موسوعة التفسير

سورةُ الإنسانِ
الآيات (13-18)

ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ

غريب الكلمات:

الْأَرَائِكِ: جمعُ أريكةٍ، وهي السَّريرُ في الحِجَالِ، وتسميتُها بذلك إمَّا لِكَونِها في الأرضِ مُتَّخَذةً مِن أراكٍ، وهو شجرةٌ، أو لِكَونِها مكانًا للإقامةِ، مِن قَولِهم: أَرَكَ بالمكان أُرُوكًا، وأصلُ الأُرُوكِ: الإقامةُ على رعْيِ الأَراكِ، ثمَّ تُجُوِّزَ به في غيرِه مِن الإقاماتِ، و(أرك) أصْلانِ: أحدُهما شَجَرٌ، والآخَرُ الإقامةُ [147] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 267)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 68)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (1/83)، ((المفردات)) للراغب (ص: 73)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 213)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 218). قال ابن عاشور: (الأريكةُ: سريرٌ عليه وِسادةٌ، معها سَتْرٌ وهو حَجَلَتُه، والحَجَلةُ: ظُلَّةٌ تُنصَبُ فوقَ السَّريرِ لِتَقيَ الحَرَّ والشَّمسَ، ولا يُسَمَّى السَّريرُ أريكةً إلَّا إذا كان معه حَجَلةٌ. وقيل: كُلُّ ما يُتوسَّدُ ويُفتَرَشُ مِمَّا له حَشوٌ: يُسَمَّى أريكةً، وإنْ لم تكُنْ له حَجَلةٌ). ((تفسير ابن عاشور)) (29/388، 389). .
زَمْهَرِيرًا: أي: بَردًا شديدًا [148] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (23/552)، ((تفسير القرطبي)) (19/137)، ((تفسير ابن كثير)) (8/290). .
وَدَانِيَةً: أي: قَريبةً، وأصل الدُّنُوِّ: القُرْبُ بالذَّاتِ أو بالحُكْمِ، ويُستعمَلُ في المكانِ والزَّمانِ والمَنزِلةِ [149] يُنظر: ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 384)، ((المفردات)) للراغب (ص: 318)، ((تفسير الشوكاني)) (5/425)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 453). .
قُطُوفُهَا: أي: ثِمارُها، جمعُ قِطْفٍ، وهو ما قُطِف مِن ثِمارِها، وقيل: القِطفُ: هو العُنقودُ مِن النَّخلِ والعنبِ، وأصلُ (قطف): يدُلُّ على أخْذِ ثَمَرةٍ مِن شَجَرةٍ [150] يُنظر: ((مجاز القرآن)) لأبي عبيدة (2/280)، ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 503)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/103)، ((المفردات)) للراغب (ص: 678)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 413)، ((تفسير ابن جزي)) (2/438)، ((تحفة الأريب)) لأبي حيان (ص: 264). .
قَوَارِيرَ: جَمعُ قارورةٍ، وهي: ما قَرَّ فيه الشَّرابُ ونَحوُه مِن كُلِّ إناءٍ رقيقٍ صافٍ كالزُّجاجِ، وأصلُ (قرر) هنا: يدُلُّ على تمكُّنٍ [151] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (23/554)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/7)، ((المفردات)) للراغب (ص: 663)، ((تفسير القرطبي)) (19/140)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (21/145). .
قَدَّرُوهَا: أي: أتوا بها على قَدرِ رِيِّهم، بغيرِ زيادةٍ ولا نُقصانٍ، وأصلُ (قدر): يدُلُّ على مَبْلَغِ الشَّيءِ وكُنهِه ونهايتِه [152] يُنظر: ((معاني القرآن)) للفراء (3/217)، ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 503)، ((تفسير ابن جرير)) (23/557-559)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/62)، ((التحصيل)) للمهدوي (6/549). .
سَلْسَبِيلًا: السَّلْسَبيلُ: الشَّرابُ السَّهلُ اللَّذيذُ، يقالُ: هذا شرابٌ سَلِسٌ وسَلْسَالٌ وسَلْسَلٌ وسَلْسَبِيلٌ بمعنًى، أي: طيِّبُ الطَّعمِ، لذيذُه، سهلُ المساغِ [153] يُنظر: ((معاني القرآن)) للفراء (3/217)، ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 503)، ((تفسير ابن جرير)) (23/561-564)، ((التحصيل)) للمهدوي (6/550)، ((المفردات)) للراغب (ص: 418، 419)، ((تفسير الرازي)) (30/752)، ((تفسير القرطبي)) (19/142)، ((تحفة الأريب)) لأبي حيان (ص: 170). قال ابن عاشور: (قيل: مشتقٌّ مِن السَّلاسةِ، وهي السهولةُ واللينُ، فيُقالُ: ماءٌ سلسلٌ، أي: عذبٌ باردٌ، قيل: زِيدَتْ فيه الباءُ والياءُ، أي: زيدتا في أصلِ الوضعِ على غيرِ قياسٍ... ومعنى تُسَمَّى على هذا الوجهِ، أنها تُوصَفُ بهذا الوصفِ حتَّى صار كالعَلَمِ لها... ومِن المفسِّرينَ مَن جعَل التَّسميةَ على ظاهرِها، وجعَل سَلْسَبِيلًا علمًا على هذه العينِ، وهو أنسبُ بقولِه تعالى: تُسَمَّى). ((تفسير ابن عاشور)) (29/367). وقال أبو حيان: (والظَّاهرُ أنَّ هذه العينَ تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا بمعنى تُوصَفُ بأنَّها سلسلةٌ في الاتساعِ، سهلةٌ في المذاقِ، ولا يُحمَلُ سلسبيل على أنَّه اسمٌ حقيقةً؛ لأنَّه إذ ذاك كان ممنوعَ الصَّرفِ؛ للتأنيثِ والعلميَّةِ). ((تفسير أبي حيان)) (10/365). ويُنظر: ((معاني القرآن)) للفراء (3/217)، ((معاني القرآن وإعرابه)) للزجاج (5/261)، ((تفسير ابن عطية)) (5/413). .

