المَطْلَبُ الثَّالِثُ: تصديقُهم فيما أخبروا به والإيمانُ بأنَّهم بلَّغوا جميعَ ما أُرسِلوا به
قال اللهُ تعالى:
وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل: 36] .
قال
ابنُ كثيرٍ: (بعث تعالى في كُلِّ أمَّةٍ رَسولًا، أي: في كُلِّ قَرنٍ مِنَ النَّاسِ وطائفةٍ رَسولًا وكُلُّهم يدعو إلى عبادةِ اللهِ، وينهى عن عبادةِ ما سِواه:
أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فلم يزَلْ تعالى يُرسِلُ إلى النَّاسِ الرُّسُلَ بذلك منذ حدَث الشِّرْكُ في بني آدَمَ؛ في قَومِ نُوحٍ الذين أُرسِل إليهم نُوحٌ، وكان أوَّلَ رَسولٍ بعثه اللهُ إلى أهلِ الأرضِ إلى أن ختَمَهم بمُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الذي طَبقَت دَعوتُه الإنسَ والجِنَّ في المشارقِ والمغاربِ، وكُلُّهم كما قال اللهُ تعالى:
وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء: 25] ، وقال تعالى:
وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ [الزخرف: 45] )
[418] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (4/570). .
وقال
السَّعْديُّ: (يُخبِرُ تعالى أنَّ حُجَّتَه قامت على جميعِ الأُمَمِ، وأنَّه ما من أُمَّة متقَدِّمةٍ أو متأخِّرةٍ إلَّا وبعث اللهُ فيها رسولًا، وكُلُّهم مُتَّفِقون على دعوةٍ واحدةٍ ودينٍ واحدٍ، وهو عبادةُ الله وَحْدَه لا شريكَ له
أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ)
[419] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 440). .
قال
ابنُ تَيمِيَّةَ: (هو صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الصَّادِقُ المصدوقُ المُبَيِّنُ للنَّاسِ ما نُزِّل إليهم المبَلِّغُ لرِسالةِ رَبِّه المخاطِبُ لهم بلسانٍ عربيٍّ مُبينٍ. قال تعالى:
وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ [إبراهيم: 4] ، وقال تعالى:
إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [الزخرف: 3] ... وقال تعالى:
فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ [النحل: 35] ... فهذا ونحوُه مِمَّا يُبَيِّنُ أنَّ الرُّسُلَ عليهم أن يُبَلِّغوا البلاغَ المُبِينَ... ومعلومٌ أنَّ الرُّسُلَ فَعَلوا ما عليهم، بل قد أخذ اللهُ على أهلِ العِلمِ الميثاقَ بأن يُبَيِّنُوا العِلمَ ولا يَكتُموه، وذَمَّ كاتِميه، فقال تعالى:
وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ [آل عمران: 187] ، وقال تعالى:
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ [البقرة: 140] ، وقال تعالى:
إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ [البقرة: 159] ، فقد لعن كاتمَه وأخبر أنَّه بَيَّنه للنَّاسِ في الكِتابِ، فكيف يَكونُ قد بَيَّنه للنَّاسِ وهو قد كتم الحَقَّ وأخفاه وأظهَرَ خِلافَ ما أبطنَ؟ فلو سكت عن بيانِ الحَقِّ كان كاتمًا.
ومن نَسَب الأنبياءَ إلى الكَذِبِ والكِتمانِ مع كَونِه يقولُ: إنَّهم أنبياءُ، فهو من أشَرِّ المنافِقين وأخبَثِهم وأبيَنِهم تناقُضًا)
[420] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) (13/264). .
قال
ابنُ دقيقِ العيدِ: (الإيمانُ برُسُلِ اللهِ: هو التصديقُ أنَّهم صادِقون فيما أخبروا به عن اللهِ تعالى، أيَّدهم بالمُعْجِزاتِ الدَّالَّةِ على صِدقِهم، وأنَّهم بلَّغوا عن اللهِ رِسالاتِه، وبَيَّنوا للمُكَلَّفين ما أمرهم اللهُ به، وأنَّه يجبُ احترامُهم، وألَّا يُفَرَّقَ بين أحَدٍ منهم)
[421] يُنظر: ((شرح الأربعين النووية)) (ص: 30). .
وقال
ابنُ رَجَبٍ: (الإيمانُ بالرُّسُلِ يلزمُ منه الإيمانُ بجَميعِ ما أخبروا به من الملائكةِ، والأنبياءِ، والكِتابِ، والبَعثِ، والقَدَرِ، وغيرِ ذلك من تفاصيلِ ما أخبروا به من صِفاتِ اللهِ وصِفاتِ اليومِ الآخِرِ، كالميزانِ والصِّراطِ، والجَنَّةِ والنَّارِ)
[422] يُنظر: ((جامع العلوم والحكم)) (1/102). .
