المَطلَبُ الثَّاني: المقصودُ بالفاسِقِ المِلِّي
المرادُ بالفاسِقِ المِلِّي: الفاسِقُ من أهلِ القِبلةِ.
قال
ابنُ تيميَّةَ: (بتحَقُّقِ هذا المقامِ يزولُ الاشتباهُ في هذا الموضِعِ، ويُعلَمُ أنَّ في المُسلِمين قِسمًا ليس هو منافِقًا محْضًا في الدَّركِ الأسفَلِ مِنَ النَّارِ، وليس هو من المُؤمِنين الذين قيل فيهم:
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ [الحجرات:15] ، ولا من الذين قيل فيهم:
أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا [الأنفال:4] ، فلا هم منافقون، ولا هم من هؤلاء الصَّادقين المُؤمِنين حَقًّا، ولا من الذين يدخُلون الجنَّةَ بلا عِقابٍ، بل له طاعاتٌ ومعاصٍ، وحَسَناتٌ وسَيِّئاتٌ، ومعه من الإيمانِ ما لا يُخَلَّدُ معه في النَّارِ، وله من الكبائِرِ ما يستوجِبُ دخولَ النَّارِ. وهذا القِسمُ قد يُسَمِّيه بعضُ النَّاسِ: الفاسِقَ المِلِّي، وهذا مِمَّا تنازع النَّاسُ في اسمِه وحُكمِه، والخِلافُ فيه أوَّلُ خِلافٍ ظهر في الإسلامِ في مسائِلِ أُصولِ الدِّينِ)
[734] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) (7/478). .
وأهلُ السُّنَّة لا يُكَفِّرون هذا الصِّنف، ولا يحكُمونَ بخُلودِه في النَّارِ، بل يَرَون أنَّه تحت المشيئةِ، لكِنَّهم تنازَعوا في اسمِه، هل يُطلَقُ عليه مُؤمِنٌ أم لا؟
قال
ابنُ تيميَّةَ: (أمَّا أهلُ السُّنَّةِ والجَماعةِ، والصَّحابةُ والتَّابعون لهم بإحسانٍ، وسائِرُ طوائفِ المُسلِمين من أهلِ الحَديثِ والفُقَهاءِ وأهلِ الكَلامِ مِن مُرجِئةِ الفُقهاءِ والكَرَّاميَّة والكُلَّابية والأشعَرِيَّة والشِّيعة، مرجِئِهم وغيرِ مُرجِئِهم، فيقولون: إنَّ الشَّخصَ الواحِدَ قد يُعَذِّبُه اللهُ بالنَّارِ، ثمَّ يُدخِلُه الجنَّةَ، كما نطقت بذلك الأحاديثُ الصَّحيحةُ.
وهذا الشَّخصُ الذي له سَيِّئاتٌ عُذِّب بها، وله حسَناتٌ دَخَل بها الجنَّةَ، وله معصيةٌ وطاعةٌ باتِّفاقٍ، فإن هؤلاء الطَّوائِفَ لم يتنازَعوا في حُكمِه، لكِنْ تنازعوا في اسمِه، فقالت
المرجِئةُ جهميَّتُهم وغيرُ جَهميَّتِهم: هو مُؤمِنٌ كامِلُ الإيمانِ. وأهلُ السُّنَّةِ والجَماعةِ على أنَّه مُؤمِنٌ ناقِصُ الإيمانِ، ولولا ذلك لَمَّا عُذِّب، كما أنَّه ناقِصُ البِرِّ والتقوى باتِّفاقِ المُسلِمين.
وهل يُطلَقُ عليه اسمُ مُؤمِن؟ هذا فيه القولانِ، والصَّحيحُ التفصيلُ:
فإذا سُئِل عن أحكامِ الدُّنيا كعِتْقِه في الكَفَّارةِ، قيل: هو مُؤمِن، وكذلك إذا سُئِلَ عن دُخولِه في خطابِ المُؤمِنين.