المعنى الإجمالي:

يقولُ تعالى مفصِّلًا نعيمَ أهلِ الجنَّةِ: مُتَّكِئينَ في راحةٍ ورَفاهيَةٍ على السُّررِ المُغَطَّاةِ بقُبَّةٍ مِن الثِّيابِ الفاخِرةِ، لا يَرونَ في الجنَّةِ شَمْسًا ولا بَرْدًا شَديدًا، وقَريبةً منهم ظِلالُ أشجارِ الجَنَّةِ، وسُهِّلَ لهم قَطْفُ ثمارِها تذليلًا، ويُطافُ عليهم بآنيةٍ مِن فِضَّةٍ، وأكوابٍ صافيةٍ شفَّافةٍ كالزُّجاجِ، وتلك الأكوابُ مِن فِضَّةٍ، وقد قَدَّروا الأكوابَ على قَدْرِ كِفايتِهم، فلا تَزيدُ ولا تَنْقُصُ عن ذلك، ويُسقَون فيها خَمْرًا ممزوجةً بزَنجبيلٍ، الزَّنجَبيلُ مِن عَينٍ تُسمَّى سَلْسَبيلًا.

تفسير الآيات:

مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا (13).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
لَمَّا ذَكَر اللهُ تعالى طعامَهم ولِباسَهم؛ وصَفَ مَساكِنَهم [154] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (30/750). .
وأيضًا لَمَّا ذَكَر اللهُ تعالى أنَّه كفاهم المَخُوفَ، وحَبَاهم الجنَّةَ؛ أتْبَعَه حالَهم فيها وحالَها، فقال دالًّا على راحتِهم الدَّائِمةِ [155] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (21/142). :
مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ.
أي: مُتَّكِئينَ في راحةٍ وطُمَأنينةٍ ورَفاهيَةٍ على السُّررِ الَّتي أُرخِيَ عليها ما يَستُرُها ويُزَيِّنُها، فتَكونُ مُغَطَّاةً بقُبَّةٍ مِن الثِّيابِ الفاخِرةِ [156] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (23/551)، ((تفسير القرطبي)) (19/137)، ((تفسير ابن كثير)) (8/290)، ((تفسير الجاوي)) (2/587)، ((تفسير السعدي)) (ص: 901). قال ابن عاشور: (الاتِّكاءُ: جِلسةٌ بيْن الجُلوسِ والاضطجاعِ، يَستَنِدُ فيها الجالِسُ على مَرفِقِه وجَنْبِه، ويَمُدُّ رِجْليه، وهي جِلسةُ ارتياحٍ، وكانت مِن شِعارِ الملوكِ وأهلِ البَذخِ). ((تفسير ابن عاشور)) (29/388، 389). .
قال تعالى: إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ [المطففين: 22، 23].
لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا.
أي: لا يَرى الأبرارُ في الجنَّةِ شَمْسًا فيُؤذيَهم حَرُّها، ولا بَرْدًا شَديدًا [157] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (23/551، 552)، ((تفسير القرطبي)) (19/137)، ((تفسير ابن كثير)) (8/290)، ((تفسير السعدي)) (ص: 901). .
عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((اشتَكَت النَّارُ إلى رَبِّها، فقالت: يا رَبِّ، أكَلَ بَعْضي بَعْضًا، فأَذِنَ لها بنَفَسَينِ؛ نفَسٌ في الشِّتاءِ، ونفَسٌ في الصَّيفِ، فهو أشَدُّ ما تَجِدونَ مِنَ الحَرِّ، وأشَدُّ ما تَجِدونَ مِنَ الزَّمْهَريرِ)) [158] رواه البخاريُّ (3260)، ومسلمٌ (617) واللَّفظُ له. .
وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا (14).
وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا.
أي: وقَريبةً منهم ظِلالُ أشجارِ الجَنَّةِ [159] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (23/553)، ((تفسير القرطبي)) (19/138)، ((تفسير ابن كثير)) (8/291). قال القرطبيُّ: (قولُه تعالَى: وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا أيْ: ظِلُّ الأشْجارِ في الجنَّةِ قَريبةٌ مِن الأبرارِ، فهي مُظِلَّةٌ عليهم؛ زيادةً في نَعيمِهم، وإنْ كان لا شمسَ ولا قمرَ ثَمَّ، كما أنَّ أَمْشاطَهم الذَّهَبُ والفِضَّةُ، وإنْ كان لا وَسَخَ ولا شَعَثَ ثَمَّ). ((تفسير القرطبي)) (19/138). وقال الواحديُّ: (وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا قال مقاتلٌ: يعني: شجَرها قَرُبَتْ منهم). ((الوسيط)) (4/ 403). ويُنظر: ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (4/527). قال ابن كثير: (وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا أي: قريبةً إليهم أغصانُها). ((تفسير ابن كثير)) (8/291). ويُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/390). ويُنظر ما سيأتي (ص: 361، و366). .
وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا.
أي: وسُهِّلَ لهم قَطْفُ ثمارِها كيفَ شاؤُوا قُعودًا وقِيامًا ومُتَّكِئينَ [160] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (23/553)، ((المفردات)) للراغب (ص: 331)، ((تفسير القرطبي)) (19/139)، ((تفسير السعدي)) (ص: 901)، ((تفسير ابن عاشور)) (29/390). قال ابنُ جرير: (عن مجاهدٍ: قَولُه: وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا قال: إذا قام ارتفَعَت بقَدْرِه، وإن قَعَد تدَلَّت حتَّى يَنالَها، وإن اضطَجَع تدَلَّت حتَّى ينالَها، فذلك تَذليلُها). ((تفسير ابن جرير)) (23/ 554). وقال السعدي: (أي: قُرِّبَت ثَمَراتُها مِن مُريدِها تقريبًا، ينالُها وهو قائِمٌ أو قاعِدٌ أو مُضْطَجِعٌ). ((تفسير السعدي)) (ص: 901). .
وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآَنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَ (15).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
أنَّ اللهَ تعالى لَمَّا وَصَف طعامَهم ولِباسَهم ومَسْكَنَهم، وصَفَ بعد ذلك شَرابَهم، وقدَّمَ عليه وَصْفَ تلك الأواني الَّتي فيها يَشرَبونَ [161] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (30/750). .
وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآَنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَ (15).
