن عثيمين (6/ 477). .
ومَعنى (لا حَولَ) لا تَحويلَ للعَبدِ عن مَعصيةِ اللَّهِ إلَّا بعِصمةِ اللَّهِ، ولا قوَّةَ له على طاعةِ اللَّهِ إلَّا بتَوفيقِ اللَّهِ، وقيلَ: مَعنى (لا حَولَ) لا حيلةَ، وهي كَلِمةُ استِسلامٍ وتَفويضٍ، وأنَّ العَبدَ لا يملِكُ مِن أمرِه شَيئًا، وليس له حيلةٌ في دَفع شَرٍّ ولا قوَّةٌ في جَلبِ خَيرٍ إلَّا بإرادةِ اللَّهِ تعالى
[7865] ((فتح الباري)) لابن حجر (11/ 500). .
- (واعلَمْ أنَّ اللَّهَ سُبحانَه قد رَكَّبَ في الإنسانِ ثَلاثَ قُوًى: إحداها: مَبدَأُ إدراكِ الحَقائِقِ، والشَّوقِ إلى النَّظَرِ في العَواقِبِ، والتَّمييزِ بَينَ المَصالحِ والمَفاسِدِ، والثَّانيةُ: مَبدَأُ جَذبِ المَنافِعِ، وطَلَبِ المَلاذِّ مِنَ المَآكِلِ والمَشارِبِ وغَيرِ ذلك، والثَّالثةُ: مَبدَأُ الإقدامِ على الأهوالِ، والشَّوقِ إلى التَّسَلُّطِ والتَّرَفُّعِ)
[7866] يُنظَر: ((التعريفات)) للجرجاني (ص: 179)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 718). .
- إذا كان لَدَينا رَجُلانِ أحَدُهما أمينٌ غَيرُ قَويٍّ، والثَّاني قَويٌّ غَيرُ أمينٍ، كُلٌّ مِنهما مَعيبٌ مِن وجهٍ، لَكِن في بابِ الإمارةِ يُفضَّلُ القَويُّ وإن كان فيه ضَعفٌ في الأمانةِ؛ لأنَّه أنفَعُ للنَّاسِ؛ فالنَّاسُ يحتاجونَ إلى سُلطةٍ وإلى قوَّةٍ، وإذا لم تَكُنْ قُوَّةٌ ولا سيَّما مَعَ ضَعفِ الدِّينِ، ضاعَتِ الأُمورُ
[7867] ((شرح رياض الصالحين)) (4/ 13). .