وأمَّا إذا سُئِل عن حُكمِه في الآخرةِ، قيل: ليس هذا النوعُ من المُؤمِنين الموعودين بالجنَّةِ، بل معه إيمانٌ يمنعُه الخلودَ في النَّارِ، ويدخُلُ به الجنَّةَ بعد أن يُعَذَّبَ في النَّارِ، إنْ لم يغفِرِ اللهُ له ذنوبَه؛ ولهذا قال من قال: هو مُؤمِنٌ بإيمانِه، فاسِقٌ بكبيرتِه، أو مُؤمِنٌ ناقِصُ الإيمانِ.
والذين لا يُسَمُّونه مُؤمِنًا من أهلِ السُّنَّةِ ومن
المعتَزِلةِ يقولون: اسمُ الفُسوقِ ينافي اسمَ الإيمانِ؛ لِقَولِه:
بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ [الحجرات:11] ، وقَولِه:
أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا [السجدة:18] ، وقد قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ، وَقِتَالُهُ كُفْرٌ )) [735] أخرجه البخاري (48) ومسلم (64) مِن حديثِ عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه. [736] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) (7/354، 525). .
وقال
ابنُ تيميَّةَ أيضًا: (لا يَسلُبون الفاسِقَ المِلِّي اسمَ الإيمانِ بالكُلِّية، ولا يُخَلِّدونه في النَّارِ، كما تقولُه
المعتَزِلةُ، بل الفاسِقُ يدخُلُ في اسمِ الإيمانِ في مِثلِ قَولِه تعالى:
فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ [النساء:92] ، وقد لا يدخُلُ في اسمِ الإيمانِ المطلَقِ، كما في قَولِه تعالى:
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ [الأنفال:2] ، وقَولِه:
((لا يزني الزَّاني حينَ يَزْني وهو مؤمِنٌ، ولا يَسرِقُ السَّارِقُ حين يَسرِقُ وهو مؤمِنٌ، ولا يَشرَبُ الخَمْرَ حينَ يَشرَبُها وهو مؤمِنٌ، ولا ينهَبُ نُهبةً ذاتَ شَرَفٍ يرفَعُ النَّاسُ إليه فيها بأبصارِهم حينَ يَنتَهِبُها وهو مؤمِنٌ )) [737] أخرجه البخاري (5578)، ومسلم (57) باختِلافٍ يسيرٍ مِن حديثِ أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه. ، ويقولون: هو مُؤمِنٌ ناقِصُ الإيمانِ، أو مُؤمِنٌ بإيمانِه، فاسِقٌ بكبيرتِه، فلا يُعطى الاسمَ المطلَقَ، ولا يُسلَبُ مُطلَقَ الاسمِ)
[738] يُنظر: ((العقيدة الواسطية)) (ص: 114). .