أي: ويُطافُ على هؤلاءِ الأبرارِ بآنيةٍ مِن فِضَّةٍ، ويُطافُ عليهم بأكوابٍ عَظيمةٍ لا آذانَ لها ولا خَراطيمَ، صافيةٍ شفَّافةٍ كالزُّجاجِ [162] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (23/554-556)، ((تفسير الزمخشري)) (4/671)، ((تفسير القرطبي)) (19/140)، ((حادي الأرواح)) لابن القيم (ص: 194)، ((تفسير ابن كثير)) (8/ 291)، ((تفسير السعدي)) (ص: 901)، ((تفسير ابن عاشور)) (29/393). قيل: الضَّميرُ في كَانَتْ قَوَارِيرَ يعودُ إلى الأواني والأكوابِ. وممَّن ذهب إليه: ابنُ جرير، ومكِّي. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (23/556)، ((الهداية إلى بلوغ النهاية)) لمكي (12/7926). وقيل: الضَّميرُ يعودُ إلى الأكوابِ فقط. وممَّن ذهب إليه: الواحديُّ، وابنُ الجوزي، والبِقاعي، وأبو السعود، والألوسي. يُنظر: ((الوسيط)) للواحدي (4/403)، ((تفسير ابن الجوزي)) (4/378)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (21/145)، ((تفسير أبي السعود)) (9/74)، ((تفسير الألوسي)) (15/176). قال ابنُ جرير: (قَولُه: كَانَتْ قَوَارِيرَ يقولُ: كانت هذه الأواني والأكوابُ قواريرَ، فحَوَّلها اللهُ فِضَّةً. وقيل: إنَّما قيل: وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآَنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ؛ لِيَدُلَّ بذلك على أنَّ أرضَ الجنَّةِ فِضَّةٌ؛ لأنَّ كُلَّ آنيةٍ تُتَّخَذُ فإنَّما تُتَّخَذُ مِن تُربةِ الأرضِ الَّتي فيها، فدَلَّ جَلَّ ثناؤه بوَصْفِه الآنيةَ الَّتي يُطافُ بها على أهلِ الجنَّةِ أنَّها مِن فِضَّةٍ؛ لِيُعلِمَ عِبادَه أنَّ تُربةَ أرضِ الجنَّةِ فِضَّةٌ). ((تفسير ابن جرير)) (23/556). وقال البِقاعي: (لَمَّا جَمَع الآنيةَ خَصَّ فقال: وَأَكْوَابٍ جمعُ كُوبٍ، وهو كُوزٌ لا عُروةَ له، فيَسهُلُ الشُّربُ منه مِن كُلِّ مَوضِعٍ، فلا يحتاجُ عندَ التَّناوُلِ إلى إدارةٍ. كَانَتْ أي: تلك الأكوابُ كَونًا هو مِن جِبِلَّتِها قَوَارِيرَ أي: كانت بصِفةِ القواريرِ مِنَ الصَّفاءِ والرِّقَّةِ والشُّفوفِ، والإشراقِ والزَّهارةِ، جمعُ قارورةٍ، وهي: ما قَرَّ فيه الشَّرابُ ونَحْوُه مِن كُلِّ إناءٍ رقيقٍ صافٍ. وقيل: هو خاصٌّ بالزُّجاجِ). ((نظم الدرر)) (21/145). .
قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا (16).
قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ.
أي: تلك الأكوابُ الَّتي في صَفاءِ الزُّجاجِ وشَفافيَتِه هي مِن فِضَّةٍ [163] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (23/556، 557)، ((تفسير ابن كثير)) (8/291)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (21/145)، ((تفسير السعدي)) (ص: 902). قال ابنُ القيِّم: (القواريرُ هي الزُّجاجُ، فأخبَرَ سُبحانَه وتعالى عن مادَّةِ تلك الآنيةِ أنَّها مِن الفِضَّةِ، وأنَّها بصَفاءِ الزُّجاجِ وشَفافيتِه، وهذا مِن أحسَنِ الأشياءِ وأعجَبِها، وقَطَع سُبحانَه توَهُّمَ كَونِ تلك القواريرِ مِن زُجاجٍ، فقال: قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ، قال مجاهِدٌ، وقَتادةُ، ومُقاتِلٌ، والكَلْبيُّ، والشَّعْبيُّ: قواريرُ الجنَّةِ مِن الفِضَّةِ، فاجتَمَع لها بياضُ الفِضَّةِ، وصَفاءُ القواريرِ). ((حادي الأرواح)) (ص: 194). ويُنظر: ((الوسيط)) للواحدي (4/403). قال السعدي: (وهذا مِن أعجَبِ الأشياءِ؛ أن تكونَ الفِضَّةُ الكثيفةُ مِن صَفاءِ جَوهرِها وطِيبِ مَعدِنِها على صفاءِ القواريرِ!). ((تفسير السعدي)) (ص: 902). وقال ابنُ كثير: (وهذا ممَّا لا نظيرَ له في الدُّنيا). ((تفسير ابن كثير)) (8/291). .
قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا.
أي: قَدَّروا [164] قال ابنُ عطية: (قَولُه تعالى: قَدَّرُوهَا يحتَمِلُ أن يكونَ الضَّميرُ للملائكةِ، ويحتَمِلُ أن يكونَ للطَّائِفينَ، ويحتَمِلُ أن يكون للمُنعَّمِينَ). ((تفسير ابن عطية)) (5/412). ويُنظر: ((حادي الأرواح)) لابن القيم (ص: 194، 195). وقال السعدي: (ويحتَمِلُ أنَّ المرادَ: قَدَّرَها أهلُ الجنَّةِ بنُفوسِهم بمِقدارٍ يُوافِقُ لَذَّاتِهم، فأتَتْهم على ما قَدَّروا في خواطِرِهم). ((تفسير السعدي)) (ص: 902). الأكوابَ على قَدْرِ كِفايتِهم، فلا تَزيدُ ولا تَنْقُصُ عن ذلك [165] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (23/557، 559)، ((تفسير القرطبي)) (19/141)، ((حادي الأرواح)) لابن القيم (ص: 194)، ((تفسير ابن كثير)) (8/291). !
وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلًا (17).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
أنَّ اللهَ تعالى لَمَّا وصَف أوانيَ مَشروبِهم؛ ذكَرَ بعدَ ذلك وَصْفَ مَشروبِهم [166] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (30/752). ، فأتْبَعَ وَصْفَ الآنيةِ ومحاسِنِها، بوَصفِ الشَّرابِ الَّذي يحويه وطِيبِه [167] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/394). .
وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلًا (17).
