المَطلَبُ الثَّالِثُ: دَوَرانُ السَّماءِ وانفِطارُها وتَشَقُّقُها
قال اللهُ تعالى:
يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا [الطور: 9].
قال
البَغَويُّ: (
يَومَ تَمورُ السَّماءُ مَوْرًا أي: تَدورُ كدَوَرانِ الرَّحى وتَتَكَفَّأ بأهلِها تَكفُّؤَ السَّفينةِ. قال قتادةُ: تَتَحَرَّك. قال عَطاءٌ الخُراسانيُّ: تَختَلِفُ أجزاؤُها بَعضُها في بَعضٍ: وقيلَ: تَضطَرِبُ، والمورُ يَجمَعُ هذه المَعاني، فهو في اللُّغةِ: الذَّهابُ والمَجيءُ والتَّرَدُّدُ والدَّوَرانُ والِاضطِرابُ)
[3273] يُنظر: ((تفسير البغوي)) (4/ 290). .
وقال
السَّعديُّ: (
يَومَ تَمورُ السَّماءُ مورًا أي: تَدورُ السَّماءُ وتَضطَرِبُ، وتَدومُ حَرَكَتُها بانزِعاجٍ وعَدَمِ سُكونٍ)
[3274] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 814). .
قال
ابنُ عُثَيمين: (قَولُه:
يَومَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْرًا قد يَظُنُّ ظانٌّ أنَّ المَصدَرَ هنا (مَوْرًا) لمُجَرَّدِ التَّوكيدِ، ولَكِنَّه ليس كذلك بَل هو لبَيانِ تَعظيمِ هذا المَوقِفِ، والمورُ بمَعنى: الِاضطِرابِ، أي: أنَّ السَّماءَ تَضطَرِبُ وتَتَشَقَّقُ وتَتَفَتَّحُ وتَختَلِفُ عَمَّا هيَ اليَومَ عليه، كما قال تعالى:
إذا السَّماءُ انفَطَرَتْ * وإذا الكَواكِبُ انتَثَرَتْ * وإذا البِحارُ فُجِّرَتْ * وإذا القُبورُ بُعْثِرَتْ * عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ [الِانفِطارُ:1-5] ولا إنسانَ يَتَصَوَّرُ أو يَعلَمُ حَقيقةَ ذلك اليَومِ، ولَكِنَّنا نَعلَمُ المَعنى بما أخبَرَ اللهُ به عنه، أمَّا الحَقيقةُ فهيَ شَيءٌ فوقَ ما نَتَصَوَّرُه الآنَ)
[3275] يُنظر: ((لقاء الباب المفتوح)) (رقم اللقاء: 158). .
وقال اللهُ سُبحانَه:
إِذَا السَّمَاءُ انفَطَرَتْ [الانفطار: 1].
قال ابنُ عَطِيَّةَ: (انفِطارُ السَّماءِ: تَشَقُّقُها على غَيرِ نِظامٍ مَقصودٍ، إنَّما هو انشِقاقٌ لتَزُولَ بِنْيَتُها)
[3276] يُنظر: ((تفسير ابن عطية)) (5/ 446). .
وقال اللهُ عَزَّ وجلَّ:
إِذَا السَّمَاءُ انشَقَّتْ وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ [الانشقاق: 1-2] .
قال
ابنُ جَريرٍ: (يَقولُ تعالى ذِكرُه: إذا السَّماءُ تَصَدَّعَت وتَقَطَّعَت فكانت أبوابًا. قَولُه:
وأَذِنَتْ لرَبِّها وحُقَّتْ [الِانشِقاقُ: 2] يَقولُ: وسَمِعَتِ السَّمَواتُ في تَصدُّعِها وتَشَقُّقِها لرَبِّها، وأطاعَت له في أمرِه إيَّاها. والعَرَبُ تَقولُ: أُذِنَ لَك في هذا الأمرِ إذْنًا بمَعنى: استَمَعَ لَك، ومنه الخَبَرُ الذي رُوِيَ عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((ما أذِنَ اللهُ لشَيءٍ كأَذَنِه لنَبيٍّ يَتَغَنَّى بالقُرآنِ )) [3277] أخرجه البخاري (5023)، ومسلم (792) واللفظ له من حديث أبي هريرة رضي الله عنه يَعني بذلك: ما استَمَعَ اللهُ لشَيءٍ كاستِماعِه لنَبيٍّ يَتَغَنَّى بالقُرآنِ)
[3278] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (24/ 230). .
وقال
السَّمعانيُّ: (يُقالُ: انشَقَّت بالغَمامِ، مِثلُ قَولِه تعالى:
ويَومَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بالغَمَامِ وقد ذَكَرنا، وقيلَ: انشَقَّت لنُزولِ المَلائِكةِ. وفي تَفسيرِ النَّقَّاشِ: انشَقَّت لنُزولِ الرَّبِّ عَزَّ اسمُه)
[3279] يُنظر: ((تفسير السمعاني)) (6/ 186). .
وقال
البِقاعي: (أي: فصارَتْ واهيةً، وفُتِحَت أبوابًا فتَخرَّبَت وتَهَدَّمت، وذلك بَعدَ القيامِ من القُبورِ كما مَضى في الحاقَّةِ عن إحدى رِوايَتي
ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ الله عنهما)
[3280] يُنظر: ((نظم الدرر)) (8/ 367). .
وقال اللهُ تعالى:
وَانشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ [الحاقة: 16] .
