المَطْلَبُ الرَّابعُ: آنيَةُ طَعامِ أهلِ الجَنَّةِ وشَرابُهم
قال اللهُ تعالى:
يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ [الزخرف: 71] .
قال
ابنُ جَريرٍ: (يَقُولُ تعالى ذِكرُه: يُطافُ على هَؤُلاءِ الَّذينَ آمَنُوا بآياتِه في الدُّنيا إذا دَخَلُوا الجَنَّةَ في الآخِرةِ بصِحافٍ مِن ذَهَبٍ، وهي جَمعٌ لِلكَثيرِ مِنَ الصَّحفةِ، والصَّحفةُ: القَصْعةُ... وقَولُه:
وَأَكْوَابٍ وهي جَمعُ كُوبٍ، والكُوبُ: الإبريقُ المُستَديرُ الرَّأسِ، الَّذي لا أُذُنَ لَه ولا خُرطُومَ)
[4809] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (20/ 643). .
وقال اللهُ سُبحانَه:
وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ [الإنسان: 17-18] .
قال
ابنُ كَثيرٍ: (
وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ... والأكوابُ: هي الكيزانُ الَّتي لا عُرى لَها ولا خَراطيمَ، والأباريقُ بخِلافِها لَها عُرًى وخَراطيمُ، والكَأسُ هو القَدحُ فيه الشَّرابُ، وقال تعالى:
وَكَأْسًا دِهَاقًا [النَّبأُ: 34] . أي: مَلأى مُترَعةٌ، ليسَ فيها نَقصٌ)
[4810]يُنظر: ((البداية والنهاية)) (20/ 327). .
وقال اللهُ عَزَّ وجَلَّ:
وَيُطَافُ عَلَيْهِم بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا [الإنسان: 15-16] .
قال
ابنُ القيِّمِ: (القَواريرُ هي الزُّجاجُ، فأخبَرَ سُبحانَه وتعالى عَن مادَّةِ تِلكَ الآنيةِ أنَّها مِنَ الفِضَّةِ، وأنَّها بصَفاءِ الزُّجاجِ وشَفافيَّتِه، وهذا مِن أحسَنِ الأشياءِ وأعجَبِها، وقَطَعَ سُبحانَه تَوهُّمَ كَونِ تِلكَ القَواريرِ مِن زُجاجٍ، فقال:
قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قال مُجاهِدٌ وقَتادةُ ومُقاتِلٌ والكَلبيُّ والشَّعبيُّ: قَواريرُ الجَنَّةِ مِنَ الفِضَّةِ، فاجتَمَعَ لَها بياضُ الفِضَّةِ وصَفاءُ القَواريرِ... وقَولُه:
قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا التَّقديرُ: جَعْلُ الشَّيءِ بقَدْرِ مَخصُوصٍ، فقدرَتِ الصناعُ هذه الآنيَّةَ على قَدرِ رِيِّهم، لا يَزيدُ عليه ولا يَنقُصُ مِنه، وهذا أبلَغُ في لَذَّةِ الشَّارِبِ، فلَو نَقَصَ عَن رِيِّه لنَقصَ التِذاذُه، ولَو زادَ حَتَّى يَشمَئِزَّ مِنه حَصَلَ لَه ملالةٌ وسَآمةٌ مِنَ الباقي)
[4811] يُنظر: ((حادي الأرواح)) (ص: 194). .
وقال
السَّعْديُّ: (يُطافُ على أهلِ الجَنَّةِ، أي: يَدُورُ عليهمُ الخَدَمُ والوِلْدانُ
بَآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرا * قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ أي: مادَّتُها مِن فِضَّةٍ، وهي على صَفاءِ القَواريرِ، وهذا مِن أعجَبِ الأشياءِ؛ أن تَكُونَ الفِضَّةُ الكَثيفةُ مِن صَفاءِ جَوهَرِها وطيبِ مَعدِنِها على صَفاءِ القَواريرِ.
قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا أي: قَدَّرُوا الأوانيَ المَذكُورةَ على قَدْرِ رِيِّهم، لا تَزيدُ ولا تَنقُصُ؛ لِأنَّها لَو زادَت نَقَصَت لَذَّتُها، ولَو نَقَصَت لَم تَفِ برِيِّهم. ويُحتَمَلُ أنَّ المُرادَ: قَدَّرَها أهلُ الجَنةِ بنُفُوسِهم بمِقدارٍ يُوافِقُ لَذَّاتِهم، فأتَتْهم على ما قَدَّرُوا في خَواطِرِهم)
[4812] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 901). .
وعَن حُذَيفةَ بنِ اليَمانِ رَضِيَ اللهُ عَنهما أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((لا تَشرَبُوا في آنِيَةِ الذَّهَبِ والفِضَّةِ، ولا تَأكُلُوا في صِحافِها؛ فإنَّها لَهم في الدُّنيا ولَنا في الآخِرةِ )) [4813] أخرجه البخاري (5426) واللَّفظُ له، ومسلم (2067). .
قال
ابنُ رَجَبٍ: (إنَّ اللهَ عَزَّ وجَلَّ حَرَّم على عِبادِه أشياءَ مِن فُضُولِ شَهواتِ الدُّنيا وزينَتِها وبهجَتِها؛ حيثُ لَم يَكُونُوا مُحتاجينَ إليه، وادَّخَرَه لَهم عِندَه في الآخِرةِ، وقَد وقَعَتِ الإشارةُ إلى هذا بقَولِه عَزَّ وجَلَّ:
وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ إلى قَولِه:
وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ [الزخرف: 33 - 35] .
وصَحَّ عَنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قال:
((مَن لَبِسَ الحَريرَ في الدُّنيا لَم يَلبَسْه في الآخِرةِ )) [4814] أخرجه البخاري (5832)، ومسلم (2073) واللَّفظُ له من حديث أنس رَضِيَ اللهُ عنه. ،
((ومَن شَرِبَ الخَمرَ في الدُّنيا لَم يَشرَبْها في الآخِرةِ )) [4815] أخرجه مسلم (2003) من حديث عبد الله بن عمر رَضِيَ اللهُ عنهما. . وقال:
((لا تَلبَسُوا الحَريرَ ولا الدِّيباجَ، ولا تَشرَبُوا في آنيةِ الذَّهَبِ والفِضَّةِ، ولا تَأكُلُوا في صِحافِهما؛ فإنَّها لَهم في الدُّنيا، ولَكم في الآخِرةِ )) [4816] أخرجه البخاري (5426)، ومسلم (2067) باختلافٍ يسيرٍ من حديث حذيفة بن اليمان رَضِيَ اللهُ عنه. [4817] يُنظر: ((جامع العلوم والحكم)) (2/ 189). .
وقال
ابنُ باز: (نَهى صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عَنِ الشُّربِ في آنيةِ الفِضَّةِ والأكلِ فيها، وقال:
((إنَّها لَهم في الدُّنيا ولَكم في الآخِرةِ))؛ فإنَّ الكُفْرةَ في الدُّنيا لا يَتَورَّعُونَ عَنِ الحِرامِ، أمَّا المُؤمِنونَ فإنَّها لَهم في الآخِرةِ، يَشرَبُونَ في آنيةِ الذَّهَبِ والفِضَّةِ في الآخِرةِ)
[4818] يُنظر: ((الإفهام)) (ص: 780). .