أي: ويُسقَى الأبرارُ فيها [168] قال البِقاعي: (فِيهَا أي: الجنَّةِ، أو تلك الأكوابِ). ((نظم الدرر)) (21/146). وممَّن قال بأنَّ الضَّميرَ يعودُ إلى الجنَّةِ: ابنُ جرير، ومكِّيٌّ، والبغوي، وابن الجوزي، والرَّسْعَني، والنسفي، والخازن، والسعدي. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (23/560)، ((الهداية إلى بلوغ النهاية)) لمكي (12/7928)، ((تفسير البغوي)) (5/193)، ((تفسير ابن الجوزي)) (4/379)، ((تفسير الرسعني)) (8/417)، ((تفسير النسفي)) (3/580)، ((تفسير الخازن)) (4/379)، ((تفسير السعدي)) (ص: 902). وممَّن قال بأنَّ الضَّميرَ يعودُ إلى الأكوابِ: ابنُ كثير. يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (8/291). كأسَ خَمْرٍ ممزوجةٍ بزَنجبيلٍ [169] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (23/560)، ((تفسير القرطبي)) (19/141)، ((حادي الأرواح)) لابن القيم (ص: 195)، ((تفسير ابن كثير)) (8/291)، ((تفسير السعدي)) (ص: 902). قال ابنُ القيِّم: (أخبَرَ سُبحانَه عن مِزاجِ شَرابِهم بشَيئَينِ: بالكافُورِ في أوَّلِ السُّورةِ، والزَّنجبيلِ في آخرِها؛ فإنَّ في الكافورِ مِنَ البَرْدِ وطِيبِ الرَّائِحةِ، وفي الزَّنجبيلِ مِنَ الحَرارةِ وطِيبِ الرَّائِحةِ: ما يُحدِثُ لهم باجتماعِ الشَّرابَينِ حالةً أخرى أكمَلَ وأطيَبَ وألَذَّ مِن كُلٍّ منهما بانفرادِه... وما ألطَفَ مَوقِعَ ذِكرِ الكافورِ في أوَّلِ السُّورةِ، والزَّنجبيلِ في آخِرِها! فإنَّ شَرابَهم مُزِجَ أوَّلًا بالكافورِ، وفيه مِنَ البَردِ ما يجيءُ الزَّنجبيلُ بَعْدَه فيَعدِلُه، والظَّاهِرُ أنَّ الكأسَ الثَّانيةَ غيرُ الأُولى، وأنَّهما نَوعانِ لَذيذانِ مِنَ الشَّرابِ، أحَدُهما مُزِجَ بكافورٍ، والثَّاني مُزِجَ بزَنجبيلٍ). ((حادي الأرواح)) (ص: 185). وقال ابنُ كثير: (فتارةً يُمزَجُ لهم الشَّرابُ بالكافُورِ، وهو بارِدٌ، وتارةً بالزَّنجبيلِ، وهو حارٌّ؛ ليَعتَدِلَ الأمرُ، وهؤلاء يُمزَجُ لهم مِن هذا تارةً، ومِن هذا تارةً، وأمَّا المقَرَّبون فإنَّهم يَشرَبونَ مِن كلٍّ منهما صِرْفًا، كما قاله قَتادةُ وغيرُ واحدٍ). ((تفسير ابن كثير)) (8/291، 292). !
عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا (18).
أي: الزَّنجَبيلُ مِن عَينٍ تُسمَّى سَلْسَبيلًا [170] يُنظر: ((الوسيط)) للواحدي (4/403)، ((تفسير القرطبي)) (19/142)، ((تفسير ابن كثير)) (8/292)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (21/146)، ((تفسير ابن عاشور)) (29/395). قال ابنُ كثير: (قال مجاهِدٌ: سُمِّيَت بذلك؛ لسَلاسةِ سَيْلِها، وحِدَّةِ جَريِها. وقال قَتادةُ: عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا: عَينٌ سَلِسةٌ مُستَقِيدٌ ماؤُها. وحكى ابنُ جريرٍ عن بعضِهم أنَّها سُمِّيَت بذلك لسَلاستِها في الحَلْقِ، واختار هو أنَّها تعُمُّ ذلك كُلَّه، وهو كما قال). ((تفسير ابن كثير)) (8/292). ويُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (23/564)، ((تفسير الماوردي)) (6/171). .
عن ثَوْبانَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((سألَ حَبرٌ مِن أحبارِ اليَهودِ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن تُحفةِ [171] التُّحفةُ: ما يُتحَفُ به الإنسانُ مِن الفواكِهِ والطُّرَفِ؛ مُحاسَنةً ومُلاطَفةً. يُنظر: ((المفهم لما أَشْكَل من تلخيص كتاب مسلم)) لأبي العباس القرطبي (1/574). أهلِ الجنَّةِ حينَ يَدْخُلونَها؟ قال: زيادةُ كَبِدِ النُّونِ، قال: فما غِذاؤُهم على إِثْرِها؟ قال: يُنحَرُ لهم ثَورُ الجنَّةِ الَّذي كان يأكُلُ مِن أطرافِها، قال: فما شَرابُهم عليه؟ قال: مِن عَينٍ فيها تُسَمَّى سَلْسَبيلًا. قال: صَدَقْتَ )) [172] رواه مسلم (315). .

الفوائد التربوية:

في قَولِه تعالى: قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا توجيهٌ إلى حُسْنِ الصُّنعِ في التَّسويةِ في التَّقديرِ والمقاساتِ [173] يُنظر: ((تتمة أضواء البيان)) لعطية سالم (8/396). .

الفوائد العلمية واللطائف:

1- قال تعالى: وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا في قَولِه: ظِلَالُهَا سؤالٌ: كيف قال سُبحانَه في صِفةِ أهلِ الجنَّةِ ذلك، والظِّلُّ إنَّما يكونُ لِما يقَعُ عليه الشَّمسُ، ولا شَمسَ في الجنَّةِ؛ لِقَولِه تعالى: لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا؟!
الجوابُ عن ذلك مِن أوجُهٍ:
الأوَّلُ: أنَّ الظِّلالَ في الجنَّةِ عبارةٌ عن تكاثُفِ الأشجارِ وجَودةِ المباني، وإلَّا فلا شَمسَ تُؤذي هنالك حتَّى يكونَ ظِلٌّ يُجيرُ مِن حَرِّها [174] يُنظر: ((تفسير ابن عطية)) (5/421). .