قال
ابنُ الجَوزيِّ: (انشَقَّتِ السَّماءُ لنُزولِ مَن فيها من المَلائِكةِ، فهيَ يومَئِذٍ واهيةٌ، فيه قَولانِ: أحَدُهما: أنَّ وَهْيَها: ضَعْفُها وتَمَزُّقُها من الخَوفِ، قاله مُقاتِلٌ. والثَّاني: أنَّه تَشَقُّقُها، قاله الفَرَّاءُ)
[3281] يُنظر: ((تفسير ابن الجوزي)) (4/ 330). .
وقال النَّسَفيُّ: (
وانشَقَّتِ السَّماءُ فُتِحَتْ أبوابًا
فهيَ يومَئِذٍ وَاهِيَةٌ مُستَرخِيَةٌ ساقِطةُ القوَّةِ بَعدَ ما كانت مُحكَمةً)
[3282] يُنظر: ((تفسير النسفي)) (3/ 530). .
وقال
السَّعديُّ: (أمَّا ما يُصنَعُ بالسَّماءِ، فإنَّها تَضطَرِبُ وتَمورُ وتَتَشَقَّقُ ويَتَغَيَّرُ لَونُها، وتَهِي بَعدَ تلك الصَّلابةِ والقوَّةِ العَظيمةِ، وما ذاك إلَّا لأمرٍ عَظيمٍ أزعَجَها، وكَرْبٍ جَسِيمٍ هائِلٍ أوهاها وأضعَفَها!)
[3283] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 883). .
وقال اللهُ سُبحانَه:
فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ [الرحمن: 37].
قال
ابنُ جَريرٍ: (يَقولُ تعالى ذِكرُه: فإذا انشَقَّتِ السَّماءُ وتَفَطَّرَت، وذلك يَومَ القيامةِ، فكان لَونُها لَونَ البِرْذَونِ الوَردِ الأحمَرِ، وبِنَحوِ الذي قُلْنا في ذلك قال أهلُ التَّأويلِ)
[3284] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/ 226). .
وقال
الماوَرديُّ: (زَعَمَ المُتَقَدِّمونَ أنَّ أصْلَ لَونِ السَّماءِ الحُمرةُ، وأنَّها لكَثرةِ الحَوائِلِ وبُعْدِ المَسافةِ تُرى بهذا اللونِ الأزرَقِ، وشَبَّهوا ذلك بعُروقِ البَدنِ هيَ حَمراءُ كحُمرةِ الدَّمِ، وتُرى بالحائِلِ زَرقاءَ، فإن كان هذا صَحيحًا فإنَّ السَّماءَ لقُربِها من النَّواظِرِ يَومَ القيامةِ وارتِفاعِ الحَواجِزِ تُرى حَمراءَ؛ لأنَّه أصلُ لَونِها)
[3285] يُنظر: ((تفسير الماوردي)) (5/ 436). .
وقال
القُرطُبيُّ: (قَولُه تعالى:
فإذا انشَقَّتِ السَّماءُ أي: انصَدَعَت يَومَ القيامةِ
فكانت وردةً كالدِّهانِ الدِّهانُ الدُّهنُ، عن مُجاهدٍ والضَّحَّاكِ وغَيرِهما. والمَعنى أنَّها صارَت في صَفاءِ الدُّهنِ، والدِّهانُ على هذا جَمعُ دُهنٍ. وقال سَعيدُ بنُ جُبَيرٍ وقتادةُ: المَعنى: فكانت حَمراءَ. وقيلَ: المَعنى تَصيرُ في حُمرةِ الوَردِ وجَرَيانِ الدُّهنِ، أي: تَذوبُ مَعَ الِانشِقاقِ حَتَّى تَصيرَ حَمراءَ من حَرارةِ نارِ جَهنَّمَ، وتَصيرُ مِثلَ الدُّهنِ لرِقَّتِها وذَوَبانِها)
[3286] يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (17/ 173). .
وقال
الشَّوكانيُّ: (
فإذا انشَقَّتِ السَّماءُ أي: انصَدَعَت بنُزولِ المَلائِكةِ يَومَ القيامةِ، فكانت وردةً كالدِّهانِ، أي: كوردةٍ حَمراءَ)
[3287] يُنظر: ((تفسير الشوكاني)) (5/ 165). .
وقال
ابنُ عاشور: (الوَردةُ: واحِدةُ الوَردِ، وهو زَهرٌ أحمَرُ من شَجَرةٍ دَقيقةٍ ذاتِ أغصانٍ شائِكةٍ تَظهَرُ في فصلِ الرَّبيعِ، وهو مَشهورٌ. ووَجهُ الشَّبَه قِيلَ: هو شِدَّةُ الحُمرةِ، أي: يَتَغَيَّرُ لَونُ السَّماءِ المَعروفِ أنَّه أزرَقُ إلى البَياضِ، فيَصيرُ لَونُها أحمَرَ، قال تعالى:
يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ [إبراهيم: 48] . ويَجوزُ عِندي: أن يَكونَ وجهُ الشَّبَهِ كثرةُ الشُّقوقِ كأوراقِ الوَردةِ. والدِّهانُ، بكِسرِ الدَّالِ: دُرْدِيُّ الزَّيتِ. وهذا تَشبيهٌ ثانٍ للسَّماءِ في التَّمَوُّجِ والِاضطِرابِ)
[3288] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/ 261). .