وقال أيضًا: (ومن أتى الكبائِرَ؛ مِثلُ الزِّنا أو السَّرِقةِ أو شُربِ الخَمِر وغيرِ ذلك، فلا بُدَّ أن يذهَبَ ما في قَلْبِه من تلك الخشيةِ والخُشوعِ والنُّورِ، وإن بَقِيَ أصلُ التصديقِ في قَلْبِه، وهذا من الإيمانِ الذي يُنزَعُ منه عند فِعلِ الكبيرةِ، كما قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((لا يزني الزَّاني حينَ يَزْني وهو مؤمِنٌ، ولا يَسرِقُ السَّارِقُ حين يَسرِقُ وهو مؤمِنٌ)) [739] أخرجه البخاري (5578) ومسلم (57) مطولًا مِن حديثِ أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه. ، فإنَّ المَّتقين كما وصَفَهم اللهُ بقَولِه:
إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ [الأعراف:201] ، فإذا طاف بقُلوبِهم طائِفٌ من
الشَّيطانِ تذَكَّروا فيُبصِرون، قال سعيدُ بنُ جُبَيرٍ: هو الرَّجُلُ يَغضَبُ الغَضبةَ فيَذكُرُ اللهَ فيَكظِمُ الغَيظَ، وقال ليثٌ عن مجاهدٍ: هو الرَّجُلُ يَهُمُّ بالذَّنبِ فيَذكُرُ اللهَ فيَدَعُه
[740] يُنظر: ((تفسير البغوي)) (2/ 262). . والشَّهوةُ والغَضَبُ مبدأُ السيِّئاتِ، فإذا أبصر رجع، ثم قال:
وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ [الأعراف:202] أي: وإخوانُ الشَّياطينِ تمُدُّهم الشَّياطينُ في الغَيِّ ثمَّ لا يُقصِرون، قال
ابنُ عبَّاسٍ: لا الإنسُ تُقصِرُ عن السيِّئاتِ، ولا الشَّياطينُ تمسِكُ عنهم، فإذا لم يُبصِرْ بَقِيَ قَلْبُه في غَيٍّ، و
الشَّيطانُ يَمُدُّه في غَيِّه، وإن كان التصديقُ في قَلْبِه لم يُكَذِّبْ، فذلك النُّورُ والإبصارُ وتلك الخشيةُ والخَوفُ يَخرُجُ مِن قَلْبِه، وهذا كما أنَّ الإنسانَ يُغمِضُ عينيه فلا يرى شيئًا وإن لم يكُنْ أعمى، فكذلك القَلبُ بما يغشاه من رَيْنِ الذُّنوبِ لا يُبصِرُ الحَقَّ، وإن لم يكن أعمى كعَمى الكافِرِ، وهكذا جاء في الآثارِ... وفى حديثٍ عن أبي هُرَيرةَ مرفوعٍ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((إذا زنى الزَّاني خرج منه الإيمانُ كان كالظُّلَّةِ، فإذا انقطع رجع إليه الإيمانُ )) [741] أخرجه أبو داود (4690)، والترمذي معلَّقًا بعد حديث (2625)، وابن بطة في ((الإبانة الكبرى)) (976) واللَّفظُ له صحَّحه الحاكمُ في ((المستدرك)) (56) وقال: على شَرطِ الشَّيخينِ. وصحَّحه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (4690)، وقال الذهبي في ((الكبائر)) (164): على شرطِ البخاريِّ ومسلم. وصحَّح إسنادَه ابنُ حَجَر في ((فتح الباري)) (12/62)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (4690)، وجَوَّده العراقي في ((طرح التثريب)) (7/259). [742] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) (7/31-33). .
وقال أيضًا: (الإنسانُ لا يفعَلُ الحرامَ إلَّا لضَعفِ إيمانِه ومحَبَّتِه، وإذا فَعَل مكروهاتِ الحَقِّ فلضَعْفِ بُغضِها في قَلْبِه أو لقُوَّةِ محَبَّتِها التي تغلِبُ بُغضَها؛ فالإنسانُ لا يأتي شيئًا من المحَرَّمات كالفواحِشِ ما ظهر منها وما بطن، والإثمِ والبغيِ بغيرِ الحَقِّ، والشِّركِ باللهِ ما لم يُنَزِّلْ به سلطانًا، والقَولِ على اللهِ بغيرِ عِلمٍ، إلَّا لضَعفِ الإيمانِ في أصْلِه أو كمالِه، أو ضَعفِ العِلمِ والتصديقِ، وإمَّا ضَعفِ المحَبَّةِ والبُغضِ، لكِنْ إذا كان أصلُ الإيمانِ صحيحًا، وهو التصديقُ، فإنَّ هذه المحَرَّماتِ يفعَلُها المُؤمِنُ مع كراهتِه وبُغْضِه لها، فهو إذا فعَلَها لغَلَبةِ الشَّهوةِ عليه، فلا بُدَّ أن يكونَ مع فِعْلِها فيه بُغضٌ لها، وفيه خوفٌ مِن عقابِ اللهِ عليها، وفيه رَجاءٌ لأن يَخلُصَ مِن عِقابِها، إمَّا بتوبةٍ، وإمَّا حَسَناتٍ، وإمَّا عفوٍ، وإمَّا دون ذلك، وإلَّا فإذا لم يُبغِضْها، ولم يَخَفِ اللهَ فيها، ولم يَرْجُ رحمتَه، فهذا لا يكونُ مُؤمِنًا بحالٍ، بل هو كافِرٌ أو منافِقٌ)
[743] يُنظر: ((قاعدة في المحبة)) (ص104). .