الثَّاني: أنَّ المرادَ بالظِّلالِ نَعيمُها وراحتُها، ومنه قَولُهم: عَيشٌ ظَليلٌ [175] يُنظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (6/326). .
الثَّالثُ: قيل: ظِلُّ أشجارِ الجنَّةِ مِن نُورِ قناديلِ العَرشِ -أو مِن نُورِ العَرشِ-؛ لِئلَّا تَبهَرَ أبصارَهم؛ فإنَّه أعظَمُ مِن نورِ الشَّمسِ [176] يُنظر: ((فتح الرحمن)) للأنصاري (ص: 474). ، وقيل غيرُ ذلك [177] قال الرازي: (الظِّلُّ إنَّما يوجَدُ حيثُ توجَدُ الشَّمسُ، فإن كان لا شمسَ في الجنَّةِ فكيف يحصُلُ الظِّلُّ هناك؟ والجوابُ: أنَّ المرادَ أنَّ أشجارَ الجنَّةِ تكونُ بحيثُ لو كان هناك شمسٌ لَكانت تلك الأشجارُ مُظَلِّلةً منها). ((تفسير الرازي)) (30/750). وقال ابن القيِّم: (وقد أخبَر سُبحانَه أنَّ في الجنَّةِ ظِلالًا، والظِّلالُ لا بُدَّ أن تَفيءَ ممَّا يُقابِلُها، فقال: هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ [يس: 56] ، وقال: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ [المرسلات: 41] ، وقال: وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا [النساء: 57] ). ثمَّ ذكَر ما خلاصتُه أنَّ هذه الظِّلالَ وغيرَها مما في الجنَّة -كالطَّعامِ والحلوَى- تَستدعي أسبابًا تتِمُّ بها، واللهُ سُبحانَه خالقُ السَّببِ والمُسَبَّبِ، وهو رَبُّ كلِّ شيءٍ ومَليكُه، لا إلهَ إلَّا هو، وقد جعَل سُبحانَه لأهل الجنَّةِ أسبابًا، وهو الخالقُ بالأسبابِ والحِكَمِ ما يَخلُقُه في الدُّنيا والآخرةِ، والأسبابُ مظهرُ أفعالِه وحِكمتِه، ولكنَّها تختلِفُ، ولهذا يقعُ التَّعجُّبُ مِن العبدِ لورودِ أفعالِه سبحانَه على أسبابٍ غيرِ الأسبابِ المعهودةِ المألوفةِ، ولَيست قُدرتُه سُبحانَه وتعالى مُقصِّرةً عن أسبابٍ أُخَرَ ومُسَبَّباتٍ يُنشئُها منها، كما لا تَقصُرُ قُدرتُه في هذا العالَمِ المشهودِ عن أسبابِه ومُسَبَّباتِه، وليس هذا بأهْوَنَ عليه مِن ذلك. يُنظر: ((حادي الأرواح)) (ص: 191). .
2- في قَولِه تعالى: وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآَنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَ * قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ إلى قَولِه: عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ [الإنسان: 21] سؤالٌ: أنَّه لِمَ اقتصَرَ مِن آنيتِهم وحِلْيَتِهم على الفِضَّةِ دونَ الذَّهَبِ، ومعلومٌ أنَّ الجِنَانَ جَنَّتانِ مِن فِضَّةٍ آنيتُهما وحِلْيَتُهما وما فيهما، وجَنَّتانِ مِن ذَهَبٍ آنيتُهما وحِلْيَتُهما وما فيهما [178] يُنظر ما أخرجه البخاري (4878)، ومسلم (180) من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه. ؟
الجوابُ: أنَّ سياقَ هذه الآياتِ إنَّما هو في وصفِ الأبرارِ ونعيمِهم مُفَصَّلًا، دونَ تفصيلِ جزاءِ المقرَّبِينَ؛ فإنَّه سُبحانَه إنَّما أشار إليه إشارةً تُنَبِّهُ على ما سَكَتَ عنه، وهو أنَّ شَرابَ الأبرارِ يُمْزَجُ مِن شَرابِهم، فالسُّورةُ مَسُوقَةٌ بصفةِ الأبرارِ وجزائِهم على التَّفصيلِ؛ وذلك -واللهُ أعلَمُ- لأنَّهم أَعَمُّ مِن المقرَّبِينَ وأكثرُ منهم؛ ولهذا يُخبِرُ سُبحانَه عنهم بأنَّهم ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِنَ الْآَخِرِينَ [الواقعة: 39-40] ، وعنِ المقرَّبِين السَّابقينَ بأنَّهم ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِنَ الْآَخِرِينَ [الواقعة: 13-14] ، وأيضًا فإنَّ في ذِكْرِ جزاءِ الأبرارِ تنبيهًا على أنَّ جزاءَ المقرَّبِينَ ما لا عَينٌ رأتْ، ولا أُذُنٌ سَمِعَتْ، ولا خَطَرَ على قَلبِ بَشَرٍ [179] يُنظر: ((جامع الرسائل)) لابن تيمية (1/73). !
وقيل: لا مُنافاةَ بيْنَ الأمْرَينِ؛ فتارةً يُسقَوْن بهذا، وتارةً بذاك [180] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (30/751). . فوُصِفَت الآنيةُ هنا بأنَّها مِن فِضَّةٍ، أي: تَأتِيهم آنيتُهم مِن فِضَّةٍ في بعضِ الأوقاتِ، ومِن ذَهَبٍ في أوقاتٍ أُخرى، كما دلَّ عليه قولُه في سُورةِ (الزُّخرفِ): يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ [الزخرف: 71] ؛ لأنَّ للذَّهبِ حُسْنًا، وللفِضَّةِ حُسْنًا، فجُعِلَت آنيتُهم مِن المَعدِنَينِ النَّفيسَينِ؛ لئلَّا يَفوتَهم ما في كلٍّ مِن الحُسنِ والجَمالِ، أو يُطافُ عليهم بآنيةٍ مِن فِضَّةٍ وآنيةٍ مِن ذهَبٍ مُتنوِّعةٍ مُتزاوِجةٍ؛ لأنَّ ذلك أبهَجُ مَنظَرًا، مِثلَ ما قال مرَّةً: وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ [الإنسان: 21] ، ومرَّةً يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ [الكهف: 31] ؛ وذلك لإدخالِ المَسَرَّةِ على أنفُسِهم بحُسنِ المَناظِرِ؛ فإنَّهم كانوا يَتمَنَّونَها في الدُّنيا لعِزَّةِ وُجودِها أو وُجودِ الكثيرِ منها [181] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/392). .