وقال
ابنُ حَجَرٍ: (الإيمانُ بالرُّسُلِ: التصديقُ بأنَّهم صادقون فيما أخبروا به عن اللهِ، ودَلَّ الإجمالُ في الملائِكةِ والكُتُبِ والرُّسُلِ على الاكتفاءِ بذلك في الإيمانِ بهم من غيرِ تفصيلٍ، إلَّا من ثبت تسميتُه، فيجبُ الإيمانُ به على التعيينِ)
[423] يُنظر: ((فتح الباري)) (1/ 118). .
وقال
ابن حجر الهيتمي في معنى الإيمانِ بالرُّسُلِ: (أرسلهم إلى الخَلقِ لهدايتِهم، وتكميلِ مَعاشِهم ومعادِهم، وأيَّدهم بالمُعْجِزاتِ الدَّالَّةِ على صِدْقِهم؛ فبلَّغوا عنه رسالتَه، وبَيَّنوا للمُكَلَّفين ما أُمروا ببيانِه، وأنَّه يَجِبُ احترامُ جميعِهم، ولا نُفَرِّقُ بين أحدٍ منهم... وأنَّه تعالى نزَّههم عن كُلِّ وَصمةٍ ونَقصٍ)
[424] يُنظر: ((الفتح المبين بشرح الأربعين)) (ص: 160). .
وقال صُنعُ اللهِ الحلبيُّ الحنفيُّ: (الإيمانُ بالرُّسُلِ: أن تُصَدِّقَ بأنَّهم صادِقون فيما أخبروا به عن اللهِ تعالى، وأنَّ الله تعالى أيَّدهم بالمُعْجِزاتِ الدَّالَّةِ على صِدْقِهم، وأنَّهم بلَّغوا عن اللهِ رسالتِه، وبيَّنوا للمُكَلَّفين ما أمرهم ببيانِه، وأنَّه يَجِبُ احترامُهم، وألَّا نُفَرِّقَ بين أحدٍ منهم)
[425] يُنظر: ((سيف الله على من كذب على أولياء الله)) (ص: 107). .
وقال
علي القاري: (فُرِض علينا الإيمانُ بهم وتصديقُهم في أخبارِهم)
[426] يُنظر: ((ضوء المعالي على منظومة بدء الأمالي)) (ص: 68). .
وقال
حافِظٌ الحَكَميُّ مُبَيِّنًا معنى الإيمانِ بالرُّسُلِ: (هو التصديقُ الجازمُ بأنَّ اللهَ تعالى بعث في كُلِّ أُمَّةٍ رَسولًا منهم يدعوهم إلى عبادةِ اللهِ وَحْدَه، والكُفرِ بما يُعبَدُ مِن دُونِه، وأنَّ جميعَهم صادِقون مُصَدَّقون بارُّون راشِدون كِرامٌ بَرَرةٌ أتقِياءُ أُمَناءُ هُداةٌ مُهتَدونَ، وبالبراهينِ الظَّاهِرةِ والآياتِ الباهِرةِ من رَبِّهم مُؤَيَّدون، وأنَّهم بلَّغوا جميعَ ما أرسلهم اللهُ به، لم يَكتُموا ولم يُغَيِّروا، ولم يزيدوا فيه من عند أنفُسِهم حَرفًا ولم يَنقُصوه،
فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ [النحل: 35] ، وأنَّهم كلَّهم على الحَقِّ المُبِينِ، وأنَّ اللهَ تعالى اتَّخذ إبراهيمَ خليلًا، واتَّخذ مُحَمَّدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم خليلًا، وكلَّم موسى تكليمًا، ورفع إدريسَ مكانًا عليًّا، وأنَّ عيسى عبدُ اللهِ ورَسولُه وكَلِمَتُه ألقاها إلى مريمَ ورُوحٌ منه، وأنَّ اللهَ فَضَّل بَعضَهم على بعضٍ، ورفع بَعْضَهم دَرَجاتٍ)
[427] يُنظر: ((أعلام السنة المنشورة)) (ص: 48). .
وقال
ابنُ عُثَيمين: (الإيمانُ بالرُّسُلِ يَتضَمَّنُ أربعةَ أُمورٍ:
الأوَّلُ: الإيمانُ بأنَّ رِسالتَهم حَقٌّ مِنَ اللهِ تعالى، فمن كفَرَ برِسالةِ واحدٍ منهم فقد كفر بالجميعِ...
الثَّالِثُ: تصديقُ ما صَحَّ عنهم من أخبارِهم)
[428] يُنظر: ((مجموع فتاوى ابن عثيمين)) (5/ 124). .