وقال أيضًا: (وأيضًا فقد ثبت في الصَّحيحِ عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قال:
((من رأى منكم مُنكَرًا فلْيُغَيِّرْه بيَدِه، فإن لم يستَطِعْ فبلِسانِه، فإن لم يستَطِعْ فبقَلْبِه، وذلك أضعَفُ الإيمان )) [744] أخرجه مسلم (49) مِن حديثِ أبي سعيد الخدري رَضِيَ اللهُ عنه. ، وفي رواية:
((وليس وراءَ ذلك من الإيمانِ مِثقالُ حَبَّةِ خَردَلٍ)) [745] أخرجها مسلم (50) مطولاً باختلاف يسير مِن حديثِ عبد الله بن مسعود رَضِيَ اللهُ عنه. ، فهذا يُبَيِّن أنَّ القَلبَ إذا لم يكُنْ فيه بغضُ ما يَكرَهُه اللهُ من المنكَراتِ كان عادِمًا للإيمانِ، والبُغضُ والحُبُّ من أعمالِ القُلوبِ، ومن المعلومِ أن
إبليسَ ونحوَه يَعلَمون أنَّ اللهَ عزَّ وجَلَّ حَرَّم هذه الأمورَ، ولا يُبغِضونَها، بل يَدْعُون إلى ما حَرَّم اللهُ ورَسولُه)
[746] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) (7/557). .
وقال أيضًا: (فأمَّا إذا كان الفِعلُ مُستحَبًّا في العبادةِ لم يَنْفِها لانتفاءِ المستحَبِّ، فإنَّ هذا لو جاز لجاز أن ينفيَ عن جمهورِ المُؤمِنين اسمَ الإيمانِ والصَّلاةِ والزكاةِ والحَجِّ؛ لأنَّه ما من عَمَلٍ إلَّا وغيرُه أفضَلُ منه، وليس أحدٌ يفعَلُ أفعالَ البِرِّ مِثلَ ما فعَلَها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، بل ولا
أبو بكرٍ ولا عُمَرُ، فلو كان من لم يأتِ بكَمالِها المستحَبِّ يجوزُ نَفْيُها عنه؛ لجاز أن يُنفى عن جمهورِ المُسلِمين من الأوَّلِين والآخِرينَ! وهذا لا يقولُه عاقِلٌ، فمن قال: إنَّ المنفيَّ هو الكمالُ، فإن أراد أنَّه نفيُ الكمالِ الواجِبِ الذي يُذَمُّ تاركُه، ويتعَرَّضُ للعُقوبةِ؛ فقد صَدَق، وإن أراد أنَّه نَفيُ الكَمالِ المستحَبِّ فهذا لم يقَعْ قَطُّ في كلامِ اللهِ ورَسولِه، ولا يجوزُ أن يقَعَ، فإنَّ مَن فَعَل الواجِبَ كما وَجَب عليه، ولم ينتَقِصْ مِن واجِبِه شيئًا، لم يَجُزْ أن يقالَ: ما فَعَله لا حقيقةً ولا مجازًا، فإذا قال للأعرابيِّ المسيءِ في صلاتِه:
((ارجِعْ فصَلِّ؛ فإنَّك لم تُصَلِّ )) [747] أخرجه البخاري (757)، ومسلم (397) مطولاً من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. ، وقال لِمن صلَّى خَلْفَ الصِّفِّ، وقد أمره بالإعادةِ:
((لا صَلاةَ لفَذٍّ خَلْفَ الصَّفِّ)) [748] أخرجه أحمد (16297)، وابن خزيمة (1569)، وابن حبان (2203) مطولاً باختلاف يسير من حديث علي بن شيبان رضي الله عنه. ولفظ أحمد: ((فلا صلاة لفرد خلف الصف)) صححه ابن حبان، وحسنه الإمام أحمد كما في ((شرح الزركشي على مختصر الخرقي)) (2/110)، وصحح إسناده ابن القيم في ((أعلام الموقعين)) (2/259)، والبوصيري في ((إتحاف الخيرة المهرة)) (2/232)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (16297)، وحسنه ابن كثير في ((إرشاد الفقيه)) (1/176). وأخرجه ابن ماجه (1003)، وابن أبي شيبة (5938) مطولاً بنحوه ولفظ ابن ماجه: (فرأى رجلاً فرداً خلف الصف قال: فوقف عليه نبي الله صلى الله عليه وسلم حين انصرف قال: استقبل صلاتك لا صلاة للذي خلف الصف) صححه الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)) (1003)، وصحح إسناده البوصيري في ((مصباح الزجاجة)) (1/195)، وأحمد شاكر في تخريج ((المحلى)) (4/53)، وحسنه النووي في ((المجموع)) (4/298). كان لتَرْكِ واجِبٍ، وكذلك قَولُه تعالى:
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ [الحجرات: 15] يُبَيِّن أنَّ الجهادَ واجِبٌ، وتَرْكَ الارتيابِ واجِبٌ)
[749] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) (7/15). .
وقال
ابنُ القَيِّمِ: (فالإيمانُ المُطلَقُ لا يُطلَقُ إلَّا على الكامِلِ الكَمالَ المأمورَ به، ومُطلَقُ الإيمانِ يُطلَقُ على النَّاقِصِ والكامِلِ؛ ولهذا نفى النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الإيمانَ المطلَقَ عن الزَّاني وشارِبِ الخَمرِ والسَّارِقِ، ولم يَنْفِ عنه مُطلَقَ الإيمانِ، ... والمقصودُ: الفَرْقُ بين الإيمانِ المطلَقِ، ومُطلَقِ الإيمانِ؛ فالإيمانُ المطلَقُ يمنَعُ دُخولَ النَّارِ، ومُطلَقُ الإيمانِ يمنَعُ الخُلودَ فيها)
[750] يُنظر: ((بدائع الفوائد)) (4/1324- 1326). .
وقال
ابنُ عُثَيمين: (الفَرقُ بين مُطلَقِ الشَّيءِ، والشَّيءِ المطلَقِ: أنَّ الشَّيءَ المطلَقَ هو الشَّيءُ الكامِلُ، ومُطلَقُ الشَّيءِ يعني أصلَ الشَّيءِ، وإن كان ناقِصًا؛ فالفاسِقُ المِلِّي لا يُعطى الاسمَ المطلَقَ في الإيمانِ، وهو الاسمُ الكامِلُ، ولا يُسلَبُ مُطلَقَ الاسمِ، فلا نقولُ: ليس بمُؤمِنٍ، بل نقول: مُؤمِنٌ ناقِصُ الإيمانِ، أو مُؤمِنٌ بإيمانِه، فاسِقٌ بكبيرتِه، هذا هو مَذهَبُ أهلِ السُّنَّةِ والجَماعةِ، وهو المذهَبُ العَدلُ الوَسَطُ، وخالفهم في ذلك طوائِفُ:
المرِجئةُ يقولون: مُؤمِنٌ كامِلُ الإيمانِ، والخوارجُ يقولون: كافِرٌ، و
المعتزلةُ: في منزلةٍ بين المنزلتينِ)
[751] يُنظر: ((شرح الواسطية)) (2/ 244). .