3- قَولُ اللهِ تعالى: وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَ * قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ فيه سؤالٌ: كيف تكونُ هذه الأكوابُ مِن فِضَّةٍ، ومِن قواريرَ؟
الجوابُ مِن وُجوهٍ:
الوجهُ الأوَّلُ: أنَّ أصلَ القواريرِ في الدُّنيا الرَّملُ، وأصلُ قواريرِ الجنَّةِ هو فِضَّةُ الجنَّةِ، فكما أنَّ اللهَ تعالى قادِرٌ على أن يَقلِبَ الرَّملَ الكثيفَ زجاجةً صافيةً، فكذلك هو قادِرٌ على أن يَقلِبَ فِضَّةَ الجنَّةِ قارورةً لطيفةً، فالغَرَضُ مِن ذِكرِ هذه الآيةِ التَّنبيهُ على أنَّ نِسبةَ قارورةِ الجنَّةِ إلى قارورةِ الدُّنيا كنِسبةِ فِضَّةِ الجنَّةِ إلى رملِ الدُّنيا، فكما أنَّه لا نِسبةَ بيْن هذَينِ الأصلَينِ، فكذا بيْن القارورتَينِ في الصَّفاءِ واللَّطافةِ.
الوجهُ الثَّاني: قال ابنُ عبَّاسٍ رضيَ الله عنهما: (ليس في الدُّنيا شيءٌ ممَّا في الجنَّةِ إلَّا الأسماءُ) [182] أخرجه هناد في ((الزهد)) (8) وابن جرير في ((تفسيره)) (1/416)، وابن أبي حاتم في ((تفسيره)) (260) وأبو نعيم في ((صفة الجنة)) (124) والبيهقي في ((البعث والنشور)) (332). قال ابن تيمية في ((مجموع الفتاوى)) (5/115): (ثابت)، وصححه الألباني في ((صحيح الترغيب)) (3769)، وقال المنذري في ((الترغيب والترهيب)) (4/408): (إسناده جيد). ، وإذا كان كذلك فكمالُ الفِضَّةِ في بقائِها ونقائِها وشَرَفِها، إلَّا أنَّه كثيفُ الجوهَرِ، وكمالُ القارورةِ في شفافيتِها وصفائِها، إلَّا أنَّه سريعُ الانكسارِ؛ فآنيةُ الجنَّةِ آنيةٌ يَحصُلُ فيها مِن الفِضَّةِ بقاؤُها ونقاؤُها وشَرَفُ جوهرِها، ومِن القارورةِ صفاؤُها وشفافيتُها.
الوَجهُ الثَّالثُ: أنَّها تكونُ فِضَّةً، ولكِنْ لها صفاءُ القارورةِ، ولا يُستبعَدُ مِن قدرةِ اللهِ تعالى الجَمعُ بيْن هذينِ الوصفَينِ.
الوَجهُ الرَّابعُ: أنَّ المرادَ بالقواريرِ في الآيةِ ليس هو الزُّجاجَ؛ فإنَّ العَرَبَ تسَمِّي ما استدار مِن الأواني الَّتي تُجعَلُ فيها الأشرِبةُ ورَقَّ وصَفَا: (قارورةً)، فمعنى الآيةِ: وأكوابٍ مِن فِضَّةٍ، مُستديرةٍ صافيةٍ رقيقةٍ [183] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (30/751). .
4- في قَولِه تعالى: وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلًا أَخْبَرَ سُبحانَه عن العَينِ الَّتي يَشْرَبُ بها المقرَّبون صِرْفًا أنَّ شَرابَ الأبرارِ يُمْزَجُ منها؛ لأنَّ أولئك أَخْلَصوا الأعمالَ كلَّها للهِ، فأُخْلِصَ شَرابُهم، وهؤلاء مَزَجُوا، فمُزِجَ شَرابُهم [184] يُنظر: ((حادي الأرواح)) لابن القيم (ص: 184). .

بلاغة الآيات:

1- قولُه تعالَى: مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا المرادُ بالشَّمسِ حَرُّ أشعَّتِها؛ فنَفْيُ رُؤيةِ الشَّمسِ في قولِه: لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا كِنايةٌ عن نفْيِ وُجودِ الشَّمسِ الَّذي يَلزَمُه انتفاءُ حَرِّ شُعاعِها، فهو مِن الكِنايةِ التَّلويحيَّةِ [185] تَنقسِمُ الكِنايةُ باعتبارِ الوسائطِ (اللَّوازمِ) والسِّياقِ إلى أربعةِ أقسامٍ: تعريض، وتلويح، ورمْز، وإيماء؛ فالتَّعريضُ اصطِلاحًا: هو أنْ يُطلَقَ الكلامُ ويُشارَ به إلى معنًى آخَرَ يُفهَمُ مِن السِّياقِ. والتَّلويحُ اصطِلاحًا: هو الَّذي كثُرَتْ وسائطُه بلا تَعريضٍ، ويُنتقَلُ فيه إلى الملزومِ بواسِطةِ لَوازِمَ؛ نحو قولِ المرأةِ في حديثِ أمِّ زَرْعٍ: (زَوجي رفيعُ العِمادِ، طويلُ النِّجادِ، عظيمُ الرَّمادِ)، فقولُها: (عظيمُ الرَّمادِ) يدُلُّ على كثرةِ الجَمرِ، وهي على كثرةِ إحراقِ الحطَبِ، وهي على كثرةِ الطَّبائخِ، وهي على كثرةِ الأكَلةِ، وهي على كثرةِ الضِّيفانِ، وهي على أنَّه مِضْيافٌ؛ فانتقَل الفِكرُ إلى جملةِ وسائطَ. والرَّمزُ اصطلاحًا:  هو الذي قلَّت وسائطُه، معَ خفاءِ في اللُّزومِ بلا تعريضٍ نحو: فلانٌ عريضُ القفا، أو عريضُ الوسادةِ؛ كناية عن بلادتِه وبلاهتِه. والإيماءُ أو الإشارةُ اصطلاحًا: هو الذي قلَّت وسائطُه، معَ وضوحِ اللُّزومِ، بلا تعريضٍ. يُنظر: ((مفتاح العلوم)) للسكاكي (ص: 402 وما بعدها)، ((التبيان في البيان)) للطِّيبي (145 - 155)، ((البرهان في علوم القرآن)) للزركشي (2/300)، ((جواهر البلاغة)) للهاشمي (ص: 286 - 290). . أو المرادُ بالشَّمسِ حَقيقتُها، وبالزَّمهريرِ البَردُ؛ ففي الآيةِ احتِباكٌ [186] الاحْتِبَاك: هو الحذفُ مِن الأوائلِ لِدَلالةِ الأواخِرِ، والحذفُ مِن الأواخِرِ لدَلالةِ الأوائلِ، إذا اجتمَع الحذفانِ معًا، وله في القرآنِ نظائرُ، وهو مِن إبداعاتِ القُرآنِ وعناصِرِ إعجازِه، وهو مِن ألْطَفِ الأنواعِ. يُنظر: ((الإتقان)) للسيوطي (3/204)، ((البلاغة العربية)) لعبد الرحمن حَبَنَّكَة الميداني (1/347). ، والتَّقديرُ: لا يَرَون فيها شَمسًا ولا قمَرًا، ولا حَرًّا ولا زَمهريرًا، والمعْنى أنَّ نُورَها مُعتدِلٌ، وهواءَها مُعتدِلٌ [187] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/389، 390). .
2- قولُه تعالَى: وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا
- قولُه: وَدَانِيَةً عطْفٌ على ما قبْلَها، حالٌ مِثلُها، ودَخَلَت الواوُ للدَّلالةِ على أنَّ الأمْرَينِ مُجتمِعانِ لهم، كأنَّه قِيل: وجَزاهم جَنَّةً جامِعينَ فيها بيْنَ البُعدِ عن الحرِّ والقَرِّ ودُنوِّ الظِّلالِ عليهم. أو صِفةٌ لمَحذوفٍ مَعطوفٍ على جَنَّةً، أي: وجَنَّةً أُخرى دانِيةً عليهم ظِلالُها، على أنَّهم وُعِدوا جَنَّتينِ، كما في قولِه تعالَى: وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ [188] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/671)، ((تفسير البيضاوي)) (5/271)، ((تفسير أبي حيان)) (10/362)، ((تفسير أبي السعود)) (9/73)، ((تفسير ابن عاشور)) (29/390)، ((إعراب القرآن وبيانه)) لدرويش (10/322). [الرحمن: 46].
- وإنَّما قِيل: وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ، ولم يُقَلْ: منْهم؛ لأنَّ الظِّلالَ عاليةٌ عليهم [189] يُنظر: ((حاشية الطيبي على الكشاف)) (16/196). .
- ودُنوُّ الظِّلالِ قُرْبُها مِن أهْلِ الجنَّةِ، وإذْ لم يُعهَدْ وَصْفُ الظِّلِّ بالقُربِ فقد قيل: يَظهَرُ أنَّ دُنوَّ الظِّلالِ كِنايةٌ عن تَدلِّي الأدواحِ [190] الدَّوْحَة: الشَّجَرةُ العظيمةُ ذاتُ الفُروعِ المُمتدَّةِ مِن أيِّ الشَّجرِ كانت، جمعُها دَوْحٌ، وأدْواحٌ جمْعُ الجمعِ. يُنظر: ((تاج العروس)) للزَّبِيدي (6/365). الَّتي مِن شَأنِها أنَّ تُظلِّلَ الجَنَّاتِ في مُعتادِ الدُّنيا، ولكنَّ الجنَّةَ لا شَمسَ فيها فيُستظَلَّ مِن حَرِّها؛ فتَعيَّنَ أنَّ تَركيبَ (دَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا) مَثَلٌ يُطلَقُ على تَدلِّي أفنانِ الجنَّةِ؛ لأنَّ الظِّلَّ المُظلِّلَ للشَّخصِ لا يَتفاوَتُ بدُنوٍّ ولا بُعدٍ [191] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/390). .
- وجُملةُ وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا أي: سُخِّرَت لهم قُطوفُ تلك الأدْواحِ وسُهِّلَت لهم بحيثُ لا الْتواءَ فيها ولا صَلابةَ تُتعِبُ قاطِفَها، ولا يَتمطَّونَ إليها، بلْ يَجْتنُونَها بأسهلِ تَناوُلٍ، فعُبِّرَ عن التَّيسيرِ بالتَّذليلِ. وتَذْلِيلًا مَصدرٌ مُؤكِّدٌ لذلك، أي: تَذليلًا شَديدًا مُنتهِيًا [192] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/390). .
3- قولُه تعالَى: وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآَنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَ * قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا
- قولُه: وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآَنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَ عطْفٌ على جُملةِ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ ... [الإنسان: 5] إلخ، كما اقتضاهُ التَّناسُبُ بيْن جُملةِ يَشْرَبُونَ، وجُملةِ (يُطَافُ عَلَيْهِمْ) في الفِعليَّةِ والمُضارعيَّةِ، وذلك مِن أحسَنِ أحوالِ الوصْلِ، عاد الكلامُ إلى صِفةِ مَجالسِ شَرابِهم. وهذه الجُملةُ بَيانٌ لِما أُجمِلَ في جُملةِ إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ [الإنسان: 5] ، وإنَّما عُطِفَت عليها؛ لِما فيها مِن مُغايَرةٍ مع الجُملةِ المَعطوفِ عليها مِن صِفةِ آنيةِ الشَّرابِ، فلهذه المُناسَبةِ أُعقِبَ ذِكرُ مَجالسِ أهْلِ الجنَّةِ ومُتَّكآتِهم، بذِكرِ ما يَستتبِعُه ممَّا تَعارَفَه أهلُ الدُّنيا مِن أحوالِ أهلِ البَذَخِ والتَّرَفِ واللَّذَّاتِ بشُرْبِ الخمْرِ؛ إذ يُديرُ عليهم آنيةَ الخمْرِ سُقاةٌ [193] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/391). .
- قولُه: وَيُطَافُ لَمَّا كان الدَّوَرانُ بالآنيةِ متجدِّدًا، عُبِّر فيه بالمضارعِ [194] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (21/144). . وَيُطَافُ أي: يَطوفُ سُقاةٌ، ذَكَرَه بالبِناءِ للمَفعولِ؛ لأنَّه لَمَّا كان الفاعلُ مَعروفًا لم تكُنْ حاجةٌ إلى ذِكرِ فاعلِ الطَّوافِ [195] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/391). . أو قالَه بالبِناءِ للمفعولِ، وبعْدُ قال: وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ [الإنسان: 19] بالبناءِ للفاعِلِ؛ لأنَّ المقصودَ في الأوَّلِ ما يُطافُ به لا الطَّائفونَ، بقَرينةِ قولِه: بِآَنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ، والمقصودَ في الثَّاني الطَّائفونَ، فذُكِرَ في كلٍّ منْهما ما يُناسِبُه [196] يُنظر: ((درة التنزيل وغرة التأويل)) للإسكافي (ص: 1315-1318)، ((أسرار التكرار في القرآن)) للكرماني (ص: 244)، ((ملاك التأويل)) لأبي جعفر الغرناطي (2/497)، ((بصائر ذوي التمييز)) للفيروزابادي (1/494)، ((فتح الرحمن)) للأنصاري (ص: 591). .
- وعطْفُ (أكوابٍ) على (آنيةٍ) مِن عطْفِ الخاصِّ على العامِّ [197] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/392). .
- قيل: أُوثِرَ ذِكرُ آنيةِ الفِضَّةِ هنا؛ لمُناسَبةِ تَشبيهِها بالقَواريرِ في البَياضِ [198] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/392). .
- قولُه: كَانَتْ قَوَارِيرَ * قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ أي: شَبيهةٌ بالقَواريرِ في صَفاءِ اللَّونِ والرِّقَّةِ، حتَّى كأنَّها تَشِفُّ عمَّا فيها. وفِعلُ كَانَتْ هنا تَشبيهٌ بَليغٌ، والمعْنى: أنَّها مِثلُ القواريرِ في شَفيفِها، وقَرينةُ ذلك قولُه: مِنْ فِضَّةٍ، أي: هي مِن جِنسِ الفِضَّةِ في لَونِ القَواريرِ [199] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/392، 393). .
- ووَصْفُ الأكْوابِ بفِعلِ كَانَتْ قَوَارِيرَ هو مِن قَبيلِ الفِعلِ «يكونُ» في قولِه: كُنْ فَيَكُونُ [البقرة: 117] ، أي: تَكوَّنَت قَواريرَ بتَكوينِ اللهِ؛ تَفخيمًا لتلك الخِلقةِ العَجيبةِ الشَّأنِ، الجامعةِ بيْن صِفتَيِ الجَوهرينِ المُتباينَينِ [200] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/671)، ((تفسير أبي حيان)) (10/363)، ((تفسير أبي السعود)) (9/74). .
- ولَفظُ قَوَارِيرَ الثَّاني يَجوزُ أنْ يكونَ تَأكيدًا لَفظيًّا لنَظيرِه؛ لزِيادةِ تَحقيقِ أنَّ لها رِقَّةَ الزُّجاجِ، فيَكونَ الوقفُ على قَوَارِيرَ الأوَّلِ، ويَجوزُ أنْ يكونَ تَكريرًا؛ لإفادةِ التَّصنيفِ؛ فإنَّ حُسنَ التَّنسيقِ في آنيةِ الشَّرابِ مِن مُكمِّلاتِ رَونقِ مَجلسِه، فيكونَ التَّكريرُ مِثلَ ما في قولِه تعالَى: وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا [الفجر: 22] ، وقولِ النَّاسِ: قَرأْتُ الكتابَ بابًا بابًا، فيَكونَ الوقفُ على قَوَارِيرَ الثَّاني [201] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/393). .
- قُرِئَ قَوَارِيرًا الأوَّلُ والثَّاني مُنوَّنَينِ، وتَنوينُ الأوَّلِ لمُراعاةِ الكلماتِ الواقعةِ في الفواصلِ السَّابقةِ واللَّاحقةِ مِن قولِه: كَافُورًا [الإنسان: 5] إلى قولِه: تَقْدِيرًا، وتَنوينُ الثَّاني للمُزاوَجةِ مع نَظيرِه، وقُرِئَ قَوَارِيرًا الأوَّلُ بالتَّنوينِ، ووُقِفَ عليه بالألِفِ، وهو جارٍ على التَّوجيهِ الأوَّلِ. وقُرِئَ قَوَارِيرَ الثَّاني بغَيرِ تَنوينٍ على الأصلِ، ولم تُراعَ المُزاوَجةُ، ووُقِفَ عليه بالسُّكونِ، وقُرِئَ بتَرْكِ التَّنوينِ فيهما؛ لمَنْعِ الصَّرفِ وعدَمِ مُراعاةِ الفواصلِ ولا المُزاوَجةِ [202] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/393). قرأ قَوَارِيرَ الأوَّلَ: نافعٌ وأبو جعفرٍ وابنُ كثيرٍ والكِسائيُّ وخلَفٌ وأبو بكرٍ بالتَّنوينِ بالألِفِ، وقرأها الباقونَ بدونِ تنوينٍ. وقرأ الثَّانيةَ: نافعٌ وأبو جعفرٍ والكِسائيُّ وأبو بكرٍ بالتَّنوينِ بالألِفِ، وقرأها الباقونَ بدونِ تنوينٍ. يُنظر: ((النشر في القراءات العشر)) لابن الجزري (2/395). .
- كَلمةُ تَقْدِيرًا في قولِه: قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا مَفعولٌ مُطلَقٌ مُؤكِّدٌ لعامِلِه؛ للدَّلالةِ على وَفاءِ التَّقديرِ، وعدَمِ تَجاوُزِه المطلوبَ، ولا تَقصيرِه عنه [203] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/394). .
4- قولُه تعالَى: وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلًا * عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا أُتبِعَ وَصْفُ الآنيةِ ومَحاسنِها بوَصْفِ الشَّرابِ الَّذي يَحْويه وطِيبِه؛ فالكأسُ كأسُ الخمْرِ، وهي مِن جُملةِ عُمومِ الآنيةِ المذكورةِ فيما تَقدَّمَ، ولا تُسمَّى آنيةُ الخمرِ كأْسًا إلَّا إذا كان فيها خمْرٌ، فكَونُ الخمْرِ فيها هو مُصحِّحٌ تَسميتَها كأْسًا؛ ولذلك حَسُنَ تَعديةُ فِعلِ السَّقيِ إلى الكأْسِ؛ لأنَّ مَفهومَ الكأسِ يَتقوَّمُ بما في الإناءِ مِن الخمْرِ [204] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/394، 395). .